مشايخ الوهابية يلاحقون تغريدات جهادية!

شباب يعبرون الى الموت

سعدالدين منصوري

لم يبتلَ مذهب من مذاهب المسلمين كما ابتلى المذهب الوهابي، فهو بلاء على الأمة وبلاء على نفسه وأتباعه. وحتى يهرب من المسؤولية، وكي لا يصنّف باعتباره مذهباً شاذاً يلوذ دائماً بالتعميم، بأن يرمي بنفسه في الفضاء العام. فهو حين يعبّر عن عقائده يوصم غالبية المسلمين بالكفر والشرك والبدعة والضلالة، وحين يواجه الخطر يحتمي بالأغلبية التي كان كفّرها في كتبه وفتاواه..

حين يراد اليوم تحديد مصدر فتاوى التحريض على القتال باسم الجهاد، فلن يحتاج البحث وقتاً طويلاً ولا الذهاب بعيداً، فقد انفردت الوهابية بالمهمة، وهي تفرّخ هذه التنظيمات المسلّحة مثل داعش والتنظيمات المتناسلة من التنظيم الدولي للقاعدة، أي فروع القاعدة في الأقطار المجاورة، وهي، أي الوهابية، ترسي أسس الاعتقاد لدى هذه التنظيمات وتصدر لهم فتاوى الجهاد..

ولن نجد اليوم من يستغل وسائل الاتصال الاجتماعي، كما تستغله الوهابية ومشايخها في الترويج لفتاوى الجهاد وتجنيد المقاتلين والإنتحاريين. ولذا، فمن الطبيعي أن توجّه الأنظار إلى هناك، الى نجد، الى مدارس الدعوة الوهابية، الى بيوت المشايخ، الى مواقعهم الرسمية التي قاموا بتنظيفها بعد الدعاوى التي رفعت ضدهم في الغرب بعد القضية التي رفعت ضد بن جبرين واضطرته للعودة من المانيا قبل استكمال فترة علاجه حتى لا يكون في قبضة الشرطة الالمانية وتقديمه للمحاكمة بتهمة التحريض على الإرهاب والعنف..

النظام السعودي يخشى من مشايخه المتطرّفين الذين تربوا على مناهج التعليم الرسمية وأطلقهم في كل أرجاء العالم لوقت الحاجة. ولكنه شعر بأن خطرهم ليس باتجاه واحد، فقد ينقلب السحر على السحر وهو ما يجري حالياً، حيث يستعد (داعش) للاقتراب تدريجاً من الحدود واختراقها وصولاً الى قلب الجزيرة العربية لإستكمال بناء “دولة الخلافة” المزعومة..

فتاوى الجهاد تروج في مواقع التواصل الاجتماعي، وتفقد الحكومة السيطرة عليها، وحتى الطبقة العليا في المؤسسة الدينية الرسمية بدت كما لو أنها فقدت قدرة التأثير والزخم الروحي المطلوب للسيطرة على الجمهور. وهذا ما دفع الشيخ صالح بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة كبار العلماء في المملكة السعودية للتحذير من الفتاوى الشرعية الخاصة بالجهاد والتي يجري تعميمها وتداولها في تويتر. وقال بن حميد في تصريح لصحيفة “الشرق الأوسط” في 4 أغسطس الجاري يجب أخذ العلم الشرعي من “العلماء الثقات”. وأكّد أن هيئة كبار العلماء أوضحت “رأي الشريعة الإسلامية في نشوء بعض التنظيمات الجهادية المنضوية تحت راية الدين..”.

وبالرغم من محاولات الحكومة والمؤسسة الدينية الرسمية خصوصاً هيئة كبار العلماء الاعلى حصر الفتوى في نطاق ضيق، حيث عقدت المؤتمرات وصدر الأمر الملكي في 12 أغسطس عام 2010 القاضي بتفويض أعضاء هيئة كبار العلماء حق إصدار الفتوى الا أن تلك المحاولات فشلت لأن المذهب الوهابي يتيح لأتباعه حق الاجتهاد ولا سلطة لأحد عليه مهما كانت رتبته، فالوهابية دون بقية مذاهب المسلمين حوّلت الافتاء والاجتهاد الى حق عام يمارسه كل من شاء وبأدنى متطلبات المعرفة الشرعية.

فيصل الرويلي من مقاتلي جبهة النصرة

سير “ الدواعش” السعوديين

قيل الكثير عن حجم التمثيل السعودي في تنظيم داعش، الذي بات يعرف الآن باسم “الدولة الاسلامية” أو “دولة الخلافة”. تحدّث تقرير بعنوان (المقاتلون الأجانب في سورية) صدر عن مركز الدراسات الاستراتيجية (سوفان جروب) أن عدد المقاتلين السعوديين في صفوف داعش 3000. لن نناقش في الأرقام، ولن تنكشف الحقائق بسرعة، خصوصاً في ظل تعتيم شديد وفوضى عارمة تسود الدول التي يقاتل فيها السعوديون خصوصاً في سوريا ولبنان واليمن وغيرها..

ما يلفت الانتباه هو ليس الرقم وحده، بل الأخطر منه و الوظائف التي كانوا يعملون فيها. فليس محض صدفة أن يهاجر عدد من موظفي “الهيئة” للقتال، ويتسنّم بعضهم مراتب عليا في تنظيمات إرهابية مثل “داعش” و“جبهة النصرة”، أو حتى “الجبهة الاسلامية” التي أريد تسويقها باعتبارها تنظيماً معتدلاً فأظهر قادتها وعلى رأسهم زهران علوش مواقف تنم عن شخصية إرهابية من الطراز الأول..

ونستعرض هنا بعض قصص الدواعش السعوديين التي تكفلّت صحيفة خالد بن سلطان (الحياة) بنشرها، وهذا أمر بحد ذاته موضع تأمل. 

فيصل الرويلي (25 عاماً)، عمل في “الهيئة” لسنوات ثم تحوّل الى منشد في “داعش” وقُتِل في مواجهة مسلّحة مع فصيل “جيش الإسلام” التابع للجبهة الاسلامية بقيادة زهران علوش، المموّل من السعودية باعتبارها معتدلاً!

في 3 أغسطس الجاري، أعلن تنظيم “داعش” عن مقتل الرويلي بعد عامين قضاها في ساحات القتال متنقّلاً بين العراق وبلاد الشام. نشرت “الحياة” لمالكها خالد بن سلطان في 4 أغسطس الجاري قصة الرويلي، إذ باتت الصحيفة معنية بصفحة أموات السعوديين في ساحات الوغى. ولكن الرويلي قتل في مواجهات مع “جيش الاسلام” في الغوطة الشرقية بريف العاصمة السورية، دمشق. ويذكر في سيرته أنه من أوائل السعوديين الذين انضموا إلى القتال في صفوف “داعش”.

تذكر الصحيفة بأن شاباً سعودياً آخر انضم قبل إسبوع من مقتل الرويلي الى قائمة القتلى في سورية، وينتمي الشاب الى “جبهة النصرة”، ويعد قيادياً فيها، فيما قضى قيادي آخر في التنظيم في اليوم ذاته، بعد انفجار عبوة ناسفة، زرعت في سيارة كان يستقلها. واتهمت “النصرة” خصمها “داعش” بتنفيذ الانفجار.

وبحسب الصحيفة فإنه على رغم أن فيصل علي الرويلي لم يتعد الـ25 من عمره، إلا أنه تولى منصباً قيادياً في “جبهة النصرة”، وظهر في مقاطع مصورة عدة، خلال “جلسات إنشادية” صوّرت في معسكر أبي مصعب الزرقاوي، التابع لتنظيم “داعش”، إلا أن زملاءه في “النصرة” أكدوا أنه أحد مقاتلي الجبهة.

وهو ما أكده الرويلي شخصياً في اتصالاته المتكررة مع أسرته، وبعد أعوام من التنقل بين المدن السورية والقتال فيها، سواءً ضد النظام السوري أم خصوم الجبهة، وبخاصة تنظيم “داعش” قبل أن يلقى مصرعه في هجوم على مدينة الغوطة السورية.

والد فيصل، علي زاكي الرويلي، أوضح أن إبنه الأكبر فيصل كان يعمل قبل سفره الى سوريا موظفاً في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإماماً لأحد المساجد في منطقة الجوف (شمال السعودية).

وأضاف الرويلي لصحيفة “الحياة”: “لم يكن فيصل يحمل أي فكر قتالي أو إرهابي قبل ذلك، حتى إننا تفاجأنا بذهابه، إذ اتصل بنا وهو هناك، ليخبرنا بأنه انضم إلى «جبهة النصرة”. وتابع: “رفضت استقبال اتصالاته، وأخبرته أنني لن أحادثه حتى يرجع، إلا أنه أكد لي أنه لا يستطيع العودة، لأنهم محاصرون في مدينة الغوطة، فأصبح يتواصل مع والدته فقط”. 

خاض الرويلي معارك عدة في صفوفها، أبرزها معركة القلمون السورية. وأشار علي الرويلي (والد فيصل) في اتصال هاتفي أجرته معه “الحياة”، إلى أن فيصل كان موظفاً في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة الجوف، قبل أن يترك العمل لينضم إلى “داعش”. وظهر فيصل في مقطع صوتي بثه تنظيم “داعش” في موقع “يوتيوب”، يشدو بقصائد ثناء وتبجيل للقائد السابق لتنظيم القاعدة الزرقاوي، ولأبي بكر البغدادي الذي نصّب نفسه أخيراً أميراً للمؤمنين.

وكانت “الحياة” قد نشرت في 2 أغسطس تفاصيل رحلة الانتحاريين السعوديين في “داعش” كل من عبد العزيز السعوي وعبد الله السديري حيث نفذا عمليتين انتحاريتين في محافظة الرقة، في أواخر يوليو الماضي.

وذكرت الصحيفة بأن تنظيم “داعش” اختار الانتحاريين السعوديين السديري والسعوي لتنفيذ هجومين انتحاريين بعمليتين متتاليتين في محافظة الرقة، بقيادة سيارتين مفخختين، ارتطمتا بحاجز تابع للجيش السوري، فيما قام عبد العزيز صالح السعوي بالعملية الأولى، ليلحقه عبد الله صالح السديري بعملية ثانية.

وأوضحت الصحيفة أن السلطات السعودية كانت أفرجت عن عبد الله صالح السديري، المكنى لدى التنظيم الإرهابي بـ“كساب النجدي” و“أبو صهيب الجزراوي”، في يونيو 2012، الذي سجن بتهمة الترويج للتنظيمات الإرهابية، وكان عمره 17 عامًا، وعلى رغم صغر سنّه إلا أنه حاول الانضمام إلى تنظيم القاعدة في أفغانستان قبل أعوام، والتحق بـ“جبهة النصرة” في فبراير 2013.

الانتحاريان الداعشيان السعوي والسديري

ويعتبر السديري أحد المحرضين والمروجين لأفكار الجهاد على الطريقة الداعشية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والناشطين في المطالبة بالإفراج عن المعتقلين من تنظيم القاعدة، كما احتفل بإعلان “الخلافة الإسلامية” مطلع يوليو الماضي، واعتبر ذلك حلمًا تحقق.

والسديري هو ابن المعتقل صالح سليمان السديري الموقوف منذ عام 2007 في السعودية، بتهمة صلته بالجماعات الإرهابية. كما تم توقيف والدته أم أيوب السديري بالتهمة ذاتها.

أما السعوي، المكنى بـ“أبي خطاب الجزراوي”، فانضم إلى مقاتلي داعش أواخر يونيو الماضي، ليلحق بشقيقه إبراهيم صالح السعوي، المكنى بأبي بتار النجدي، الذي قتل في سبتمبر الماضي في سوريا.

والسعوي هو خال “هيلة القصير”، التي أوقفتها السلطات الأمنية السعودية بتهمة دعم الإرهابيين بالمال والعناصر النسائية، وهي من عناصره النشطة.

وفي 7 أغسطس ذكرت “الحياة” بأنها أحصت أسماء جديدة، التحقت بركب “الانتحاريين” السعوديين في الأماكن المضطربة خلال الأيام القليلة الماضية. 

وأضافت للقائمة مقتل سلطان بن دلياح الصعيري في حضرموت اليمنية، وهو من محافظة شرورة على الحدود الجنوبية للمملكة، بعد ثلاثة أيام فقط من انضمامه إلى صفوف مقاتلي تنظيم القاعدة. 

وتابعت الصحيفة تحرياتها في العراق، حيث أقدم السعودي مساعد سعود الجعيد، على تنفيذ عملية انتحارية شمال العاصمة العراقية بغداد في 3 أغسطس الجاري، والجعيد المعروف في أوساط المقاتلين بـ “أبو البراء الطائفي”، ينحدر من محافظة الطائف (جنوب غرب المملكة). 

مضيفة للقائمة السعودية، أسماء فوزان حمود الرويلي (23 عاماً)، وزميله إبراهيم علي الرويلي، اللذان قتلا في مدينة الأنبار العراقية، وكان فوزان طالباً في الكلية التقنية في منطقة الجوف، قبل أن يلتحق في صفوف مقاتلي جبهة النصرة في سوريا، وذلك في تموز (يوليو) من العام الماضي، ليتنقل منها إلى صفوف تنظيم “دولة الخلافة” في العراق. كما قتل تركي علي عقيل الرويلي، في مدينة ديالى العراقية. 

وسجلت الصحيفة، مقتل إبراهيم المطلق المعروف في صفوف المقاتلين بـ “أبو الحاكم النجدي”، في مواجهة مع الجيش السوري بريف حماة. المطلق كان طالباً في كلية الشريعة الإسلامية قبل أن ينضم إلى صفوف المقاتلين في سوريا، منذ أقل من عام. 

ويعد السعوديين من أكثر المقاتلين مع التنظيمات المتشددة المتواجدة في سوريا والعراق، ويتركز تواجد أغلبهم في تنظيم “دولة الخلافة” داعش.

وفي 8 أغسطس الجاري أوردت (الحياة) خبر الانتحاري السعودي محمد بن مترك القحطاني الذي فجّر نفسه في 7 أغسطس الجاري والذي مهّد لسيطرة (داعش)، على اللواء 93، الذي يعد أحد معاقل النظام السوري في محافظة الرقة (جنوب غرب البلاد). كما قتل في العملية 10 من أفراد التنظيم، من بينهم ثلاثة سعوديين، أحدهم يحمل صفة «أمير» في التنظيم. ويحمل القحطاني إسم أبو هاجر الجزراوي المهاجر،، وكان بايع أبو بكر البغدادي بالخلافة، عبر معرِّفه في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”.

الجدير بالذكر، وهنا بيت القصيد، أن القحطاني كان يؤم الصلاة في أحد مساجد مدينة الرياض، ومشرفاً على إحدى حلقات القران الكريم، وعُرف في محافظة الرقة بـ “فقيه المعسكر”، وأعطى دروساً فقهية. وأقام مخيمات دعوية لعامة الناس. وحاول القحطاني تنفيذ عمليات انتحارية سابقة، إلا أنها أُلغيت سلفاً.

كما قُتل في هجوم الشاب السعودي سلطان الدويش “بلال الجزراوي”، متأثراً بطلقة في رأسه بعد هجومه، أصيب بها خلال مشاركته في الهجوم على اللواء 93، والدويش هو الأمير السابق للقطاع الشمالي التابع للدولة الإسلامية في سورية، والتحق بتنظيم “الدولة الإسلامية” بعد إيقاف اثنين من إخوته في السجون السعودية، ووجهت لهما تهماً ذات طابع أمني.

وأصيب الدويش بطلقة في رأسه أثناء الهجوم ومات متأثراً بإصابته، ولحق الدويش والقحطاني، السعودي عمر العوشن “أبو خطاب النجدي”، الذي قُتل أيضاً في “عملية انغماسية”، وهو الوصف الذي يفضله عناصر (داعش) للعمليات الاقتحامية. فيما تداول عناصر التنظيم صورة دموية لأحد السعوديين من زملائهم سلطان الحربي، وهو يحمل رأس أحد ضباط الجيش السوري متفاخراً بعد نحره. وفي شأن آخر، تبادل أقارب وأصدقاء السعودي عبدالمجيد الرشود (25 عاماً) بعد مقتله أخيراً في سورية (27 رمضان) إثر معارك مع (داعش)  رسالة عبر برنامج «واتسآب» مضمونها: «أبشرك، الدولة أمس في الشام حررت 9 حواجز في حمص، وقتلت 300 نصيري، واغتنمت 15 دبابة، و4 BBMB، و40 صاروخ غراد، وفي العراق حررت قاعدة «سبايكر» الأميركية، بفضل الله وحده، 20 رمضان»، باعتبارها آخر رسالة وردت منه إليهم.

الصفحة السابقة