هل شارف الحكم السعودي حدّ الإنهيار؟!

محمد قستي

يحلم من يعتقد بأن الحكومة السعودية تريد حلاً سياسياً في سوريا أو اليمن أو حتى البحرين.

ويحلم من يعتقد بأن الرياض سعيدة بضرب داعش، وجبهة النصرة، وجيش الإسلام (علّوش)، والجماعات المسلحة السلفية القاعدية الأخرى، في سوريا أو اليمن.

ذلك ان القاعدة في هذه الدول تمثّل جيشاً سعودياً متقدماً محضاً، تستخدم إرهابه (الحلال) ضد الخصوم، الى أن تنتصر الرياض وتحقق أهدافها السياسية منه. وإذا ما تأخّر نصرها، فستواصل الى الحد أن لا ينقلب الجيش القاعدي الداعشي عليها داخلياً أو خارجياً، فتصبح كلفته أكبر من أن تُحتَمَل.

هذا هو الرهان السعودي.

خسارة داعش وجبهة النصرة في سوريا، يعني خسارة سعودية محققة. وفي الحقيقة.. هي خسارة أمريكية غربية أيضاً، وخسارة تركية قطرية من جهة ثالثة.

فكل هذه الدول، تعتمد في تحقيق أهدافها السياسية في سوريا، على نشاط الحركات المسلحة وفي مقدمتها داعش وجبهة النصرة. لهذا كان الإنزعاج السعودي والتركي والأمريكي من التدخل العسكري الروسي.

بحق.. فإن داعش والقاعدة تمثّلان الخطّ العسكري الأمامي للسعودية لتحقيق اهدافها السياسية. لهذا فهي لا تحاربهما لا في اليمن ولا في سوريا، رغم تمددهما. على العكس، فقد أعلنت الرياض صراحة وعبر اعلامها وقنواتها أنها تتفاوض مع التنظيمين الإرهابيين في اليمن، في محاولة لإقناعهما للخروج من أحياء عدن. وللعلم.. فإن القاعدة في اليمن تسيطر على محافظة حضرموت، وعلى مينائها (المكلا)، وتجبي الضرائب منه، ولم تحرك الرياض وقوات الإمارات ـ ولا الأمريكان من خلفهم ـ ساكناً.

حتى بعد تفجيرات داعش والقاعدة في عدن، فإن الرياض لم تعلن الحرب عليهما، فالخطر الوجودي بالنسبة لها هو من أنصار الله (الحوثيين) وقوات الجيش اليمني.

بخسارة داعش والقاعدة في سوريا، تخسر الرياض أوراقها السياسية، وما تبقى لها من نفوذ اقليمي.

وبمواجهة الرياض لهما في اليمن، تفتح على نفسها جبهة جديدة لا قِبَلَ لها بها، خاصة وأنها حتى الآن فاشلة في عدوانها العسكري، ولم تحقق اهدافها من خلاله، فكيف بالحال اذا ما دخلت حرباً أخرى في اليمن مع أشرس تنظيمين تعتمد عليهما في مواجهة الجيش اليمني وأنصار الله؟

من هنا نقول، بأن الرياض لا تبحث عن حلّ سياسي في سوريا، ولا في اليمن، بالرغم من التحولات العسكرية والسياسية الإقليمية والدولية. ولهذا رأينا امتعاض وزير الخارجية عادل الجبير من تصنيف قوى بعينها في سوريا كقوى على قائمة الإرهاب. إذ كلما اتسعت قاعدة التصنيف، لم يعد للرياض أحدٌ تتكيء عليه في تنفيذ سياساتها القذرة.

الحلّ السياسي يعني هزيمة للرياض.

كيف؟

الحلّ السياسي في سوريا يعني بقاء الأسد على رأس السلطة، فحين تفشل قوى الغرب وتركيا وقطر والسعودية ـ وتحت الضغط العسكري ـ في إسقاط النظام السوري، فإنه من المستحيل أن يسقط عبر السياسة والحل السياسي. فالحل السياسي حول تصالحي وسطي، وليس وارداً أن يسقط الأسد بالسياسة بعد أن فشل السلاح في ذلك.

في اليمن أيضاً، فإن العدوان السعودي الذي صوّر المعركة ضد مجرد جماعة (حوثية) صغيرة ستهزم خلال اسبوعين، لم ينجح بعد مضي ثمانية أشهر في تحقيق الأهداف المتوخاة. والحل السياسي هنا، اعتراف بهزيمة عسكرية ضد (الجماعة المتطرفة) حسب ادبيات الإعلام السعودي. والحل السياسي يبقي انصار الله وحزب علي صالح في قمة السلطة. لهذا، تتفادى الرياض الضغوط تلو الضغوط من أجل مجرد الحوار السياسي بين القوى المؤيدة والمعارضة في سوريا واليمن وحتى البحرين.

في سوريا، أجبرت الرياض على القول نعم للحل السياسي، ولكن العملية السياسية يجب أن تنتهي بإزاحة الأسد! وإلاّ تمت ازاحته بالقوة، حسبما يزبد بجهالة وزير الخارجية عادل الجبير.

وفي اليمن، كان من المفترض أن يقام حوار في جنيف في منتصف اكتوبر تمّ تأجيله الى منتصف نوفمبر، على أمل أن تنجح الرياض فتحتل ثاني أكبر مدينة باليمن وهي تعز. لكن الذي حدث عكس ذلك تماماً، فالجيش اليمني وانصار الله، ليس فقط أوقفوا زحف الرياض العسكري، بل أتوا على ما كان بيدهم في الأشهر الثلاثة الماضية. وهنا عادت الرياض الى رفض الحوار، مطالبة بتأجيله مرّة أخرى الى آخر شهر نوفمبر الحالي، ويحتمل أن لا ينعقد المؤتمر أيضاً. فالرياض حريصة على أن تكون بيدها ورقة قوية لتفرض شروطها السياسية في المؤتمر، وهو ذات الأمر الذي يسعى اليه الجيش اليمني وأنصار الله، اللذين حققا انجازات على كل الجبهات اليمنية، كما في العمق السعودي أيضاً.

أما البحرين، فالرياض ترفض أي حوار بشأن حل سياسي للأزمة فيها. الحل الوحيد الذي تحرّض عليه هو تكسير الانتفاضة الشعبية السلمية هناك، بسحب الجنسيات عن المواطنين بمن فيهم اعضاء برلمان، واعتقال قيادات المعارضة، وتحريم أي حوار سياسي بين آل خليفة وجمعية (الوفاق).

في كل الأحوال، فإن انعكاسات أزمة انهيار قوى التطرف الداعشي والقاعدي في سوريا.. كبيرة للغاية على الوضع السعودي. فالرياض ليس فقط ستخسر المعركة السياسية على الصعيد الإقليمي لصالح إيران وحلفائها، بل وأيضاً، سيرتد عليها الدواعش في الداخل تمزيقاً وتفجيراً وإخلالاً بالأمن.

وأما قاعدة وداعش اليمن، فالرياض كبالع الموسى، لا تستطيع أن تحاربهما في هذا الوقت وتفتح جبهة داخلية تريدها متراصة لمناهضة انصار الله والجيش اليمني. ولا تستطيع في الطرف الآخر، تركهما يتمددان حتى داخل عدن، وتكرار تجربة (مذبحة الجيش الحر) وذوبانه على يد جبهة النصرة وداعش وجيش علّوش في أطراف دمشق. لهذا قامت الرياض باستجلاب قوات سودانية تتولى الوضع الأمني في عدن، ولكنها فشلت حتى الآن، ولازالت القاعدة تتمدد داخل المدينة، وقد لا يطول الوقت وتسيطر على معظمها.

صداع الرياض طويل وعميق، وقد يتحول الى سرطان في دماغ الدولة المسعودة، فإما أن يصيبها بالشلل التام، أو يقضي عليها.

الخطر (وجودي) بحق. وهذا ما يعرفه النظام، ويعبّر عنه بسلوكيات طفولية تثير الدهشة لسخافتها حتى بين اصدقاء النظام وحلفائه. كما يعبر النظام عن خشية تذرّر مُلك آل سعود، من خلال صبّ المزيد من العنف على المواطنين، حيث أُخمدت معظم الأصوات اعتقالاً، وقالت المنظمات الحقوقية (أمنستي) بأن الأشهر الماضية من عهد الملك سلمان، شهدت أكثر حالات إعدام مُسجّلة في تاريخ المملكة منذ نشأتها.

التوتر الحكومي واضح في التصريحات الرسمية، حيث ترتفع حدّتها تجاه ايران؛ وفي السلوك الرسمي السعودي. لكنه واضح أيضاً في سلوك النخبة النجدية المنتفعة من السلطة والقابضة عليها رغم أقلويتها، سواء كانوا من مشايخ الوهابية أو المثقفين. فهناك الكثير من الكلام الذي يعبر عن الخوف بل الرعب من زوال الدولة السعودية الثالثة. ولوحظ في الأشهر الأخيرة، أن أصحاب الرأي المختلف من نجد، وهم ليسوا معارضين، تخلّوا عن ذلك، ودعوا الى الإصطفاف مع النظام، حتى لا تغرق السفينة كما يقولون. أما الإصلاحات، فتؤجّل، وأما الحقوق فلا يجب السؤال عنها الآن، فالحكم السعودي بعظمته ينصهر حدّ الإنهيار!

الصفحة السابقة