أزمة الخلاف على سوريا

العلاقات السعودية الأمريكية الى أين؟

لم تتعرض العلاقات السعودية الاميركية الى اهتزاز عنيف بالقدر الذي حصل بعد إلغاء
أوباما قرار الضربة العسكرية على سورية، فقد أبدت الرياض رد فعل فارط في الغضب،
نظراً لما تمثّله الضربة العسكرية من رهان لدى الجانب السعودي

خالد شبكشي

الآن، وبعد أكثر من نصف عام على إلغاء الضربة العسكرية تكشّفت أبعاد أخرى في العلاقة السعودية الاميركية. فقد انهارت أحلام الرياض في سوريا، فيما كانت واشنطن تشق درباً استراتيجياً جديدة يصل الى أقاصي الشرق. باتت سوريا عقبة بين الرياض وواشنطن، وهي تخفي كمية أسرار استراتيجية حول ما تضمره واشنطن من مواقف وقرارات وخطط، ربما لم تكن الرياض على دراية بها، أو بالأحرى على يقين بأن واشنطن يمكن أن تقدم عليها، فيما لا تزال تحتفظ بمصالح حيوية في المنطقة.

زيارة أوباما الى السعودية ولقائه بالملك عبد الله في نهاية مارس الماضي كانت تستهدف، حسب المعلن، تطمين السعوديين الى التزام الولايات المتحدة بأسس التحالف التاريخي بين ايزنهاور وعبد العزيز. فالتصدع الخطير الذي أصاب العلاقات السعودية الاميركية والذي لم يحصل منذ 40 عاماً قد جرى التخفيف من آثاره ولكن ليس معالجتها بصورة كاملة، عن طريق سلسلة تدابير تستهدف إعادة ترميم الثقة المدمّرة.

في مؤشر على العلاقة المتميّزة بين الجانبين، فإن كلا الحكومتين بذلتا جهوداً جبّارة من أجل إصلاح هذا النزاع، والذي ظهر بعد أن تراجع الرئيس أوباما عن «خطوطه الحمراء» في حال استخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية ورفض القيام بضربات عسكرية ضد حكومته.

هذه الخطوة كشفت عن تصدّعات ورسمت آفاقاَ من الريبة حول الانتقال السلس للسلطة في السعودية. ولكن الخلافات حول ايران، ومصر، وفوق ذلك كله سوريا، والتي أصبحت بمثابة قضية شخصية بالنسبة للملك عبد الله، باتت عالقة، وتركت التحالف بين البلدين الذي حكم ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط لعقود لا يزال مثقلاً بالشكوك.

إن التراجع في الملف السوري جاء كغصّة مرّة بالنسبة للرياض، ليس فقط لأن فرصة اطاحة الرئيس بشار الاسد قد ضاعت، ولكن أيضا لأن ثمة رسالة عريضة بعث بها التراجع حول مصداقية الولايات المتحدة، حول الضمانات الامنية التي اعتمدت المملكة الغنية بالنفط عليها على مدى عقود ستة.

أوباما في الرياض: ترميم الثقة الى أين؟

في سياق تعليقه على المفهوم السائد بأن الولايات المتحدة فقدت الاهتمام في الشرق الأوسط، يقول عبد الله العسكر، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى المعيّن في المملكة: (ليس لدى أوباما إرادة سياسية مطلقاً، ليس في سوريا فحسب بل في كل مكان)، ويضيف: (إن خيبة الأمل مع أوباما يشعر بها في كل أرجاء العالم العربي).

زيارة أوباما الى الملك عبد الله والتي كانت تستهدف بدرجة أساسية تخفيف التوتر بين الجانبين وتطمين الجانب السعودي الى التزام واشنطن بالتحالف التاريخي بين الدولتين، أعقبه تدفق الوفود من أجنحة متعددة من الحكومة على الرياض. ومن بين الزائرين كان وزير الدفاع تشيك هاجل، الذي شدّد على تصميم الولايات المتحدة على البقاء في المنطقة التي تنتج معظم نفط العالم.

السعودية، في غضون ذلك، اتخذت خطوات لتعزيز مقاربتها في النزاع السوري ولشرح بعض ما يقلقها حيال تردد الولايات المتحدة في الانخراط بصورة أكبر في الأزمة السورية، بما في ذلك تدابير للحد من النفوذ المتزايد للجهاديين على باقي الفصائل المسلحة.

أصدرت الرياض قانوناً جديداً وحازم لمكافحة الارهاب، ينزع قانونية الجماعات السورية المرتبطة بالقاعدة، ويفرض عقوبات على السعوديين الذين يتطوعون للقتال في سوريا. وهناك نحو 1500 مقاتل سافروا الى هناك، بناء على احصائيات الحكومة السعودية، فيما تقدر مصادر غربية عدد السعوديين المقاتلين في سوريا بسبعة آلاف مقاتل.

أيضاً.. استبدل الملك الرجل الذي بات معروفاً بأنه خلف التصدع في العلاقات السعودية الأميركية، أي الأمير بندر بن سلطان، والذي كان صريحاً في انتقاداته لفشل الولايات المتحدة في قصف سوريا والذي جلب الى الضوء عمق الغضب السعودي إزاء الحليف الأٌقرب، أي الولايات المتحدة. يصرّ مسئولون سعوديون على أن بندر استقال لأسباب صحية. ولكن الدبلوماسيين الغربيين قالوا بأن بندر، الذي خدم لسنوات عديدة كسفير سعودي في واشنطن وكان معروفاً بقدرته على التأثير في صناعة القرار الأميركي، قد تمّت تنحيته لأنه فشل في التعاطي مع رد الفعل الأميركي في الموضوع السوري.

إن التركيز الجديد على مكافحة الارهاب يعكس المخاوف السعودية الحقيقية حول التنامي المتزايد لنفوذ المتطرّفين في المعارضة السورية، والتي يبدو أنها أحبطت الرغبة الغربية في مساعدة المتمرّدين دون عمل أي شيء يساهم في تسريع عملية اسقاط الأسد، كما يقول مسؤولون سعوديون.

المخاوف من نوع الارتداد الذي تواجهه المملكة بعد عودة متطوعين سعوديين من قتال الاتحاد السوفيياتي في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي قد تضاعفت بعد أن كشفت السلطات عن مؤامرة مزعومة قبل أكثر من شهر من قبل 106 أشخاص يخططون لهجمات في السعودية. ومن بين المتهّمين، 62 شخصا سبق وأن تم اعتقالهم، فيما لا يزال 44 شخصاً قيد البحث.

إن بعض هؤلاء، على الأقل، كانت لديهم محادثات على برنامج سكايب مع أعضاء في تنظيم داعش (الدولة الاسلامية في العراق والشام)، حيث تمّت مناقشة اغتيال مسئولين سعوديين، بحسب اللواء منصور التركي، الناطق باسم وزارة الداخلية السعودية. وقال التركي: (لن تتم رعاية مصالح السعودية من قبل القاعدة. نحن لا نريد القاعدة بأن تتورط في سوريا، أو أن نرى شعبنا متورطاً هناك).

ولكن المملكة تقول بأنها ألغت هدفها الأصلي بإزالة الاسد، أو تخلت عن أملها بأن تقوم الولايات المتحدة في نهاية المطاف بالمساعدة في ارغامه على المغادرة، حسب الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات العامة سابقاً والذي يرأس مركز الملك فيصل.

ادارة أوباما أبدت في الأسابيع الأخيرة رغبة أكبر في السماح بأسلحة أميركية الصنع بالوصول الى المتمرّدين السوريين مثل صواريخ تاو المضادة للدبابات والتي ظهرت بحوزة المتمرّدين الشهر الماضي لأول مرة بعد أن سمحت الولايات المتحدة بإرسالها للثوار السوريين. تدابير استثنائية بمساعدة المعارضة السورية أيضاً متوقع الاعلان عنها من قبل إدارة أوباما، بما في ذلك انخراط البنتاغون المباشر في تسليح وتدريب الثوّار..

ولكن يبدو من غير المحتمل أن هذه الاجراءات سوف تصل الى مستوى ارضاء الآمال السعودية، أي بأن تكون خطوة معبّرة في سياق تغيير اللعبة، والتي سوف ترغم الأسد على التفاوض على مصيره، مثل تزويد المعارضة بصواريخ مضادة للطائرات، والتي يدفع المسؤولون السعوديون إدارة أوباما لناحية تزويد المعارضة بها.

(من الواضح أن خيبة الأمل سوف تزاد إن لم يكن هناك مزيد من الدعم للمعارضة) كما يقول تركي الفيصل، ويضيف: (مهما تكن السياسة التي رسمها العالم لسوريا لمنع قتل السوريين فإنها لا تعمل). ويضيف: (لا يمكنك التفاوض بدون أن تسوي أرضية الملعب، ولماذا يفاوض الأسد إذا كان يكسب الأرض؟) في إشارة الى التراجعات الميدانية التي تكبدّها الثوار على مدى أكثر من عام.

في المقابل، كان الأميركيون قد أبلغوا المعارضة بأن لا صورايخ ستينغر ولا تدخل عسكرياً من جانبهم سيتم. وقد انعكس هذا على مواقف الأطراف الإقليمية، إذ لم يفاجئ المراقبينَ إدراجُ مجلس الوزراء التركي (جبهة النصرة) على قائمة المنظمات الإرهابية، نظراً إلى ارتفاع منسوب المخاوف التركية حيال نفوذ الجماعات المتشددة على أراضيها، غير أن ذلك لم يُلغ استمرار التعاون مع التنظيمات المتشددة في سورية، في استمرار للسياسات المتقلبة التي تحكم علاقة تركيا بالملف السوري.

ويقول مراقبون إن الخطوة التركية أتت على ما يبدو رضوخاً لضغوط غربية كبيرة تمارَس على أنقرة لوقف تعاونها الوثيق مع هذه التنظيمات، التي لم تتوانَ في بعض اللحظات عن مهاجمة الأتراك أنفسهم، كما حصل أكثر من مرة عند خط الحدود، وبعد أن صنّف مجلس الأمن، ومن قبله الولايات المتحدة، المنظمة إرهابية، أتى التصنيف الأوروبي الأخير لها ليزيد من الضغوط على تركيا بهذا الشأن.

مصدر سوري معارض في تركيا أكد في 4 يونيو الجاري أن الصلة وثيقة جداً بين الاستخبارات التركية وهذه الجماعات، التي قبض الدرك التركي على أفراد منها يحملون غاز السارين، علماً أن هذه القضية تمّت لفلفتها لاحقاً، وهي لم تُثَر إلا بسبب النزاع داخل السلطة بين جماعة فتح الله غولن، التي تمتلك نفوذاً كبيراً داخل الدرك التركي، وحكومة رجب طيب أردوغان.

وأوضح المصدر أن الأتراك أبلغوا المعارضة السورية بشكل واضح أن الأميركيين لم يوافقوا على تسليمهم صواريخ مضادة للطيران من طراز (ستينغر)، وأشار إلى أن الأميركيين أبلغوا الأتراك و(معارضين سوريين) أن هذا الأمر غير ممكن في الوقت الحاضر، بسبب جملة اعتبارات، من بينها عدم وجود ضمانات لدى الأميركيين بـ(حسن استعمال) هذه الصواريخ. ونقل معارض سوري عن مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية قوله إن مَن يستلم هذه الصواريخ يجب أن يضمن أنه سيستخدمها لضرب الطائرات السورية فقط، وأن يكون قوياً عسكرياً إلى حد يستطيع حماية هذه الصواريخ إذا ما هاجمته (النصرة) أو (داعش).. وتوجه المصدر الأميركي إلى المعارض بالقول: (السنة الماضية سلمنا نواظير ليلية لهيئة أركان العميد سليم إدريس، وفي الليلة نفسها ظهرت هذه المناظير في حلب بأيدي الكتائب الإسلامية، ثم وصلت إلى رجال النصرة وداعش).

وصارح المصدرُ الأميركي المعارضَ السوري بالقول إن (تركيا والأردن والسعودية تعبّر لنا على قلق عميق من أن تصل أي من هذه الأسلحة ليد مجانين القاعدة)، وأضاف: (تريدون تدخلاً عسكرياً خارجياً، هذا لن يحدث أبداً، فلا تركيا ولا السعودية ولا الأردن على استعداد أولاً لدفع ضريبة الدم لمثل هذا الغزو، ولا الثمن الهائل جداً لتحدي إيران بهذا الشكل)، وتابع: (السعودية تريد أن تحارب أميركا نيابة عنها، أو أن تخيف أميركا إيران بشكل كافٍ، لكن نحن في أميركا لا مصلحة لنا على الإطلاق بأي حرب إقليمية، ولن يتحمّل الاقتصاد العالمي أبداً ارتفاعاً بثمن النفط بقدر مئة أو أكثر من الدولارات.. فلماذا ستغامر أميركا بهذا من أجل سورية أو صراع سخيف بين الشيعة والسُّنة أو صراع لا يهم أميركا على الإطلاق، ولا يؤثر في موازين السياسة العالمية على الإطلاق، حتى لو احتلت إيران سورية ولبنان والعراق احتلالاً فعلياً).

الصفحة السابقة