يطعنون في الملك عبدالله وعهده انتصاراً لسلمان ومشروعهم الإخواسلفي

نار تأكل بعضها، إن لم تجد ما تأكله

سلمان الحزم.. يبطش بحوارييه

محمد فلالي

في غضون أقل من إسبوع، فتح صقور الصحوة والاعلام النار على عهد الملك عبد الله وسياساته.. هل كانت مجرد صدفة أن تأتي تلك الانتقادات متزامنة في وقت واحد، وهل كانت مجرد صدفة ان تكون اللغة متشنّجة وصريحة، وتكاد لا تراعي حتى الاعتبارات المتوارثة في التعاطي مع شؤون الأسرة المالكة؟. إنها دون ريب الأولى من نوعها التي يتم التصويب فيها على رأس النظام. وقبل فهم أبعاد هذه الانتقادات نتوقف عند أبرز ما جاء فيها:

فقد نقلت صحيفة (سبق) المقرّبة من وزارة الداخلية السعودية خبراً في 2 يوليو الجاري عن مصادر موثوقة من وزارة الإعلام، خبر صدور أمر من الملك سلمان بن عبد العزيز بإحالة المقدم التلفزيوني عبد الله المديفر وضيفه الاخواسلفي محسن العواجي، إلى هيئة التحقيق والادعاء العام. وأضافت الصحيفة أن قرار الملك تضمّن منعهما - المديفر والعواجي- من الظهور الإعلامي داخل المملكة، إضافة إلى إيقاف برنامج «في الصميم» على روتانا بصفة نهائية. وعزت الصحيفة في الخبر الذي أوردته في موقعها السّبب إلى ما وصفته بـ «التزلّف» للملك الحالي سلمان عبر «الإساءة» للملك السابق عبد الله.

وكانت قناة (روتانا خليجية) قد بثّت عصر يوم الاثنين 29 يونيو الماضي حلقة جديدة من برنامج (في الصميم) وهو عبارة عن لقاء أجراه عبد الله المديفر مع محسن العواجي، وقال الأخير: إنه «راضٍ عن القيادة الحالية»، وأوضح: «ولا أعتقد أنني في حياتي رضيت، مثل ما رضيت في وضع القيادة الحالية»، ولكنه استدرك قائلًاً: «سجناء الرأي ما كان لهم أن يسجنوا فضلاً عن أن يبقوا إلى الآن». في إشارة لأزمة السجناء السياسيين الذين قدّرهم الدكتور محمد القحطاني وناشطون حقوقيون آخرون بنحو ثلاثين ألف سجين رأي.

وفي إجابته عن سؤال حول سبب الرضا، قال العواجي بأنه تم «استدراك» الأوضاع في المنطقة نتيجة أخطاء العهد السابق، وإن عصر «المجاملات» انتهى، وإن الزعم بأن «البلاء من البطانة ولا طويل العمر ما قصّر، هذه انتهت الآن»، وختم: «طويل العمر مسؤول عن كل صغيرة وكبيرة في الدولة». وأضاف: «الذين جاملوا الملك عبد الله في وقته، الآن هو في قبره لوحده يواجه كل هذه القضايا بينه وبين الله عزوجل»، وواصل: «لن ينفعه وزير الإعلام ولا المتملّق والمتزلف».

وفي موقف بدا التزلّف فيه واضحاً، قال العواجي «إن القيادة الحالية ستبذل قصارى جهدها في تصحيح الأخطاء القاتلة» التي كانت خلال عهد الملك الراحل، وأضاف أن الملك وولي العهد وولي ولي العهد وجميع المواطنين السعوديين «يعلمون أننا عشنا معاناة العهد الماضي، ولكن الكل يجامل». وفي سؤال عن طبيعة المعاناة التي يقصدها العواجي، ذكر من بينها تعهّدات أخذتها السلطات السعودية على من أسماهم «الدعاة» أن لا يتحدثوا ضد «الحوثيين»، في الوقت الذي كان فيه «الحوثيون» ينتشرون في اليمن.

ونال العواجي من مدير مكتب الملك عبد الله ومستشاره الخاص، خالد التويجري الذي وضعه ضمن قائمة الذين «يستنفذون أموالنا من الخزينة»، ومعه مساعد رئيس الديوان الملكي «فهد العسكر»، وعباس كامل، رئيس مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، بناء على تسريبات الاتصالات بين الثلاثة والمساعدات السعودية التي قدّمها الملك عبد الله الى السيسي.

العواجي توقف عند مصر بعد 30 يونيو، وقال بأن سبب الأحداث الدموية التي جرت في مصر يعود الى تنصيب «السيسي» رئيساً، بموافقة السعودية ودول الخليج، وتساءل العواجي: هل كان الانقلابيون بإمكانهم أن يفعلوا ما فعلوا، من قتل وبلاء وسوء وأخذ أموال، لولا الموقف السعودي بقيادة السعودية؟. وأضاف العواجي: «من وضع السيسي على العرش هو الحكومة السعودية»، وأوضح: «لم نكن نعرف من هو السيسي، بدون السعودية. كان سيبقى موظفًا في أصغر أقسام المخابرات هناك».

وعاد العواجي واستدرك في سياق لغة تنضح تزلّفاً حين وضع سلمان في موقع المنقذ والمخلّص، فقال عنه بأنه «أنقذ الأسرة الحاكمة من الأسرة الحاكمة»، ولكن كيف؟ الجواب: التعيينات، أي تعيين محمد بن نايف ولياً للعهد ومحمد بن سلمان، ولياً لولي العهد.

بعد يوم من صدور أمر ملكي بإحالة كل من الشيخ الصحوي محسن العواجي والاعلامي عبد الله المديفر (مقدّم برنامج في الصميم في قناة روتانا الخليجية) الى القضاء، صدر أمر آخر بإلغاء محاضرة لجمال خاشقجي، مدير عام ورئيس تحرير قناة (العرب) الاخبارية لصاحبها الوليد بن طلال، في ديوانية جدة بعنوان (10 سنوات عجاف بعدها يغاث الناس ويعصرون) في 4 يوليو الجاري.. وكما يشير العنوان فإن المحاضرة تتعلق بتقييم سياسات الملك عبد الله خلال السنوات التي حكمها 2005 ـ 2015. العنوان يشي بنوع التقييم الذي ينوي عرضه خاشقجي كما يشي عنوانه «سنوات عجاف»..وكان خاشقجي من أشد المتحمّسين لحرب (عاصفة الحزم) على اليمن، والتي بالغ في توصيفها ووضعها في سياق استراتيجية واسعة تبدأ من اليمن وتصل الى سوريا وتطاول إيران. عاصفة تمثّل السعودية وتركيا وقطر أركانها الثلاثة.

وقد أثارت تغريدات خاشقجي عن (عاصفة الحزم) موجة من الانتقادات الساخرة، ومنها ما ورد في موقع (رأي اليوم) الذي يديره الاعلامي الفلسطيني عبد الباري عطوان، وجاء فيه أن خاشقجي يعيش أوهاماً ويبيع «جلد الدب قبل سلخه» حسب المثل المعروف، ويستند في ذلك على سؤال منطقي: «مالذي حققته السعودية في عدوانها على اليمن حتى الان كي تنزلق لمستنقع آخر؟».

والاهم في هذه المطاحنة الفارغة، السجال الذي دار على «تويتر» بين خاشقجي وعبد الخالق عبد الله، مستشار ولي عهد أبو ظبي، حول التحالف الثلاثي، ورد عبد الله على خاشقجي في مجموعة تغريدات حول توقعاته بوجود تحالف سعودي تركي قطري. وقال عبد الخالق عبد الله في تغريدة له بموقع التدوين المصغر موجهه لخاشقجي: «من حقك عدم تصديق المصادر الايرانية، واستغرب أنك لا زالت تروج لحلف سعودي تركي قطري ليس له وجود سوى في الخيال السياسي». فرد خاشقجي بطريقة نفي غير مباشر لوجود التحالف وقال: «لعله غير موجود، ولكنهم في طهران ودمشق وبغداد مشغولين به وقلقين، فهل ترى ان نطمئنهم وننفيه؟».

فعاد عبد الخالق عبد الله وردّ عليه «بعيداً عن انشغال الأعداء بما هو قائم أو غير قائم.. من واجبنا أن لا نروّج لسراب أنت تعرف أكثر من غيرك بعدم وجود حلف سعودي تركي قطري». الغريب أن خاشقجي أصرّ على رأيه بطريقة وأخرى، ولكنه نسب وجود التحالف الى الايرانيين وقال: «الايرانيون من سمّوه (تحالف)، وأنا أعلم علم اليقين أن هناك (تعاون) سعودي قطري ثم تركي غير مسبوق وآثاره واضحة».

بصرف النظر عن وجود مثل هذا التحالف أو عدمه، فإن خاشقجي عمل على الترويج لعاصفة الحزم عربية بدأت في اليمن وسوف تحدث تغييرات كبرى في المنطقة. ولعل هناك في العائلة المالكة من أغرى خاشقجي للدعاية لمثل هذا المشروع بوصفه أحد المنجزات المأمولة في عهد الملك سلمان.

نلفت الى أن قناة العرب أوقفت بثها في البحرين في عهد سلمان في 2 فبراير الماضي، بقرار من سلطات البحرين وبتعليمات من محمد بن نايف، ولي العهد ووزير الداخلية الذي يمسك بملف البحرين.

وجّه الشيخ الصحوي المتشدد ناصر العمر، في لقاء تلفزيوني آواخر يونيو الماضي، انتقاداً لسياسات الملك عبد الله، ووقوع مخالفات شرعية كبرى ومخالفته لهيئة كبار العلماء. وفي جوابه حول دخول المرأة في الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في ذي القعدة المقبل، قال بأن «في الزمن الماضي ـ أي عهد الملك عبد الله ـ مع كل أسف فيه اندفاع لاقحام المرأة في كل شيء في مجلس الشورى وفي الجامعات وغيرها، وهذا أمر خطير جداً وله آثاره.. ولذلك ولخطورة الأمر أتوجه الى مقام خادم الحرمين الشريفين، والذي عرف بتقريب العلماء، ومن أول عهده بدأ مع العلماء، ويرجع اليهم، ويقول لا أخرج عن رأيكم، أن يعاد الأمر الى هيئة كبار العلماء ..لأن في الماضي ما كان يؤخذ برأي هيئة كبار العلماء، يؤخذ إذا وافق رأيهم». أما إذا لم يوافق رأيهم، فالذي يحدث حسب ناصر العمر هو: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون، وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين؛ أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون؛ إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون).

ثم علّق ناصر العمر قائلاً: «وأنا أقول نأمل، وسمعت هذا من عدد من العلماء يريد أن يحيل هذا الموضوع الى هيئة كبار العلماء، وهم محلة ثقته، هم الذين عيّنوهم وهم محل الثقة والحمد لله، فيحال الى هيئة كبار العلماء ليبت في الموضوع برأي شرعي واضح، ونحن نقبل بهذا الموضوع، ونقبل بما تتوصل اليه الهيئة في هذا المجال».

الجدير بالفات الانتباه اليه أن العمر كان قد ألقى محاضرة في عهد الملك عبد الله بعنوان (على بصيرة) انتصر فيها لتفسير ولاية الأمر التي تنطبق على العلماء أولاً وأن الأمراء تبع لهم، وقد أثارت محاضرته لغطاً واسعاً وردوداً من بينها رد الأمير طلال بن عبد العزيز الذي نشر مقالاً في صحيفة (الشرق الأوسط) وانتقد فيه العمر على تفسيره، وأن ما يقوله يقترب من الهرطقة، لأن ولاية الأمر كانت في التراث الفقهي والتاريخي الإسلامي تعني الأمراء وليس العلماء، بحسب قول طلال.

هذه الانتقادات المتزامنة للملك عبدالله وعهده، لا بد أن تثير أسئلة وشكوكاً لدى جناح الملك عبد الله، قبل غيره من الاجنحة أو حتى من المراقبين وخصوم النظام. أول ما قد يرد من شكوك، هو وقوف جماعة سلمان وراء تلك الحملة على عهد الملك عبد الله، خصوصاً وأن من قادوا الحملة ينطلقون من مقارنة بين عهدين: عبد الله وسلمان، وتصنيف الأول بوصفه رمزاً لكل ما هو سيء وسلبي ولاشرعي بالمعنى الديني؛ وتصنيف الثاني بكونه رمزاً لكل ما هو إيجابي وعدل وشرعي بالمعني الديني.

إن هدف تحطيم صورة الملك عبد الله بعد مرور الفترة المسموح بها لاحترام الميت لابد أن يثير الريبة، لأن ثمة تصويباً مباشراً على الملك عبد الله بكونه رمز العهد السابق، وأن تصنيع رمزية سلمان لا تتم الا على حساب رمزية عبد الله التي يجب تحطيمها. وهذه واحدة من أدوات تصنيع الكاريزما التي يفقدها سلمان بالمقارنة مع عبد الله، وهذا يؤشر الى احساس لدى جناح سلمان بأن الرجل يواجه أزمة حقيقية في العائلة المالكة، وفي الدولة عموماً، نتيجة افتقاره الى منجز من أي نوع يمكن أن يعوضه عن خسارته الحرب على اليمن، والحرب على الارهاب، والحرب في سوريا، والحرب على ايران، والحرب على المستوى الدولي. فالمنقذ اليوم بحاجة الى من ينقذه من أزمات متوالدة.

الصفحة السابقة