الفوزان وهلوسة طاعة ولي الأمر

عبدالحميد قدس

في قرار مفاجىء وإن لم يكن مستغرباً، أصدر عميد كليلة أصول الدين في جامعة الامام محمد بن الاسلامية الدكتور عبد العزيزبن عبد الله الهليل خطاباً موجّها الى مدرّسي الكلية وجاء فيه:

فقد تقرر حضوركم بصحبة طلابكم اليوم الخميس الموافق 24/6/1435هـ ابتداء من الساعة التاسعة الى قاعة الشيخ محمد بن ابراهيم بمبنى المؤتمرات، لحضور لقاء سماحة الشيخ الدكتور/صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبارالعلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.

الفوزان: الطاعة العمياء لآل سعود

نأمل منكم تحضير الطلاب في قاعة الشيخ محمد بن ابراهيم

وفقكم الله ورعاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ونشرت الكلية على صفحتها في الشبكة وفي الموقع الخاص بجامعة الامام إعلاناً جاء فيه:

يسر كلية أصول الدين دعوتكم لحضور محاضرة: وجوب لزوم الجماعة والسمع والطاعة لولي الأمر والتحذير من الانتماء للفرق والأحزاب والجماعات، لسماحة الشيخ د.صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء..

المحاضرة جرى التحشيد لها على نطاق واسع، وأريد لها أن تحظى بأهمية خاصة إعلامياً ودينياً، الأمر الذي يكشف عن حاجة ال سعود الى جرعات دينية مستعجلة لتثبيت أركان النظام. وقد اعتاد ال سعود على دعوة الشيخ صالح الفوزان لإلقاء محاضرات في طاعة ولي الأمر، والدعاء له، وحرمة الخروج عليه، حتى بات رمزاً لما يعرف بالجاميّة لفرط تماهيه مع السلطة.

وقد خصّص الفوزان محاضرته لتأكيد مبدأ السمع والطاعة لولي الأمر والتحذير من الخروج (على هذه الدولة بشبهات أو مغريات أو غير ذلك من الانتماءات الأخرى الفكرية والمذهبية، والتمسك بهذه الدولة ومناصرتها، وأن تكون مع جماعة المسلمين فيها، وعدم التفرقة وتبني الأفكار الوافدة التي ضيعت كثيرا من شباب المسلمين).

وطالب الفوزان بمواجهة من يدعون الى الخروج على ولي الأمر. وكرر ما كان قاله في مرات عديدة بأن (يطاع لولي الأمر المسلم ولا يخرج عليه سواء كان براً أو فاجراً ما لم يرَ كفراً بواحاً، وطاعة الإمام ضرورة دينية ودنيوية، فلابد من الصبر حتى ولو جار أو ظلم، ولا يعني ذلك إقرارا للظلم أو الجور، لكن دفع لما هو أشد..). ولن يجد آل سعود أفضل من الفوزان كي يضفي على جورهم وطغيانهم هذا الرداء الديني الذي يجعلهم في مأمن من خطر الخروج عليهم ورفض ولايتهم. فقد حذّر من عواقب الخروج، ونسج من خياله الأمثله، وقال بأنه ما (خرج قومٌ على واليهم إلا كان حالهم بعد الخروج شراً من حالهم قبل الخروج عليه)، واعتبر ذلك (سنة كونية).

كل ما سبق يستهدف موضوعاً واحداً وهو الخوف من تداعيات الربيع العربي الذي خرّبه آل سعود ليثبتوا لعلماء الوهابية بأن الثورة على الجور تؤول الى فساد عظيم، وتخريب الممتلكات، وهلاك الأنفس والثمرات. وهذا ما قاله الفوزان حين لفت إلى أن (التفرّق والاختلاف شر على المسلمين، كما تشاهدون الآن من الثورات التي حصلت ماذا كانت نتائجها، وما آثارها التي تشاهدونها اليوم إلا أكبر شاهد على ضرورة لزوم الجماعة والسمع والطاعة لولي الأمر، والبقاء معه، لأن الله يدفع به ما يضمن للمسلمين أمنهم واستقرارهم، لهذا لا بد من الحذر من كيد الجماعات التكفيرية).

وأسهب الفوزان وأطنب في مدح الدولة السعودية وقال بأن: (الدولة هذه قائمة على الحق، والواقع يشهد لها.. فأي دولة الآن في الإسلام مثل هذه الدولة)؟!.

ما يبعث على الغرابة: كلام الفوزان عن سلمية الدولة السعودية منذ نشأتها وقوله: (هي منذ قامت على يد الإمامين محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود، قامت على قاعدة سلمية..)، وهذا ينطوي على استخفاف بعقل الحضور وكل من يعرف تاريخ الوهابية وحروبها في نجد وفي المناطق المجاورة وصولاً الى العراق وبلاد الشام، وهي ما قامت كما تكشف الوهابية نفسها الا على الدم والهدم.

من الأوصاف الغريبة التي استخدمها الفوزان في ردّه على ملايين المغرّدين على تويتر وأحاديث المجالس وانتقاد آل سعود، بأن (هذا من عمل الخوارج، والخروج ليس فقط في الشوارع بل يكون بالاعتقاد بمنهج الخوارج والاعتقاد أو العمل، فالخروج له أنواع والذي يتلفظ بدعوة الخوارج فهو خارجي، فمن خرج عن المنهج السليم فهو من أهل الضلال). من الواضح ان الفوزان خصّص محاضرته للدفاع عن آل سعود في مواجهة موجة الانتقادات الواسعة التي يتعرضون وحكمهم لها.

في تصنيف الوهابيين أنفسهم، يعتبر الفوزان في تماهيه مع ال سعود جامياًّ، وقد تنبّه لذلك، فدافع عن نفسه وعن المنتهجين منهجه في مدح الحكّام حيث قال بأن (هذا ليس منهجا أو حزبا بل هو قول الله: يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. ولم يقل بذلك جامي أو غيره، وهم من أوجدوا المسميات كالجامية والوهابية، ونحن في هذه البلاد والحمد لله على المنهج الصحيح)، وفي حقيقة الأمر أن من أوجد مسمى الجاميّة هم اشخاص ينتمون للوهابية عقيدة ومنهجاً، وليسوا غيرهم.

ولم ينس الفوزان توجيه قسط من النقد لجماعة الاخوان المسلمين التي باتت هدفاً لحملة آل سعود، فنزع من الاخوان مسمى الجماعة وقال بأن (الجماعة هي أهل السنة والجماعة، ولا نلتفت إلى من يطلقون على أنفسهم: الإخوان. ومن كان منهجه معتدلاً ومتوسطاً ومطابقا للكتاب والسنة فلهم التقدير والود، أما غير ذلك فهم ليسوا منا).

وفرّق الفوان بين من دعاة ودعاة، وطالب المعلّمين وخطباء المساحد والعلماء (توضيح خطورة من يسمون أنفسهم بالدعاة، والذين يدعون إلى الخروج على ولي الأمر، أو زج الشباب بأماكن الصراع)، وطالب بـ (ضرورة كشفهم والرد عليهم).

ولم يبرح الفوزان الفكرة المركزية في محاضرته التي تحوم حول مبدأ طاعة ولي الأمر، وقال: (يجب علينا عدم الخروج عن جماعة المسلمين وعن طاعة ولي الأمر، هذا هو ضمان النجاة في الدنيا والآخرة، وبه يحصل الأمن والاستقرار وبدونه تحصل الفوضى والدمار ويحصل سفك الدماء وخراب الديار، ويضيع الأمن ويتشجع المجرمون على أهل الحق، فالواجب علينا أن نحذر من الفتن ونحذر منها، وأن نمنع أولادنا من الذهاب إليها، وإن سموها بأسماء براقة، ونحن نعلم أنها ليست من المصلحة وليست من الجهاد في سبيل الله، وما يحصل من الدمار والخراب هو نتاج الاستماع للأفكار المنحرفة التي تدعو الناس باسم الجهاد وباسم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهي تريد واقع ذلك أو تجهل العواقب، لا نقول كلهم على هذا، بل بعضهم عن حسن نية).

وهذا الرأي يلتقى مع التوجّه الجديد لدى ال سعود بعد 3 فبراير الماضي حين صدر الأمر الملكي بمعاقبة المقاتلين السعوديين المدنيين والعسكريين في الخارج، وبدء خطة احتواء تداعيات عودتهم الى الداخل، ووقف هدير التعبئة المذهبية والتحشيد الاعلامي والمالي لخدمة مشروع الجهاد في سوريا والعراق.

من جانبه، قدّم مدير الجامعة الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل شكره للفوزان على ما قال وأجاد وأفاد به، ونوه (الى وجوب لزوم جماعة المسلمين وإمامهم والسمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية الله، محذراً من الجماعات والأحزاب والاتجاهات خصوصاً بعد الأوامر السامية والقرارات من وزارة الداخلية والتي من خلالها أعاد الملك عبدالله بن عبدالعزيز أساس هذه الدولة وبناءها وكيانها المنطلق من نصوص الوحيين عندما منع أبناء هذه البلاد من الخوض في المسائل والوقوع في المزالق والذهاب إلى أماكن الصراعات التي يسميها دعاة الباطل جهاداً).

باختصار، إنها محاضرة في مدح ال سعود ودعوة الناس للامتثال لسياساتهم بعد تبدّلها، إذ كانت حرباً في سوريا شاملة ومفتوحة بعنوان الجهاد بكل أشكاله كما كان يقول وزير الخارجية سعود الفيصل في إجابته عن سؤال حول مشاركة المملكة بالجهاد في سوريا خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأميركي جون كيري. وبعد صدور الأمر الملكي في 3 فبراير الماضي أصبح الجهاد فتنة والمقاتلون في الخارج إرهابيين لابد من قطع دابرهم والتحذير منهم لأن في ذلك خروجاً على طاعة ولي الأمر.

الصفحة السابقة