حرب الضلال السعودي وتحالف الشرّ

فريد أيهم

فاجأت الرياض حلفاءها، أو بعضهم على الأقل، بإعلان الحرب، وإدراج أسمائهم في قائمة الدول العشر (المبشرة بالنصر) كما تسميهم الصحف السعودية، ما دفع الخارجية المصرية التي تفاجأت بإعلان الحرب من واشنطن وعبر سفير الرياض عادل الجبير.. دفعها الى اعلان أن لا علاقة لمصر بها! قبل أن تتراجع بعد ذلك بساعات. لم يكن الأمر سوءً في التنسيق، أو أن الرياض أخفت موعد إعلان حربها، بقدر ما أن الحقيقة تقول أن مصر ودولاً عديدة من تحالف الشر على اليمن، وُضعت أمام الأمر الواقع، وكل ما فعلته الرياض أنها استمزجت رأي مشاركتها في حال قامت حرب في اليمن، واطمأنت بجواب وقوفها الى جانبها، لتجد تلك الدول العشر نفسها ـ وعلانية ـ أنها جزء من تحالف أعلن عنه الأمراء السعوديون، فأُسقط بيدهم، وإن كانوا ـ في معظمهم ـ مستعدين للمشاركة في الحرب، ولكن ليس بهذه العلانية الفجّة.

الثابت أن الرياض لا يمكنها شنّ حربٍ من دون إذن ودعم من واشنطن. والثابت أيضاً، بأن الرياض كانت على تنسيق مع واشنطن بشأن الحرب قبل أشهر من شنّها (قيل أنها خمسة أشهر). والثابت ثالثاً، أن حرص الرياض على اعلان حربها من واشنطن وليس من الرياض، إنما كان بغرض إرسال رسالة سياسية للعالم بأن (أمريكا معنا! في ذات المركب)، مع تحديد طبيعة الدور الأمريكي في تزويد الرياض بالدعم الإستخباري واللوجستي، وتقرير بنك الأهداف من خلال غرفة عمليات مشتركة أعلنت عنها واشنطن وسفارتها في الرياض على حسابها الإلكتروني في تويتر.

لكن الأمر المهم في التأكيد عليه، أنه في حرب السعودية على (أنصار الله/ الحوثيين) في عام 2009، شاركت دول الخليج والأردن والمغرب. بل أكثر من ذلك، فإن الأردن والمغرب ما فتئتا تقدمان الدعم العسكري المباشر لآل سعود كلّما ألمّت بهم ملمّة. لقد شاركت الدولتان مثلاً في الهجوم على الحرم، في نوفمبر 1979م.

تبقى الإشارة الى مشاركة ثلاث دول إضافية في العدوان، وهي مصر والباكستان والسودان.

السودان بالذات كانت مشاركتها مفاجئة، كون السعودية تناصبها العداء منذ بداية التسعينيات الميلادية حتى ما قبل اعلان الحرب. وثانياً فإن السودان ارتبطت بعلاقات جيدة مع ايران ونالت دعماً مالياً وعسكرياً واقتصاديا وقت أزماتها طيلة السنوات الطويلة الماضية. ثم إن السودان على علاقة طيبة مع اليمن، ولذا كانت مشاركتها مفاجئة، رغم أنها مشاركة لا تغير من موازين القوى شيئاً يذكر، ولكن سياسيا يمكن القول بأنها سجّلت اسمها ـ أي السودان ـ ضمن قائمة المعتدين.

كان دخول السودان الحرب مسيئاً لها كدولة، ومسيئاً لحرب العدوان نفسها كون رئيسها مطلوب للعدالة باعتباره مجرم دولي. السودان، ضحّى بعلاقات اختبرها جيدا في العقود الماضية، من أجل مكسب مادي سريع من السعودية، قد لا يأتي، او لا يستحق في الأساس. ظنّت القيادة السودانية انها حربٌ سريعة، تبيّض صفحتها لدى الغرب ومؤسساته؛ وتخرجها بقدر ما من العزلة السياسية نسبياً، وتحصل على بعض الدعم المالي والاقتصادي من دول الخليج. كل هذا مشكوك في الحصول عليه، وما قد يحصل عليه السودانيون لا يعوّض خسارتهم. ربما لو كانت القيادة السودانية ـ الإنتهازية ـ تدرك ان الحرب العدوانية ستصل الى الطريق المسدود الذي وصلته، لما شاركوا فيها، ولكنه القرار الخطأ، في الوقت الخطأ، وفي المكان الخطأ. انه قرار التفريط بالعصفور الذي في اليد، مقابل عشرة على الشجرة!

مصر.. الكاش هو المهم!

الكاش مقابل الدم.. السيسي ووزير الدفاع السعودي

مصر دولة لها تجربتها الخاصة في اليمن، فقد شاركت في حرب طويلة فيها بين 1962 و 1970، وخسرتها في النهاية. اليمن كانت (فيتنام) مصر حقاً؛ كما هي اليوم يمكن أن تتحول الى (فيتنام) السعودية. كان صعباً ان تشارك مصر بجنودها في حرب تدفع ثمنها من دم جيشها، لغرض ان تستعيد السعودية مكانتها ونفوذها وتسلطها في اليمن. قبلت مصر بالمشاركة فيها دون تحديد؛ ثم أدركت ان المطلوب منها أكثر من المشاركة ببضع طائرات تقصف في اليمن، او بوارج تحاصر موانئه، الى المشاركة البريّة بقواتها. فالرياض انما كانت تدعم حكم السيسي بالمليارات فإنها كانت تدرك بأن الرئيس المصري قد لا يكون قادراً على رفض طلبها بتجهيز الحرب بقوات برية وتضنّ هي بالدم السعودي!

لكن مصر شعبياً ورسمياً غير مؤهلة للمشاركة ـ حتى الآن. هناك صعوبة في إقناع الشارع المصري بمشروعية الحرب، وبمشاركة في حرب خدمة لدولة كانت تحرب مصر على أرض اليمن نفسها، وكانت تصمها بالرجعية. يصعب اقناع المصري العادي، بأنه في الوقت الذي توقع فيه مصر سلاما مع اسرائيل، وتشارك في حصار غزة، تتجه جنوباً وهي قطب العرب لتحارب شعباً عربياً آخر الى جانب الأغنياء الخليجيين، لمجرد أن مصر بحاجة اليهم اقتصاديا في وقتها العصيب هذا.

مشاعر المثقفين المصريين والكتاب والصحفيين ومواقفهم لا تخفى، وهي تُضخّ في الصحف والقنوات الفضائية؛ ولربما شجّعت الحكومة المصرية (جماعتها) للطعن في الحرب والتنديد بها وبمشعليها، حتى تقول للسعودية ودول الخليج الأخرى، بأنها لا تستطيع المشاركة في الحرب البريّة وان الشعب المصري يرفضها! تجدر الإشارة الى أن السعودية ليست بحاجة الى مساعدة جوية او طائرات مصرية او خليجية لتشارك في قصف اليمنيين مدناً وبنية تحتية وأسواق ومصانع ومساكن. فما لديها من الطائرات يكفيها. انما يهمها التضامن السياسي من الدول المشاركة ولو رمزياً. ولكن الرياض تريد من مصر ـ وكذلك الباكستان ـ مقاتلين على الأرض برّاً، حيث المعركة الحقيقية، وهو ما لم يتحقق فكان عامل انهيار في الاستراتيجية السعودية.

السيسي ردّ على منتقدي المشاركة في الحرب السعودية، بأن جيش مصر للدفاع عن مصر؛ وفي مناسبة أخرى، قال بأنه لن يرسل قوات تقاتل خارج الحدود قبل أن يعلن ذلك للشعب، وان الوقت لم يحن بعد. ولاحظ الخليجيون تردد المصريين، وأشارت أنباء بأن الرئيس المصري يطلب ثمناً مسبقاً لمشاركة قواته (كاش)!

لترقيع الموقف خليجياً، زار وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان القاهرة واجتمع بالسيسي وقيادات عسكرية، وتمت الموافقة على القيام بمناورات عسكرية مصرية سعودية على الأراضي السعودية! ما دفع البعض الى التساؤل عن مناورة وقت الحرب، وما إذا كانت المناورة مجرد غطاء لجلب قوات برية مصرية الى الأراضي السعودية استعداداً لخوض الحرب.

صدمة الباكستان

خيبة أمل سعودية من الباكستان

اما فيما يتعلق بالباكستان، فقد شكلت الصدمة الكبرى لتحالف الشرّ. خمسة وثلاثون بالمائة من القوات الباكستانية هم من المواطنين الشيعة؛ والرياض لا تقبل بمشاركتهم في حربها كونهم غير موثوقين بنظرها، وهم ـ اي الجنود ـ لا يريدون أساساً المشاركة فيها. الإنقسام في الجيش الباكستاني ينذر بانهيار الدولة نفسها، ويعزّز الإنشقاق الإجتماعي بين الشيعة والسنّة والذي استثمرت فيه الرياض لعقود. وحدة الجيش ضمان لوحدة الباكستان، والدخول في حرب سعودية على اليمن يعني تفككهما معاً. هكذا فهم الجيش الباكستاني الأمر، ورفض المشاركة في الحرب، رغم الاجتماعات الكثيرة التي عقدت في الرياض مع قياداته قبل اعلان حربها.

القيادة الباكستانية (نواز شريف) لا مانع لديها من دخول الحرب، فهو مثل القيادات السياسية الفاسدة يمكن شراء ولائه. لكن الجيش (حامي الدولة) كان له رأي آخر: نعم للدفاع عن السعودية، ولا للدخول في حرب سعودية ضد جارتها اليمن. كحل وسط، أو كمخرج يحفظ ماء الوجه للسياسيين، أحيل قرار المشاركة العسكرية الباكستانية في الحرب السعودية الى البرلمان، فقرر (الحياد) في حرب اليمن؛ وقرر الدفاع عن السعودية في حال تعرضت أراضيها للخطر!

خبر بوقع الصاعقة وقع على الأمراء السعوديين وعلى حكام الخليج عامة!

السؤال: لماذا قررت السعودية نيابة عن الباكستان ووضعتها ضمن قائمة الدول العشر المشاركة في التحالف؟ بل لماذا وضعت مصر ضمن القائمة، وهي التي حفظت ماء وجه السعودية بمشاركة متأخرة بعد ثلاثة اسابيع من الحرب بطائرتين في قصف مواقع يمنية؟ ترى هل كان الحلف مفتعلاً، أم توريطاً سعودياً لدول ظنّت الرياض أنها لن تستطيع أن تقول لها كلمة (لا)؟

نالت الباكستان كمّا هائلاً من التقريع والشتائم والسخرية والإستهزاء والإحتقار من المعلقين الخليجيين، الى حد أن وزير الداخلية الباكستاني ردّ على وكيل الخارجية الاماراتي الذي هدد الباكستان وأهانها، بالاعتراض على من يطعن في عزة وكرامة شعب الباكستان. لكن الرياض لم تستسلم، بل سعت الى تقريب الحرب الى مربع الباكستان نفسه، بل إشعالها في الداخل الباكستاني إن تطلّب الأمر. فقد ارسلت وزير الشؤون الإسلامية حفيد زعيم المذهب الوهابي، صالح آل الشيخ، ليجتمع بالقيادات الدينية الوهابية المحظورة، وكذلك مع الشخصيات الدينية وتهييج الشارع دعماً للسعودية، ودفاعاً عن حرب لحماية الحرمين! ما قد يؤدي الى انفلات في الشارع، وضغطاً مباشراً على السياسيين على أمل تغيير موقفهم من الحرب ضد اليمن.

الموقف الأمريكي.. توريط واحتواء

أمريكا لآل سعود: معكم في الحرب ولكنكم ستفشلون!

كما ذكرنا، فالرياض أعجز من أن تشنّ حرباً بدون إذن ودعم أمريكيين.

واشنطن التي وجدت طفلها السعودي المدلّل مستمراً في (زعله) منها لسنوات بشأن سياساتها في العراق وايران وسوريا، رأت أن تعلمّه درساً، فلم تعترض طريقه الى الحرب، ورأت توريطه فيها ليتعلم أن الحرب ليست عملية سهلة ورخيصة الثمن؛ وأيضاً لكي يتم إعادة احتواء الرياض الغاضبة والمتمردة، لكي تنسجم مع نهج السياسة الأمريكية الجديدة، وتلتفت شؤونها الداخلية.

شاركت امريكا في الحرب وتغطيتها سياسياً، وتسهيل القصف استخباراتيا، وتوفير الأهداف للطيران السعودي، والاحتياجات المستجدة للعملية العسكرية، من صواريخ الى طائرات الأباتشي نفسها.

هناك تحوّل استراتيجي في السياسة الغربية/ الأمريكية تجاه المنطقة، لا تريد الرياض أن تراه، او تشارك فيه، فكان لا بدّ من توريطها أولاً واعادة احتوائها ثانياً عبر الحرب. لهذا قيل ان حرب اليمن كانت في أحد أوجهها فخ أمريكي، ليس غرضه اسقاط آل سعود، بل تأهيلهم ليلعبوا دورهم ـ كما فعلوا سابقاً ـ كأحد أعمدة السياسة الأمريكية.

الإتفاق النووي في إطاره المبدئي تمّ في جنيف/ لوزان، فيما كانت الرياض مشغولة بحرب اليمن. وكأن غرض الحرب، هو إخراس لسان الأمراء واعتراضاتهم عليه. أما أوباما، فقد حدد أن الخطر على دول الخليج (السعودية بالذات) ليس خارجيا من ايران، وإنما داخلي، ودعا قادة الخليج لزيارته في كامب ديفيد، ليمتص بعض غضبهم، وليشرح لهم الاستراتيجية الامريكية الجديدة، وليحثهم على الإهتمام باوضاع شعبهم الداخلية وإجراء اصلاحات سياسية وتلبية تطلعات الفئة الشابة التي تزيد نسبتها عن سبعين بالمائة من الشعب. سيقول لهم أوباما: الصراع مع ايران انتهى بعد نحو 35 عاماً؛ والحروب التي تشعل المنطقة يجب ان تخمد بحلول سياسية، قد تبدأ بسوريا ولن تنتهي بالبحرين نفسها.

سيذهب الأمراء السعوديون الى كامب ديفيد وهم مكسورون من نتيجة الحرب في اليمن، خاسرون مهزومون، وسيفرض الرئيس الأمريكي عليهم خياراته، ويلزمهم بتغيير منهجهم في دعم العنف في المنطقة ونشر الحروب بأكثر مما تريد واشنطن نفسها!

خلاصة

لقد تشكل حلف الشر المحارب لليمن بشكل سريع، وأُعلن عنه بدون رغبة بعض أطرافه؛ وشاركت فيه دول ظنّاً منها أن اليمن وليمة سهلة على مائدة اللئام، كما ظنّ الأمراء السعوديون المنتفخون ـ كذباً ـ استعلاءً وفوقية، أن أموالهم ستأتيهم بالنصر المبين في فترة قياسية، وأن الجيوش يمكن أن تشترى كما تُشترى المواقف السياسية. لكن حين حانت ساعة الحقيقة، بقيت الرياض لوحدها تقريباً، فقد تراجعت الباكستان، وتراجعت مصر، وانطفأ صوت السودان، ونصح خليجيون بعدم خوض الحرب البريّة، وخرست تركيا أمام إغراء مصالحها مع إيران، فكان لا بدّ ان تصل الحرب الى نهايتها المؤلمة: هزيمة عسكرية، وخسارة شبه كاملة للنفوذ السعودي في اليمن، وارتدادات قد تكون عنيفة وحادة في الداخل السعودي.

تفكك حلف الشرّ قبل أن يبدأ، وفي أول اختبار له، فعمره أقصر من دورة حياة ذبابة، لأنه حلف لم يقم على مبدأ، ولا اعتقاداً بصوابية الفعل ومشروعيته، بل على الغطرسة والظلم لشعب مسالم بريء، لم يبادر باعتداء على السعودية ولا غيرها.

تفكك حلف الشرّ عسكرياً، كما انسحب المؤيدون سياسياً بصمت، وخسرت الرياض معركتها الإعلامية والأخلاقية.

الصفحة السابقة