قلق التفاهم الإيراني الأميركي يقارب موسكو الرياض

توفيق العباد

لم تكن تحظى زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى المملكة السعودية التي استمرت يومين باهتمام استثنائي من قبل الاعلام المحلي والدولي.

لافروف التقى كبار المسؤولين في الرياض التي كان مسؤولوها يترددون على موسكو للتباحث في ملفات حساسة في المنطقة، ومن بينها زيارات متكررة قام بها رئيس الاستخبارات السعودية سابقاً بندر بن سلطان للعاصمة الروسية ولقائه بالرئيس فلاديمير بوتين، إضافة الى محادثات هاتفية بين الجانبين الروسي والسعودي على مستويات عليا، وآخرها زيارة وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل مدينة سوتشي الروسية، حيث التقى مع القيادة الروسية.

الموضوعات ذات الاهتمام المشترك بين موسكو والرياض باتت معروفة وعلى رأسها الموضوع السوري وإضيف الها الموضوع العراق لاحقاً، حيث يشكّل المقاتلون من جمهوريات آسيا الوسطى والمنخرطين في صفوف (داعش) قلقاً متعاظماً لدى الجانب الروسي. نشير الى أن بندر بن سلطان كان قد عرض على الجانب الروسي صفقة تتضمن ممارسة التأثير نفوذها على المقاتلين في القوقاز والذين يقومون بأعمال مسلّحة داخل روسيا، ونفّذوا عملاً إرهابياً في مدينة سوتشي حيث كانت تقام دورة الالعاب الشتوية.

موسكو معنية بمعالجة موضوع المقاتلين القوقاز، ولم يعد سراً أن السعودية لعبت دوراً كارثياً في أحداث الشرق الأوسط بل وعلى مستوى العالم من خلال تمويل وتدريب وتشجيع الارهابيين.

كان الملف السوري عالقاً بين موسكو والرياض، وأن الأخيرة لطالما سعت أن تقايض موسكو من أجل اسقاط النظام السوري، ولكن مع التطورات الميدانية واستعادة الجيش السوري النظامي زمام المبادرة وسيطرته على مناطق واسعة جعل الرياض تفكر جدياً في التوصل الى تسوية وتفاهم مع الجانب الروسي.

في الموضوع العراقي، فإن صعود نجم داعش فرض نفسه كخطر قريب على السعودية على المباحثات مع الروس، لأن هذه الجماعة باتت تشكل اليوم تهديدا مباشرا للسعودية نفسها، كونها وإن دعمتها في فترة ما الا أنها اليوم تخشى وصولها الى داخل البلاد في ظل وجود حاضنة شعبية لهذا التنظيم.

تربط المصادر الروسية بين ما جرى في العراق والعلاقات السعودية الايرانية، ويرى مصدر روسي بأنه «"أصبح معروفا منذ مدة وجيزة أن السعودية وجهت دعوة إلى الرئيس الإيراني لزيارة الرياض، علّنا في تلك اللحظة كنا على أعتاب تحسن جذري في العلاقات بين البلدين، ما كان على المدى الطويل سينعكس بشكل إيجابي على كامل منطقة الشرق الأوسط، ولكن هل نعتبر صدفة أن بعض التغيرات الإيجابية التي بدأت في العراق، عقبها وبشكل مفاجئ هجوم واسع النطاق من قبل «داعش»، التي تمولها تركيا بسخاء، طبعاً بموافقة الولايات المتحدة، أما المملكة السعودية نفسها فأعربت عن موقفها إزاء ما يحدث في العراق بوضوح، لقد أكد وزير خارجيتها سعود الفيصل أن هذه الجماعة تمثل الإرهاب الخالص، وأريد الإشارة إلى أن هذا الإرهاب يعزز الخلاف بين السنة والشيعة، وبالتالي يدفن الأمل بتحسين العلاقات بين الدول العربية وإيران، في هذا التوجه ينبغي النظر إلى زيارة لافروف لجدة كمحاولة لإنقاذ التوجهات الإيجابية التي لوحظت سابقاً».

تلفت المصادر الروسية أيضاً الى موقف السعودية من جماعة الاخوان المسلمين في الآونة الأخيرة حيث وضعت على قائمة الإرهاب، وقدمت دعماً مادياً هائلا لمصر، وحثت مواطنيها في 3 فبراير الماضي على العودة من «النقاط الساخنة» إلى الوطن، أي أنها تقوم بسلسلة من الأعمال التي تعارض جذريا أغراض حليفتها الرئيسة الولايات المتحدة الأمريكية، هل يعني هذا أن الرياض خرجت من إطار تأثير واشنطن وتعتزم اختيار روسيا كشريك لها؟ من الصعب تصور ذلك، ولكن من الواضح أن السعوديين يريدون العثور على جهات دعم بديلة، ومن الواضح أيضا من خلال الإتصالات المتكررة بين روسيا والسعودية أن موسكو على استعداد لتقديم هذا الدعم.

ولكن مصادر أخرى ترى بأن التفاهم الايراني الاميركي قد يكون على حساب مصالح ايران مع روسيا فقررت الرياض القلقة من أي تقارب ايراني اميركي تثمير قلق روسيا من نتائج هذا التفاهم أيضاً لجهة الدخول في تفاهمات مشتركة. الرياض اختارت الوقت المناسب لاستئناف التواصل مع موسكو، فزار سعود الفيصل وزير الخارجية نظيره الروسي وتباحث معه في ملفات هامة على رأسها سوريا والعراق ومصر، وقدّم له دعوة بزيارة المملكة لاستكمال النقاش وابلاغ المسؤولين السعوديين تصورات القيادة الروسية حول الملفات موضع الاهتمام..

الروس يلعبون مع ال سعود لعبة مكشوفة، وما يريدونه هم من الروس أيضاً بات معروفاً، وحين حاول بندر بن سلطان التمادي في اللعبة وصلته الرسالة واضحة بأن الدب الروسي لا يمزح حين يتعرض للخطر الوجودي. للروس خطوط حمراء والنظام السوري واحد منها، ولايران مصالح استراتيجية كبرى مع الروس وليست خاضعة للمساومة والمقايضة. بكلمات أخرى، أن صفقات موسكو الرياض ذات طابع تكتيكي وليست ممهدة لتحالف استراتيجي، بل يدرك الروس بأن الرياض تحاول أحياناً مناكفة حليفها الاستراتيجي، أي الولايات المتحدة، عبر الانفتاح المفتعل على روسيا، رغم أن هناك مصالح تبدو كبيرة كعقد الصفقة العسكرية لصالح مصر بتمويل سعودي بعد تدهور العلاقات بين القاهرة وواشنطن عقب 30 يونيو الماضي، وإسقاط نظام مرسي.

في كل الاحوال، يسعى آل سعود لاستثمار أي ثغرة في جدار العلاقات الروسية الايرانية، وأي فرصة يمكن استغلالها لجهة تفكيك المعسكر التي تقوده موسكو أو طهران في المنطقة، ولذلك فإن أي خلاف بين الاخيرتين هو بالنسبة لآل سعود فرصة، وإن أي تقارب بين طهران والغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص هو بالنسبة لهم تحدي لابد من الاستعداد له ومواجهته.

الصفحة السابقة