أمير الكبتاغون

ناصر عنقاوي

طنّان من المخدرات (أقراص كبتاغون) أراد الأمير عبدالمحسن آل سعود تهريبها من امريكا اللاتينية الى لبنان ومن ثمّ الى السعودية، وتحديداً الى منطقة حائل، وشعبها الكريم. اكتشفت الشحنة، وضجّ العالم معها، واعتقل الأمير وثلاثة
مرافقين معه، ويتوقع ان يُطلق سراحه حتى وإن تمت محاكمته، وحتى لو حُكم عليه بالسجن، فسيجد آل سعود وسيلة لإطلاق سراحه، ولو من باب تبادل المجرمين، تماماً مثلما حدث مع الأمير الشاذ سعود آل سعود، الذي قتل رفيقه السعودي، وحكم عليه بالسجن المؤبد، ثم أطلق سراحه ليقضي سجنه في السعودية، وهناك خرج حراً طليقاً. هذه المرة، قد يتم تلبيس التهمة الى الحاشية غير الملكية، كما هي العادة، حيث اعتقل ثلاثة أشخاص مرافقين للأمير عبدالمحسن.

في البعد السياسي، فإنه قد تم استثمار اعتقال (أمير الكبتاغون) سياسياً وإعلامياً من قبل المعارضين لآل سعود. فالأخيرون الذين يلقون بالحجارة على خصومهم، وفي أكثر الأحيان يستخدمون الرصاص والعنف والدم الداعشي، نسوا أن بيوتهم من زجاج، وأنها واهية كبيوت العنكبوت. وقد تزايدت فضائح أمراء ال سعود في الآونة الأخيرة، كان آخرها فضيحة الأمير ماجد بن الملك عبدالله، الذي اعتدى على ثلاث نساء أمريكيات جنسياً، وحين أُخلي سبيله من اجل تهيئة محاكمته ـ باعتباره يحمل جوازاً دبلوماسياً ـ هرب من امريكا وعاد الى السعودية، وطفقت الصحافة الأمريكية تنشر تفاصيل شذوذ الأمير ماجد جنسياً الى حدّ مقزّز.

لا يمثل نشر الفضائح صدمة للمواطن المُسعود، فهو لا يكتشف جديداً من حيث النوع، وإن كان حجم الفضائح في تصاعد. هذا العدد الكبير من الفضائح الجنسية والمخدراتية، عدا فضائح النهب والفساد والرذيلة الأخرى ـ داخلياً وخارجياً ـ أسقطت العائلة المالكة في سمعتها ومكانتها، خاصة وأنها تشرعن نفسها كحامية للإسلام، وخادمة لمقدساته.

وتأتي هذه الفضائح في سياق أزمات عديدة تعيشها السعودية، على مستوى الأمن الداخلي، وعلى صعيد القمع السياسي، والخسائر العسكرية على الجبهة اليمنية، وانحطاط مكانة المملكة على المستوى الإقليمي والدولي، ما يجعل من هذه الفضائح المتراكمة أداة تسقيط فاعلة لشرعية نظام يتلفّع بالإسلام، بل قد تكون محرّضاً على العنف ضد الحكم السعودي. كما أن هذه الفضائح تنعكس على قوى السعودية الخارجية في مؤسساته الدينية وغيرها، والتي قد تكون أكثر من يتفاجأ بمساوئ وفساد الأمراء.

الموضوع السعودي في الصحافة الغربية عامّة حاضر بقوة وفي حالة تصاعد، وهو أمرٌ لم تألفه حكومة آل سعود منذ نشأتها. ما دفعهم الى الإعتقاد بأن هناك مؤامرة ضدّهم، أو أن حلفاءهم الغربيين يقومون بابتزازهم. وهذا صحيح، ولكنه ليس بالصورة التي يراها آل سعود.

فالأرجح أن مكانة السعودية الإستراتيجية، وانحدار الوضع الداخلي، وتغيّر الإستراتيجيات الغربية على المستوى الدولي، وفشل النظام في مهنته (الوظيفية) كخادم لتلك الاستراتيجيات.. هو ما جعل الغرب ينظر بدونية الى آل سعود أكثر من أي وقت مضى، فارتفعت المظلّة السياسية التي تعيق نشر المقالات والآراء التي لا تنظر الى آل سعود بارتياح في أوساط الإعلام الغربي ومراكز البحث هناك.

وبشكل عام، فإن فضائح آل سعود، تمثل المادة الأساس في الإعلام الغربي، وهذه الفضائح لها سوقها في السعودية، وفي العالم العربي عامة الذي تعاني معظم دوله من مآسٍ سببها التدخلات السعودية ورعايتها للإرهاب التكفيري الوهابي. ولهذا نرى تداول فضائح الأمراء كبيراً جداً على مواقع التواصل الاجتماعي، ما جعل حجم الخسائر المعنوية لآل سعود مرتفعاً للغاية.

أمير الكبتاغون اعتقل في لبنان، وفي اليوم التالي التقى السفير السعودي بوزير الداخلية نهاد المشنوق من اجل الافراج عنه، لكن الأخير صرّح بأنه لم يضغط عليه أحد لفعل ذلك. والحقيقة ان ملف أمير المخدرات لم يعد بيد الوزير، ولا يستطيع أن يعمل شيئاً ذا قيمة لآل سعود، بعد أن تحولت القضية في لبنان الى قضية رأي عام.

ويقول الإعلام السعودي بأن حزب الله وحلفائه يريدون استثمار حادثة المخدرات سياسياً ضد المملكة، وهذا اذا صدق فهو أمرٌ طبيعي، لكن السؤال حقاً هو: أليس آل سعود يستثمرون المخدرات مالياً ضد شعبهم، وأن عقوباتهم بالإعدام للمروجين لا تطبّق إلا على الضعفاء والأجانب، بينما المروج الحقيقي هم الأمراء؟

الصفحة السابقة