جنون سعودي في اليمن

حرب عقيمة بلا أفق إنتصار سعودي

عبد الوهاب فقي

دخلت الحرب السعودية على اليمن شهرها الرابع، ولا بصيص ضوء في آخر النفق الذي دخل فيه سلمان وصغيره محمد. لا مكاسب ميدانية قابلة للتوظيف في أي مفاوضات مع اليمنيين، كل ما هنالك حتى الآن يقتصر على تدمير ممنهج يفوق ما حصل في حروب إسرائيل على فلسطين ولبنان. حتى ما تمّ الترويج له من انتصارات في عدن، مضخّم كثيراً، ولا يعدو اختراق جزئي بقوات خليجية (إماراتية) قيل أن عدداً من جنودها قد تمّ اعتقاله.

إنسداد أفق الحرب على اليمن، يأتي في ظل تحديات جديدة فرضت نفسها الشهرين الأخيرين، أولها: التحدي الأمني المتمثل في تفجيرات داعش في المنطقة الشرقية (القديح والدمام) والكويت، والمواجهات المسلّحة في أكثر من مكان في المملكة، منها ما جرى في الطائف ومقتل رجال أمن.

التحدي الآخر، وهو داخلي/ خارجي، ويتمثل في غياب سياسة واضحة المعالم في عهد سلمان، حيث لا تزال المملكة السعودية تتخبط في علاقاتها ومواقفها، وهي اليوم أكثر من أي وقت مضى أقرب الى الضياع بسبب انعدام الرؤية، وبرنامج العمل المناسب، والدبلوماسية الفاعلة والمنتجة. فمن يدير دفة السياسة، قلّة من الأفراد ليسوا من المؤهّلين والأكفاء. كان قرار تسليم محمد بن سلمان ملفات كبرى تتعلق باستراتيجيات الدول، ليس أكثر من مكافأة في غير محلها، كمن يقدّم هدّية بحجم مصير دولة في عيد ميلاد إبنه.

التحدي الثالث: خارجي، فالسعودية اليوم في أسوأ حالاتها على مستوى العلاقات مع الدول الأخرى القريبة والبعيدة.. تلوذ بالمال، والمال فحسب، في شراء المواقف، وتدرك سلفاً بأن تأثيرات المال مؤقتة، ولا تؤسس لعلاقات استراتيجية وراسخة. عشر اتفاقيات وقّعها محمد بن سلمان، وزير الدفاع، مع روسيا وفرنسا مجتمعتين، ولكن هذه الاتفاقيات لها أهداف محدودة، ولا ترقى الى مستوى التأثير في سياسات أو تغيير مواقف من قضايا كبرى.

الحرب العقيمة

كما في حصيلة حرب 2009 التي شنتها الرياض على الحوثيين، حين قرّرت السعودية خوضها الى جانب قوات نظام علي عبد الله صالح، وكانت النتيجة أن السعودية تكبّدت هزيمة بطعم الفضيحة، إذ عجزت القوات السعودية عن إحراز نصر من أي نوع، وفي نهاية المطاف قبلت الدخول في مفاوضات مع الحوثيين عبر وسطاء ودون قيد أو شرط، بل كانت مستعجلة لإنهاء ملف الحرب بكل تفاصيله، مثل تبادل الجثث، وإطلاق سراح المعتقلين اليمنيين في السجون السعودية، والذين تمّ اعتقالهم بتهمة الانتماء أو التعاطف مع حركة «أنصار الله»، على أن يخلي المقاتلون الحوثيون المواقع العسكرية السعودية التي سيطروا عليها.

كما حدث ذلك في 2009، تدخل السعودية اليوم في حرب مع معظم أبناء شعب اليمن في كل محافظاته، حيث الخيارات تبدو معدومة، ميدانياً وسياسياً، فلا مكاسب في الميدان يمكن صرفها في السياسة، كما نجد أن الحركة الدبلوماسية المتعلّقة بالملف اليمني شبه متوقفة، وحتى الأطراف المشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية، لم تعد تتفاعل مع الحرب، بل دفعت بها التحديات الداخلية الامنية والاقتصادية والسياسية للانغماس في شؤونها الخاصة، بدلاً من المشاركة في «العرضه» السعودية على إيقاع الحرب على اليمن.

السعوديون قرّروا أن يغلقوا آذانهم أمام نصائح الحلفاء والأصدقاء، وأن ما قاله لهم البريطانيون والفرنسيون والألمان وأخيراً الأميركيون بخصوص أن أفق الحرب على اليمن لم يعد يأتي بأي نتيجة.

السبب في ذلك ببساطة أن السعودية ترى نفسها في ورطة، وهي لا تستطيع التراجع لأن ذلك إعتراف غير مباشر بالهزيمة وله تداعيات خطيرة وكبيرة جداً على الداخل وعلى صورتها في الخارج كدولة لا تزال تراهن على إثبات بأنها لا تزال دولة محورية، وتؤّثر في المعادلات الإقليمية والدولية. لكن الرياض لا تستطيع الإستمرار الى ما لا نهاية في عدوانها، فيما تتراجع فرص الانتصار العسكري بعد أن استنفذت كل خياراتها، ولم يبق أمامها سوى تحويل حضرموت الى ساحة مواجهة علنيّة بين القاعدة والجيش واللجان الشعبية، ولكنها مواجهة سوف يكتشف السعوديون بأنها عقيمة، لأن حضرموت ليست المكان الذي يمكن الرهان عليه للحصول على مكاسب سياسية.

يشعر من هم في السلطة من آل سعود، بأن زخم حربهم على اليمن تراجع على المستوى الشعبي وحتى الإعلامي.. بالمقارنة مع الأيام الأولى لعدوانهم، تماماً كما حصل في حرب 2009. فقد كان خطاب المهلّلين لـ (عاصفة الحزم) مستنفرين الى حد تخوين كل من لديه رأي آخر، وأصبح الاستبداد في الرأي حتى لدى محسوبين على دعاة الاصلاح، سمة المواقف السياسية التي يطلقونها في الاعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن، وبعد مرور أكثر من ثلاثة شهور على الحرب، وتبدّد أوهام النصر السريع، لا يكاد تقرأ لهم موقفاً، أو تسمع لهم تصريحاً في خصوص الحرب على اليمن، ما يؤشر الى حالة احباط لدى جمهور السلطة السعودية، بسبب طول أمد الحرب بلا أفق، وبروز تحديات جديدة استقطبت قدراً كبيراً من الاهتمام.

وحتى على المستوى الاعلامي، فقد غاب الناطق العسكري باسم التحالف أحمد عسيري عن الشاشة وعن تقديم ملخصات عن آخر التطوّرات الميدانية، فكل ما يقوله عسيري بات مكرّراً ومملاً ولا جديد حقيقي فيه.. وحتى القنوات الفضائية والصحف المحلية أصبحت أخبار الحرب فيها لا تحتل المساحة نفسها التي تحتلها في الأسابيع الأولى للحرب.

قد يكون هناك سبب آخر لمثل هذا التراجع أيضاً، وهو البعد الإنساني الذي بدأ يفرض نفسه في الأسابيع الأخيرة. فقد كان جمهور السلطة يحاكم خصومه على ما يجري في سوريا من قتل وتدمير من قبل قوات النظام السوري، وإذا بنفس المشاهد بل وأعظم منها تجري في اليمن، فالبراميل المتفجّرة في سوريا تقابلها صورايخ مدمّرة، وقنابل عنقودية، وصواريخ من نوع خاص تحدث قتلاً وخراباً كبيراً في اليمن، وسوف يقف العالم بعد نهاية العدوان على مشاهد دمار في اليمن صادمة، ولن يخرج آل سعود من هذه الحرب ـ حتى بعد وقفها بصورة نهائية ـ الا بالعار والخزي، وسوف تظهر أمام العالم على حقيقتها كدولة لا تتورع عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة ضد الإنسانية.

بمرور الوقت، سوف يظهر سلاح الجو السعودي باعتباره مسؤولاً عن الجرائم بكل أشكالها والقتل الجماعي في اليمن، وأن الآهداف التي حدّدها لنفسه لم تكن ميدانية وعسكرية بالضرورة، بل إن كثيراً من الاهداف مدنية وتستهدف المدنيين، وتدمير البنية التحتية، بهدف خلق بيئة معادية ضد الجيش واللجان الشعبية في اليمن.

في المحصول العسكري، فإن الحرب الجوية لم تحقق أهدافها الميدانية، ولو حصل ذلك، لتصاعدت فرص الحرب البرية، ولكن الذي حصل بعد تراجع الدول الأعضاء في التحالف مثل باكستان ومصر عن المشاركة بقوات بريّة في الحرب السعودية على اليمن، أن سلاح الجو السعودي جرى استخدامه كخيار تمهيدي، يقوم بإضعاف القدرات العسكرية والمعنوية لدى الشعب اليمني، بما يجعل الدول التي تراجعت عن المشاركة في الحرب البرية، تقتنع بأن المشاركة ليست مكلفة، ولكن الذي حصل عكس ذلك تماماً. فالحرب الجوية انتهت الى إخفاق، وانتقلت من «الانتصار» الى «الفضيحة»، بسبب الجرائم التي اقترفتها الطائرات الحربية السعودية.

في البر، هناك كلام طويل، يتناقض مع ما يجري في الجو، فثمة انجازات عسكرية نوعيّة يحقّقها الجيش واللجان الشعبية على المناطق الحدودية السعودية، حيث تقصف المعسكرات، ومراكز المراقبة، والمطارات، والأبراج، وحتى وسط مدينتي جازان ونجران، فضلاً عن اطلاق صاروخين حتى الآن على قاعدة الملك خالد الجوية بالطائف، وقاعدة السليل جنوب الرياض، ما يعد تطوّراً لافتاً، فيما يقال أن في الجعبة العسكرية اليمنية ما هو أكبر.

محاولات التعمية، وإبعاد الكاميرا عن المواجهات الحدودية لم تعد مجدية، لأن السكّان في المناطق الحددية باتوا هم بمثابة مراسلين عسكريين ينقلون ما يدور من مواجهات، وأصبح آل سعود في وضع حرج إزاء ما ينقله الطرفان: السكّان، ووسائل الاعلام اليمنية التابعة للجيش واللجان الشعبية، فيما يلتزم النظام السعودي ووسائل إعلامه الصمت إزاء ما يجري تناقله عن اطلاق صواريخ سكود، واجتياحات محدودة لقوات يمنية لمناطق حدودية.

وما هو أسوأ، ما تتناقله التقارير من فرار الجنود السعوديين وعناصر الحرس الوطني من المواقع العسكرية في حال هجوم الجيش واللجان الشعبية، الى درجة أن المناطق الممتدة من حجة على الساحل الغربي من اليمن وصولاً الى الجوف أضحت من المناطق الرخوة التي تتكبد فيها القوات السعودية الخسائر الميدانية بصورة دائمة، ويقوم مقاتلون يمنيون من اللجان الشعبية وأنصار الله والقبائل باقتحام المواقع العسكرية السعودية وتدميرها والسيطرة على ما فيها من أسلحة وعتاد، فيما يضطر الجنود في هذه المواقع للإخلاء الفوري مع بدء القصف على المواقع، وترك الآليات في الميدان، إما بعد تدميرها أو ابقائها على حالها. وكان مشهد اقتحام موقع المخروق العسكري السعودي في السادس من يوليو الجاري، وتدمير أكثر من دبابة، وسط فرار الجنود السعوديين من الموقع، تطوّراً خطيراً له تداعيات ميدانية وسياسية ونفسية على صورة النظام السعودي وقوته العسكرية.

بقي رهان السعودية على الداخل اليمني، من خلال تفعيل جماعات مسلّحة، أو خلق تحالفات عسكرية قبلية قريبة من عبد ربه منصور هادي، والتجمع اليمني للإصلاح، وتنظيم القاعدة، بهدف التعويض عن فشل القوات السعودية الجويّة والبرية عن إحداث اختراق ميداني، خصوصاً في المحافظات الجنوبية، أو حتى الوسط في تعز، أو في محافظتي مأرب والجوف. كل ما تحتاجه الجماعات والتحالفات العسكرية حصلت عليه من سلاح وأموال وتموين وعتاد وغطاء جوي ومعلومات من أجل إحداث تغيير في الميدان، ولكن النتيجة كانت تقرب من الصفر سياسياً، ما تسبب في صدمة كبيرة للجانب السعودي الذي كان يراهن على خيار أسماه (المقاومة الشعبية) من أجل تخفيف وطأة غياب انجازات عسكرية تستحق البيع على الطاولة السياسية.

على العكس من ذلك، وصل بعض اليمنيين من المقرّبين من النظام السعودية الى مرحلة محرجة خصوصاً في ظل فظاعة الارتكابات الدموية والتدمير الشامل لليمن بشراً وحجراً وأوجه الحياة كافة، ما يفرض عليهم موقفاً وطنياً من أجل إنقاذ سمعتهم التي باتت على المحك. وصار اليمنيون يربطون بين اولئك المتماهين مع النظام السعودي وبين جرائم الأخير، وإن الصمت يعني القبول بارتكاب الجرائم من قبل أعداء اليمن.

لم يعد أمام السعودية سوى الدخول في حفلة جنون شاملة، وتعدّه آخر أوراقها، بأن تدفع بقواتها وبوارجها وطائراتها الحربية، وتدفع الجماعات المسلّحة التي تلقت تدريبها في معسكرات شرورة على الحدود لجهة حضرموت، في عملية عسكرية مجنونة، إما أن تحقق نصرا تاما، أو فشلاً عسكريا مطلقا تتحمّل الرياض تبعاته لعقود قادمة. وحتى هذه العملية المجنونة، لا يمكن ضمان وقوف الدول الحليفة معها حينئذ في النتائج.

حتى الآن لا يبدو أن القيادة السعودية بلغت ذروة جنونها، وإن لم يكن مستبعداً وصولها الى هذه اللحظة، فهي اليوم كالقطة التي تجد نفسها محشورة في زاوية، وعليها أن تتصرف وفق هذه الوضعية المربكة من أجل الخروج من الغرفة المغلقة.. مع أن قراراً خطيراً ومصيريا مثل هذا يتطلب استقراراً داخلياً، وانسجاماً داخل العائلة المالكة، وقدرة اقتصادية تغطي الاحتياجات المباشرة والطارئة. لايبدو أن السعودية في وارد اعتماد خطة ب. ببساطة لأنها كانت منذ البداية تعول على خطة أ، وحتى الآن لا سبيل أمامها سوى مناطحة صخور جبال اليمن.

نتائج حرب السعودية مخزية

في تلخيص لنتائج العدوان السعودي على اليمن منذ بدئه في 26 مارس الماضي وحتى الآن:

1- تفكك التحالف العشري المعلن عنه في بداية الحرب بعد انسحاب الباكستان وهروب مصر، وتراجع التأييد من تركيا.

2- انفجار الخلافات السعودية الاماراتية في طريقة ادارة الحرب وسيناريوهات النهاية.

3- انسحاب قطري تكتيكي من الأسبوع الاول وغياب الدور القطري بشكل تام قبل نهاية الحرب.

4- عدم قدرة السعودية على قتل أي قيادي أو عسكري من جماعة انصار الله أو الجيش أو جماعة علي عبد الله صالح.

5- تصاعد مستوى الكراهية للنظام السعودي والنقمة عليه لدى الشعب اليمني.

6- سيطرة تامة لانصار الله والجيش اليمني والقوى المناصرة على معظم الاراضي اليمنية.

7- تغير قناعات معظم اليمنيين لصالح الحوثي والعداء للسعودية وأدواتها.

8- فشل السعودية التام في القيام بحرب برية أو اجتياح أو أي تقدم بري أو عسكري يذكر.

9- الفشل في إعادة عبد ربه منصور هادي للحكم مجدداً، واحتمال قضاء بقية حياته لاجئاً في السعودية.

10- تصدع البيت السعودي وغياب أطراف أساسية من عائلة آل سعود من مشهد الحرب كونها غير محسوبة العواقب.

11- تمدد الحوثيين وإحكامهم على كل مؤسسات الدولة ومفاصلها.

12- سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب الاستراتيجي ووضعه تحت إدارتهم بشكل كامل.

13- اعتبار الحوثي الطرف الأساسي لأي تسوية سياسية او حوار أو مشروع لإدارة اليمن.

14- ارباك سياسي وعسكري واعلامي حول مشروعية الحرب وأهدافها ومدى نجاحها ينتاب الشارع السعودي وحتى القوات السعودية المشاركة، كما حدث للحرس الوطني.

15 ـ شكل العدوان على اليمن بوابة للعزلة السعودية وتغييبها عن تصدر المشهد الاسلامي والعربي والخليجي، كونها لم تعد العمق الاستراتيجي للمسلمين والعرب ولا حتى الخليجيين، لانها أصبحت داعية حرب وقتل ودمار.

16- حكام السعودية بعد العدوان أصبحوا عرضة لمزيد من الأزمات السياسية والعسكرية وسيكونوا أشبه بواقع صدام حسين بعد حروبه المعروفة ضد جيرانه.

17- سقوط الهيمنة السعودية والنفوذ السعودي بشكل لا يمكن جبره أو تعويضه بعد هذه الهزيمة المعنوية والسياسية للسعودية في نظر اصدقائها قبل خصومها .

18- لم تعد أموال السعودية بعد اليوم قادرة على تطويع أو توريط أي بلد عربي أو اسلامي في أي مشروع تدميري.

19- ستضطر السعودية لفتح خزانة المال السعودية بمئات المليارات دون توقف لبناء اليمن من اجل التخفيف من السخط اليمني عليها.

20 - الهزيمة السياسية للسعودية تعطي لكل خصوم السعودية قوة فيما تتراجع قوتها ودورها في ادارة المنطقة والتحكم فيها.

الصفحة السابقة