تطلعات الشيعة في السعودية للإستقلال والسيطرة على آبار النفط تثير مخاوف العائلة المالكة

خطة الغزو الاميركي تثير جدلاً حاداً داخل السعودية

مي يماني

نشرت جريدة هيرالد تريبيون الأميركية في التاسع من يناير الحالي مقالاً للدكتورة مي يماني، أستاذة علم القانون والعضو في المعهد الملكي للشؤون الدولية في ضوء الوثائق البريطانية السرية المفرج عنها مؤخراً بموجب مرور ثلاثين عاماً على كتابتها. وتحاول يماني في مقالتها تسليط الضوء على انعكاسات هذه الوثائق على الانقسامات الداخلية في المجتمع السعودي والتجارب الصعبة التي عاشتها بعض المناطق في ظل الحكم السعودي، وما تعكسه من مواقف محتملة إزاء إحتمالية غزو اميركي للسعودية مستعيدة أصداء عام 1973. وفيما يلي ترجمة كاملة للمقال:

تثير الوثائق البريطانية المفرج عنها مؤخراً، والتي تكشف عن مخاوف من غزو أميركي محتمل للسعودية قبل ثلاثين عاماً، زوبعة واسعة داخل المملكة اليوم. في الحد الأدنى والأولي لردود الفعل، فإن هذه التقارير كما يظهر قد أثارت جدلاً حاداً حول الحكم المتصدع بوتيرة متزايدة للعائلة المالكة في السعودية وعلاقاتها المتدهورة مع واشنطن.

إن كثيراً من السعوديين، ممن يعتقدون بأن أمريكا قامت بغزو العراق من أجل تأمين وصولها الى نفطه، يقولون بأنهم لا يستبعدون إحتمال أن تكون بلادهم هي الثانية بعد العراق. إن هذه النظرة مستمدة من عدد من ردود فعل متباينة، والتي تسلط الضوء تحديداً على الانقسامات المذهبية والقبلية والمناطقية بين السكان السعوديين.

فالشيعة الذين يهيمنون على المنطقة الشرقية الغنية بالنفط يقولون بأنهم سيرحبون بتدخل أميركي، بعد عقود من التمييز الطائفي على يد المؤسسة الدينية الوهابية، والتي توصمهم بالهرطقة. وبالرغم من استمرار العنف وعدم الاستقرار في العراق، فإنهم مستحثون بالنهوض الشيعي في الجنوب، القريب من الحدود السعودية. إن أي تغيير في النظام سيؤدي، حسب اعتقادهم، الى إعادة سيطرتهم المشروعة على حقول النفط الرئيسية. وكما في العراق، فإن الشيعة في السعودية يظهرون درجة عالية من التوحد والتنظيم السياسي، وأن تطلعاتهم نحو الاستقلال تثير مخاوف العائلة المالكة في السعودية.

بالنسبة للحجازيين، الذين ينتمون الى المدن المقدسة، مكة المكرمة والمدينة المنورة، فإن موقفهم يبدو مزدوجاً حول إحتمالية الحضور الأميركي في المملكة. شأنهم شأن الشيعة، فقد عانى الحجازيون أيضاً من وضعية مواطن درجة ثانية، وأن مواقعهم الدينية قد دُمّرت من قبل الوهابيين، ولكنهم لن يتعاونوا مع الولايات المتحدة.

إن كثيراً من الحجازيين مازالوا يعتبرون الهاشميين، بما في ذلك العائلة الملكية في الأردن، بوصفهم الحكام الشرعيين لمنطقتهم (الحجاز)، أي منذ خمس وسبعين عاماً حيث أجبروا على الخروج منها من قبل العائلة السعودية. إن الامراء الأردنيين الذين يقومون بزيارة قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) في المدينة، يستقبلون على الدوام بحفاوة من قبل الحشود المتحمسة.

بالنسبة للقبائل، وخصوصاً تلك التي تقطن في الجنوب بالقرب من الحدود اليمنية، فإنها لا تكترث كثيراً بالعائلة المالكة ولكنها في الوقت نفسه معادية بشدة للأميركيين. ولكن هذا الموقف خاضع للتبدل اعتماداً على ما تقدمه القوات الغازية.

وليس معلوماً ما اذا كانت واشنطن تعير إهتماماً أو تأخذ في الاعتبار تعقيدات كهذه في خطط غزوها قبل ثلاثين عاماً. وبناء على وثائق الحكومة البريطانية التي نشرت في الاسبوع الماضي بعد ثلاثين عاماً فإن الأميركيين كانوا ينوون بجد غزو السعودية والكويت كرد فعل على الحظر النفطي عام 1973.

وقد كان البريطانيون على حق في حملهم تلك النظرة على محمل الجد، ففي اجتماع عقد في ذلك العام في البنتاغون، حذّر وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر السعوديين في عبارات لاذعة بأن أميركا كان تفكر في استعمال القوة ضدهم.

إن خطوة كهذه كانت محمّلة بالخطر في ذلك الحين، ولكنها الآن ستكون أشد خطورة. إن حقول النفط موزّعة في منطقة شاسعة، الأمر الذي يفرض معه مصاعب لوجستية كبيرة بالنسبة لأي قوة غازية، وقد يجعلها أمام هجوم عشوائي من قبل مقاتلي قوات القاعدة، الذين عززوا أنفسهم الآن كمعارضة انتحارية داخل المملكة. فقد عانت القوات الأميركية من الهجومات اليومية في العراق، وستجد أن القتل في صفوفهم أكثر بمرات عديدة من الترحيب في السعودية.

كل ما سبق يثير السؤال التالي: لماذا تفكر واشنطن في هجوم من هذا القبيل؟. في عام 1973، أرادت الولايات المتحدة تأمين مصالحها النفطية والاستراتيجية، ولكنها في عام 2004 قد تهدف الى عزل جانباً المؤسسة الدينية المتشددة ونظام قد وصفته في جلسات الاستماع المفتوحة في مجلس الشيوخ بوصفه بؤرة التطرف. وقد عبّر الأميركيون عن رغبتهم في الاصطفاف الى جانب الأكثر ليبرالية بين الأمراء السعوديين البالغ عددهم 22 ألفاً، على أمل استبدالهم ببعض الاقرباء الذين تجاوزوا سن الثمانين عاماً.

لقد كانت السياسة الاميركية، وعلى مدار عقود سابقة، تقوم على دعم النظام السعودي، إعتقاداً منهم بأنه يمثل نوعاً من الاستقرار الصلب في مقابل البدائل المتطرفة. ولكن في الحادي عشر من سبتمبر، خمس عشرة خاطفاً سعودياً بدّلوا هذه النظرة للأبد. وحتى لو لم يكن هناك خطة غزو أميركي الآن، فحقيقة الأمر أن كثيراً من السعوديين يعتقدون بإمكانيتها وتثير لديهم مخاوف أخرى.

الصفحة السابقة