حيويّة سياسية أم إمعاناً في التّيه؟!

ما وراء الحجّ الى الرياض

هاشم عبد الستار

خلال شهر واحد زار الرياض عددٌ كبير من المسؤولين الكبار، سواء من قادة الدول او من الشخصيات المؤثرة على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري، ما لفت النظر الى أن الرياض ـ في ظل الملك الجديد ـ قد عادت اليها الحيوية السياسية من جديد، بعد العجز الذي أصاب قادتها بسبب عامل السنّ اضافة الى الرعونة السياسية السعودية وتراجع الدور الامريكي في المنطقة.

فيما لفت محللون الى أن اعداد الحجاج الى الرياض يعود في عامل أساس منه الى تولية ملك جديد في السعودية، وحاجة قادة العالم التعرف على هذا الملك، وتأكيد السياسات والمصالح المشتركة مع النظام السعودي، والإطمئنان الى أن تغيرا لن يحدث على مستوى الصفقات الاقتصادية والعسكرية، او على مستوى المواقف السياسية.

كل زعماء دول الخليج زاروا الرياض الواحد تلو الآخر بفاصل يوم أو يومين!

أردوغان والسيسي كانا في الرياض بفاصل ساعات فقط!

رئيس وزراء الباكستان نواز شريف لحق بالرياض بعد أيام، بعد أن زارها قبلاً للتعزية بوفاة الملك عبدالله، وبعد لقاءات عديدة في الرياض قام بها رئيس هيئة الاركان الباكستانية مع المسؤولين السعوديين.

لقاءات متسارعة مع قيادات يمنية معادية للحوثي، ووفد من الحوثيين في الرياض يفشل في مهمة التهدئة، وأخبار عن زيارة وفد من حزب الاصلاح اليمني الاخواني الى الرياض، حسبما تشير وسائل الإعلام الإخوانية.

أحاديث كثيرة عن صلح سعودي مع الإخوان، فقد اطلق جواز سفر سلمان العودة؛ ودعت الرياض قيادة حماس لزيارتها، ومقالات في الاعلام الاجنبي والعربي تتحدث عن تحوّل وشيك في سياسة الرياض تجاه حركة الإخوان، قيل أن اكثر تلك المقالات تمّ الترويج لها والحضّ عليها ودفع ثمنها من قبل قطر أو بتأثير من جماعة الإخوان.

ايضاً فهناك كلام كثير عن حلف سعودي تركي باكستاني يتشكّل؛ أو هو حلفٌ تركي سعوديٌ مصري، هدفه مواجهة ايران.

جون كيري كان في الرياض لتخفيف الوطأة على الرياض بشأن احتمالية اتفاق الغرب نووياً مع ايران. هناك اجتمع مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون، وجأر سعود الفيصل في مؤتمر صحفي مع كيري بالألم والشكوى من أن نفوذ ايران يتوسع في العراق، مطالباً الحلف الامريكي ضد داعش بقوات بريّة تقاتل على الأرض منافسة لإيران.

وزير الداخلية والرجل الثالث في الدولة، محمد بن نايف كان في قطر ابتداءً، ثم ذهب الى لندن، ليتعرّف الانجليز على توجهاته. ومحمد بن سلمان وزير الدفاع يقابل مسؤولين غربيين عسكريين في الرياض اجتمعوا لمناقشة حرب داعش؛ واجتمع بآخرين في ابوظبي على هامش معرض السلاح!

ملك الاردن ورئيس السلطة الفلسطينية كانا في الرياض بحثاً عن أموال سعودية! وكذا رئيس التخطيط والإقتصاد الألماني، وغيرهم. فالرياض لازالت رغم انهيار اسعار النفط بقرة حلوب! مطالبة بدفع الجزية لأكثر من طرف غربي وبأمره!

محللون اتجهوا الى تحليل هذا العنفوان السياسي السعودي، بأنه من أجل الاستعداد لما بعد الاتفاق النووي الايراني، وقالوا أن المملكة تقف امام مفترق طرق؛ ليست هي فحسب، بل كل منطقة الشرق الأوسط، حيث يتوقع ان يؤدي الاتفاق النووي الايراني مع دول الخمس زائداً واحداً، الى تغيير هائل في المشهد السياسي شرق الأوسطي، بما يحمل من تداعيات صعود ايران كقوة مهيمنة، وتراجع مكانة السعودية واسرائيل استراتيجيا بعين الغرب، اضافة الى فتح الافاق امام حلحلة الملفات السياسية الساخنة في المنطقة بدءً من نمو العنف الداعشي ومواجهته؛ ومروراً بملفات سوريا والعراق واليمن ولبنان وافغانستان وأمن الخليج وغيرها.

ترى هل نحن بإزاء مراجعة سعودية تاريخية لسياستها الخارجية؟ هل حان الوقت لذلك؟ كيف تتلمس الرياض خطواتها المستقبلية امام الفزع من اطلاق النفوذ الإيراني على مصراعيه؟ وكيف ستتدبر الرياض أمرها وما هي اتجاهاتها السياسية في المرحلة القادمة؟

أسئلة عديدة تطرحها الزيارات المتتالية الى الرياض، ولكن قد يتمخّض الجبلُ فيلدُ فأراً! اي قد لا يحدث أي تغيير في السياسات السعودية الخارجية حتى مع تحقق الخسائر للسعودية ومكانتها ودورها الإقليمي.

الصفحة السابقة