خفايا الهبة السعودية للجيش اللبناني

خالد شبكشي

هبة سعودية للجيش اللبناني.. هذه باختصار البشارة التي زفّها الرئيس اللبناني الحالي ميشال سليمان لشعبه، في سياق الترويج لفكرة التمديد له. في 29 ديسمبر 2013، قطع الرئيس اللبناني موعداً كان قد حدّده لعقد مؤتمر صحافي شامل يستعرض فيه انجازات عهده الميمون والرد على أسئلة الصحافيين المحليين والاجانب حول لبنان ومستقبله والتحديات التي تواجهه. ولكنه فجأة تراجع عن المؤتمر وبدلاً من ذلك أعلن عن هبة هي عبارة عن «التزام السعودية تقديم مساعدات عسكرية إلى الجيش بقيمة ثلاثة مليارات دولار على ان يتم شراؤها من فرنسا، بغية تزويد الجيش بما يلزمه من أسلحة.

خضع الخبر لتفسيرات متعدّدة، وكل قرأه على طريقته، فحلفاء السعودية طاروا به في أرجاء لبنان شكراً وتقديراً، وقد ينالوا جزءاً من فسادها وعمولاتها غير القانونية، فيما حاول الرئيس سليمان تثميره في مشروع التمديد، فيما اعتبره فريق 8 آذار هبة ملغومة، يراد منها إحداث شقاق بين الجيش والمقاومة. أما الشعب اللبناني فلم يكن معنياً بالخبر الا بمقدار ما ينشره الاعلام اللبناني نفسه. أما الجيش فتعامل معها بجديّة وسافر قائده الى الرياض وباريس للتنسيق بخصوص الصفقة والاتفاق على نوع الاسلحة والمدد المحددة لإيصالها، خصوصاً وأن الجيش كان ولا يزال في أمس الحاجة لرفع مستوى قدراته القتالية والتسليحية في مرحلة بالغة الخطورة، لا سيما بعد أن أصبح الجيش هدفاً للجماعات الارهابية.

وثمة أسئلة غير معلنة عن الهبة كانت حبيسة الغرف المغلقة، فمنذ لحظة الاعلان عن الهبة كان السؤال عن حصرية الصفقة في السلاح الفرنسي دون غيره. نشير الى أن شكوكاً كثيرة راجت بعد الاعلان حول الهبة السعودية لتسليح الجيش اللبناني بعتاد فرنسي متطور، ويهدف كما أعلن الىى صون وحدة اللبنانيين، والحيلولة دون وقوع نزاعات داخلية، وحماية الوطن من اعتداءات إسرائيل اليومية.

هِبَة سعودية.. أم سمسرة من نوع ملكي فاخر!

بقي السؤال وأسئلة أخرى عديدة شاخصة كلما جرى الحديث عن الهبة السعودية. نشير الى أنه في الاول من إبريل الجاري قررت الحكومة اللبنانية قبول الهبة السعودية. وقال وزير الاعلام رمزي جريج في بيان اثر اجتماع للحكومة ان مجلس الوزراء قرر «قبول هبة بقيمة ثلاثة مليارات دولار أمريكي مقدمة من المملكة العربية السعودية لصالح الجيش اللبناني».

بعد مرور ثلاثة شهور على الاعلان عن الهبة السعودية، بدأت تتكشف بعض أسرارها، حيث نقلت صحيفة (البناء) اللبنانية معلومات عن مصادر خاصة على صلة بمسار ما وصل اليه موضوع تنفيذ صفقة الاسلحة الفرنسية الممولة سعودياً، وقالت انها تندرج ضمن خطة كان قد صوّت الكونغرس الأميركي عليها عام 2013 ، قدمت اميركا بموجبها ما بين يونيو العام الماضي حتى مايو عام 2013 للجيش اللبناني ما يزيد عن 180 مليون دولار على شكل تجهيزات واسلحة. كما تضمنت مساعدات بلغت قيمتها 8.7 مليون دولار مخصصة لكي تنفق على دورات لمكافحة الارهاب والدفاع. وبين المساعدات الاميركية مبلغ بعشرات ملايين الدولارات مخصصة لتحسين إجراءات حماية السفارة الاميركية.

وكشفت هذه المصادر ان واشنطن عازمة على تعديل برنامج مساعداتها العسكرية للجيش اللبناني ضمن توجه مستجد لديها لملاءمة ما ستقدمه له مع ما سيستلمه الجيش من اسلحة فرنسية ضمن هبة الثلاث مليارات دولار السعودية. وأضافت بأن شركة أوداس الفرنسية المتخصصة بتصدير الاسلحة (وهي شركة مشتركة بين القطاعين العام والخاص الفرنسيين) هي التي تقوم بتنفيذ العقد المتعلق بالهبة السعودية لتسليح الجيش اللبناني، وانه تم في 24 فبراير الماضي تسمية الأميرال أدوار غيو رئيس الأركان السابق للجيش الفرنسي ليكون مشرفا على تنفيذ العقد، ورئاسة ادارة شركة اوداس في آن واحد.

وبحسب هذه المصادر الفرنسية فان العرض الذي تتقدم به أوداس يتضمن طائرات هليكوبتر مستعملة من طراز غازيل مجهزة بصواريخ هوت المضادة للدبابات من الجيل الاول، بالاضافة الى آليات مدرعة خفيفة من طراز بانهارد المصنعة من قبل شركة تابعة لصناعات رينو الدفاعية، وأربعة زوارق دورية من طراز ادروات التي تصنعها شركة دي سي ان اس الفرنسية المختصة بمجال التصنيع البحري الحربي، وعدد من طائرات الهيلكوبتر طراز اي سي 725 والتي تصنعها شركة يورو كوبتر والتي كان تم بيع عدد منها للسعودية.

لكن هذه المصادر تقول ان هذا العرض الفرنسي لا يلبي كل رؤية لبنان لاحتياجات جيشه، اذ أن بيروت تفضل عوضاً عن شراء طائرات هليكوبتر من طراز غازيل المستعملة من فرنسا، أن يجري اعادة تأهيل أسطول طائرات الهيلكوبتر الموجود لدى الجيش اللبناني والمخزنة في قاعدة رياق في البقاع. وتقول هذه المصادر ان الجيش اللبناني كان وقع اتفاقا عام 2011 بقيمة 276 الف يورو مع شركة استشارات اقتصادية فرنسية لصيانة أسطول مروحياته الانف الذكر، وقامت الشركة الانفة بتلزيم شركة فرنسية مختصة بتنفيذ العقد، وذلك على مدى عامين (2011 ـ 2012) الا ان عملية التنفيذ لم تبلغ نهايتها الكاملة. واليوم يكرر لبنان مرة اخرى بمناسبة الهبة السعودية إعادة إحياء مطلبه بتأهيل أسطوله المروحي مفضلاً ذلك على منحه مروحيات مستعملة.

اما فيما يتعلق بصواريخ هوت ذات الجيل الاول والتي تخزن فرنسا منها اكثر من 6 آلاف صاروخ، وكفت عن استخدامها لصالح هوت - الجيل الثالث، فيخشى خبراء عسكريون أن تلجأ فرنسا الى الحد من مداها وذلك مراعاة لإسرائيل. ويعتقد هؤلاء الخبراء ان هذا الامر سوف يحصل حتما نتيجة للفيتو الأميركي على تسليم لبنان أي سلاح قد يؤدي الى واحدة من الحالتين التالتين:

وصوله لايدي مجموعات لبنانية وغير لبنانية يعتبرها الكونغرس الأميركي ارهابية، ان يخل هذا السلاح بالتوازن العسكري في غير مصلحة اسرائيل.

ويتجه هؤلاء الخبراء الى اعتبار أن الفكرة الافضل أو حتى المفضلة لدى بيروت هي تزويد لبنان بصواريخ مضادة للدبابات ومحمولة على طائرات الهيلوكبتر من مصادر غير فرنسية، الا ان مروحيات غازيل لا يمكن تجهيزها الا بهذه الصواريخ الفرنسية الصنع ( المنتمية للجيل الاول والثاني والثالث)؛ مع العلم أن عملية تحديث هذه المروحيات الغازيل الموجودة لدى لبنان لتصبح مؤهلة لاستعمال هذه الصواريخ ونظم إطلاقها، هي عملية مكلفة وطويلة.

وهنالك ايضا - ودائما الكلام للمصادر عينها- عدم وضوح فيما يتعلق بزوارق الدورية من طراز ادروات التي تضمنها العرض الفرنسي للبنان عبر شركة اوداس. والمأخذ هنا ينشأ من أن البحرية اللبنانية لا ترى حاجة لها بالزوارق الأربعة المعروضة ضمن لائحة أوداس على لبنان، والأفضل لها الحصول على طرازات أخرى من زوارق الدورية، سيما وان زوارق ادروات التي تبنيها شركة دي سي ان اس الفرنسية في المصانع البحرية في مدينة لوريان غرب فرنسا، لم تقم باريس بتصدير اي منها للخارج حتى اليوم. واكثر من ذلك فان الزورق الوحيد من هذه الفئة الموجود في الخدمة الفعلية حتى هذا الوقت، هو ذاك الذي أعارته دي سي ان اس للبحرية الفرنسية ويبحر حاليا في دوريات في المحيط الهندي وخليج غينيا.

وتختم المصادر عينها نقلا عن خبراء في عالم الصناعات الدفاعية انه يبدو مفهوماً ميل لبنان للحصول على بعض المعدات التي لم يشتمل عليها العرض الفرنسي ان لجهة حصول الجيش على الدبابات، وذلك بعد أن تبين أن دبابات لوكليرك لا تتناسب اسعارها وكلفة صيانتها مع الحاجات اللبنانية. كما يرغب لبنان بالحصول على معدات أخرى خصوصا في مجال الاتصالات والتجهيزات التي تسمح بالاعتراض والتجسس على الانترنت وهي تجهيزات ذات فائدة لمديرية المخابرات في مجال مكافحة الارهاب، وتسد عجز موجود لديها الان على هذا الصعيد مقارنة بفرع المعلومات في قوى الامن الداخلي.

والحديث هنا يقود الى شركة أدواس الفرنسية، وصاحبة حصة الأسد في الصفقة التي تكفلت السعودية بدفع ثمنها لأغراض لا تبدو واضحة، بل ثمة تداخلات تفرض فتح تحقيق مفتوح للكشف عن أسرار الهبة السعودية، ولماذا تصبح فرنسا هي الوجهة الوحيدة والحصرية ولماذا تكون أوداس الشركة الراجحة في الصفقة.

توضح المعلومات ان مكتب التصدير العسكري الفرنسي - اي شركة أوداس - الذي سيتولى عملية تنسيق وتسليم الاسلحة الفرنسية للجيش اللبناني الممولة سعودياً، تساهم فيه كبريات الشركات في قطاع الصناعة العسكرية الفرنسية. وابرز المساهمين، الى جانب الدولة الفرنسية، شركة EADS للتسليح وشركة داسو وتقع مكاتبها في سان كلود قرب باريس، وهي لديها مكتب تمثيلي دائم في كل من جدة والرياض.

أما قصة شركة أوداس مع السعودية، فتنقل المصادر بأن شركة أوداس كانت وقعت في شهر أغسطس من العام الماضي عقداً بقيمة مليار دولار مع السعودية لتحديث «أسطولها العسكري الغربي». والعقد عبارة عن اعمال صيانة لـ 4 فرقاطات وسفينة دعم أستلمتها المملكة في أواسط الثمانينات ضمن البرنامج السعودي «صواري» للتسلح العسكري. ولا تزال الشركة هي المخولة بإدارة مفاوضات مع السعودية لتزويد منظومة دفاعها الجوي بصواريخ كروتال بقيمة تتراوح ما بين 3 و 4 مليار دولار.

وبحسب معلومات مستقاة من مصادر مطلعة على مجال عقود الصناعة العسكرية الفرنسية، فان العقد الاخير الذي أبرمته شركة «أوداس « مع السعودية لتحديث أسطولها الغربي ينطوي على بعض البنود التي لا تجعل منه عقداً مربحاً، خاصة لجهة انه يتضمن بناء أحواض لتحديث السفن بكلفة تزيد عما يجنيه العقد من أرباح. وفي هذه الحالة، ستكون الدولة الفرنسية معنية بتحمل كلفة خسارة شركة أوداس. وثمة تكهن بأن الهبة السعودية العسكرية للبنان، واشتراطها أن يكون مصدر شراء الاسلحة في اطارها من فرنسا حصرا، هي محاولة من الرياض لجسر هوة خسارة أوداس الناتج عن عقدها الخاص بتحديث الاسطول السعودي الغربي. وهذه الخلفية هي التي تفسر أيضاً إصرار الرياض على ان يتم توقيع العقد بين دولتين وليس بين شركات خاصة على أن تكون أوداس حصراً أيضاً منفذاً للعقد بين السعودية وفرنسا.

وتقول هذه المصادر ان وراء اتجاه السعودية لعقد صفقات أسلحة مع فرنسا اهدافاً عدة، أبرزها:

اولا - تاتي هذه العقود العسكرية مع باريس في اطار محاولة الرياض ليس فقط تنويع مصادر التسليح بل ايضا تنويع علاقاتها السياسية.

ثانيا - يبدو ان اتجاه الرياض الآنف أيقظ شركات السلاح الاميركية، فباشرت الأخيرة تكثيف اتصالاتها بالرياض. وقد أثمر ذلك عن تحريك ملفات عقود تسليحية لصالح الشركات الاميركية كانت نائمة في أدراج الدولة السعودية. وتختص هذه العقود بتحديث الاسطول السعودي الشرقي. ومقابل ذلك تقوم الشركات الفرنسية بحصد العقود الخاصة بتحديث الاسطول السعودي الغربي (االمنتشر في البحر الاحمر).

وجدير بالذكر أن الحكومة السعودية كانت وافقت على ميزانية عقد الاسطول الشرقي عام 2010 وتبلغ قيمته 23.6 مليار دولار. ويجري منذ ذلك الحين التفاوض على الأسعار. ويرجّح أن تحصل الشركات الاميركية على هذا العقد الاخير.

الصفحة السابقة