نُذُر إعصار في أجواء السعودية

عبد الوهاب فقي

كتب ديفيد اغناتيوس في الواشنطن بوست يقول ان عاصفة سياسية داخلية تؤرق النظام السعودي، تتمثل في المناورات التي يجريها كل من ولي العهد، وولي ولي العهد، للامساك بالسلطة في ظل ملك مسن، بينما يسعى فريق ثالث من الامراء للترويج لأمير آخر، يُزعم انه يحظى بدعم واسع في صفوف العائلة المالكة.

ديفيد اغناتيوس

ويرى الكاتب الاميركي المعروف بقربه من آل سعود، أنه رغم الغموض الذي يحيط بالصراعات الداخلية في المملكة النفطية، فإن الصراع الأخير بات مكشوفاً على غير العادة. فالهمس حول التوتر بين ولي العهد محمد بن نايف (MBN)، وولي ولي العهد محمد بن سلمان (MBS).. مسموع في المنطقة بأكملها. كما بدأ المنشقون من امراء العائلة يسربون رسائل مفتوحة حول مواقفهم لملايين القراء عبر الانترنت.

المخاوف حول وراثة العرش السعودي تفجرت في سبتمبر الماضي، إبان زيارة الملك سلمان لواشنطن، التي اصطحب معه فيها ابنه ذا الثلاثين عاما، والذي استقبله المسؤولون الاميركيون بنوع من القلق من ان يشكّل تهديدا لمحمد بن نايف، رجل واشنطن المفضل، والذي ينظر اليه فيها كحليف موثوق ضد تنظيم القاعدة.

أنصار محمد بن سلمان يجادلون بأنه عامل مهم في التغيير الطموح الذي تحتاجه المملكة التي عانت من شيخوخة حكامها عقودا طويلة. ويروج هؤلاء بأن الامير الشاب يؤمن بتنويع النشاط الاقتصادي، والمزيد من الخصخصة، والاتجاه الى نموذج أقرب الى النموذج الاماراتي، بعيدا عن السياسة المحافظة لآل سعود. ويدعم مؤيدوه موقفهم بأنه يستعين بعدد كبير من المستشارين الاميركيين في مشروعه لتحديث الدولة.

ويقول احد كبار المسؤولين الاميركيين السابقين الذي عقد اجتماعاً مطولاً مع محمد بن سلمان مؤخرا، إن «رؤيته مؤثرة بشكل كبير في الاطار العام كما في التفاصيل والوتيرة التي يتحرك فيها». ويضيف بأن الوضع السياسي المحموم حاليا «يمكن أن يمثل المراحل الأولى إما من الاضطرابات، أو من نشوء دولة سعودية أكثر قدرة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا».

اما المعترضون على تجاوزات محمد بن سلمان، فيأخذون عليه التسرع وعدم الخبرة، وانه زجّ بالبلاد في حرب مكلفة وفاشلة في اليمن. ويؤكد هؤلاء وجهة نظرهم بأن الحرب العدوانية على اليمن، عززت قوة وانتشار تنظيم القاعدة فوق الاراضي اليمنية، واستدعت ضغوطا جديدة على الاقتصاد السعودي من خلال موجات اللاجئين والمتمردين اليمنيين الهاربين الى المناطق الحدودية السعودية.

حدة التوتر الداخلي في العائلة المالكة، تفاقمت الشهر الماضي، حيث أقدم الملك سلمان، بإلحاح من ابنه الامير محمد، على اقالة سعد بن خالد بن سعد الجبري وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء للشؤون السياسية والامنية، والذي كان بمثابة كبير مستشاري الأمير محمد بن نايف. هذه الاقالة اثارت القلق لدى الولايات المتحدة والدول الغربية الاخرى، لأن الجبري كان حلقة رئيسية للاتصال وتقديم المعلومات الاستخبارية بينها وبين السعودية. وقيل ان سبب إبعاد الجبري هو تشكيكه بسياسات محمد بن سلمان في الشأن اليمني، وخصوصا لجهة توسيع نفوذ ودور القاعدة في المنطقة.

اضافة الى ذلك، عمد محمد بن سلمان الى تقويض دور محمد بن نايف في الفترة الاخيرة، من خلال تهميش بنية ودور الديوان الملكي الذي كان متاحاً لأولياء العهد، وحلقة اتصال مباشرة مع الملك. وهكذا لم يبق الا ولي ولي العهد الذي يمكنه تجاوز تراتبية السلطة، والقفز فوق ولي العهد، كونه ابن الملك، ليكون الشخص الوحيد الذي يؤثر على قرارات الملك الأساسية من خلال التواصل المباشر معه.

التنافس على وراثة العرش السعودي، فتح الباب امام صراع اوسع داخل العائلة المالكة نفسها، بما في ذلك توزيع اربع رسائل مفتوحة تدعو الى ابعاد الملك وابنه من السلطة. ولقد تحدثتُ (اغناتيوس) مؤخراً عدة مرات بالهاتف مع احد كبار الامراء الذي كتب اثنتين من تلك الرسائل، والتي نشرها هيو مايلز في صحيفة الغارديان بتاريخ 28 سبتمبر الماضي.

ولقد أخبرني الأمير المنشق الذي طلب عدم الاعلان عن اسمه، انه يدعو الى تنصيب الامير أحمد بن عبد العزيز، البالغ 73 عاما من العمر، واحد ابناء الملك عبد العزيز بن سعود، تنصيبه ملكاً، واكد انه يحظى بتأييد 85 % من أمراء آل سعود. والامير أحمد تولى في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، منصب وزير الداخلية لفترة وجيزة، الا انه أُبعد من دائرة المنافسة على وراثة العرش بعد وفاة الملك عبد الله في يناير كانون الثاني الماضي.

الرسالة الأولى للأمير المنشق حملت انتقاداً حاداً لما أسماه «تهميش أبناء عبد العزيز» والخطر المحدق «بقوة العائلة وتماسكها وقدرتها على البقاء في السلطة». وأتبع ذلك في رسالته الثانية القصيرة بالتصويب على ضعف الملك سلمان، واعتماده الكلّي على ابنه الذي يتحكم بالسلطة.. اضافة الى رسالتين اخريين خرجتا الى العلن كتبهما امراء آخرون من العائلة السعودية لم يعلنوا اسماءهم.

التحليل السياسي يشير الى ان المأزق الراهن في الصراع على السلطة قد يستمر لفترة من الزمن. فالملك سلمان يتحكم بالثروة المالية للبلاد! ومحمد بن نايف يسيطر على وزارة الداخلية وما يتبعها من شبكة مصالح واجهزة أمنية! بينما يقبض محمد بن سلمان على وزارات النفط والاقتصاد والتجارة، اضافة الى وزارة الدفاع.

وفي الآونة الاخيرة قال ولي ولي العهد لأحد زائريه انه لا يتوقع ان يصبح ملكاً قبل بلوغه سن الخامسة والخمسين، وهو سن محمد بن نايف اليوم.. وربما كان هذا التعليق غير الرسمي.. الاشارة الوحيدة الى ضمان الاستقرار في الدولة السعودية.

كيف يمكن لهذا الإعصار ان يتطور؟

بالنظر الى الضجة غير المعهودة التي نسمعها في المملكة الهادئة عادة، على مدى الاشهر التسعة الماضية، فإن الجواب الذي يأتينا من المراقبين السعوديين المخضرمين هو: لا أحد يعرف!!

الصفحة السابقة