دولة الخصومة

إلى أين يمّمت وجهك سوف تجد أن ثمة خصومة لدى النظام السعودي مع دول الجوار في الاتجاهات الأربعة. قد تبدو أسباب الخصومة تافهة، ولا تشكّل أي تهديد للنظام السعودي ولكنها قد تترك أثراً كبيراً على الدول المجاورة، وهذا ما لا يكترث له آل سعود.

على سبيل المثال، هناك مشاكل حدودية بين السعودية وكل دول مجلس التعاون الخليجي، وتتركّز الخلافات بصورة أكبر على مصادر الطاقة. في هذه الأيام، برزت مشكلة حقل الوفرة الواقع بين الحدود الكويتية السعودية، وتصرّ الأخيرة على حل المشكلة بطريقة وضع اليد على الحقل وحرمان الكويت من الحصول على حصتها منه..

حقل الوفرة، ليس المشكلة الوحيدة بالتأكيد، فمع البحرين هناك مشكلة حقل أبو سعفة، وبرغم من أنه يشكّل مصدراً أساسياً لدخل البحرين الا أن النظام السعودي يتصرّف فيه كالمالك يعطي بمقدار ما يشاء ويحرم بمقدار ما يشاء، ومع الامارات لا تزال مشكلة واحة البريمي وحقول الشيبة وزارة قائمة، وكذا الحال مع قطر ومشكلة الحدود ومركز الخفوس في عام 1992 والتي أدّت الى مواجهات مسلّحة..

لو توغلّنا في خلافات السعودية مع كل دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي سوف نجد أن تاريخاً من الخصومة العميقة التي يكسوها غطاء من النفاق السياسي الذي يحول دون تفجّرها، مع أن بعض مظاهر الخلاف تبرز أحياناً حين يعجز الطرفان عن التحكم في الخلاف..

على سبيل المثال، في الوقت الذي يظهر فيه الإنسجام الظاهري بين السعودية والامارات في التحالف المشترك في ملفات المنطقة بدءً من قلب نظام الإخوان في مصر الى المشاركة في العدوان على اليمن والتنسيق في قضايا النفط ومواجهة إيران وغيرها، ولكن حين نتجاوز ما يظهر على السطح من إنسجام فإن لدى نظامي البلدين خصومة عميقة جداً، تصل الى حد التآمر ضد بعضهما البعض.. ويمكن رصد مجموعة عناوين لخلافات الدولتين: الخلاف الحدودي المتّصل بخور العديد وهي منطقة ساحلية تفصل بين الامارات وقطر وقامت السعودية بتوقيع اتفاقية جدة تقضي بتخلي الامارات عن الخور ومعه حقل شيبة في مقابل تخلي السعودية عن جزء من واحة البريمي. وكانت الامارات وقطر قد اتفقا في عام 2005 على إنشاء جسر بحري ولكن بعد اتفاقية جدة ألغي الاتفاق الاماراتي القطري ولم تعد هناك حدود مشتركة بين الامارات وقطر..حاولت الامارات إعادة النظر في اتفاقية جدة ولكن دون جدوى ووصلت العلاقة بين السعودية والامارات في عام 2009 حدود المواجهة المسلّحة عندما أطلق زورقان إماراتيان النار على زورق سعودي في خور العديد ولا تزال الحدود البحرية بين البلدين غير محسومة حتى الآن.. يضاف الى ذلك عوامل أخرى منها: الصراع على النفوذ في المنطقة، والذي ازداد عقب تولي سلمان العرش وافتراقه عن الامارات في مقاربة ملف الاخوان المسلمين، ومنها العلاقة التجارية الاستثنائية مع ايران، والذي يشكّل عنصر خلاف بين السعودية والامارات، حيث تعتبر ايران ثاني أكبر شريك تجاري للأخيرة، ومن العوامل الخلافية أيضاً: إدارة الحرب على اليمن.

وبرغم من أن الامارات تولّت إدارة منطقة البريقة القريبة من عدن وهي من أدار معركة عدن ومعركة قاعدة العند على الأرض الا أن علاقات الامارات مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح ونجله أحمد (والذي تمّ إبلاغه بمغادرة الامارات بعد مقتل عشرات الجنود الاماراتيين في معسكر صافر بمأرب في 3 سبتمبر الجاري)، أثارت حفيظة سلمان ونجله محمد بن سلمان حيث كان من المقرر أن تقصف منزله ليلة بدء عاصفة الحزم في 23 مارس الماضي. ولكن الأهم من العوامل تلك هي الخلافات الشخصية التي تكاد تنعكس في وسائل الاعلام خصوصاً الخلاف بين محمد بن زايد ومحمد بن نايف، على خلفية تصريحات منسوبة لابن زايد يصف فيها الامير نايف بالقرد. حيث سرّبت وثائق ويكيلكيس خبراً عن محمد بن زايد وهو يسخر من طريقة الامير نايف بن عبد العزيز وهو يتلعثم في الكلام، ويقول بأنه حين يراه تتعزّز لديه القناعة بأن داروين كان محقًّا حين قال إن أصل الإنسان قرد.

وكانت تربط بن زايد بالأمير متعب بن عبد الله وكذلك مستشار الملك عبد الله الشيخ خالد التويجري علاقة خاصة في مقابل محمد بن نايف. ولكن بعد وصول سلمان الى العرش وتولي بن نايف منصب ولي العهد أصبحت الخصومة بين الأخير وبن زايد في مستوى متقدّم.

الخصومة لدى آل سعود راسخة وتكاد ترافق الملك والأمراء في كل معاملاتهم. تلفت أحد وثائق ويكيليكس السعودية أن قرار السعودية بمواصلة خطة تسليح ودعم الخيار العسكري في سوريا نابع من إحساس النظام بأن لا سبيل سواه، لأنه في حال تعافى النظام واستعاد قوته فسوف لن يرحم من وقف ضده.

الموقف السعودي هذا يكاد يكون القاعدة التي يعتمدها في علاقاته الخارجية مع كل الدول المجاورة، فهو يدرك ما فعل من جرائم ضد الدول والشعوب الأخرى ولذلك يخشى دائماً من ردات الفعل الانتقامية فسياسة العصا والجزرة التي يستخدمها في الداخل يسعى لتطبيقها في الخارج. فهو يريد شراء ولاءات وذمم الدول والجماعات والشخصيات وإذا لم تنجح هذه السياسة يلوذ بالقوة، وفي كل الإحوال تحرّكه الخصومة لا الصداقة لا مع القريب ولا مع الغريب..

الصفحة السابقة