(نجدنة) الحجاز.. ومكة فندقٌ نجديٌّ!

يحي مفتي

لم يكن مفاجئاً أن يكتب رجل في استخبارات النظام مقالة ضد الحجاز والحجازيين وبيوتاتهم العريقة، في رسالة واضحة التهديد، واضحة الإستعلاء، واضحة التوجيه الرسمي من الأعلى. ليس الحجازيون وحدهم من يقرأون الاستعلاء النجدي الرسمي والتحذير من خلال مقالات صحفية؛ فقد سبقتهم مناطق أخرى في الشرق والجنوب، وكلما وجد النظام ان هناك حاجة الى توجيه الرسائل يقوم بفعلها، فتظهر الإثارات وينشغل الرأي العام بشأنها.

هذه المرّة كتب الصحفي محمد جزائري، العامل في جهاز الإستخبارات الحكومي، مقالة في صحيفة الاقتصادية، لا يدرك القارئ بدايتها من نهايتها، تحت عنوان: (كيف أيقظ الإخوان واليسار الهوية المناطقية لدى صوفية الحجاز)؟ وقد أثنى رئيس التحرير، سلمان الدوسري، العامل هو الآخر في جهاز المباحث التابع لوزارة الداخلية، على المقالة وصاحب المقالة، الذي تمّ توظيفه قبل أقل من عام في الصحيفة المملوكة لأمراء، وذلك بعد ان كان جزائري يعمل في قناة العربية، والحياة، ويكتب في الشرق الأوسط.

اذن فالصحفي هذا ضمن حلقة الحكم، وهو يعرف ما يمكن ان يسمح به وما لا يُسمح بنشره؛ ولا يمكن أن يكتب ما كتب، ويُنشر له بدون توجيه من الأعلى النجدي السعودي.

النسف لجبل الكعبة: همجية سعودية داعشية قديمة

المقالة من عنوانها

من خلال العنوان فقط: (كيف أيقظ الإخوان واليسار الهوية المناطقية لدى صوفية الحجاز)، يستطيع القارئ أن يتبين المستهدف به، وهم ابتداءً: الناشطون الحجازيون الذين وصفهم بأنهم اخوان ويسار، وانتهاءً: فإن الهوية الحجازية (المناطقية بتعبير العنوان) مستهدفة من خلال الطعن في (صوفية الحجاز) وكأن عنوان المقالة ـ غير المحايد ـ يؤسس لقضايا او مزاعم يريد أن يثبتها لاحقاً. من أهم المسائل: الاعتراف بأن هناك يقظة في الهوية المناطقية الحجازية؛ وهذا صحيح بالقطع، كما هو الحال في المناطق الأخرى، فكل الهويات الفرعية متفجرة، بسبب تغليب الحكم السعودية للهوية المناطقية النجدية وتقديمها على انها هوية البلاد بتنوعها، ونزوعه الى رفض تأسيس هوية وطنية تؤسس لمساواة بين المواطنين، او تؤسس لروح جمعية تضعف العصبية النجدية وتخفف من قبضتها على مفاصل الدولة وثرواتها.

واذا كان هناك من تساؤل، فهو لماذا استيقظت الهويات عامّة؟ ولماذا فشل النظام في تأسيس هوية وطنية؟ بل الأصح: هل يريد آل سعود والطبقة النجدية المنتفعة من الحكم، أن يؤسسوا هوية وطنية، تضرّ بقبضتهم على الحكم لاحقاً؟ زد على ذلك، فإن المسؤول عن انفجار الهويات الفرعية هو الحكم، ولا يُطالب المتمسك بهويته الخاصة المناطقية بالتخلي عنها من أجل تسويد هوية مناطقية أخرى نجدية. ولا نعتقد بأن التمسك بالهوية الحجازية او اي هوية مناطقية أمراً ضاراً، إلا في حال غياب العدالة وعدم وجود هوية أعلى فشل آل سعود وعصبتهم النجدية في صناعتها، إن كان قد حاولوا ذلك أصلاً. ثم كيف يكون من حق النجدي ان يسيطر على الحكم اعتماداً على انتسابه لمنطقة فيعتز بنجديته، ولا يحق لمناطق أخرى ان تفعل ذلك دفاعاً عن ذاتها؟ ولماذا اذا استيقظت الهوية المناطقية الحجازية التي تعتمد تراث الإسلام وآثار الرسول جريمة بنظر آل سعود، في حين لا تعتبر الهويات القبلية والنجدية وغيرها خطراً على الحكم؟

ومن أهم المزاعم التي يشير اليها العنوان أن كل سكان الحجاز (صوفية)، وحتى لو كانوا كذلك فهو لا يعيبهم، ولكنهم اتباع المذاهب الاسلامية الأساسية خاصة المذهب الشافعي، وإن كان التصوف متفشياً، فهذا ليس معيباً، وهناك مئات الملايين من المسلمين صوفيين، غير مرضي عنهم وهابياً، ويعتبرونهم كفرة ومشركين، كما هي عادة الوهابيين التكفيريين. وكيف تصبح الصوفية سبّة عار عند الوهابيين الذين يذبحون البشر ويدمرون الزرع والضرع؟ وأي التوجهين أقرب الى الاسلام وروحه، مع ان اتباع الطرق الصوفية في العالم الاسلامي عشرات أضعاف أعداد الوهابيين؟

وكذلك فإن من المزاعم التي تحتاج الى إثبات من كاتب المقالة (محمد جزائري) ومن هم وراءه من الاستخبارات والمباحث أن يثبتوا بأن (الإخوان المسلمين) و (اليسار) وراء إيقاظ الهوية المناطقية الحجازية، غير المرضي عنها، كما هو واضح من المقالة كلها.

فنحن نعلم بأن الحديث عن اليسار، يقصد به تحديداً تيار عروبي ناصري (وقد جاء الكاتب فيما بعد بإسم الناشط محمد سعيد طيب الذي الى اليوم يسأله طغاة آل سعود: لماذا تسمي إبنك عبدالناصر؟)! السؤال: هل القومي الناصري الذي يريد وحدة عربية تتعدى الأقطار، مهتم بإثارة هوية مناطقية؟ هذا خلاف الأيديولوجية القومية اساساً، فكيف توصل الكاتب الى ان اليسار فعل ذلك، واليسار الأممي لا يؤمن حتى بالهويات القطرية، فكيف بالمناطقية؟

وماذا عن الإخوان المسلمين؟ كاتب المقالة بنيته الاستخباراتية، وفيما تعلن الرياض حربها على الإخوان وعلى خصومها في الداخل باسم مكافحة الإخوان، اراد ربط الهوية الحجازية بالإخوان، وتحديداً بأشخاص معروفين في الدفاع عن تراث الحجاز الذي استباحه الوهابيون، كالدكتور فائز جمال ومازن مطبقاني الذي قال صاحب المقالة انهما يؤيدان حكم مرسي، وهذا كاف لوصمها بالإخوانية. لكن المقالة فيما بعد تشير الى استغلال الشيخ سلمان العودة، المتهم هو الآخر بالإخوانية، بالاستفادة من الصوفية الحجازية! رغم انه سلفي نجدي حتى النخاع وخريج مدرسة الوهابية الفقهية والعقدية، ورأيه في الصوفية كرأيه في الشيعة، هو وصاحبه سفر الحوالي. فما هو دور العودة ـ رغم انه ليس إخوانياً ـ في إيقاظ ما سماه جزائري بالهوية المناطقية الحجازية او استغلالها. كل الدليل هو ان العودة سُئل عن الطريقة المثلى لأسلمة الصوفية، شأنه شأن أشياعه السلفيين المتطرفين، فأجاب بأن (التأثير في هذه الجماهير ممكن جداً شريطة ان يكون بالإسلوب الحسن). والعودة هنا يتحدث بصفة عامة لا علاقة لها بالحجاز، ولا كل الحجازيين صوفية.

فالمهم من وجهة نظر مباحث آل سعود، هو القاء الشكوك العقدية والأمنية ضد الحجازيين، بحجة تصوفهم وأخونتهم، ومن ثمّ تخوينهم كما سنرى.

كذبة الحوار والمراجعة

يفتتح الكاتب محمد جزائري مقالته بالحديث عن ان تداعيات ازمة تفجيرات سبتمبر 2001 التي قام بها الوهابيون القاعديون، حتمت على (البيت السياسي بالمراجعة الجادة لحقبة زمنية في تاريخ السعودية الحديث بكل مكوناته الثقافية والاجتماعية والتعليمية والدينية والسياسية) فكانت فكرة ولي العهد/ الملك عبدالله بدعوة الفئات الإجتماعية التي يتشكل الى ما أسماه الحوار الوطني، ليخلص الكاتب الى (أن الأقليات أصبحوا جزءً من الصورة ومن المشهد السياسي). في اشارة الى مشاركة الشيعة في الشرقية وعلماء الحجاز من (الطائفة الصوفية، حسب تعبير الكاتب المتطرف) في ذلك الحوار الذي لم يثمر شيئاً حتى اليوم.

وحين نثبّت حقيقة ان النظام اضطر الى حوار مذاهب، فإنه في الواقع لم يكن مؤمناً بذلك، وكان ما فعله بديلاً عن حوار وطني بين المجتمع والسلطة حول القضية السياسية، وهو ما لم يحدث. الحقيقة التي يجب التأكيد عليها، ان الوهابية أقلية عددية ومذهبية وإن سيطرت على كامل الحكم. وأن عدد سكان الحجاز كما عدد سكان الجنوب أكبر في كلا الحالتين من سكان نجد. فلماذا يتحدث الكاتب عن أقليات صارت في صورة المشهد؟ في حين انها تشكل أكثرية السكان، ولماذا لا يشير النجديون عادة ولا يرغبون بأن يشير أحدٌ ما اليهم بأنهم أقلية عددية ومذهبية؟ ولماذا يزعمون بأنهم يمثلون الأكثرية في هذه البلاد التي نعلم جميعاً ان الوهابيين فيها أقلية؟

توسعة ام فندقة؟!

ثم بعد هذا، هل تمت مراجعة سياسية دينية ثقافية كما يزعم الكاتب من قبل آل سعود؟ كلا.. ولا أثر لتلك المراجعة. ما قبل ٩ سبتمبر هو نفسه ما بعدها؛ لم يتغير شيء، لا في السلطة ولا في سلوكها ولا في سلوك النجديين ولا سلوك المؤسسة الدينية الرسمية التكفيرية، ولا في مناهج التعليم، ولا في مخرجاته، ونحن نشهد الدواعش والقاعديين ينطلقون الى كل البلدان المجاورة للقتل والذبح.

لا.. لم يتغير شيء لا بإسم الإصلاح ولا بإسم التطوير، ولا بإسم الحوار الوطني الذي لم يكن وطنياً وشبع موتاً، وإن ابتني له بناء فخم، ولكنه خاوٍ من الداخل!

وأكبر دليل على ان لا أثر للحوار الوطني، هو ما يكتبه صحفيو النظام ضد الآخر، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. لازالوا يعتقدون انهم الفئة الناجية؛ ولا زال سلوكهم التكفيري قائماً، وفتاوى التكفير لم تتوقف، ولازالوا يجلسون على كرسي الوطنية ويوزعونها على جماعتهم ويتهمون غيرهم بعكسها.

الخروج الى الضوء

يقول الكاتب السلطوي بأن الكتلة الجماهيرية الصوفية (ونحسبه يقصد كل سكان الحجاز) خرجت الى الضوء حديثاً ـ بمعنى أنه يعترف بقمع الوهابية للآخرين المختلفين الذين يشكلون اكثرية البلاد التي لا تعتقد بالوهابية والتي لم ترَ النور لقرن كامل ـ ويضيف بأنه جرى الإعتراف بالأقليات ورموزها (فلازال يعتقد كذباً بأن الوهابية النجدية تشكل أكثرية سكانية)؛ والحقيقة ان الوهابية والى اليوم لا تعتقد بإسلام غيرها، فهي كما كانت منذ تأسيسها، ونتحدّى ان يخرج آل سعود ومشايخهم الوهابيين باعتراف بإسلام الآخر (الصوفي مثلا).

الكتلة الخارجة الى الضوء ـ يقول الكاتب ـ أغرت تيارات حركية للإستفادة منها من قبل أبناء العوائل والوجاهات التقليدية في حواضر الحجاز، او غيرهم من خارج الحجاز مثل العودة وعايض القرني. وهذا كلام بغيض وكاذب في آن معاً.

لكن الكاتب يثبت لنا حقيقة هنا، هو ان الحجازيين ـ وفئات اجتماعية في مناطق اخرى ـ خرجوا عن طوق القمع السلطوي على الحجاز منذ احتلاله ١٩٢٤-١٩٢٦، وبدأوا بالإعلان عن أنفسهم كوجود وكهوية؛ وهذا هو المؤلم بالنسبة للنظام، انه أضحى غير قادر على إبراز الوهابية كوجه وحيد للبلد، بحيث يمكنه اخفاء التنوّع الذي استمر لقرن تقريباً.

نسفوا الجبل وبدئ ببناء الفندق الملكي!

ولأن الكاتب استخباراتي فقد أراد ان يجمع كل المعارضين او المختلفين مع النظام في بوتقة واحدة، ثم ينسفهم معاً، ليضيف على ذلك تآمراً خارجياً جاء من (الشقيقة الصغرى) أي قطر. والمطلوب في النهاية من القارئ ان يؤيد آل سعود ضد الحجازيين، الذين هم مجرد مشركين وعملاء أيضا لقطر!

لم يكف كاتب المقالة شتم العوائل الحجازية التقليدية، ولا الفاعلين المدافعين عن مصالح الحجازيين أمام جرافات وتركتورات النظام، بل اضاف اليهم من الداخل مشايخ سلفيين كالعودة والقرني، واضاف داعية من الكويت اعلنت الرياض العداء له وهو الدكتور طارق السويدان، ثم جاء ليجمع مع هذا الخليط (بقايا اليسار ومجموعات من الناشطين الهواة) حسب تعبيره لمساعدة الصوفيين في الإحتجاج (على الحكم النجدي ومؤسسته الدينية التكفيرية طبعاً).

وعاد فكرر اتهاماته لـ (بقايا اليسار، والناشطين الجدد) الذين (يعدون العدة لاقتطاع نصيبهم من هذه القاعدة الجماهيرية في حاضرة الحجاز) وضرب مثلاً بمحمد سعيد طيب، المناضل القومي الناصري، الذي سجن سنين طويلة ولازال ممنوعاً من السفر، والذي كان كل جرمه ومجموعة من التجار الحجازيين انهم زاروا (الشيخ الجليل الراحل محمد علوي مالكي) كما يقول.

تخيّلوا عظم الجريمة، ان حجازيين يقابلون أكبر رجل دين لديهم؛ وهو السيد محمد علوي مالكي، الذي كتب الوهابيون ضده الكتب مكفرين، والذي أهانته وحققت معه هيئة كبار العلماء الوهابية، وصدّرت فتاوى ضدة (منشورة على النت) بل وحين انتقل الى رحمة الله، رفض الشيخ الوهابي السديس الصلاة عليه في المسجد الحرام قبل دفنه. ومع هذا، تظهر مؤسسة آل سعود الدينية معتدلة، ويأتينا هذا الكاتب المخابراتي ليقول انه شيخ جليل، وقد كانت سلطات آل سعود تهدده بالسجن والمنع من السفر مراراً!!

والأكثر يقول الكاتب بأن (بيوتات وجهاء حاضرة الحجاز مفتوحة على مصراعيها على خطاب ديني حداثي جديد في ظل خصومة تقليدية مع السلفية التقليدية القادمة من شرق الحجاز). انظروا الى هذا النصّ وفككوه!

(حاضرة الحجاز) وبيوتات الحجاز، يريد منها الإشارة الى ان بادية الحجاز صارت وهابية!، وان هذه البيوت لا تمثل الحجازيين! وفي كل مقاله يتكلم عن حاضرة الحجاز، وليس هناك أحد غير النجديين من يتفنن في اللعب على الأوتار التقسيمية لغرض في نفسه. اما ان الحجازيين هم من خاصم (السلفية التقليدية) ويقصد الوهابية، الآتية من شرق الحجاز، ولم يقل من نجد؛ فهو كذب صريح، فكلنا يعلم بأن الوهابية النجدية هي التي احتلت الحجاز، وهي التي قتلت أهله، وهي التي تشردهم مرة ثانية الآن، وهي التي تحاول ان تفرض هوية نجدية على هوية المقدسات الحجازية التي يفترض ان يفتخر بها كل مسلم وان تشكل المكون الأساس للهوية الوطنية في البلاد؛ كما انها هي التي تكفر الحجازيين ومعظم السكان؛ فمن هو المعتدي ومن هو المعتدى عليه؟.

نعم فإن خروج الحجازيين الى الضوء مثّل مشكلة لنجد بوهابيتها وأمرائها من آل سعود. ولو بقوا في الظلام، ولو لم يتحدثوا ـ رغم انخفاض الصوت الى أبعد الحدود ـ لما انهالت عليهم الإتهامات والتهديدات ومقالات التلفيق، وترويج الخطاب العنصري النجدي.

نعم.. فتح الحجازيون أعينهم، فاغتاظ النجديون المسعودون والوهابيون التكفيريون.

معركة الهوية الحجازية

ليس هناك من شك بأن ما تقوم به السلطات النجدية في الحجاز، له علاقة بإحداث تغييرات جذرية ديمغرافية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وحتى الطائف، وحصر الحجازيين في مدينة جدّة.

وليس هناك من شك، بأن مشايخ الوهابية النجديين قد شارفوا على الإنتهاء من السيطرة على كل مفاصل الحياة الدينية في الحرمين الشريفين، خاصة واننا نعلم بأن تدمير المدارس الدينية في الحجاز، قضى على النخبة الدينية الحجازية، حيث لم يخلف القامات الدينية التي توفاها الله نظراء يشبهونهم علماً وإبداعاً وعدداً.

ولا شك بأن نجدنة الحرمين الشريفين تستدعي تدمير حارات مكة وإخراج أهلها؛ وبناء الفنادق والاستثمارات لصالح الامراء ومشايخهم وتجارهم النجديين.

لك الله يا مكة: دمار في كل مكان، لمصلحة من؟

العالم الإسلامي صامت عما يجري. ومثله العالم العربي. بل ومثله مناطق البلاد الأخرى، إلا ما رحم ربي. ومع هذا فإن القليل من الجأر بالألم والشكوى، أزعج النجديين الذين توقعوا أن يسمعوا صوتاً معترضاً.

ولولا وجود التكنولوجيا لما أحسّ آل سعود ومشايخ تكفيرهم بشيء. ولهذا فإن مقالة الجزائري، تعبر عن ضيق نجدي وهابي سعودي بالحجازيين الذين بدأوا على مواقع التواصل الاجتماعي في إثبات هويتهم والدفاع عنها، والتنديد بهدم مكة في هاشتاقات تويتر، وصار لهم ظهور على اليوتيوب.

وكان لا بد لكاتب المقالة سيئة الصيت أن تأتي على هذا كله، فتندد بكل نشاط او جهد يصبّ في الحفاظ على الهوية الحجازية.

يشكو محمد جزائري، كاتب المقالة، من أن النشاط الذي اعتمد الترميز الديني لشخصيات حجازية يريد النظام ان تبقى مغمورة، والعاطفة المناطقية حسب تعبيره، انعكس على الحياة الاجتماعية (وأفرز صراعات مناطقية وإحياء لمظلوميات هوياتية) تناسقت مع موجة الإخوان!

لا نرى صراعات مناطقية بين الحجاز وغيره؛ فالذي يشنّ الحرب هي نجد بأدوات الدولة وبأموالها وتخطيطها، وبمشايخها. لم يعلن أحدٌ الحرب على الهوية النجدية التي يضرّ تضخمها بكافة السكان، مع انها هوية قامعة لغيرها من الهويات. إنها هوية نجد التي تحارب غيرها، وترى ان العيب في غيرها، وحين يتألم ويشكو المواطنون يقال لهم ان عندكم حس مظلومية غير صحيح، مثلما يحدث في الشرق أيضاً.

لا.. جميع المواطنين مظلومون من الأقلية الحاكمة. مظلومون اقتصاديا واجتماعياً ومهمشون سياسياً واعلاميا ومنفعياً. ومظلومون في هوياتهم المقموعة لصالح هوية متطرفة مناطقية، لا تراهم مواطنين، بل عالة عليهم!

ويبحث جزائري في الأرشيف عن مقالة نشرت في صحيفة الرياض لحاتم العوني، وهو من الأشراف الموالين لآل سعود عنوانها: (الرد على دعوة مي يماني لإرجاع التصوف للحجاز)! فما دخل هذا بذاك، وما هي المناسبة غير الضرب تحت الحزام من قبل مخابرات النظام واشغال الحجازيين بالصراع الداخلي لصالح السيد النجدي؟

ثم إن الرد الهزيل كله، جاء على دعوة مزعومة، فكل ما فعلته الدكتورة مي يماني هو نشر كتاب حول الحجاز وهويته: (مهد الإسلام.. البحث عن الهوية الحجازية)، هو في الحقيقة رسالة دكتوراة، ولم يكن له علاقة بنشر الصوفية او التصوف، ليأتي أشخاص فاشلون ليغيروا الموضوع ويشتموا التصوف! والمقصود ليس شتيمة المعتقد فحسب، وعدم احترام النجديين له، بل هو مبرر لإقصاء الآخر الكافر او المشرك من ان يكون له حق في بلده وارضه، ولتبقى السلطة كاملة باليد النجدية الوهابية الموحدة!

ويقول مؤلف الكتاب ان الدكتورة مي يماني في كتابها (تدثرت بجانب تظلّمي) باسم صوفية الحجاز ومظلوميتهم الدينية، وتبنّى خطاباً حديثاً موجهاً للمتعلمين من اجل (تحشيد افتراضي للجمهور) كما يقول. وقد سبق ان كتب احدهم ـ سعد الراشد ـ كتاباً ضد كتاب مي يماني طبعه داخل البلاد، ومولته مباحث آل سعود، عنوانه: (هويتنا ومغالطات مي يماني)، وقد نشرت الحجاز قراءة مطولة للرد على ذلك بعنوان: (ماهي هويتكم لنعرف هويتنا؟).

انظر: http://www.alhejaz.org/qadaya/034101.htm

وحين نقول بأن الوهابيين لديهم عقدة في الحرب على الهوية الحجازية لزرع هويتهم النجدية الضيقة، فلأنهم يعرفون قيمة الهوية في التحشيد وانتزاع الحقوق. ولأن الحجازيين ـ بنظر النجديين ـ لا يحبذون المواجهات ويميلون الى السلمية، اختاروا ـ متأخرين ـ الإنكفاء على الهوية الحجازية وتقويتها، وهذا يؤسس حقاً لاستعادة المسلوب من الحقوق. لا غرو إذن، ان ينزعج النجديون من انتشار لبس العمامة، ويعدون الفعل عملاً عدوانياً ومؤامرة عليهم! انظر ماذا يكتب محمد جزائري: (تلحف بقايا اليسار الحجازي بالعمامة الصوفية في معاركه السياسية، ليس مي يماني نموذجه الوحيد)! مع ان العمامة رمز الحجاز وليست رمزاً للصوفية بل هي رمز لكل الحجازيين.

ترى بأيّ عقلٍ علمي يفهم هؤلاء الطغاة السياسة بحيث يمكن اعتبار مي يماني يسارية؟!

إن الحرب على العمامة الحجازية حربٌ على الهوية، مثلما هي الحرب على الآثار الإسلامية، ومثلما هي حرب التركتورات على حارات مكة وجبالها ومقدساتها، فكلها جزء من حرب أشمل على الهوية الحجازية. وفي النهاية لا يمكن ـ من وجهة نظر الوهابي النجدي المُسعود ـ صهر الحجاز وأهله، دون الإستحواذ عليه أرضاً، وتفتيته بين بادية وحاضرة، وتغيير الديمغرافيا، ليصل شوفينيو نجد الى الجائزة الكبرى وهي الغاء الهوية الحجازية، فلا يبقى سوى نجد وأهل نجد ودين نجد وحكام نجد ومصالح نجد!

هناك نموذج آخر يساري يلتحف بالعمامة الصوفية، حسب كاتب السلطة، ولكنه هنا ليس شخصاً، بل (مجلة) يسبب إسمها الإزعاج لطغاة نجد وهو: (الحجاز) وهي مجلة تصدر من الخارج، و(تحافظ على النفس اليساري النقدي لمخاطبة الانتلجنسيا من حاضرة الحجاز، والديني المتصوف لمخاطبة القواعد الشعبية التقليدية؛ وظهر لاحقاً في تسجيلات مسرّبة أن هذه المجلة ومثيلاتها كانت تحظى بدعم مادي وسياسي خارجي من دولة شقيقة صغرى) ليضيف لغماً جديداً (وهي مصدر الدعم ذاته الذي تلقته جماعة الإخوان المسلمين ومازالت تتلقاه).

فمجلة الحجاز نَفَسُها يساري! صوفي! يخاطب الطبقة المثقفة، ومدعومة من قطر!

ونعم التحليل، لو كان المراد تحليلاً!، انما هو تهريج، واستعداء لكل ما هو حجازي، حتى وإن كان أثراً اسلامياً بما فيه بيت مولد النبي او بيت السيد خديجة الذي تحوّل ـ بسبب الحقد الوهابي ـ الى مراحيض عامّة.

وفي الحقيقة لا نعلم ماذا يريد هذا الكاتب ان يثبت في النهاية. كأنه يريد القول بأن هذا الخليط اليساري الحجازي الصوفي الاخواني القطري اعداء للنظام السعودي والدين الصحيح في نجد!

وإلا ماذا يعني ان ينزعج الكاتب من توقيع حجازيين على عرائض تطالب (البيت السياسي/ يقصد آل سعود) بالإصلاح السياسي؟ لماذا اختارهم دون غيرهم؟ لماذا لم يقل ان هناك نجديين ايضاً، وشيعة من المنطقة الشرقية، واسماعيليين من الجنوب، ومثقفين من كل الإتجاهات وقعوا على تلك العرائض؟

وماذا يعني القول بأن من وقع العرائض ظهرت اسماؤهم في الإنترنت او المقالات تتبنّى الدفاع عن (الآثار المكية)؟ والكاتب يستنكر هذا ويستنكر كل ما قام به الحجازيون والمكيون بشكل خاص من الدفاع عن هويتهم المهددة حقاً بالإستئصال. ولكنه يدافع عن افعال سعود بالقول: (ناشطو الروحانية الحركية يعترضون بشكل كامل تقريباً على كل قرار يتعلق بمكة المكرمة. اعترض ناشطو الإخوان والصوفية واليسار على الساعة بجانب الحرم المكي الشريف، وعلى قرار توسعته، وعلى تغيير قفل باب الكعبة، وعلى نقل اعمدة الرواق العثماني).. لكنه مطمئن بأن هذا الحراك (خَفَتَ) بعد ان وصل الى دعم شركات انتاج برامج يوتيوب (تعلي الهوية الفرعية على الهوية الوطنية الجامعة)!

البلدوزرات بعد هدم الحارات والأماكن الأثرية حان دور الجبال الرواسي!

ما شاء الله!

نعم الحجازيون يعترضون على الساعة التي تضاهي الكعبة، وعلى قصور الأمراء المطلة على الحرم، ويعترضون على توسعة تستهدف تدمير حارات مكة القديمة التي قامت على بيوت الصحابة والتابعين، من اجل بناء شبكة فنادق يمتلكها الأمراء. التوسعة تؤخذ بحدود، وسكن الحجاج يمكن ان يكون خارج مكة مع تسهيل في المواصلات. ونعم الحجازيون ضد تدمير اعمدة الرواق العثماني، والعباسي أيضاً والذي لم يفعله إلا آل سعود الفاشلون حتى الآن في إدارة الحج بعد مائة عام من احتلال الحجاز. ونعم هم ضد سيطرة مشايخ نجد ـ في مناقضة لأقوال النبي ـ على سدانة الكعبة، وهو ما فعله السديس بتغيير الأقفال وتدخله في شأن محسوم دينياً.

اما الهوية الجامعة، فليتحدث عنها شخص من خارج المؤسسة السياسية والدينية الوهابية حتى نصدقه. فآل سعود ومشايخهم لا يؤتمنون على دين ولا على دنيا. ولا يهمهم هوية جامعة لا للبلد ولا للمسلمين، ويكفي ان نلقي نظرة لنرى أن الشقاق لا يأتي إلا من نجد، التي أضحت قرناً للشيطان كما وصفها رسول الله، منها الفتنة واليها تعود.

أوقفوا هدم مكة ونسف جبالها

نسف الوهابيون بدعم طغاة آل سعود، المعالم التاريخية في الحجاز، وبيت النبي وبيوت الصحابة والمساجد الأثرية، والمقابر والأماكن الأثرية، بحجّة ابعاد المسلمين عن الشرك!

ثم عدوا ونسفوا حارات مكة وكلها مقامة على بيوت تاريخية للصحابة والتابعين، بحجة التطوير!

والآن يستمرون في نسف جبال مكة التي تشكل هويتها الجغرافية ومعالمها الموصوفة تاريخيا والتي تحوي معالم الحج والزيارة والآثار الكبرى.. ويأتي هذا بلا تبرير سوى التوسعة، واستثمار علية القوم النجديين لمكة وتحويلها الى فندق كبير، والدفع بأهلها وبشكل جماعي للهجرة الإجبارية عنها الى جدة او غيرها.

لم تعد المدينة المنورة ولا مكة المكرمة بعد التغييرات الديمغرافية الهائلة سوى مرتع لأهل الحكم، ولأصحاب الدم الأزرق بتخطيط يراد منه طرد السكان مجاوري الحرم، ليحل محلهم آخرون فتصبح الأماكن المقدسة نجدية الهوية والمعالم، مسيطرٌ عليها من قبل تجار النظام وأمرائه!

ولقد صرخ المكيون والحجازيون عامّة ضد التدمير، وكتبوا الكثير من المقالات، وعلقت نخبتهم المثقفة في تويتر على ما يجري، في عملية متواصلة منذ فترة طويلة؛ حيث يظهر لنا بين الفينة والأخرى (هاشتاق) يتابع تفاصيل التدمير الوهابي/ السعودي/ النجدي المنظم لأعظم مقدسات المسلمين ومن اجل استحكام القبضة على السلطة السياسية بيد الأقلية النجدية.

آخر الإثارات التي أزعجت السلطة وكتابها، وربما كانت مقالة الإقتصادية قد جاءت بسبب مفعولها، هو ما سطره الحجازيون على تويتر في هاشتاق (# اوقفوا نسف جبال مكة). هذا بعض ألمهم الذي لا يريد طغاة نجد ومشايخهم سماعه:

كتب الصحفي بدر كريّم، مقالة بعد أن استبيحت المقدسات، قال فيها انه تاريخ جديد يكتب لهذه الأماكن المقدسة؛ لكنه تاريخ حزين.

حقاً هو كذلك. لقد نسف الحكام الطغاة ومشايخهم الباحثون عن نصر مذهبي في الحجاز، نسفوا روح مكّة قبل جبالها. انهم يريدون طمس هوية الحجاز، وتحويل مكة المكرمة الى مدينة للأثرياء، حسب احد المغردين. إن هدم جبال مكة لا يقلّ فداحة عن هدم آثارها، يقول سلطان الطاس. ويضيف بأن جبال مكة ليست مجرد كتل صامتة لو كانوا يعلمون. الجبل هو احد اوجه هوية مكة، بل هو جزء أصيلٌ من تاريخها. وبالنسبة للصحفي عمر المضواحي فقد تهون مشكلة الجبال امام نسف وطمس هوية مكة المقدسة. لكن الصحيح ان الجبال جزء من الهوية، ومكون أصليّ لها، ومن خلالها تستطيع أن تقرأ تاريخ الاسلام وتاريخ مكة بالذات. في بلدان العالم الأخرى تُحفظ الأماكن المقدسة والآثار الحضارية وتُحمى من الإندثار والعبث؛ اما في الحجاز حيث ارث الصحابة وتراث الرسالة، فيمحون المعالم والمزارات، حتى الجبال نهشوا صخورها!

لقد تم تدمير جبل الكعبة، كما تم نسف جبل خليفة بالكامل وشهرته بلبل، وكانت عليه القلعة، اما الآن فمكانه فندق وبرج الساعة. ومثل ذلك تم نسف جبل عمر، وجبل غراب؛ ونسف الجهلة جزء كبير من جبل قعيقعان، وجبل ابي قبيس وهما أخشَبَا مكة.

وحسب أحد المغردين: (ان استمرّ هذا العبث فستأتي بعدنا اجيال تعجب من وصفه سبحانه لمكّة بأنها وادٍ غير ذي زرع. وسيُقال: أين هو الوادي؟).

ولاتزال المعدات تدكّ ما تبقّى من جبل عمر، وتنسف ما تبقى من جبل الكعبة، فيما تواصل البلدوزرات دكّ جبل غراب بلا اكتراث، وأنّى للوهابية وآل سعود ان يكترثوا وقد دمّروا منزل رسول الله، ومنزل زوجته السيدة خديجة، واقاموا عليه المراحيض العامة؟!

يقول د. فائز جمال، انه عندما طُرحت فكرة إزال جبيل أبي قبيس لتوسعة المَخْنَقْ، وذكرتُ ذلك امام الشيخ صالح الحصين، وصف الفكرة بالحمق لمكانة الجبل الدينية. لكن لا حياة لمن تنادي، فالأشرار لا بد ان ينسفوا جبال مكة لخاطر عيون اصاحب الفنادق، يقول المغرد بندر. فيما يصرخ آخر: نريد تطوير مكة لا نسفها واغتصابها. فلازال جبل السيّدة يُدكّ الآن من أجل بناء الفنادق. والمتفجرات تزرع الدمار في جبل النور حيث غار حراء، وفي النهاية ليس هناك من هدف للتوسعة بل للإستثمار وبناء الفنادق لصالح من يمسك بزمام السلطة من امراء وحاشيتهم.

نعم فإن ما نراه ليس تطويراً بل تدميراً لشواهد مكة على المكان والتي تحدد بها الأملاك والأودية والشعاب، انه اعتداء على الشواهد وطمس لها. التطوير يعني المحافظة على الجوهر، ومعالم الأصل وروحه، وليس تدمير الجوهر يعني تطويراً بل تدميراً. ان تدمير جبل ابي قبيس، الذي يعتبر اول جبل على الأرض وفيه نبع زمزم. بل ان مجاري مياه زمزم تجري تحت الجبال التي نُسفت وهي تؤثر عليه بشكل كبير، تدميره يعني اعتداء على المكان وعلى الدين نفسه وشواخصه.

الصفحة السابقة