هل حقاً أوقف آل سعود الحرب على الإخوان المسلمين؟

عبد الوهاب فقي

جهتان معنيتان بالترويج لخبر مراجعة السعودية في عهد سلمان لسياستها إزاء جماعة الإخوان المسلمين وهما: الجماعة نفسها والتيار الديني الإخواني (أو السروري بحسب خصومه) في السعودية. المؤشرات الدالّة على مثل هذه المراجعة ليست كثيرة، بل جزء كبير منها يندرج في سياق «التمنيات» ومنها:

  • رفع الحظر على سفر الشيخ الصحوي سلمان العودة المصنّف بوصفه أحد أبرز رموز «التيار السروري» بحسب خصومه والمحسوب على الاخوان المسلمين في المملكة..
  • إعفاء رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبد اللطيف آل الشيخ الذي لم يكن على وفاق مع التيار الصحوي وتعيين شخص مقرّب من التيار وهو عبد الرحمن بن عبدالله السند.

وكان رجال دين وأكاديميون محسوبون على التيار الاسلامي المقرّب من الاخوان المسلمين قد شنّوا في يوليو 2014 حملة ضد رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السابق عبداللطيف آل الشيخ، وطالبوا بإزاحته، وروّجوا أخبار عن الهيئة ورئيسها بهدف الضغط لإعفائه.. وبعد تولي سلمان الحكم وإصداره أمراً بتنحية آل الشيخ من منصبه وتعيين السند اعتبره التيار الاخواني في المملكة انتصاراً لهم، وتحوّلاً في السياسة السعودية إزاء الإخوان.

  • في خبر وصف بأنه مفاجأة ومؤشر آخر على تحوّل في الموقف السعودي تجاه الجماعة.. استضافة الرياض الداعية علي محي الدين القرداغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في 20 فبراير الماضي. وقد أعلن الاتحاد عن سفر أمينه العام القره داغي إلى المملكة السعودية للمشاركة في فعاليات مؤتمر رابطة العالم الإسلامي الخاص بالتصدي للإرهاب.
  • زيارة الرئيس التركي رجب أردوغان الى الرياض في 28 فبراير الماضي بعد توتر ساد العلاقة بين البلدين عقب إسقاط حكومة محمد مرسي في 30 يونيو 2013. الزيارة تجاوزت مجرد إعادة تطبيع العلاقة بين الرياض وانقرة وبلغت مستوى التحالف في مواجهة «الخطر الايراني» بعد التطورات المتسارعة في المنطقة خصوصاً في اليمن وسوريا. وبالرغم من تزامن زيارة اردوغان مع زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الا أن كلاماً قيل عن «هدنة» في الحد الادنى بين الرياض وجماعة الاخوان المسلمين. ولكن هناك من بالغ في التفاؤل واعتبر زيارة اردوغان فاتحة لصفحة جديدة في العلاقة بينهما، في ظل التحديات التي تفرضها ايران على المنطقة.
  • الترويج لخبر ان خالد مشعل سيزور الرياض بدعوة من الملك سلمان.
العودة: اطلاق سراح جواز سفره!

في غضون ذلك، وفي ظل أحاديث عن تحالف ثلاثي سعودي تركي مصري لمواجهة المعسكر الآخر الذي تقوده ايران، فاجأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المتفائلين بالحكم على قادة الإخوان بالإعدام، ومن ثم حكم آخر بتصنيف حركة حماس المحسوبة على الاخوان المسلمين بأنها جماعة إرهابية، ما يغلق الباب على أي كلام عن مثل تلك التحالف. في المقابل تحدّث مقرّبون من الجماعة عن توتر في العلاقة بين مصر والسعودية الى حد القول أن سلمان سأل السيسي خلال زيارة الأخير للرياض عن الأموال الخليجية التي قدّمت كمساعدات الى مصر.

هذا من حيث المعطيات المتوافرة والمباشرة التي تحدّثت عن تحوّل في العلاقة بين السعودية والاخوان، وقيل حينذاك ولا يزال يقال بأن هذا التحوّل مبني على مراجعة للسياسة الخارجية السعودية في المرحلة الماضية، ووضعت شائعة استقالة سعود الفيصل في سياق تلك المراجعة، كون الأخير يعد من المتشدّدين في ملف العلاقة مع الاخوان المسلمين.

تقارير ومقالات أجنبية

على مستوى التقارير والمقالات الصحافية، نتوقف عند أهمها ومنها مقالة تحليلية نشرها موقع ستراتفور في 23 فبراير الماضي تحدّت عن فرص التقارب بين المملكة السعودية في عهد سلمان و الإخوان المسلمين، وتطرّق الى محفّزات التقارب وما يقابلها من الموانع.

في المعطيات، وضع لقاء سلمان بأمير قطر تميم بن حمد في 17 فبراير بعد أيام من تصريحات لوزير الخارجية سعود الفيصل قال فيها: «ليس لدينا مشكلة مع الإخوان المسلمين. مشكلتنا مع مجموعة صغيرة من الناس يطالبون الشعب بالولاء للمرشد». واعتبر التصريح مشجّعاً لناحية توقع تغيير جوهري في السياسة الخارجية للسعودية تجاه جماعة الإخوان المسلمين المدعومة من قطر.

في المقابل، ينبّه المقال الى نقطة جوهرية تتعلق باستراتيجية وأيديولوجية الاخوان المسلمين والدولة السعودية، ما يجعل الحديث عن تصوّر جديد لعلاقة متطوّرة بينهما مجرد تكهن غير واقعي، إذ يتطلب دراسة طبيعة جماعة الإخوان المسلمين والدولة السعودية لفهم إمكانية التوصل الى مصالحة استراتيجية بين الطرفين من عدمها.

نتذكر الهجوم العنيف الذي شنّه ولي العهد الأسبق الأمير نايف على الاخوان المسلمين وتحميله إياهم كل ويلات العالم، وأنهم وراء كل بلاء وقع على المسلمين وعلى المملكة. وهذا ما يلفت اليه المقال بالحديث عن تباين نظرتين بين السعودية والجماعة، حيث أن السعودية تقوم على نموذج سلفي هادىء، في مقابل وجهة نظر أخرى تعتنقها جماعة الاخوان وتنزع نحو إقامة نظام جمهوري للحكم، ما يعتبر تهديداً على المدى الطويل للنظام السعودي. في رؤية الأخير، أن استراتيجية الاخوان المسلمين تستهدف تقويض كل الانظمة السياسية في المنطقة واستبدالها بنظام يحكمه الاخوان.

صحيح أن الجماعة لا تشكّل في الوقت الحالي تهديداً مباشراً للسعودية (فقد جرى إضعاف الجماعة في مصر بعد سيطرة العسكر على السلطة منذ منتصف 2013)، خصوصاً في ظل تصاعد خطر «داعش» واعلانه الحرب على السعودية بحسب خطاب البغدادي الأخير قبل شهور قليلة.. على أية حال، فإن المملكة السعودية تواجه مجموعة كبيرة من الخصوم، وهي اليوم محاطة في الغالب من دول تدار من خصوم وليس حلفاء سواء في العراق وسوريا في الشمال، وفي ايران في الشرق، واليمن الجديد في الجنوب.. فيما تخشى حالياً من تقارب استراتيجي بين الولايات المتحدة وايران. وفي نهاية المطاف فإن السعودية في وضع لا تحسد عليه، وهو ما يضطرها لمواصلة سياسة خارجية صعبة أحادية الجانب.

يلفت المقال الى أن السعودية والامارات والكويت تنفق موارد مالية كبيرة لاحتواء الفوضى المتزايدة في المنطقة - في ظل تراجع أسعار النفط - خوفًا من الاضطرابات التي تسمح لإيران بتوسيع نفوذها في المنطقة. ومع صعود دور حركة أنصار الله الحوثية في اليمن، فإن الرياض تجد نفسها في صراع متزايد مع إيران وحلفائها.

وتربط المقالة بين تصاعد وتيرة الخطاب الطائفي الذي تقوده السعودية، وبين القدرة التشغيلية الأكبر للمقاتلين من جماعات السلفية الجهادية، ولذلك تتعمد السعودية توظيف هذا الخطاب لمنع «داعش» من الاقتراب من ايران والبقاء داخل نطاق الحرب عليها وإن اختلفت معها أو هدّدتها. في المقابل، تستغل «داعش» الصراع الطائفي لزيادة عديد مقاتليها والحصول على تبرعات مالية سخيّة من شخصيات خليجية سياسية ودينية تحت عنوان محاربة المد الإيراني الشيعي. في الوقت نفسه تدرك السعودية الحاجة الى بناء تحالف واسع يضم العرب السنة لمحاربة «داعش» وقد يشكل ذلك سبباً استثنائياً لإعادة التفكير في الموقف من الاخوان المسلمين المصنّفين كخصم رئيسي للسلفية الجهادية المتمثلة اليوم في القاعدة وداعش.

احمد عثمان التويجري: تمنيات إخوانية

لا ننسى أن لدى السعودية تجارب تعاون سابقة مع جماعة الاخوان المسلمين في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي في مواجهة القوى اليسارية والقومية الناصرية، وكذلك في دعم مشروع تحديث الدولة السعودية الذي كان علماء الوهابية يعارضونه في المجمل، كونه يؤدي في نهاية المطاف الى تقويض الدعاوى التي قامت عليها الوهابية.

في حال حصل تحوّل في السياسة السعودية، فإنه على ما يبدو سوف يحدث اختلالاً على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً لدى الامارات التي واصلت هجومها على الاخوان، ولا تزال تواصل خطوات تضيّيق الخناق على خلايا الإخوان المسلمين التي تشارك في ما تسميه أبوظبي بـ»التخريب المحلي».

وتشدّد المقالة على أن جهود الرياض للدخول في تسوية تكتيكية مع جماعة الإخوان المسلمين ليست بالأمر اليسير الخالي من المشاكل. وبرغم كون الجماعة قد تكون مفيدة لمواجهة «داعش»، إلا إن أي تحول في الموقف السعودي تجاه الإخوان يحمل الكثير من المخاطر.

ويخلص المقالة الى أن التسريبات الإعلامية الأخيرة والتصريحات لا تفيد بتحوّل جوهري في السياسة السعودية، فمن غير المُحتمل أن المملكة السعودية سوف تقوم بتحوّل استراتيجي في معارضتها لجماعة الإخوان المسلمين. اللهجة الأقل حدّة التي ظهرت في موقف العاهل الجديد تجاه الجماعة ليست سوى آلية بديلة تهدف إلى إدارة أفضل للتحديات الإقليمية في المملكة السعودية. ومن أجل مواجهة تنظيم «داعش» تحتاج الأخيرة إلى بناء تحالف ضد الجهاديين الإقليميين تكون جماعة الإخوان المسلمين جزءًا منه. ورغم ذلك؛ تحتاج السعودية إلى التأكّد من أن جماعة الإخوان المسلمين لن تهدد الدول العربية التي أضعفها - بالفعل - الربيع العربي. وإذا خفّفت المملكة بالفعل من حدة موقفها المتشدد، فإنها تخاطر بصنع مشاكل إقليمية أسوأ.

مقالة أخرى نشرت في ميدل إيست آي بتاريخ 17 فبراير تحدّثت عن تقارب فعلي بين السعودية والاخوان المسلمين، واستهلت المقالة بتعليق لأحمد التويجري عضو مجلس شورى سابق في السعودية على قرار تصنيف الاخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، وهذا التصنيف كان في السعودية قبل أن يكون في مصر، وذكرت المقالة بأن تقارير تتحدث عن أن السعودية تدرس إجراء تغيير في سياستها في عهد الملك سلمان.

مصادر الميدل أيست آي والتي لم تكشف عن هويتها ذكرت بأن التويجري على علاقة وثيقة حالياً بالملك سلمان، ويقدّم نصائح له بصورة غير رسمية. وتضيف المصادر أن تعليقات التويجري هذه قد تعكس تغيراً في وجهات النظر داخل أسرة آل سعود.

التويجري وضع تصريح سعود الفيصل حول الاخوان في سياق إيجابي، بل اعتبرهم الحليف الطبيعي للمملكة السعودية، ونفى أن تكون وزارة الداخلية السعودية قد صنّفت الاخوان كلهم بالإرهاب، مع أن وزير الداخلية الأسبق الأمير نايف وصف الاخوان بأنهم وراء كل الويلات التي حلّت على المملكة، بل ورعى مؤتمراً حول السلفية باعتبارها المنهج الشرعي والمطلب الوطني بهدف تحصين الداخل والرد على الاخوان بعد وصولهم الى السلطة في مصر.

ذهب أحمد التويجري بعيداً في تفسيره التعسفي لتصنيف الداخلية السعودية للإخوان بكونها جماعة إرهابية، وراح يسهب في جدل لغوي غير ذي صلة، وقال بأن المملكة لم تقل في بيان واحد أن جماعة الإخوان المسلمين هي منظمة إرهابية، مع أن بيان الداخلية كان واضحاً، بل أن الهجمة التي شنّت على الجماعة في الاعلام الخليجي عموماً وفي الاعلام السعودي على وجه الخصوص، كانت في سياق تجريم وشيطنة الإخوان، وتسويغ قمعها واستئصال جذورها في كل دول الخليج.

ومن المعلوم أن المملكة السعودية في عهد الملك عبد الله كانت وراء إسقاط حكومة الاخوان في يونيو 2013 والإتيان برئيس جديد من المؤسسة العسكرية. وقد قدّم الملك عبد الله أكثر من عشرة مليارات دولار مساعدة مالية للنظام الجديد بقيادة عبد الفتاح السيسي في مواجهة الاخوان، وتبع ذلك وصفهم كمنظمة إرهابية في مارس 2014.

وعلى الرغم من ظهور السعودية كمعارض قوي لجماعة الإخوان، فإن التويجري ينزع الى وضع العلاقة بين المملكة والاخوان في سياق التحوّلات الاقليمية واعتبارها مناسبة لاعادة تشكيل تحالف سنّي لمواجهة ايران يمتد الى المغرب ويصل الى الخليج مروراً بشمال افريقيا ويستوعب تركيا.

على أي حال، فإن قلة من الخبراء الذين يتوقعون حدوث تغيير كبير في عهد سلمان، وليس من المتوقع أن يقوم الملك الجديد بانعطافة حادة تقلب موازين السياسة الخارجية، وتحالفات بلاده مع الخارج.

اندرو هاموند، زميل بارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية يقول: «لقد كانت سياسات المملكة متشددة بشكل واضح تجاه جماعة الإخوان تحت حكم عبد الله». وأضاف: «لقد كان ذلك في سياق الربيع العربي، وكان السعوديون قد أصبحوا يشعرون بالرعب من مكاسب الحركات الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة. من الطبيعي أن ينسحبوا إلى الوراء قليلاً، وخاصةً أنه من الواضح أنه سيكون لجماعة الإخوان دور مهم في سوريا التي يحاول السعوديون إزالة الأسد منها. إذا ما نجحوا في التخلص من الأسد، فإن جماعة الإخوان ستلعب بلا شك دوراً رئيساً في ما سيأتي بعد ذلك».

وقال أعضاء من جماعة الإخوان في مصر الذين يقيمون في المنفى في قطر، إن «هناك شعوراً متزايداً من الأمل» أنه في ظل الملك سلمان قد يكون للمجموعة فرصة لإعادة تأكيد نفسها. وقال إخواني لرويترز: «الأمور تتغير من حولنا، والقادة الجدد يأتون إلى السلطة، وحان الوقت لكي يكون لنا صوت مرة أخرى، ولكي نوضح للعالم من نحن حقًا».

وفي حين قد يكون لجماعة الإخوان استخدامات في مجالات معينة، إلا أن الجماعة «هي بالتأكيد عدو للسعوديين»، وفقاً لهاموند. وقال الأخير: «يرى السعوديون رغبة الإخوان في العمل في ظل نظام ديمقراطي ذي مرجعية إسلامية كتهديد أساسي لحكمهم»، مضيفًا أن الرياض سوف «تحتاج لمواصلة القتال ضدهم، ولكن بطرق أكثر ذكاءً». وأضاف هاموند: «إذا اقترب السعوديون قليلاً من جماعة الإخوان، فإن ذلك سيسمح لهم بمعرفة المزيد عمّا يقومون به، أو يحاولون القيام به، في المملكة السعودية. هذا شيء فعله السعوديون بذكاء على مدى السنوات الـ 20 الماضية، وقد تمّ النظر إلى بعض الناس داخل النظام السعودي على أنهم مقرّبون من جماعة الإخوان. كانت هذه وسيلة للتجسس على الإخوان، والتأكد من أنهم لن يصبحوا تهديداً فعلياً».

دفاع عن الإخوان أم عن النظام؟

ومع ذلك، تبقى المملكة السعودية من الحلفاء المقربين للسيسي في مصر حتى الآن. وقال سلمان للرئيس المصري إن العلاقات الثنائية «أقوى من أي محاولة لزعزعتها»، بعد تسريب شريط إهانة السيسي لرعاته في الخليج.

أما في حال صدقت توقّعات الإخواني عثمان التويجري حول وجود تحوّل خفي في علاقة المملكة السعودية مع الاخوان فمن المرجّح أن تواجه المملكة مشكلة مع دولة الإمارات التي اعتبرت هذه المجموعة إرهابية بعبارات لا لبس فيها، وفقاً لهاموند. وقال الأخير إنه، وفي حين عملت الرياض وأبو ظبي بشكل وثيق في الاستجابة للتحديات الناجمة عن الربيع العربي، إلا أن هذه الشراكة ليست قوية كما يصوّر في كثير من الأحيان، ومن الممكن أن تكون على وشك أن تتعكر مرة أخرى. وأضاف: «لم يكن السعوديون والإماراتيون أبداً على علاقة وثيقة جداً. ما شهدناه في السنوات القليلة الماضية هو اجتماع مؤقت للمصالح حول قضايا أوسع، ولتحديد كيفية التعامل مع الانتفاضات العربية. ولكن هذا لن يستمر، ويبدو أن المصالح بدأت تتباين مرّةً أخرى».

مقالات اخوان سعوديين

في الداخل، كان لافتاً أن ينبري عدد من الإسلاميين المحسوبين على خط الاخوان المسلمين في المملكة السعودية لكتابة مجموعة مقالات من أبرزها مقالة لحمد الماجد أستاذ في جامعة الإمام سعود بالرّياض، وعضو الجمعيّة الوطنيّة لحقوق الإنسان في 25 فبراير الماضي حين طالب بمراجعة المملكة السعودية لموقفها من جماعة الإخوان المسلمين.

وقال الماجد، في مقال له نشره على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بعنوان (الإخوان والإرهاب: مرافعة عن سياسة بلادي لا دفاعاً عن الإخوان)، أنه قال لمسؤول سعودي رفيع المستوى أن اعتبار جماعة الإخوان وإدراجها كحركة إرهابية مثل «داعش» والقاعدة لم يعد مقنعا للرأي العام العالمي.. وأوضح هذا الأمر بما نصّه: (وفد ذكرت للمسؤول السعودي بأن أكبر الملاحظات على قرار إدراج الإخوان على قائمة الإرهاب هو في مشكلة إنزاله على الواقع ، فالقرار حين جعل الإخوان حركة إرهابية، لم يحدد هل المقصود الإخوان فكراً أم تنظيماً؟)؛ واختتم الماجد بأن «الدول التي أدرجت الإخوان في قائمة الإرهاب، لا بد أن يدركوا أن السجون والتعذيب والمطاردات ليست هي الحل، بل ربما زادت هذه الإجراءات في خلق تعاطف معهم وتوسيع شعبيتهم».

وواصل الماجد شرح طبيعة الحملة الاعلامية التي تعرّضت لها جماعة الاخوان المسلمين والتي قادتها دول خليجية لجهة التأثير على حكومات الدول الغربية لحظر المؤسسات التي تتبع لتوجهات إسلامية سياسية إلا أنها لم تفلح في استصدار قرارات بحظرها، فالاجراءات القانونية والقضائية في الدول الغربية بالغة التعقيد، وليس من السهولة استصدار هكذا قرار. وذكّر الماجد بمحاولات الحكومات البريطانية المتعاقبة المستميتة لترحيل أبي قتادة الذي كان يصرّح بتأييده للقاعدة ويدعم عملياتها، وما بُذل من وقت وجهد وتكلفة مالية باهظة قدمتها الحكومة البريطانية من خلال دافعي الضرائب، تخيل لو أن كل دولة غربية عمدت إلى حظر المؤسسات الإسلامية الثقافية والفكرية والإغاثية والاجتماعية والتربوية والأكاديمية التي تسيطر عليها توجهات إسلامية سياسية مثل حركة الإخوان أو أفراد متعاطفون معها، كم من الجهد والمبالغ الضخمة التي سينفقها دافعو الضرائب، هذا فقط لحظرها، فما بالك بالإجراءات القانونية لترحيل المسؤولين عنها وأعضائها والمتعاونين وهم بالآلاف؟

ويكشف الماجد عن المزيد من الملاحظات التي قدّمها للمسؤول السعودي بخصوص إدراج الاخوان الملسمين على لائحة المنظمات الارهابية، (فإن كان المقصود هو التنظيم فهناك أضعاف أضعافهم يحملون الفكرة ولا يرفعون الراية، فإن لم يشملهم كان ثغرة في القرار تماماً، مثل لو أن قرار إدراج القاعدة في قائمة الإرهاب محصور في تنظيم القاعدة وخلاياها المستيقظة والنائمة ولا يشمل من يحمل فكرها وليس عضواً ملتزماً فيها، وإن شمل القرار كل من يحمل فكر الإخوان استحال تطبيقه، فالملايين في داخل المملكة وخارجها يحملون فكر الإخوان وهم في ذلك بين مقل ومستكثر، فكيف يفعل بهؤلاء الملايين الذين شاركوا أوطانهم في إدارة دفته تعليمياً ووظيفياً واقتصادياً؟ وكيف ستتعامل المملكة مع الدول الشقيقة التي يشارك في حكمها من يحمل الفكر الإخواني كتركيا والمغرب، أو يتسنّم مناصبها الوزارية والبرلمانية من يحمل أيدولوجية الإخوان مثل الكويت والبحرين والأردن؟ وحتى السعودية التي أدرجت جماعة الإخوان في الحركات الإرهابية، نعلم أن هذا القرار قد فرضه في حينه حماية البيت السعودي من شرر الثورات العربية المتطاير، بل إن هذا القرار في تقديري لم يكن في الواقع غير «تحميرة عين» أو «قرصة أذن» لتهدئة وضبط الوضع الداخلي، بدليل أن الحكومة السعودية تعرف يقيناً أن هناك عشرات الألوف ممن يحمل فكر الإخوان في مواطنيها ومع ذلك لم تسجن ولم تفصل واحداً منهم من عمله، وهذا إجراء حكيم، فالحكومات الناجحة هي التي تستوعب تياراتها الفكرية المسالمة ولا تقصي أحداً، بل إن المملكة في تجربتها الناجحة في القضاء على الإرهاب استخدمت بعض المتأثرين من فكر الإخوان).

عوض القرني: من المؤكد ان الملك غيّر
رأيه في الإخوان!

هذه المطالعة هي أقرب الى المكاشفة الصريحة، ما ينمّ عن جرأة تفرضها الأجواء الجديدة التي يعتقد بعض المحسوبين على الاخوان فكرياً على الأقل بأنها مواتية لتناول هذا الموضوع بقدر من الانفتاح والوضوح.

وفي مقابلة مع عوض القرني الشخصية الإخوانية الواضحة في المملكة مع قدس برس في 24 فبراير الماضي، أكدّ فيها على أن» بلاده دخلت مرحلة جديدة في عهد الملك سلمان»، متوقعاً إجراء «مراجعات سياسية شاملة داخلياً وخارجياً»، واعتبر أن ذلك «سيأخذ بعض الوقت ليؤتي ثماره». وقال القرني: «إن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز يمتلك إرادة متميزة يمكن أن تثمر تغيرات ملموسة على الأرض، فعندما تتغير قيادات الدول فإن ذلك يتبعه تغيير في السياسات، لأن لكل إنسان طريقته في العمل، ومن هذا المنطلق فإن الحديث عن مراجعات وتغيرات في السياسة السعودية أمر مؤكد، لكن كم ستكون نسبة هذا التغيير وسرعته وأي وجهة سيأخذها هذا التغيير، فهذه كلها أمور تتحكم فيها كثير من الظروف المعقدة محلياً وإقليمياً ودولياً».

وبدا القرني متفائلاً في ملف العلاقة مع الاخوان، تعويلاً على صفات شخصية في الملك سلمان الذي قال عنه بأن شخصيته متميزة وأنه «رجل مثقف»، وأكّد على أنه يتحدث «من منطلق المعرفة الشخصية» وقال بأن لديه «ثقافة واسعة، ورجل يقبل الأخذ والعطاء، وليس له أي إشكال على المستوى الشخصي، وهو قريب من الناس يزورهم في بيوتهم بعيداً عن الرسميات، ويتكلم معهم في كل شيء، ويتّصل مع المثقفين ويناقشهم في مقالاتهم، ولذلك فسقف التوقعات عندنا مرتفع جداً، وكل المعطيات سواء التاريخية أو الشخصية تؤهل الملك سلمان للقيام بمهمات تاريخية محلياً وإقليمياً».

على أية حال، بإمكان المرء أن يقرأ ذات الانطباعات عن الملوك السابقين، الأمر الذي يجعل مثل هذا الكلام في سياق آخر غير الذي يظهر من معناه. ولكن القرني بدا واقعياً الى حد ما حين أشار إلى دور العامل الدولي في إبقاء سقف التوقعات منخفضاً، كون هذا العامل يبقى مؤثراً بشكل كبير على أي توجهات سياسية بالمنطقة، وقال بأنه لا يتوقع «قفزات كبيرة في تغيير السياسات الداخلية والخارجية حتى لو أراد الرجل، لكنني أتوقع مساراً جديداً في السياسات السعودية، ومن سار على الدرب وصل».

في السياق نفسه، وضع المتغيّر اليمني في السياق المضاد للتغيير المأمول في الموقف السعودي من الإخوان المسلمين. وعدّ القرني ما وصفه «سيطرة الحوثيين على اليمن» بأنها جاءت من مدخل دعمهم محلياً وإقليمياً ودولياً؛ للقضاء على «التجمع اليمني للإصلاح» المقرب من «الإخوان المسلمين»، وقال: «بعد دخول الحوثيين صنعاء، ضمن فخ نصبته دول إقليمية ودولية بتواطؤ سياسي رسمي في اليمن للقضاء على الإصلاح، فوقع الصياد في الفخ ونجت الطريدة».

ورأى القرني أن إيران واحدة من الدول التي تشكل خطراً حقيقياً على المنطقة، وقال: «إن أي إنسان له عقل وينتمي لهذه المنطقة يعلم أن إيران تشكل خطراً على العروبة وعلى الخليج وعلى السنّة، ويرى بوضوح أن هناك تواطؤاً غربياً مع إيران لأسباب كثيرة، منها أن تبقى فزّاعة من أجل الإبقاء على العرب والسنة في بيت الطاعة الغربية، وسيتقاسم الإيرانيون والإسرائيليون النفوذ في المنطقة، ليخيّر الغرب بعدها العرب من أي المداخل يريدون الخضوع لهم عبر البوابة الإيرانية أو الإسرائيلية».

على أية حال، فإن التوقعات لدى أنصار الإخوان المسلمين في الداخل والخارج تراجعت تدريجاً مع جلاء بعض الحقائق حول علاقة الرياض بالقاهرة في عهد السيسي. وإذ بدا الأخير أكثر تشدّداً بصدور أحكام قضائية قصوى ضد قادة الاخوان وهو في طريقه الى لقاء الملك سلمان وكذلك صدور حكم قضائي بتصنيف حركة حماس بأنها منظمة إرهابية وما تلى ذلك يجعل التفاؤل في التحليل مؤقتاً. زد على ذلك فإن الاجتماع الاقتصادي في شرم الشيخ، وتبرع الرياض بأربعة مليارات دولار جديدة الى النظام في مصر، لا بد لها أن اصابت الإخوان المحليين بكثير من الإحباط.

الصفحة السابقة