لماذا الآن؟

برنامج (الحراك السري) يزعج الرياض

هاشم عبد الستار

صُرع الإعلام السعودي حين بثّت قناة البي بي سي العربية والإنجليزية والفارسية برنامجاً عن الحراك السياسي المعارض والمستمر في القطيف منذ ثلاث سنوات وحتى الآنرغم القتل والإعتقال وأحكام الإعدام وعشرات السنوات سجناً. حجم ردة الفعل الرسمية الغاضبة مهولة على مواقع التواصل الاجتماعي، وعشرات المقالات في الصحافة الرسمية تدعو بالويل والثبور على بي بي سي وحياديتها المهدورة، فكثير من كتاب السلطة تباكوا على مصداقية البي بي سي وسقطاتها العجيبة بنظرهم! ولو كانت مديحاً للأمراء ـ وهي كثيراً ما تفعل ـ لقالوا لنا انها محايدة. ويضاف الى هذا كله، شتائم لصفاء الأحمد معدة البرنامج، العميلة التي يجب ان تحاكم، بنظر كتاب ومخبري آل سعود.

المغرد سالم يرى ان ألم السلطات السعودية حقيقي، ودليله هو مقالات الصحف السعودية التي لم تتوقف، وهو أمرٌ يؤكد الإنزعاج الرسمي البالغ من وثائقي الحراك السري، حسب الناشط الحقوقي علي الدبيسي. فيما علق المغرد عمر بن عبدالعزيز، وهو معارض سعودي ولاجئ في كندا، على تهمة الإرهاب الحكومي لنشطاء الحراك القطيفي فقال بأن الإرهابي الحقيقي هو الذي أكل خيرات الوطن، وحين صرخ أبناؤه مطالبين بحقوقهم، رماهم بالتهم واحدة تلو الأخرى. وأضاف: (يعرف كثير من علمائنا ومفكرينا حجم الظلم الذي يتعرض له الشيعة في القطيف، ولكنهم يسكتون خوفاً من ردة فعل الجماهير).

وهذا صحيح تماماً. فتطييف الجماهير من قبل النظام وآلته الإعلامية ومشايخه المتطرفين، يستهدف الى عزل أي نشاط معارض وتحييد تأثيره.

المحامي والأكاديمي والناشط الحقوقي عبدالعزيز الحصان، خلص الى نتيجة من مشاهدته الفيلم الوثائقي: (الظلم لا ينتج سوى عنفاً ودماءً). والناشط علي آل أحد قال ان القطيف هي اكثر منطقة في البلاد قدمت شهداء في سبيل الحراك الوطني وسبقت غيرها من المناطق في رسم خريطة المطالب الشعبية منذ نصف قرن.

أيضاً ردّ الحقوقي طه الحاجي على من يتهم الحراك في المنطقة الشرقية، بالعمالة لإيران بالقول: (ما في شيء يدل على وجود أي أجندة خارجية، وحتى المعتقلين الذين تمت محاكمتهم لم توجه لهم هذه التهمة، ولم يُحكم على أحد بذلك)؛ في حين تخلص لاما القطيفي من الفيلم بأن الجميع من مثقفين وحتى البسطاء والمراهقين اتفقوا ان التمييز الطائفي، والظلم والحرمان، وانعدام الكرامة كان المحفّز الأول للتظاهر ضد النظام.

المغرد علي الحرز انتقد تسمية البرنامج بالحراك السري، ذلك انه حراك علني ولكنه حراك مُغيّب حسب تعبيره؛ فأهالي القطيف والأحساء يصرخون بعالي الصوت: نطالب بالحرية والعدالة الإنسانية. اما الهاشتاق الحكومي فيرى ان بي بي سي ببثها الفيلم الوثائقي، فإنما تدعم الإرهاب ضد الدولة السعودية حين تنشر مادة تحريضية، وذلك بعد صدور احاكم الإعدام بحق (روافض) شاركوا في عنف القطيف.

وفي ذات الإتجاه، ولكن برأي معاكس، يرى عبدالقادر عياد بأن التمييز والإضطهاد للشيعة مجرد كذب، وان الحراك السلمي مجرد مؤامرة ايرانية لن تنجح. وهنا يرد عليه عبدالله العطوي بالقول: (بغض النظر عن الحراك السري هل يستطيع صحفي سعودي واحد ان ينقل الحقيقة بكل موضوعية من هناك ـ القطيف ـ ويتميّز بسبق صحفي)؟.

صحفي العربية نت خالد المطرفي، والموظف في الداخلية، تساءل تعليقاً على الفيلم الوثائقي: (أين الولاء للوطن؟ كالعادة البعض منهم يعزف على وتر المظلومية. المفروض الولاء لإيران)! اما الداعشي عبدالله زقيل فرأى ان الفيلم ملفّق، وتساءل لماذا لم تقم حمله ضده في الصحافة المحلية، بحيث لم يجد سوى مقالاً واحداً لرئيس تحرير الإقتصادية سلمان الدوسري، وتابع: (هل السكوت علامة الرضا به؟).

انه هنا مستعجل على التحريض وعلى الرد! وقد جاء الرد الرسمي عبر كتاب النظام، ولكن الطائفي اكثر سرعة في الطلب.

وفي العموم، فقد ترك الفيلم تأثيراً بالغاً في الرأي العام المحلي والخارجي، وأثار زوبعة من الجدل، وقد وجدت صحف الكترونية وقنوات تلفزيونية إثارة كبيرة في ردود الفعل الرسمية، وكتبت رأي اليوم عن غضب رسمي في السعودية على عرض الفيلم الوثائقي وتوقعت أزمة بين بريطانيا والسعودية.

لا نظنّ أن أزمة ستحدث بين البلدين على غرار سحب السفير السعودي، حينما تمّ عرض فيلم موت أميرة اواخر السبعينيات الميلادية الماضية. يومها كانت السعودية في أوج قوتها وتألقها الإقليمي. اليوم السعودية في أرذل العمر، وبالكاد هي قادرة على الذبّ عن نفسها!

لكن هناك أسئلة ملحّة: لماذا نشرت البي بي سي بقنواتها العربية والإنجليزية والفارسية برنامجاً عن حراك معارض مستمر منذ ثلاث سنوات، وهي التي لم تشر اليه من قبل؟ هل هو الهام من نوع ما! ام هو ابتزاز سياسي من قبل الإنجليز الذين عودونا بين فترة وأخرى على استخدام الإعلام كأداة لتحصيل العقود والمشاريع من الرياض؟ ام ان السبب هو يعود الى ان الرياض بدأت تتخذ سياسات منفلتة عن حلفائها الغربيين في مصر وغيرها، فأرادت لندن وغيرها من العواصم الغربية اعادتها الى بيت الطاعة كاملاً؟ ام ان موضوع حقوق الإنسان، خاصة في ظل القمع المتواصل والمتصاعد والشديد جداً، والذي وصل الى حد الحكم بالإعدام على ناشطين لم يتجاوز العشرين من العمر لمجرد تظاهرهم، سبب توتراً لدى لندن، التي ما فتئت تنصح الرياض ولا تستمع، مع ان العواصم الغربية عامة تشعر بوطأة الضغوط من انها تقدم مصالحها الإقتصادية على مبادئ حقوق الإنسان التي تزعمها؟

الصفحة السابقة