عاصفة الحزم.. عاصفة الوهم والوهن!

ناصر عنقاوي

خسرت الرياض رهاناتها على أرض اليمن، فأشعلتها حرباً عليه.

كُسرت عقدياً في دمّاج وكتاف؛

ثم كسر العمود الفقري لنفوذها القبلي في عمران حينما أطيح بحميد الأحمر؛

تلاها انكسار حليفها اللواء علي الأحمر في صنعاء، والذي يعتمد حزب التجمع اليمني للاصلاح عليه ايضاً.

طلبت من هادي ان يستقيل فاستقال.

أمرت رئيس الوزراء خالد بحاح ان يستقيل وان لا يصرّف حتى أعمال وزارته لحين تشكيل اخرى، سعيا وراء الفراغ فلم تنجح.

خرّبت الحوار بالتعاون مع قطر عبر الانسحابات المتكررة لمواليهما من طاولة التفاوض في موفمبيك، فما نجحت.

هرّبت هادي من صنعاء الى عدن، بعد ان اغلقت ودول الخليج سفاراتها، فما أفلحت في جعل عدن عاصمة منافسة ينطلق منها التآمر السعودي القطري وتنطلق منها الحرب.

هرب وزير الدفاع الصبيحي الى هادي، دون ان يقدم استقالته، استعدادا لمعركة فأصبح أسيراً قبل ان يطلق سراحه.

جاءها وفد من انصار الله ليفاوضها في الرياض فرفضت التنازل.

ألحت على الغاء الحوار من صنعاء لينتقل الى الرياض ووفق أجندتها فما استقام الأمر.

هيّأت للحرب، فصعقها الحوثي نحو تعز ومن ثم الى محافظات اخرى حتى عدن.

فقدت كل أوراقها، فما كان منها الى حزم حقائب سفارتها وشقيقاتها حين اقترب انصار الله من عدن، واعلان الحرب على اليمن بحجة حمايته وانقاذه! تحت مسمى (عاصفة الحزم) التي اعلن عن انطلاقها ليس في الرياض، وانما في واشنطن من خلال سفير الرياض هناك عادل الجبير.

أرادت الرياض من عاصفتها: الثأر لكرامتها التي مرّغت في التراب، وإعادة التوازن لجمهورها المُطيّف. بدأت الرياض عمليتها العسكرية ضد القواعد العسكرية، ومخازن السلاح والذخيرة، وتدمير الطائرات والمدرجات، واغلاق المطارات. ما ارادته تحديداً هو ضرب الجيش اليمني الذي انحاز منذ البدء وباسلحته الى جانب أنصار الله، فأرادت تدميره قبل ان يشارك ضد عاصفتها.

تجمعت دول عشر من اجل الاسترزاق، كلٌّ بسعره، وذلك للفتك بشعب الإيمان والحكمة. ويضاف الى هذه الدول رجال السعودية في اليمن الذين تلقي عليهم اسلحة وأموالاً بالطائرات. وبدت الرياض وكأنها قد شربت حليب السباع لأن قوات باكستانية ومصرية ستشارك وتدفع فاتورة الدم.

استعرض آل سعود عضلاتهم على شعب فقير أعزل، واستبشروا بالنصر وصار لديهم (العشرة المبشرون بالنصر) وامريكا الحادية عشرة. ظهرت صقورهم في السماء تقصف حممها على الآمنين، وزعموا ان لهم اسوداً آخرين على الأرض!

يرد عليهم مغرد مطالباً اثبات رجولتهم بالهجوم على ايران:

سَمّوكْ بِسْمِ سْعودْ، وسْعودْ إنسانْ

وِسَعْوَدوا شعْبِكْ وضاعَتْ أُصولَهْ

لا شَيْ رُجُولَهْ حَلِّقوا فوقْ طهرانْ

يا مِدّعينِ المَرْجَلَهْ والرّجُولَهْ!

لكن في اليمن كانت أول ناطحة كبرياء! أوّل شعب يواجه عتاة الطغيان في الرياض! هذا لا يمنع وجود بعض المختلّين عقلياً الذين ينتظرون سلمان أن ينهي أنصار الله في اليمن، ثم يأتيهم ليحرّر القدس، يقول المعارض غانم الدوسري.

كل حديث اعلام آل سعود يدور حول نصر ساحق، ولم يفكروا قط في احتمال الهزيمة. لم يجدوا شيئاً مما يبشرون به إلا الكذب فلجأوا الى الخداع والتزوير.

قناة العربية اضافة الى اخبارها العاجلة كثيرة الكذب، جاءتنا بصورة خاصة لتقول ان عاصفة الحزم دمرت رتلاً عسكرياً في صعدة، واذا بالصورة من حرب الكويت؛ وقد سبقتهم داعش في نشرها على أنها نصرٌ لها ضد الجيش العراقي!

إنهم يبحثون عن نصر بأي ثمن، ولا يريدون حواراً لأنه حسب النفيسي يسلبهم ايّاه!

بي بي سي العربية جاءت هي الأخرى بخبر وصورة كاذبتين من أن سليماني توجه لليمن! فطارت العربية نت به، وبعد دقيقتين سحبت بي بي سي خبرها الكاذب، لكن كتاب واعلام آل سعود أصرّوا على ان الرجل هناك! بل يقول احدهم انه سيزيد حماسة صقور الحزم!

يعتقد المعارض حمزة الحسن بأن من اهداف امريكا توريط آل سعود في اليمن لإخضاعهم اكثر، واضاف بأن قطر ستكون سعيدة بهزيمة السعوديين في الحرب؛ وأن خسارة الرياض للحرب ستؤدي الى تحلل وتشرذم وربما سقوط الدولة السعودية، وقد تؤدي الى نتيجة ايجابية من جهة اضعاف مقاومة الأمراء بوجه الإصلاحات، خاصة مع انهيار مكانة الرياض المتوقعة استراتيجيا.

إهانة اليمنيين وقتلهم: حماية وإنقاذ!

دولة جارة (هي جار سوء حقاً) تهجم على جارتها بلا مبرر الا الفرعنة والرعونة. يقولون في التبرير انهم حذروا انصار الله للقبول بالحوار في الرياض فلم يقبلوا! فاستحقوا القصف والقتل! ويقولون بأن عمليتهم العسكرية ـ حسب سفيرهم في واشنطن عادل الجبير ـ هي من أجل اعادة الديمقراطية والاستقرار لليمن! كم هي الرياض محبّة للديمقراطية وتقاتل دونها!

ثم يقول الجبير نفسه بأن اعلان الحرب وقتل اليمنيين هو من اجل حماية الشعب اليمني، وإنقاذه!

«سحابة (الصبر السعودي) تمطر قصفاً». عنوان استعلائي متفرعن لمقالة في الحياة السعودية. واخر لنفس الصحيفة يزهو بإنارة ظلمة اليمن من خلال القصف بالصواريخ: «صواريخ عاصفة الحزم تنير ظلمة اليمن»! أيّ تكبّر واستسخاف بالبشر اعظم من هذا؟ وثالث يكتب: «عاصفة السعودية تنقذ اليمن»!

الحرب أولها دماء! والحرب أولها كلام وتهديدات سعود الفيصل! مجازر القصف تتنقل من صعدة الى صنعاء الى الحديدة الى إب؛ لم يسلم حراس مطار صنعاء من القصف والقتل؛ ولا منازل الآمنين ومخيمات اللاجئين في حجة، ما دعا العفو الدولية الى التنديد؛ واثارة الشكوك في مدى التزام الرياض بالقانون الدولي، في حين ان الامم المتحدة تتحدث عن محاكمة مجرمي حرب!

هيومن رايتس ووتش نددت بضربات الطيران السعودي وقتله المدنيين، وذكّرت باستخدام السعودية للقنابل العنقودية وحذرت الرياض من تكرار استخدامها كما حدث سابقاً، وقالت انها لديها كمنظمة وغيرها أدلة على استخدام القنابل العنقودية. الرياض لم تعبأ بالعالم وواصلت قصفها للمصانع والبنية التحتية، وراح اعلامها يستخدم نفس ذرائع الصهاينة والامريكان من أن انصار الله يستخدمون المدنيين دروعا بشرية!

هل هذا هو الإنقاذ السعودي؟! أن يقتل ويجرح آلاف البشر من المدنيين، هذا غير العسكريين الذين قصفوا في الطرقات وفي القواعد العسكرية؟

لكن ماذا عن العمال اليمنيين في السعودية، هل سيتم طردهم كما حدث في حرب ١٩٩١؟ اذا لم يستطع آل سعود حماية اليمنيين في السعودية، فكيف يحمونهم وينقذونهم بالصواريخ وهم في بلدهم ومنازلهم؟ بدأت الاخبار تتحدث عن مضايقات واعتقالات في العمالة اليمنية في السعودية، والحكومة واعلامها ينفي. منشورات ظهرت تتهمهم وتدعو للحذر منهم، وتعديات عليهم باليد واللسان طاولت الكثيرين منهم، وهم يعيشون قلقاً شديداً.

المغرد جمال يقدم لنا صورة واضحة: هكذا هي (معاملة عساكرنا المسلمين، حماة العروبة، للشعب اليمني الأصيل. عدنا لعصر الجاهلية وتركنا «ولا تزرُ وازرةٌ وزرَ اخرى»..). مغردة أخرى تنقل عن صديقتها أنها رأت يمنيين في الرياض يضعون عَلَمَ المملكة على صدورهم، وتضيف: (والله حرام. ان أهلهم تحت الضربات في اليمن؛ ونحنُ نضطّرهم لإعلان الولاء)! والمغرد العسيري يستبشع ما يجري: (ما أبشع ما يقوم به البعض من تضمينات عنصرية ونبرة تعالي على اليمنيين باسم الوقوف ضد الحوثي. كن ضد الحوثي بلا عنصرية). من وحي هذا كله يكتب الأديب والصحفي سعيد السريحي مقالة بعنوان: (الإساءة لأشقائنا اليمنيين) مندداً بالمضايقات التي يتعرضو لها.

تطييف الحرب وعنصرنتها

عاصفة الحزم، سمّيت تيمّناً سعودياً بعاصفة الصحراء، التي اطلقها بوش الأب، وقادها المقبور شوارسكوف، ودفع أثمانها آل سعود وحكام الخليج الآخرون.

حين يخسر السعوديون في السياسة يحوّلون المعركة طائفية او دينية، تحصيناً لأنفسهم من الإختراق، وتحشيداً لجمهورهم الطائفي من اجل الاصطفاف!

مع عبدالناصر حين كادت تخسر، اعلنتها حرباً دينية ضد القومية العربية؛ والآن هي حربٌ طائفية وعنصرية مع ايران، ومع سوريا والعراق ذات الأمر، الى ان وصلنا الى تطييف الحرب في اليمن الذي لم يعرف في تاريخه طائفية بين الشوافع والزيود.

دولة خارجية تشنّ حرباً، واذا بها تتحول الى جانبها السياسي والعسكري، حرباً طائفية، وهذا ما حدث في كل الحروب التي شاركت فيها الرياض، حيث تتصاعد الحرب الطائفية لديها بمجرد ان تبدأ المعركة السياسية او العسكرية.

وفي وقت يفترض فيه ان تحشد مملكة آل سعود شعبها للحرب، تقوم بتمزيقهم بالطائفية والشتم والتكفير، ثم تطالب المكفَّرين باعلان الولاء ودعم حملة آل سعود العسكرية. ما يهم آل سعود هو دعم مشايخ التطرف المكفراتية، وتيارهم. لنقرأ بعض المواقف من خلال التغريدات.

الشيخ عبدالعزيز الطريفي يسأل الله نصراً على أهل الاوثان، عباد القبور، الحوثيين والنصيرية وشيعة العراق وغيرهم. ثم يسأل الله بان يجمع كلمة المسلمين! والعريفي المكفراتي هو الآخر، يتهم أعداء آل سعود بالإفساد والقتل وتدمير المساجد واهانة المصاحف وغيرها (فكان لا بد من عاصفة الحزم). يعني غيرة دينية، ومعركة دينية، وليس لها علاقة بأطماع آل سعود في اليمن. وعليه فقرار الحرب بنظر العريفي حكيم حازم ضد الفئة الباغية؛ وكأن أهل اليمن بغوا على الحكم السعودي. والفوزان عضو هيئة حقوق الانسان، يصف الحوثيين بالإجرام والعربدة وانتهاك الحرمات (فسلّط الله عليهم أسود التوحيد فقطعوا دابرهم في أيام معدودات). اما الأسود فهم ايضاً اهل التوحيد، وهم حصراً الوهابيين دون باقي المسلمين.

الشيخ سلمان العودة الذي مُنح جواز سفره مؤخراً قبيل الحملة العسكرية على اليمن، اعتبر شن الحرب (موقفاً شجاعاً) وتمنى ان تكون عواقبه حميدة! ويبرر للحرب بأن ما يفعله الحوثيون اكثر من الإرهاب. والشيخ الألمعي الأستاذ في الجامعات السعودية، يُخرج لنا ابن تيمية حيّاً فيسقط كلامه على الحرب على الشيعة: (الرافضة أُمّة مخذولة، ليس لها عقل صريح، ولا نقل صحيح، ولا دينٌ مقبول، ولا دنيا منصورة). يؤيد هذا القول وينشره ابراهيم الفارس (وهو شيخ واستاذ في الجامعة). ايضاً يوقظ الوشلي ابن تيمية نصرة للفتنة فينقل قوله: (متى جاهدت الأمة عدوها، الّف الله بين قلوبها، وان تركت الجهاد شغل بعضها ببعض). ويقصد ان ينشغل الشيعة والسنة بجهاد بعضهم البعض.

اما الشيخ السوري المنجد المقيم بين ظهراني شيعة السعودية ويكفرهم، فاخترع هاشتاقاً بعنوان (الغارة على مشركي اليمن) مرحباً بتضامن المسلمين ضدهم ومؤملاً الخزي لأهل الشرك! ورأى المنجد بأن قتال المشركين باليمن هو قتال عن جميع الأمة ولحماية الحرمين. والشيخ البرّاك يفتي بأن قتال أنصار الله في اليمن مشروع، وهو جهاد في سبيل الله، وطالب بأن تجتمع كلمة اليمنيين على قتال من أسماها بطائفة الحوثيين المعتدين الطامعين في نشر مذهب الرافضة المشركين!

الشيخ محمد البراك في تحريضه على الحرب وتسعيرها طائفيا يقول ان الرافضة كاليهود أذلاء يستنسرون وهم بُغاثْ. وزاد: (لو حرر الرافضة فلسطين من اليهود فسيكون حالها وحال أهلها أسوأ) لأنهم ينشرون الشرك! والشيخ احمد الغامدي ينقل عن الشيخ الشهراني فتواه بأن الحوثيين ومن شايعهم فئة باغية، وقتالها جهاد في سبيل الله! واوصى ناصر العمر بالقتال في سبيل الله في اليمن ضد الحوثيين؛ والدويش لا يرى مشتركاً مع الرافضة؛ ويعود المنجد فيوصي بقتال المشركين في اليمن لأنه يعيد الهيبة لأهل التوحيد.

والإخواسلفي محمد الحضيف وصف الشيعة العرب بأنهم مطايا، وان عاصفة آل سعود وحدت العرب والمسلمين ضدهم. ايضاً استفتت الصحف السعودية عدداً من مشايخ النظام ليفتوا بوجوب الحرب ضد شعب الإيمان والحكمة في اليمن، اي ان هذه سياسة رسمية واضحة. والأكثر ان المفتي يطلّ علينا بذات اللغة: (الحوثيون عصاة مجرمون، هيّأ الله لهم من يردهم ويوقفهم عند حدّهم)؛ تماماً مثلما قال ابن باز مبررا وجود مليون جندي اجنبي على الأراضي السعودية لإخراج صدام من الكويت.. يومها قال ابن باز بان الله هيّأ للموحدين من يعينهم!

لم تكتف الرياض بإثارة النزعة الطائفية واستخدامها لتغطية عدوانها، بل ما أكثر ما حوّلت الأمر الى عنصرية في صفحات جرائدها وتعليقات كتابها على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي التوصيفات لخصومها.

هناك من تحدث عن عاصفة الحزم كقادسية ثالثة، بعد قادسية صدام! وصحفي آخر اعتبرها معركة (ذي قار.. النسخة الحديثة)؛ وثالث يصفها كمعركة ذي قار بين العرب والفرس وهي تُبعث من جديد. هل تحوّل اليمنيون الى فرس بين ليلة وضحاها؟ الأسخف ما كتبه في عكاظ خالد السليمان فالمعركة هي (حرب الفيل الثانية) في استدعاءً لهجوم ابرهة الأشرم قبل بزوغ الاسلام على مكة.

بيد أن الدكتورة مضاوي الرشيد تشرح حال الصراع في اليمن، فتراه صراعاً سياسياً (وإن تطييفه لن يساعد أحداً على إيجاد حلّ له بمن فيهم اليمنيين أنفسهم). ورأت ان الحرب سببها الغرور السعودي وتضخم الأنا، وطموحات قيادة العالم السني وهي اوهام لن تتحقق. واستغربت ان كل مشكك في الحرب السعودية على اليمن، يُتهم بأنه رافضي، وسخرت سائلة: (سنرى كم سيكون عدد الروافض بعد شهر من هذه الحرب)؟

هند الشريف تستغرب: (أحدهم يسأل الرحمة لـخمسة وأربعين يمنياً قتلوا. الثاني يسأله: هل انت شيعي؟ أنا سأنتحر)! ويعتقد الدكتور علي العمري بأن (المذهبية تؤجّج الصراعات، وتشعل الفتن؛ ولكنها لا تسبب الحروب. السياسة وحدها هي سبب الحروب بامتياز). اي ان السياسة هي التي تستثمر المذهبيات وتضخمها لخدمة حروبها. لنقرأ عنوان تحريضي طائفي فتنوي في صحيفة المدينة: (عسكريون: عاصفة الحزم منعت تشييع صنعاء بحلول عام ٢٠١٧) وكأنّ تغيير المعتقدات مجرد سلق بيض!

لهذا يقول الناشط الحقوقي الدكتور حسن العمري: (اوقفوا القصف الجائر على اليمن) فصنعاء ليست تل أبيب! وتطييف ال سعود لحروبهم السياسية والعسكرية لم تعد أهدافه خافية.

الصفحة السابقة