رهانات آل سعود المهلكة:

الإنتصار، أو تدمير اليمن!

هيثم الخياط

ثمة رواية مغفولة أريد لها أن تُدفن تحت ركام الصواريخ العبثية، رواية تميط اللثام عن تحضيرات ما قبل العدوان، وأهدافه الحقيقة، غير تلك التي تبدّلت بمرور أيام العدوان من عودة الشرعية، مروراً بالقضاء على الجماعة الحوثية وحماية أمن الحدود الجنوبية، وصولاً إلى إعادة اليمن الى مرحلة النماء والإنماء، بحسب وزير الخارجية سعود الفيصل.

في المعطيات، تنقل مصادر خليجية مقرّبة من صنّاع القرار، أن «عاصفة الحزم» كانت «طبخة» سعودية ـ أميركية بامتياز. تذكر المصادر ما يلي: أن القيادة السعودية أبلغت قادة دول مجلس التعاون الخليج بموعد بدء العمليات قبل 6 ساعات. ولم تطلب السعودية سوى الدعم المعنوي، وهي سوف تتكفل بباقي المهمات. أخذت الموافقة من بقية الدول، أي مصر وتركيا وباكستان والسودان والأردن عبر إتصالات هاتفية ولكن من دون ذكر للتفاصيل.

تضيف هذه المصادر بأن سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي السابق، لم يكن هو الآخر على علم بقرار الحرب حتى لحظة وقوعه، بالرغم من حديثه قبل يومين من بدء «عاصفة الحزم» عن ما أسماه «إجراءات» في حال واصل «أنصار الله» تمدّدهم نحو عدن، ولم يكن الوزير يقصد بها «حرباً» ولكن عقوبات وتحريض لقوى يمنية موالية للمملكة السعودية بالتحرّك العسكري.. وحين يكون سعود الفيصل وهو في موقع سيادي ليس على علم بموعد الحرب، فإن ذلك يعني، بالضرورة، أن هناك أمراء آخرين كثر أقل منه رتبة لم يكونوا على علم بالحرب..

تسريبات العائلة المالكة تفيد أن محمد بن سلمان، نجل الملك ووزير الدفاع، كان اللاعب الرئيسي في العدوان، وأنه وأبوه الملك ووزير الداخلية وولي ولي العهد محمد بن نايف هم من أخذوا قبل شهرين قرار الحرب بالتشاور مع الأميركيين. المصادر الخليجية المقرّبة من صنّاع القرار في مجلس التعاون تؤكّد أن محمد بن سلمان لايزال يدير الحرب بصورة فرديّة، ويرفض الاستماع لنصيحة من أحد، حتى أنّ محمد بن نايف طلب من الأميركيين التدخّل للحد من جنوح بن سلمان قبل أن تقع كارثة بإصراره على الحرب ورفض الحلول السياسية.

ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز الذي جرى تهميشه منذ اعتلاء سلمان العرش، لم يكن على علم بقرار الحرب، وعليه لم يكن من بين أعضاء «خلية الحرب». صمت الأمراء ليس عن قبول بالقرار، بل كان مريباً خصوصاً في ظل حملة «استدراج» لبيانات التضامن والمواقف مع قرار الحرب من قبل فئات الشعب، في مقابل «تخوين» كل من لا يعبّر دعمه المطلق وغير المشروط لـ «عاصفة الحزم».

معطيان بالغا الأهمية والخطورة غيّرا مسار الحرب: تفكك التحالف العشري بعد قرار البرلمان الباكستاني بالإجماع عدم المشاركة في الحرب على اليمن. وكان لافتاً مشاركة النوّاب السلفيّين في البرلمان في الإجماع ما يلفت الى تحوّل جوهري في «المزاج» السياسي الباكستاني الأمر الذي شكّل صدمة لدى الجانب السعودي الذي كان يرى في باكستان «دولة في الجيب». جاء ذلك بعد التبدّل الدراماتيكي في الموقف التركي عقب زيارة الرئيس التركي رجب أرودغان الى طهران وتبنيه «الحل السياسي» بدلاً من العسكري. زيارة محمد بن نايف الى أنقره قبل يوم من سفر أردوغان الى طهران كانت تهدف الى إبلاغ الايرانيين استعداد آل سعود للتخلي عن عبد ربه منصور هادي على أن تكون المبادرة الخليجية أساساً للحوار..الموقف المصري كان هو الآخر مربكاً بالنسبة لآل سعود، وقد فسّروا كلمة السيسي بأن «جيش مصر لمصر» على أن هذا الجيش لن يعيد تجربة 1962. السعودية التي اعتادت «تثمين» المواقف بالمال، اعتبرت كلام السيسي محاولة ابتزاز، كما هو حال دول تحالف من خارج مجلس التعاون الخليجي قبلت بالانضمام الرمزي..

اكتشف آل سعود في هذه الحرب بأن شعبيتهم متدنية للغاية على مستوى العالمين العربي والإسلامي، بل وحتى في الخليج، لم يكن لهم حلفاء حقيقيون سوى البحرين لأسباب معروفة، إقتصادية وسياسية.

لا يخفي جمهور السلطة موقفه الغاضب من الاتراك والباكستانيين والمصريين، فقد خذلوا آل سعود ولم ينصروهم بل وأوصلوهم الى حائط مسدود..في الخليج المنطق هو التالي: عمان امتنعت، والامارات اختلفت في وقت لاحق، وقطر صمتت بشكل مريب، والكويت تفاعلت بصورة مفتعلة، ولم يبق سوى البحرين التي بقيت ولا تزال ذيلاً..

المعطى الآخر هو فشل المحاولات السعودية في إحداث إنقسامات كبيرة وخطيرة في المجتمع اليمني تمهّد لحرب أهلية، أو على الأقل تؤول الى سقوط مناطق استراتيجية خصوصاً في جنوب اليمن، بما يتيح للسعودية احتلال أرض يمكن لحلفائها إقامة حكومة عليها والانطلاق منها نحو المفاوضات المستقبلية. تنبّه «أنصار الله» واللجان الشعبية والجيش اليمني الى الخطة تلك منذ الأيام الأولى وعليه سقط رهان كبير من يد آل سعود، ما يفسّر «هستيريا» القصف الصاروخي على المناطق الجنوبية في المرحلة الثانية، إعادة الأمل، بعد أن وجدت السعودية نفسها في مأزق خطير مفاده: السيطرة على الجو لم تمنع تمدّد «أنصار الله» والجيش اليمني واللجان الشعبية على الأرض.

أما أهداف العدوان، وبخلاف كل ما جاء على لسان المسؤولين السعوديين السياسيين والعسكريين، هي على النحو التالي:

1 ـ حماية خطوط النفط والتجارة البحرية. وبتفصيل أكثر، إن سيطرة أنصار الله واللجان الشعبية على مضيق باب المندب لا يحمل تهديداً لا للسفن التجاربة المصرية ولا للهندية ولا حتى للسعودية ولا أي من الدول العالم، بينما هي تشكل تهديداً جدّياً واستراتيجياً للسفن الاسرائيلية. شعارات الحركة كفيلة بأن تبعث قلقاً متعاظماً لدى القادة الصهاينة، ولذلك لا يخف الاسرائيلي نيّته التدخل العسكري في حال عجز الاميركي والسعودي عن تأمين خطوط التجارة الاسرائيلية في البحر الأحمر مروراً بباب المندب ومنه الى بحر العرب وصولاً الى شرق آسيا..

2 ـ إجهاض أي حركة نهضوية ذات طابع ديني في الجزيرة العربية. في العام 2009 وصف محمد بن نايف، وزير الداخلية، بحسب وثائق ويكليكس، اليمن بأنه دولة فاشلة، ولكن هذا اليمن في سبتمبر 2014 نهض بفقره وجوعه وبؤسه لرسم معالم جديدة لجزيرة عربية مختلفة، يكون فيها اليمن ـ المعادلة واليمن ـ النموذج. وهذا بالتأكيد لن يكون مقبولاً من الجانب السعودي، الذي يرى في اليمن الديمقراطي والمستقل خطراً وجودياً بالنسبة له، ولا بد من فعل المستحيل لتقويض هذا النموذج قبل استكمال شروط نجاحه، وإن تطلب محو اليمن من الخارطة.

3 ـ تحقيق إنجاز استثنائي للملك سلمان وإبنه وزير الدفاع محمد بن سلمان، إنجاز يراد البناء عليه في المستقبل داخل العائلة وداخل المملكة والأهم أن يكون الإنجاز قابلاً للتسويق لدى الحلفاء الكبار. بذل الملك سلمان كل ما في وسعه لجهة بناء «قيادة كاريزمية» تحل محل قيادة سلفه، أي الملك عبد الله، الذي حظي بتقدير من قبل فئات واسعة من الشعب، بصرف النظر عن «كمية» و»نوعية» الانجازات التي حقّقها. كان سلمان بحاجة الى «قضية» يصنع من خلالها منجزه التاريخي، الذي يتيح لابنه أيضاً تقديم أوراق اعتماد لدى الأميركيين في المستقبل. ولهذا السبب خالف الملك سلمان وإبنه محمد كل النصائح التي قدّمت لهم في بدايات الحرب، أولاً من البريطانين الذين أبلغوهما بأنها حرب خاسرة، ونصحوا بالخروج منها مبكّراً قبل أن تتعقّد الأمور، ثم جاء الألمان وقدّموا لهما رؤية استراتيجية بأن الحرب البرية يعني الوقوع في المستنقع، وأخيراً قدّم الأميركيون وجهة نظر مماثلة مفادها أن هذه الحرب بلا أفق.

بطبيعة الحال، لابد من الإشارة الى الدور الأميركي في «عاصفة الحزم» قبل وقوعها وبعده. فقد زوّدت الولايات المتحدة السعودية بالقنابل الخاصة بالانفاق من نوع جي بي يو، وقد استنفذت مخازن الخليج وخصوصاً في الكويت التي تضم كمية كبيرة من هذه القنابل، وقد ألقيت خلال الاسبوعين الأولين من الحرب بهدف ضرب مخابىء الصواريخ لدى الجيش و»أنصار الله»..

وبعد فشل القصف الجوي السعودي والقنابل، تدخّلت البوارج الحربية الأميركية في الخليج وأطلقت عشر صواريخ كروز من نوع توماهوك 109 (قيمة الصاروخ الواحد 600 ألف دولار) واستهدفت الصواريخ الباليستية في معسكرات للجيش اليمني ولكن كانت المعسكرات فارغة تماماً..

تذكر المصادر المقرّبة من صنّاع القرار في الخليج أن الطيارين السعوديين لم يكونوا مؤهلين بدرجة كافية فكانوا يقصفون بطريقة عشوائية في الأيام الأولى، ماتسبب في وقوع ضحايا مدنيين كثر، وأصابوا أهدافاً مدنية أكثر منها عسكرية، فتدخّل الأميركيون لتوجيه الطائرات وتقديم معلومات دقيقة عن طريق طائرات الاستطلاع بدون طيار التي تحوم في سماء اليمن مدة 30 ساعة متواصلة.

وبحسب خبراء عسكريين، كانت الطائرات الحربية السعودية تنطلق من قاعدة خميس مشيط أو من الطائف غربي المملكة السعودية وتقطع مسافة طويلة تصل الى 1600 كم ذهاباً وإياباً ولا يمكن لطائرة واحدة ان تقوم بها من أجل تنفيذ المهمة، فتدخل الأميركي لتزويد الطائرات بالوقود في الجو. فكانت تنطلق 8 طائرات تكون إثنتان للقصف والباقي لتعبئة الوقود..وهناك غرفة مشتركة في الرياض أميركية سعودية لإدارة العمليات وتزويد الطياريين بالاحداثيات وتوجيه الطائرات..

ولكن..بعد أربعة أسابيع من القصف الجوي والبري والبحري المتواصل، وجدت السعودية نفسها أمام ضغط دولي متعاظم، تزامن مع معطيات على درجة كبيرة من الأهمية: الأول، تحرّك بوارج حربية إيرانية نحو السواحل اليمنية، وكانت الرسالة واضحة للجانب السعودي ما استدعى تحريك بارجتين أميركيتين نحو بحر العرب بهدف طمأنة الحليف السعودي. الثاني: كان في الجانب اليمني حيث تحرّكت فرق عسكرية تابعة للجيش اليمني و»أنصار الله» باتجاه مضيق باب المندب، الثالث: عبور قوات يمنية الحدود بعمق 7 كم والسيطرة على عدد من المراكز السعودية.

على الجبهة الدبلوماسية، لقاء جرى بين وفد «أنصار الله» مع السفير الروسي في صنعاء، وكان عاملاً رئيساً في تفعيل قنوات الاتصال الدبلوماسي بين واشنطن وموسكو وبين عمان والرياض. رسالة الوفد أن ردّنا على العدوان السعودي بات وشيكاً جداً، فطلب السفير الروسي مهلة لإيصال رسالة بهذا الخصوص الى قيادته في موسكو التي بادرت للاتصال مع واشنطن من أجل احتواء خطر تفجّر حرب إقليمية.

من النتائج، جرى لقاءان بين السفير الإيراني في الرياض مع كل من وزير الخارجية سعود الفيصل ووزير الداخلية محمد بن نايف. بدا سعود الفيصل حريصاً على لقاء نظيره الايراني محمد جواد ظريف، وأكّد على تلبية الأخيرة لدعوة سابقة كان الفيصل قد قدّمها خلال لقاء لهما في نيويورك في 21 سبتمبر من العام الماضي، أما محمد بن نايف فعرض على الجانب الايراني التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وأبلغه أن أفغانستان بالنسبة لإيران هي بمثابة اليمن بالنسبة للمملكة. كان الرد الايراني واضحاً: لا لقاء بين الفيصل وظريف قبل وقف إطلاق النار..

من جهة ثانية، تأكّد آل سعود بأن الرد اليمني بات وشيكاً، في ظل تساقط المحافظات بيد الجيش و»أنصار الله» واللجان الشعبية، وزاد على ذلك الرسالة البليغة التي وصلت الى القيادة العسكرية والسياسية السعودية بعد عبور قوات يمنية الحدود السعودية..بقيت العملية خارج الضوء، ولكن مثّلت عامل ضغط كبير على صانعي القرار السعودي، وكان ذلك أحد مبررات استدعاء الحرس الوطني الى الحدود.

بحسب الاتفاق بين الأطراف الروسية والأميركية والعمانية والايرانية والسعودية يجب التوقّف عن قصف المؤسسات المدنية والبنية التحتية وكذلك قتل المدنيين..ولكن الاتفاق بصيغته الأولية فيما لو تمّ سوف ينطوي على هزيمة تاريخية للجانب السعودي، ولابد من «تخريجة» سياسية. ثمة أمور لم تفصح عنها القيادة العسكرية والسياسية في المملكة السعودية، وأن انتهاء «عاصفة الحزم» جاء نتيجة ضغوطات دولية وقد يتسبب الاستمرار في العمليات في «تضييق الخناق» سياسياً على السعودية بسبب انسداد أفق الحرب، ما يجعلها عاجزة عن تبريرها قانونياً..ولذلك لجأت الى مرحلة «إعادة الأمل» التي تجري اليوم دونما أهداف ذات طبيعة سياسية وقانونية بل تندرج في سياق آخر ولأهداف أخرى «تمشيطية»، وكأن العدوان قد انتهى بينما الوتيرة المتصاعدة للعمليات تشي بحقيقة أخرى، إذ أريد لهذه المرحلة التخفيف من وطأة الضغوطات الدولية ولكن مع بقاء «الحرب الشاملة» على اليمن. ما هو أهم من ذلك كله، أن الإعلان عن انتهاء «عاصفة الحزم» لا يعني وقف الحرب بصورة كاملة لأن ذلك سوف يترجم سلبياً في مستويين على: أولاً استقرار السلطة السعودية ووحدتها في الداخل، وثانياً: النفوذ السياسي في الخارج. فأولئك الذين رفع آل سعود سقف توقعاتهم منذ بداية العدوان سوف يصابون بخيبة أمل قاسية لأن النصر الكاسح الذي انتظروه تحوّل الى هزيمة نكراء. أما على مستوى الخارج، فإن السعودية سوف تتعرض لجلد قاس من أولئك الذين ذاقوا ويلات «الشقيقة الكبرى» على مستوى الخليج، أو من الدول العربية والاسلامية التي عانت طويلاً من «فتن ومؤامرات» ال سعود وتدخلاتهم..

ما يعني آل سعود في «إعادة الأمل» هو البحث عن منجز ميداني يمكن توظيفه في أي عملية تفاوضية مقبلة. العمل العسكري يتركّز على احتلال عدن أو أي منطقة استراتيجية يمكن أن تقام عليها حكومة ولو شكلية كي ما تكون أساساً لدعوى «عودة الشرعية»، ولو على نطاق جغرافي ضيق. على الضد، لايزال هذا الهدف بعيداً برغم من إغداق الأموال على كل من لدية استعداد للتمرّد وحمل السلاح ضد الجيش واللجان الشعبية في اليمن.

رفض «أنصار الله» واللجان الشعبية والجيش اليمني لدخول السعودية كطرف في أي حوار يمني ـ يمني دع عنك الرفض التام والمطلق لمقترح احتضان الرياض لمثل هذا الحوار دفع السعودية نحو التصرّف بخلفية الخاسر المنتقم. تجدر الاشارة الى أن العواصم المقترحة للحوار هي: مسقط، موسكو، جنيف..

لن توقف السعودية الحرب طالما أن أياً من الأهداف الثلاثة سالفة الذكر لم يتحقق، لأن ذلك يضع وجودها ومصيرها على المحك. فالقيادة السياسية والعسكرية السعودية مطالبة بتقديم إجابة حاسمة لجمهورها الذي لم يقنع بكلام المتحدث العسكري باسم التحالف أحمد العسيري عقب إعلانه انتهاء «عاصفة الحزم» بدعوى أنها حقّقت أهدافها، إذ لا يزال عبد ربه منصور هادي في الرياض، ولا يزال الجيش اليمني و»أنصار الله» يتمدّدون داخل اليمن، ولا كلام سوى عن أهداف مدنية وقليل نادر من الأهداف العسكرية.

في الجانب السعودي ثمة معطيات جديرة بالإلتفات وأهمها صدور الأمر الملكي بتواجد الحرس الوطني على الحدود. كان أمراً مستغرباً، لأن تشكيلات الحرس الوطني مصمّمة للدفاع عن المملكة السعودية إزاء إضطرابات داخلية وليست من أجل حروب حدودية. في الحقيقة، هناك معلومات وصلت للملك سلمان بأن الأمير متعب بن عبد الله، وزير الحرس الوطني يخطط مع أمراء آخرين من بينهم الأمير مقرن بن عبد العزيز، ولي العهد، لوضع حد لاستفراد سلمان وإبنه بالسلطة وما جرى من تقويض شامل لتركة والده، فأصدر سلمان أمراً بنقل الحرس الوطني إلى الحدود الجنوبية على خلفية الخوف من تمرّد في الرياض..

لم تتغير قواعد الاشتباك في كلا المرحلتين «عاصفة الحزم» و»إعادة الحزم»، وإذا كان آل سعود خسروا الحرب فلن يدعوا خصومهم يهنأون بالنصر، ولذلك هم يستخدمون كل ما يمكن تخيّله في هذا الحرب، ولأول مرة تنكشف حقيقة العلاقة بين النظام السعودي وتنظيم «القاعدة» والتي بدت واضحة في التنسيق التام بينهما على الأرض. على سبيل المثال، كل المعسكرات التي كانت تحت سيطرة «القاعدة» في جنوب اليمن يجري قصفها على الفور حال سقوطها بيد الجيش اليمني واللجان الشعبية..

السعودية تتصرف بعقل الخاسر، ، فالعدوان السعودي يستهدف تدمير مقوّمات الدولة في اليمن وكل بناها التحتية، بما يؤخر ولادة اليمن ـ النموذج عقوداً من الزمن..

إعادة التمركّز

فشلت عاصفة الحزم في تحقيق أي هدف حقيقي، باستثناء الدمار والدماء، فتم استبدال عنوان العدوان الى إعادة الأمل، وكان فصلاً جديداً أشدّ شراسة وعنفاً، فقد منعت سفن الاغاثة والوقود، وتم ضرب المطارات لمنع طائرات الإغاثة، وجرى استخدام قنابل وصواريخ محرّمة دولية عنقودية وحارقة وغازية سامة، بل والأخطر قام التحالف السعودي بارتكاب مجازر بشعة ضد المدنيين وسفكت دماء المدنيين والنساء والأطفال في الشوارع والأسواق والبيوت، وجرى تدمير ما تبقى من البنية التحتية..

هستيريا العدوان ازدادت بعد وصول التحالف السعودي الى طريق مسدود وراح يتصرف بوحشية للرد على الهزائم..

في الميدان، جرت محاولات مستميتة للسيطرة على جزء ولو بسيط على عدن، فقام التحالف السعودي في يوم واحد بـ 150 غارة جوية..

في المقابل، أحدث فشل الانزال البحري بالقرب من سواحل عدن في الثالث من مايو الجاري حيث أدى الى إصابة عدد من القطع البحرية والسيطرة على واحدة منها بمن فيها من جنود وما فيها من عتاد صدمة كبيرة لدى التحالف السعودي وبدا الارباك واضحاً على القيادة العسكرية، حيث أعلن المتحدث باسم التحالف أحمد عسيري بأن لا مصلحة في تناول هذا الموضوع في الاعلام، فيما راحت قنوات خليجية محسوبة على التحالف العشري تتناول الموضوع بطريقة مشوّهة تارة وأخرى بالإقرار بالعملية وفشل الانزال البحري..

لجأ النظام السعودي الى خيارات جديدة لجهة تغيير الواقع الميداني، فقام بتحريك ميليشيات بدأت بمحافظة حجة تحت غطاء مطالب حقوقية، وراح حزب الاصلاح يدفع أنصاره للخروج في الشوارع لمطالبة الجيش واللجان الشعبية و»أنصار الله» بتحسين الخدمات برغم من أن الحزب أعرب عن تأييده للعدوان السعودي بمتوالياته بما يشمل الحصار الشامل المفروض على اليمن..

الهدف من تحريك الإصلاح لأتباعه في حجة هو البدء بعملية تحشيد يبدأ مدنياً وينتهي عسكرياً..

في صنعاء أيضاً هناك تسليح لمجموعة من العناصر من أجل تفجير الوضع الأمني، فيما كان المال السعودي ينهمر من أجل تأجيج الفتن الأهلية في صنعاء وباقي المحافظات لمواجهة الجيش واللجان الشعبية. وبدا الهدف من اختيار صنعاء كمكان لإشعال الفتنة هو لتحقيق انتصار معنوي ولكن الجيش واللجان الشعبية كانت متأهبة لمثل هذه المحاولات..

لا بد من الإشارة الى تطوّر لافت وإن لم يكن خطيراً، على الأقل من وجهة نظر القوى الثورية في اليمن، وهي ما بدأ يقوم به رجال الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في حزب المؤتمر الشعبي من التنكّب عن المنطقة الرمادية التي بقوا فيها منذ اندلاع الثورة الشعبية في فصلها الثاني في 21 سبتمبر 2014، حيث بدأوا يعبّرون عن مواقف مناهضة للثورة وتأييد العدوان السعودي..عدد من قادة حزب المؤتمر وصلوا الرياض بهدف المشاركة في الحوار في الرياض من بينهم: محمد بن عبد العزيز الشايب، عبد القادر هلال، أحمد عبيد بن دقر، وسلطان البركاني وغيرهم. علي صالح كتب على صفحته في الفيسبوك بعدم الاساءة لعبد الكريم الأرياني الذي غادر الى الرياض في وقت مبكر من العدوان، ما يلفت الى تحوّل علني لدى صالح.

جماعة صالح تدرك بأنها بحاجة الى فرصة للهرب لأنها ستكون أمام استحقاق ثوري قادم، حيث سوف تتم محاسبة أولئك الذين شاركوا في شقاء الشعب اليمني وسرقوا خيراته، وقتلوا أبناءه..وعليه بدأ رجال «حزب المؤتمر» بالتسلل بصورة هادئة الى الرياض، للمشاركة في مشروع التحالف السعودي..

مواقف صالح ورجاله لم تكن مفاجئة لا للجيش ولا القوى الثورية، فقد خذل صالح الجيش في أدق المراحل، وهو من سلّم الجيش لحزب الإصلاح الذي قام بإذلاله فيما وجد الجيش في القوى الثورية نصيراً وعضيداً..

ولفرط ما تعرّض له الجيش من انكشاف وإضعاف، كان أي خبر يصل الى الجيش بوصول القاعدة بالقرب من معسكر تابع للجيش فكان يسلّمه للقاعدة خوفاً، ولكن حين وقفت القوى الثورية الى جانب الجيش، استعاد الأخير ثقته بنفسه وشعر بالحماية والحاضنة، وعليه أوقف

انزلاق اليمن الى الفوضى وسيطرة القاعدة، وصارت اللجان الشعبية تقف الى جانب الجيش في حماية المؤسسات العسكرية والامنية والمعسكرات..

يشعر حزب الإصلاح بالغيرة إزاء عودة حزب المؤتمر الى الحظيرة السعودية، خصوصاً وأن الأخيرة لا تميل الى الخيار الإخواني وأن حزب المؤتمر هو حليف قديم..

تنظر القوى الثورية بإيجابية لإعلان علي عبد الله صالح عن مواقفه الجديدة وكذلك عدد من قادة حزب المؤتمر الشعبي لحسم الجدل حول علاقة المؤتمر وصالح بالثورة. وتؤكّد هذه القوى على أن تحوّل صالح ورجاله لن يؤثر على الوضع الميداني بل على العكس ستخفف عبئاً معنوياً على القوى الثورية وستفرز الساحة اليمنية بين من هم مع الشعب ومصالحه ومن هم منحازون مع خصومه..

وفي تقدير القوى الثورية فإن هذه الحرب لا تحتمل التسويات، فهي تقوم على الحسم: إما النصر أو الهزيمة.

في المقلب الآخر، ثمة موقف حاسم وحازم للقوى الثورية يقوم على رد عسكري استثنائي، كما جاء في بيان رئيس المجلس السياسي في حركة «أنصار الله» صالح الصماد بمناسبة مرور أربعين يوماً على العدوان السعودي على اليمن حيث قال في حسابه على الفايسبوك إن «العدوان السعودي هو من سيدفع اليمنيين لاتخاذ مواقف قوية وحازمة ضد النظام السعودي الذي سيتحمل آثار ماجنته عدوانيتهم وهمجيتهم». وقال بأن صبر اليمنيين لن يطول :»وستأتي اللحظة التاريخية التي انتظرها اليمنييون ليردوا الاعتبار للشعب اليمني العزيز ويوجهوا صفعتهم القاضية الی وجوه ال سعود والتي ستفقدهم صوابهم وتشرد بهم من خلفهم..».

لابد من الإشارة الى أن الشريط الحدودي بين اليمن والمملكة السعودية يشهد منذ السادس من مايو مواجهات عنيفة، حيث نجح أبناء القبائل في السيطرة على مواقع عسكرية ومناطق حدودية داخل الأراضي السعودية والتي أخذت شكلاً تصعيدياً متدحرجاً، إذ سقط عدد من الجنود السعوديين بين قتيل وجريح، وغنم أبناء القبائل أسلحة كثيرة ونوعية، فيما يتم تداول أنباء عن اشتباكات برية داخل المدن الحدودية وخصوصاً في نجران وجازان ما يؤشر الى تحوّل خطير وهو ما دفع التحالف السعودي الى تصعيد وتيرة القصف الجوي والمدفعي البري للتعويض عن خسارته الميدانية سواء داخل اليمن أو حتى داخل الأراضي السعودية..

في المحصلة النهائية، النظام السعودي اكتشف متأخراً أن النصائح التي تقدّم بها البريطانيون والألمان والأميركيون لهم منذ البداية بعدم الدخول في الحرب لأنها خاسرة باتت حقيقة مرّة، فهم لا يعرفون كيف يخرجون من الحرب، وفي كل الاحوال الهزيمة باتت محدقة بهم برغم كل الدمار الذي ألحقوه بهذا البلد العربي الشقيق..وهم مضطرون للجوء للأميركيين من أجل مساعدتهم على «إخراج» الهزيمة كما فعلوا بالنسبة للإسرائيليين في حروبهم على فلسطين ولبنان.

الصفحة السابقة