بندر بن سلطان.. وداعاً للأبد!

سامي فطاني

قضى سلمان بإعفائه بندر بن سلطان من آخر مناصبه في الدولة السعودية بكونه الأمين العام لمجلس الأمن الوطني على آخر فرصه في لعب دور المهندس للسياسة السعودية..

لا ريب أن الرجل لعب دوراً محورياً في العديد من الملفات بدءا من صفقة الأواكس، الى ايران كونترا، الى ملف الجهاد الافغاني وتشكيل القاعدة، وصفقة اليمامة مع بريطانيا والتي وصفت بصفقة القرن في العام 1985، وفي حرب الخليج الثانية واستقدام القوات الأميركية لحماية العرش السعودي، وكان له دور رئيسي في التخطيط لخفض أسعار النفط العالمية لخدمة الرؤساء جيمي كارتر ورونالد ريغان وبوش الأب والابن على حد سواء.

كما رتب بناء على طلب بيل كيسي من وكالة الإستخبارات المركزية «سي.آي.ايه» ومن دون معرفة الكونغرس، للسعوديين تمويل الحروب المناهضة للشيوعية في نيكاراغوا وأنغولا وأفغانستان، وكان وثيق الصلة بالحزب الجمهعوري وبتيار المحافظين الجديد وكان مقرّباً من ديك تشيني، وعائلة جورج بوش الأب والابن..

وصفته الصحافة الاميركية بالجاسوس السيد للشرق الأوسط، وكان البعيد عن الاضواء هو مهندس الاعمال السريّة في برنامج السعودية الواسع ، وهو ما ظهر جلياً من خلال الإنفاق الكبير الذي ساعد في الإطاحة بحكومة «الإخوان المسلمين» المنتخبة في مصر، كما في إنشاء «الجبهة الاسلامية» في سوريا والتي تخلى الغرب عنها بعد اكتشافه بأنها لاتقل تطرّفاً عن القاعدة والنصرة وداعش.

رسم لنفسه هدفاً كبيراً وعمل على أساس تحقيقه وهو تقويض القوة الإيرانية: إبعاد حلفاء طهران مثل بشار و»حزب الله»، الحؤول دون حصول إيران على أسلحة نووية، ووقف مخططاتها الإقليمية؛ ودفعها للخروج من معادلة التفوق إذا كان هناك أي طريقة لفعل ذلك.

في الوقت نفسه، عمل على سحق جماعة «لإخوان المسلمين» السنية، باعتبارها مصدر تهديد للسلفية الوهابية وما تعنيه من مصادرة للمشروعية الاسلامية للدولة السعودية. لم يكتف بذلك، فقد عقد تحالفاً استراتيجياً مع الكيان الاسرائيلي خارج نطاق مقررات الجامعة العربية واتفاقيات السلام، فقد أصبح حليفاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في محاربة ايران.

كان بين صيف 2012 وحتى نهاية العام 2013 الأبرز بين أمراء آل سعود في إدارة ماكينة السياسة السعودية..كان يتصرف كما لو أنه ملك غير متوّج، يقدّم العروض، ويهندس الحروب، ويغدق الأموال، ويحيك المؤامرات..يجمع بين السياسي والأمني، لا يكترث لقانون، ولا تعترضه سلطة، ويتحدّث باسم أكثر من دولة، يقول ما لايقوله الآخرون، يقابل القادة والزعماء ويصرّ على ذلك، ويرفض التعاطي معه بوصفه مجرد دبلواسي عادي، يتجاوز التراتبية الإدارية ويقدّم نفسه على أنه صانع القرار الحقيقي..

عرض على الرئيس بوتين ما لا يعرضه سوى قائد حلف دولي، بأن خيّره بين النفط وبشار الأسد، وحين اختار بوتين الانحياز الى جانب الأخير، نفّذت السعودية تهديد بندر باعلان حرب نفطية ضد روسيا..

في مصر، كان هو المهندس الفعلي لانقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس الشرعي محمد مرسي، وقد تباهى بذلك أمام بوتين حين حاول بيعه منجزاً بهدف إقناعه أو الضغط عليه لقبول العرض السعودي..

أمسك بالملف السوري وكان صاحب فكرة تحشيد كل مقاتلي الدنيا في سوريا بهدف اسقاط بشار، ودفع الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص لناحية الدخول في حرب في سوريا، ولكن أوباما لم يكن مقتنعاً بها، وقرّر في سبتمبر 2013 إلغاء فكرة الحرب الأمر الذي أغضب بندر وعبّر عن ذلك باللجوء الى فرنسا للالتفاف على الرفض الاميركي، وقام سلمان بزيارة الى باكستان من أجل تدريب المقاتلين وتنفيذ خطط الحرب التي أعدت سابقاً بمشاركة أميركية وأوروبية..

أصيب بإحباط شديد لأن كل الخطط التي وضعها ورسمها وموّلها ونفّذها انتهت الى الفشل، وليست تلك هي المشكلة. ولكن المشكلة الأكبر لبندر قد تكون بندر نفسه، فقد وضع موارد وهيبة المملكة السعودية مرة تلو الأخرى في حالة حرجة، فمن مساهمته في الحرب السورية، عملياً تشكل الكارثة الدموية الأكبر على عتبة السعودية، إلى العراق الذي أنتجت الفوضى التي قادها بندر فيه تنظيم داعش الذي بات على الحدود الشمالية للمملكة ويهدد باختراق الحدود، وصولاً إلى استمرار الصراع المدني في مصر، والتي تشهد انهياراً اقتصادياً حوَّلها إلى ثقب أسود لمليارات الدولارات من الأموال السعودية.

مشكلة بندر هو اعتداده بنفسه، وتصوير ما يقوم به على أنه من الخوارق التي لا يمكن لغيره القيام بها وهذا ما أوقعه في مأزق كبير. فقد أخبر بندر الملك عبدالله في 2014، أنه قادر على إيجاد حل للوضع السوري خلال أشهر معدودة، إلا أنه تبين في ما بعد أن بندر لم يحقق مزيداً من التحسن. بل انتهى الى الاحباط والفشل.. وخرج من المسرح بهزيمة قاصمة للظهر.

على أية حال، فإن الخطة فشلت وخسر بندر الرهان وانتزع الملف السوري من يده، وأقيل من منصبه كرئيس للاستخبارات العامة..وقرر الابتعاد عن الحياة السياسية..ثم جاءت الضربة القاضية فقد قرر سلمان عدم إضاعة الوقت وأقدم على تغييرات زعزعت أكثر المواقع أهمية، وكان منها إعفاء بندر بن سلطان، والمعروف باسم «بندر بوش» من منصبه كرئيس لمجلس الأمن الوطني وإلغاء المجلس بصورة نهائية.

الصفحة السابقة