السعودية وحقوق الإنسان

مملكة القمع والصمت

فريد أيهم

موضوع حقوق الإنسان ليس منفصلاً عن السياسة. فقد أصبح جزءً من القانون الدولي، وعنصراً مؤثراً في العلاقات الدولية، لا يمكن لدولة اليوم ان تقول بأنها تفعل ما تفعله بحق شعبها دون أن تخرق هذا القانون، ودون أن يؤثر ذلك على علاقاتها مع اصدقائها وحلفائها وأعدائها. لم يعد موضوع القمع وانتهاك حقوق الانسان شأنا داخلياً محضاً.

ولطالما كان استثمار انتهاكات حقوق الإنسان فعلاً سياسياً تقوم به الدول صغيرها وكبيرها في صراعاتها وابتزازها لبعضها البعض. تفعله السعودية، كما تفعله امريكا، كما تفعله المعارضة السياسية لآل سعود. ولأن ال سعود اكتشفوا أنهم لا يستطيعون منع العالم من غض النظر عن انتهاكاتهم للحقوق الأساسية لمواطنيهم والتي حضت عليها مواثيق دولية وقعت الرياض عليها فعلاً، فإنها ـ تبعاً لذلك ـ غيرت استراتيجيتها، من سياسة النفي المحض لوقوع الانتهاكات، ولكنها أبقت على الخطاب القديم، بأن ما تفعله يتواءم مع (الشريعة الاسلامية)! فبإسم الشريعة وتطبيقها يقمعون ويقتلون ويتسترون على المفاسد والعنف والدموية، وبإسمها يحاولون دون جدوى إقناع العالم بأن لهم خصوصية الدولة المسلمة التي تطبق شرع الله، الذي شوّهه آل سعود بأفعالهم، وكأن القمع والقتل والسحل والإرهاب عمل (إسلامي) يقره الدين، ويحضّ عليه!

الرياض اضطرت الى محاولة التماشي مع الآليات الحقوقية الدولية، فأسست هيئة وطنية رسمية تُعنى بذلك، وحين حاول المواطنون تأسيس جمعية اهلية.. أسستها الرياض بالنيابة عنهم! باسم (الجمعية الوطنية لحقوق الانسان)، ووضعت في السجن كل اولئك الذين يريدون تأسيس جمعية أهلية بعيداً عن تسلّط آل سعود وتغوّل أجهزة قمعهم، بدءً من قيادة حسم، جمعية الحقوق المدنية والسياسية، وانتهاءً برئيس مرصد السعودية لحقوق الانسان وليد أبو الخير، ووضع ناشطين آخرين في السجون كمحمد البجادي والمناسف وغيرهم. ورفضت الرياض السماح لجمعيات أخرى بأن تتأسس رسميا بعد ان تقدمت بطلبات في هذا الشأن ورفضت، كمركز عدالة لحقوق الإنسان، وغيره، ما دعا البعض الى تأسيس جمعيات خارج السعودية من قبل أشخاص اختاروا المنفى، مثل جمعية قسط، وديواني، والمنظمة السعودية الاوروبية لحقوق الانسان، فضلا عن جمعيات لاتزال تعمل داخل السعودية كمنظمات سرية، مثل مركز أمان لحقوق الانسان.

وقامت الرياض مضطرة، وهي إذ تصبح عضواً ذا مقعد في مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، ان تفتح باباً في العلاقات مع المفوضية السامية لحقوق الانسان، وأن تعقد معها اتفاقاً للدعم الفني، وأن تقدم خمسة ملايين دولار على مدار خمس سنوات، في كل سنة مليون دولاراً!

أيضاً حاولت الرياض ولاتزال أن تتهرب من تداعيات محاسبتها في مجلس حقوق الانسان، ضمن المراجعة الدورية الشاملة، ولكنها لم تفلح، حتى وإن كان الغرب لازال يفرد مظلته الأمنية والاعلامية والسياسية الحامية لآل سعود، بحيث ان بيانات واحتجاجات المنظمات الحقوقية الدولية لم تصل حدّ الضغط السياسي، أي ان الغرب انتزع مفاعيل الضغط السياسي من العمل الحقوقي المعارض لانتهاكات آل سعود.

وتوضح وثائق الخارجية السعودية، مدى انشغال الرياض بتجميل صورتها الحقوقية لدى العالم، الذي يدرك انها دولة تضطهد المرأة، وتضطهد الأقليات، وتنشر الفكر المتطرف والعنف الى اصقاع عديدة. جاءت بنساء ليمثلوها في وفودها في الاجتماعات الحقوقية الدولية، وأيضاً استخدمت قوتها الاقتصادية في معاقبة الدول التي تنتقدها كما حدث مع السويد وتهدد الدانمارك بها، ما أخاف دولاً أخرى كألمانيا والنمسا التي تحتضن مركز حوار الأديان الذي تموله السعودية من اجل التضليل على قمعها لحرية العبادة، ليس لغير المسلمين فحسب، بل ولمواطنيها المسلمين المختلفين مع ايديولوجيتها الرسمية. 

أيضاً لاحقت الرياض النشطاء الحقوقيين المستقلين، وتابعتهم في تقاريرها، وهددت الكثير منهم أن حضروا اجتماعات حقوقية خارجية تحت طائلة العقاب (لعدم اخذ الإذن/ وللتآمر/ ولتشويه سمعة المملكة!)، كما ان العديد من الحقوقيين أُخرسوا بعد أن اعتقلوا، أو هددوا بالسجن، وهم كثيرون، ما جعل معظم النشطاء يختفون حتى من مواقع التواصل الاجتماعي، ويرفضون التعبير عن آرائهم الحقوقية تحت طائلة القمع والتهديد لهم ولعوائلهم.

ولكي تكتمل الكمّاشة السعودية، كان لا بدّ من تضليل الرأي العام الدولي، او اقناعه بأن الرياض تسير في الطريق الصحيح، طريق تطوير اوضاع حقوق الإنسان لمواطنيها! فأخذت بإرسال الوفود، وشراء من يمكن شراؤه من أصوات دول، وأشركت بعض وزاراتها للقيام ببعض التعديلات او التدريب.. ودافعت عن نفسها اعلاميا ازاء كل الأسماء التي تم اعتقالها بشكل فاضح معللة ذلك بأن قضاءها مستقل، وأن ثقافة المملكة تختلف عن ثقافة الدول الأخرى، مع اضافة جملة بأن المملكة تحترم المواثيق الدولية!

السنوات الخمس عشرة الماضية كانت حافلة بالتقارير المطولة عن انتهاكات الرياض لحقوق الانسان في كل المجالات، في قضايا حرية التعبير، والعبادة، والاعتقال التعسفي، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل، والأقليات الدينية والمذهبية، والتعذيب، والمحاكمات غير العادلة، وغيرها من المسائل، والتي درجت المنظمات الحقوقية الدولية على الاهتمام بها، شأنها في ذلك شأن تقارير وزارة الخارجية الاميركية السنوية، وتقارير بعض الدول الاوروبية مثل بريطانيا، وان كانت الأخيرة تمالئ النظام، وتروج الى انه بدأ بالتغيّر نحو الأحسن، وليس الأخشن!!

السعودية والتعاطي مع الآليات الدولية

التعاطي مع الآليات الدولية يعني ابتداء اقامة علاقة طيبة مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان، فالمفوضية هي أعلى هيئة حقوقية دولية، وقد وقعت الرياض مذكرة تفاهم للتعاون الفني مع المفوضية، ما ترتب عليه أن وفداً منها أراد زيارة الرياض لبحث آفاق التعاون الحقوقي، وكتبت المفوضية الى الوفد السعودي الدائم في جنيف ـ بعد أن تم تحديد موعد الزيارة في يناير ٢٠١٣ ـ أن الهدف منها هو بحث المقترحات المتعلقة ببرنامج التعاون الفني، وهي تشمل معرفة حاجات هيئة حقوق الانسان الرسمية، والأجهزة الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني ومساعدتها في تعزيز قدراتها؛ وكذلك معرفة حاجات النظام القضائي، والمساعدة للحكومة في تنفيذ الرياض توصيات المراجعة الدورية الشاملة. واقترحت المفوضية ان يتم مساعدتها في ذلك من خلال لقاءات مع مسؤولين في وزارات الخارجية والداخلية والعدل والشؤون الاسلامية ومجلس القضاء الاعلى ومجلس الشورى والحرس الوطني اضافة الى لقاءات مع كبار المثقفين. وختمت بأن الوفد سيشمل فرج فنيش، مدير قسم الشرق الاوسط، ورينو ديتال، والخبير بتهار بوجلال.

وزير الخارجية سعود الفيصل، أوصل خبراً لرئيس هيئة حقوق الانسان، موضحاً (عدم مناسبة زيارة الوفد للجهات الحكومية المشار اليها، وخاصة مجلس القضاء الأعلى والحرس الوطني ومجلس الشورى. واذا كان لا بد، فيقترح أن يعقد الوفد الزائر في الهيئة اجتماعاً بحضور ممثلين من تلك الجهات).

ومن التعاطي مع اليات الأمم المتحدة، تشير احدى الوثائق بأن مقر السعودية في جنيف تلقى خطابا أحاله مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان يفيد بأن الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي، والمقرر الخاص المعني بحرية التجمع السلمي، والمقرر الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الانسان، والمقرر الخاص المعني باستقلال القضاء والمحامين، تلقوا معلومات (عن أعمال تهديد وتخويف واستخدام مفرط للقوة والاعتقال التعسفي ضد أشخاص مارسوا حقهم بحرية التجمع السلمي والتعبير). ومن بين أولئك ما جرى للناشط محمد البجادي الذي اعتقل في ٢١ مارس ٢٠١١ بعد يوم من مشاركته باحتجاج سلمي بالرياض وفي ابريل ٢٠١٢ تمت ادانته كعضو في جمعية حسم بأربع سنوات سجن. وطالب المقررون اطلاق سراح المعتقلين السلميين.

مثل هذه الرسائل تكررت باعتبارها واحدة من ادوات الضغط على الحكومة السعودية، لكن الرياض لم تعبأ بأحد. هناك رسالة مماثلة من المقررين هؤلاء ضد احكام السجن الغريبة التي اصدرها آل سعود ضد النشطاء (سعود مختار الهاشمي/ ٣٠ عاماً سجناً)؛ (وليد العمر/ ٢٥ عاماً سجناً)؛ (سليمان الرشودي/ ١٥ عاماً سجناً)؛ سعيد بن زعير الذي امضى حينها اربع سنوات في السجن الانفرادي، والاعتراض على اعتقال الناشط مخلف الشمري، وغيرهم. وبين المقررون مواطن انتهاكات الرياض لحقوق مواطنيها ومخالفتها للقانون، وذكروا في ختام خطابهم بأنهم سيقدمون تقريراً عن هذه الحالات التي يتم فيها انتهاك حقوق الانسان الى مجلس حقوق الانسان، وأملوا ان تقدم الرياض ملاحظاتها على المعلومات التي اوردوها والاجابة على اسئلتهم التي سيتم ادراج الاجابة عليها في تقريرهم المزمع تقديمه للمجلس.

هناك وثيقة تفيد بأن الرياض حاولت الاستفادة من تصريح المقرر الأممي الخاص المعني بالإعدام خارج اطار القانون او الإعدام التعسفي، ضد تزايد الاعدامات السعودية، ان تستفيد من التصريح لتطلب منه ان يتدخل لينقذ الدواعش والقواعد السعوديين الذين قبض عليهم في العراق، حيث يقول وكيل وزارة الخارجية الأمير تركي بن سعود الكبير (يمكن توظيف مثل هذه البيانات والتصريحات الصادرة عن موظفين اممين في اطار الاستشهاد بها عند اجراء محادثات بشأن إعدام السعوديين المحتجزين في السجون العراقية).

التعاطي مع المنظمات الحقوقية الدولية

من مقاييس احترام دولة لحقوق الانسان، طبيعة علاقاتها مع المنظمات الحقوقية العالمية والمحلية بالطبع، والرياض عدوّة الإثنين. الرياض لا تسمح لمنظمات حقوقية بزيارة المملكة ومتابعة اوضاع حقوق الانسان فيها الا نادراً، وهناك آلاف المنظمات الحقوقية، لكن المهم فيها نحو عشر منظمات مثل العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش والفيدرالية الدولية ومنظمة مناهضة التعذيب، وغيرها. اكثر من هذا فإن الرياض تتابع عمل المنظمات الحقوقية المهتمة بشؤون دول الخليج وربما ملاحقتها، كما هو الحال مع منظمة الكرامة التي مقرها في جنيف، حيث لاحقتها الرياض ولازالت وهي تقول ـ حسب وثيقة من الخارجية أنها منظمة (تسعى للضغط على الحكومات العربية والتأثير على قراراتها خصوصا في موضوع السجناء الذين ينتمون للتيارات الاسلامية بشكل عام. والمنظمة كان لها فرع في دولة قطر الا انه لم يعد قائما في الوقت الحاضر، وهي غير مسجلة في دولة قطر، إلا انه يرأسها عبدالرحمن النعيمي، وهو استاذ تاريخ سابق في جامعة قطر).

وهناك ـ حسب وثيقة سرية صادرة من الخارجية السعودية ـ الهيئة الأمريكية لحرية الأديان التي اعربت عن رغبتها بزيارة السعودية في فبراير ٢٠١٣، وتقدمت الى السفارة السعودية بطلب فيزا، مع وضع خط أسود تحت جملة (على أن يكون ضمن البرنامج زيارة المنطقة الشرقية) وكذلك لقاء وزير الخارجية والشؤون الاسلامية، والعدل، والتربية والتعليم، ومركز الحوار الوطني، وهيئة حقوق الانسان. السفارة حولت الطلب على وزارة الخارجية مع تقرير الهيئة الأخير، وقالت انه يمكن الاستفادة من وجودهم  كـ (وسيلة لإبلاغهم مباشرة بقلق المملكة حيال تقاريرهم السابقة). وفي وثيقة اخرى افادت بأن مضمون تقارير الهيئة يحوي (العديد من المزاعم والمبالغات والتحيّز مع التركيز على حوادث فردية وتعميمها..).

السفارات والوفود الغربية تجمع هي الأخرى معلومات عن كل بلد تكون فيه، وبينها المعلومات المتعلقة بالإنتهاكات لحقوق الانسان، ونجد في وثائق الخارجية السعودية طلبات عديدة من الوفود والسفارات الأجنبية لزيارة المنطقة الشرقية حيث تتكثف فيها الانتهاكات بما فيها التمييز الطائفي، كما يتكثف فيها النشاط المعارض وهي المنطقة النفطية. نجد مثلاً طلباً في ٢٠١٢ تقدمت به هولندا من ان وفدا من وزارة خارجيتها ومن السفارة الهولندية يشمل السفير ورئيس الوفد وسفير حقوق الانسان في هولندا، يريد زيارة المنطقة الشرقية، وقد سُمح لهم بذلك، وارسل سعود الفيصل الى وزير الداخلية محمد بن نايف يبلغه بأن الوفد زار محافظة القطيف والخبر (وقابلوا فيها بعض المواطنين ودار الحديث حول الأوضاع هناك) ونظرا لأن وزير الداخلية قال لسعود الفيصل (بأن الهدف ليس زيارة مقر حقوق الانسان ـ في الشرقية ـ وانما زيارة الناشطين، وهو امتداد لنشاط السفارة الهولندية في زيارتها للمنطقة للحصول على معلومات مغلوطة عن المملكة، تعطي صورة سلبية لتشوية صورة المملكة في الخارج).. قال الفيصل: (قد يكون في مثل هذه الزيارات فرصة لأن نتعرف على من يجب متابعتهم، وإشعارهم بأننا مطلعون على كل ما يفعلون وأننا ننتظر منهم موافاتنا بإثباتات تدل على وطنيتهم وغيرتهم على وطنهم كمواطنين)! بمعنى ان سعود الفيصل يقول ان الأمر لا يخلو من فائدة فستتعرف الداخلية على الناشطين، وبإمكان الحكومة التعامل معهم كأعداء الى ان يثبتوا وطنيتهم لآل سعود!

هناك طلب مماثل من السفارة البريطانية، حيث طلب السفير في ٢٠١٢ ستيفن ديك بأن يقابل محافظ القطيف، وقد ردت وزارة الخارجية بالموافقة وهي تعلم ان السفير لن يقصر لقاءاته على المحافظ، ولكن (تود الوزارة بأن لا مانع من زيارة امارة المنطقة، أما محافظ القطيف فهو غير متواجد)!

وثائق أخرى متنوّعة

اهتمت الرياض بمسألة الوفود الحقوقية، ولكن المشكلة انها لم تفهم او تستطيع ان تميّز بين العمل الاعلامي (الاعلاني) عن العمل الحقوقي، وظنّت ان رجال الإعلام يمكن أن يكونوا فاعلين حقوقياً. الحقوقي له لغة مختلفة ومرجعية مختلفة وجدله مختلف عن جدل الاعلامي والسياسي. والرياض لا تفقه في هذه الاختلافات أساساً. كان يهمها ارسال وفود لتوضيح صورتها لدى أصدقائها وحلفائها بالأساس (الدول الغربية)؛ وكانت تدرك بأن هناك قضيتين يصعب الدفاع عنهما وتبريرهما: اضطهاد المرأة، والتمييز الطائفي ضد الشيعة، وبينهما التعذيب والإعدامات وغيرها.

منذ ٢٠٠٤ شكلت لجنة حكومية لتختار اسماء أشخاص يشكلون (فريق المتحدثين باسم المملكة في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية مكون من عشرين شخصية بينها شخصيات نسائية للأستفادة منها في التحدث لوسائل الاعلام الامريكية… وتزويدهم بالمعلومات المناسبة وتحت اشراف سفارة المملكة في واشنطن فيما يتعلق بالعمل في أمريكا). وأقرت السلطات (اهمية مشاركة المرأة السعودية في الوفود المرسلة خارج المملكة.. وتكثيفها).

في اجتماعات جنيف لحقوق الانسان، عملت السلطات السعودية ـ حسب الوثائق ـ على مشاركة سيدات في النقاشات المتعلقة بالمرأة خاصة حلقة النقاش (دور المرأة في الحياة العامة) وقد طلبت هيئة حقوق الانسان من وزارة الخارجية ان تمدها (بأسماء نسائية يمكن الاستعانة بها).

وفي ٢٠١٣، وعلى هامش جلسة الاستماع التي عقدها البرلمان الاوروبي حول العدالة في دول الربيع العربي، ونظراً لأن البرلمان الأوروبي ابدى اهتماما متزايدا بموضوع حقوق الانسان والحريات في السعودية، فقد كلف الملك وزارة التعليم العالي وهيئة حقوق الانسان ومركز الحوار الوطني باختيار شخصيات نسائية ورجالية للمشاركة في الندوات، وقد قام وكيل وزارة الخارجية بالإختيارات للوفد!

في ٢٠١٠، صدرت دراسة عن مركز مكافحة الارهاب عن الشيعة في السعودية ومعاناتهم مع السياسة الطائفية للحكومة السعودية، وكان عنوانها (محاصرون في المملكة ـ الشيعة وسياسة المواجهة في السعودية) بقلم توبي جونز، فقامت قيامة آل سعود وأمر وزير الداخلية ـ حسب الوثائق ـ بدراسة التقرير، وأوصى بـ: (الإهتمام بوسائل الإعلام وتوضيح أن الشيعة يتمتعون بحقوقهم… ولا يوجد اي تمييز عنصري او طائفي يمارس عليهم.. وأن كاتب الدراسة لم يكن موضوعيا بل متحيّزا الى الشيعة). كما أوصى وزير الداخلية بـ (تفعيل الاعلام المضاد فيما يكتب عبر مواقع الانترنت، والرد المفحم على كل متطاول على المملكة وملاحقته قانونيا)، وهذا يوضح ان لوزارة الداخلية جيشا الكترونيا قذرا يعمل خاصة على موقع تويتر؛ ورأى وزير الداخلية التأكيد على أن (نبذ التطرف والعنف هو المنهج الذي تتبناه المملكة)؛ وكانت هناك توصية مقترحة بأن (يتم إفهام الأئمة وخطباء المساجد بعدم الخوض في امور تؤجج نار الفتنة الطائفية في المملكة وخصوصاً تلك التي تتعلق بتكفير الشيعة) لكن هذه مجرد توصية لم تطبق الى اليوم.

رئيس الاستخبارات العامة أوصى بمتابعة اصدارات المركز الغربي، (وان تكون هناك دراسات مضادة لا سيما وان هناك تركيزا على اوضاع الشيعة في دول الخليج والمملكة). سفير آل سعود في لندن أيّد مقترح وزارة الداخلية، ووزير التجارة والصناعة رأى (بذل المزيد من الجهود لإيضاح الحقائق وتنوير المجتمعات الغربية بأن الشيعة في المملكة ينعمون بكافة حقوقهم السياسية والمدنية، وان الكثير منهم تبوّأ مناصب عليا في الدولة، وفي مجلس الشورى، وان ما يشاع عن تهميش الحكومة السعودية لهم سياسياً ومحاصرتهم عقائديا واقتصاديا واجتماعيا محض افتراءات)؛ ورأى الوزير (اصدار نشرات تعريفية وكتب وبحوث تسلط الضوء على ما يتمتع به الشيعة في المملكة من مساواة في المزايا والحقوق). وزير الإعلام اقترح: (تقديم المزيد من الدعم المادي لمحطات الاذاعة والتفزيون الاسلامية والعمل على ايجاد مساحة للبرامج الدعوية لعلماء المملكة والعلماء الآخرين المعتدلين لتوضيح الفكر الاسلامي الصحيح). وأخيراً فإن عادل الجبير، السفير السابق في واشنطن، رأى (التأثير في وجهات نظر الكتاب والباحثين والدراسات التي يعدونها من خلال تنويرهم حول الحقائق في المملكة والتواصل معهم وإتاحة الفرصة لهم لإستقاء المعلومات من مصادرها الأصلية والموثوقة. وتقوم السفارة في هذا الجانب بترتيب برنامج زيارات لأعضاء وباحثين من مراكز الفكر الهامة ـ الى المملكة ـ وكذلك اساتذة وطلبة الجامعات). وأكد السفير على (التوصية المتعلقة بإفهام الأئمة والخطباء بعدم الخوض في أمور تثير الفتنة الطائفية في المملكة خاصة التي تتعلق بالشيعة وتكفيرهم)، اضافة (الى تفعيل الاعلام المضاد فيما يكتب عبر مواقع الانترنت) أما ملاحقة المتطاولين فـ (قد يكون أمراً غير عملي)!

لكن هذه الجهود لم تفلح كثيراً، ففي ٢٠١٣، زار وزير العدل الدكتور العيسى، ورئيس مجلس القضاء الأعلى لندن والتقى وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط السابق اليستر بيرت، وفتح معه قضايا حقوق الإنسان، وكان في مقدمها موضوع التمييز الطائفي ضد الشيعة، وبعبارة وزارة الخارجية السعودية (تطلعات الفئة المعلومة للمساواة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية)، كما ابدى بيرت ملاحظاته على قانون المطبوعات وتزايد حالات الاعدم، وتزايد حالات الاعتقال بدون محاكمة، وقانون مكافحة الاهاب الذي يضيق الخناق على المعارضة، وعدم وجود تحرك من جانب الحكومة في قضية قيادة المرأة للسيارة، واجراء محاكمات لا ترقى لمستوى معايير المحاكمة العادلة، واستخدام التعذيب، والشروخ في النظام القضائي، وعدم توفير حرية العبادة لغير المسلمين، ومحاكمة الأطفال وغيرها.

وفي اطار ملاحقة المعارضين والناشطين الحقوقيين فهناك العديد من الوثائق التي ظهرت على ويكيليكس، من بينها اصرار الرياض على عدم رفع المعارض سعد الفقيه من قائمة الإرهاب، وتحركها لإبقائه، وقد اتصلت بالدول للحيلولة دون ذلك، وفشلت في النهاية.

وهناك وثيقة موقعة من سعود الفيصل تبين انزعاجه من الناشطين علي الأحمد وعلي اليامي في واشنطن (وقد تم الخلط بينهما)، وهناك وثيقة اخرى من وكيل الخارجية يفيد فيها بالتالي: (هناك توجه باثارة الموضوع مع الأمريكان وكيف يسمح للمدعو اليامي بالتطاول بهذه الطريقة التي تعتبر غير مقبولة بأن يتخذ من أرض الولايات المتحدة ملاذا ومكاناً للتعدي على سيادة المملكة ومصالحها). وايدت الخارجية ذلك فطلبت من محامي السفارة بأن يرسل احتجاجا للحكومة الامريكية. اضافة الى وجود وثائق تصف المعارضين حمزة الحسن وفؤاد ابراهيم بـ (المارقين)، واخرى تعتبر حمزة الحسن من المتردد على السفارة الايرانية بلندن!

وكانت الرياض قد أفشلت مؤتمرا في الكويت لناشطين خليجيين يحضره سعوديون حقوقيون وناشطون، بينهم وليد سليس الذي اعتبرته وثيقة (ناشطا ضد الحكم بالمملكة ومشهور بدعمه للحوثيين باليمن والانقلابيين في البحرين، وأيضاً يشارك في مؤتمرهم المزعوم محمد الأحمري، وهو احد الفارين من السعودية وحاز على جنسية دولة خليجية اخرى ـ قطر). فضلا عن وثائق تتعلق بهالة الدوسري، التي تصفها وثيقة سعودية بأنها علمانية وتكتب في صحف عربية واجنبية، ونالت اوصافا غير لائقة، واكثر هذه المعلومات خاطئة ومضروبة!

الصفحة السابقة