مصر أكبر وأعظم من أن يبتلعها نظام سعودي غبي وفاشل!

خلافات مصر والسعودية.. الى العلن!

خالد شبكشي

بين «مسافة سكّة» السيسي، و«حزم» سلمان تبدو العلاقة شائكة بين القاهرة والرياض. الارتباك سيد العلاقة، وتصريحات متضاربة تصدر من الجانبين، النفي والتأكيد والعكس يقلبان الصورة رأساً على عقب بين حين وآخر. زعل، عتاب، خصومة، كل شيء وراد، والرياض ترفض أن يكون للقاهرة صوت يعلو عليها..

عناوين الخلاف كثيرة: سوريا، اليمن، العراق وربما إيران..تنفي القاهرة الخلاف وتؤكد على تطابق المواقف، وما تلبث أن تنبعث التصريحات المثيرة للخلاف..المؤكّد أن شيئاً غير ثابت في العلاقة بين الرياض والقاهرة، وأنها مرشّحة للتدهور. يوجّه أمراء آل سعود أصابع الاتهام الى الاعلام المصري الذي فتح النار على العائلة الفاسدة ودورها التخريبي لأمن مصر، ودور عقيدتها الوهابية في إحداث فتن داخلية تترجم في هيئة جماعات تكفيرية وعمليات ارهابية..

يضع الموتورون من الاخوان المسلمين منهم عنواناً لأزمة العلاقات السعودية المصرية، والحقيقة أكبر من ذلك. السعودية في عهد سلمان تطالب بأكثر من مجرد الشراكة، تريد دولاً منصاعة لأموالها، وإملاءاتها. لا تريد لمصر أن تختلف، أن تتميّز، أن ترفع رأسها..هي تريد القول إما أن تكون معنا أو لا رز بعد اليوم ولا طحين..وفي المقابل، فإن السيسي يرفض أن تكون مصر بتاريخها وثقلها العربي والتاريخي مجرد ملحق يلبّي ويستسلم ويتحوّل الى تلميذ يقبل بالطاعة العمياء.

ما زاد في المشهد السياسي فوضى وضياعاً المواجهة الكلامية بين السفير السعودي في القاهرة أحمد القطان ورئيس مجلس إدارة شركة الأهرام أحمد السيد النجار في بيت السفير الجزائري في القاهرة نذير الغرباوي والتي انتهت الى ما وصفته الصحافة المصرية بـ «حرب المياه» حيث تراشق القطان والنجار بأكواب المياه.

حينذاك، سارعت السفارة السعودية في القاهرة بإصدار بيان رسمي كذبت خلاله هذه الأنباء، ونقلت على السفير قطان قوله إن «العلاقات التاريخية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية تزداد رسوخاً يوماً بعد يوم، في كل المجالات». والحال، أن أصداء الخلاف وتفاصيله باتت تروى في كل الأروقة الاعلامية والسياسية.

زيارة عادل الجبير وزير الخارجية السعودي ونظيره المصري سامح شكري في 25 أكتوبر الماضي في القاهرة جاءت لتطوي الخلاف، وتوحيد الموقف من الملف السوري، خصوصاً بعد طلب روسيا مشاركة مصر في لقاء فيينا القادم. الجبير وشكري تحدّثا عن «علاقات الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين البلدين»، في رد على ما يبدو على انتقادات الصحافة المصرية للمملكة السعودية ولتطرية الأجواء المتوّترة بين البلدين بعد مواجهة القطان والنجار. الأخير قال في مقابلة مع قناة «النهار» الجزائرية وفي سياق ردّه على القطان «كنت أحافظ على كرامة بلدي، وكرامة مؤسسة الأهرام»، مضيفًا: «مؤسسة الأهرام عمرها 140 سنة، وبلدي هي الأقدم في العالم»، في تعريض واضح بالمملكة السعودية التي لا يتجاوز عمرها القرن.

النجّار وصف الغارات التي يقوم بها التحالف بقيادة السعودية على اليمن بالعدوان. وقال: «مصر لا تشارك في العدوان على الشعب. ولا علاقة لمصر بهدم المدارس ولا المستشفيات ولا المطارات المدنية ولا الشواهد الحضارية ولا كل ما يجري استهدافه». وقال: «اليمن دولة عربية مهمة، ولا بد من الحفاظ على استمرار الدولة اليمنية الموحدة، والحفاظ عليها، وعلى آلية داخلية لحل الأزمات في اليمن».

ويرجع المراقبون حقيقة الخلاف بين النجّار والقطان الى نشر الأهرام تقارير تدين الدور الذي تلعبه المملكة السعودية في سوريا واليمن، بجانب نشر حوار لوزير الخارجية السوري، وليد المعلم، وهو الحوار الأول له في الصحافة المصرية، وأشاد خلاله بدور إيران تجاه أزمة سوريا. وحمّل النجّار النظام السعودي مسؤولية ما يحدث في سوريا واليمن واتّهم السعودية بقمع ثورة البحرين.

جمال خاشقجي المقرّب من آل سعود طالب بإصدار السفارة السعودية في القاهرة بياناً توضيحياً لما وصفه «تطاول» رئيس مجلس إدارة الإهرام على السفير السعودي. من جانبه الكاتب الصحافي مصطفى بكري، صاحب فضيحة الاستجداء للمال السعودي بحسب وثائق ويكليكس، حمّل في برنامجه «حقائق وأسرار» المُذاع على قناة «صدى البلد»، النجار مسؤولية الخلاف مع السفير السعودي، ومطالبا بتدخل رسمي لمنعه من التمادي بموقفه.

الاعلام المصري كان قد بدأ منذ تولي سلمان الحكم حملة انتقادات شديدة ضد سياسات السعودية، وقد بعث السفير السعودي القطان الى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي احتجاجا على التطاول الإعلامي المصري على المملكة ورموزها. وتواصلت حملة الانتقادات في الصحافة المصرية حتى الآن برغم من أن القطان أفصح في لقاء تلفزيوني بأنه أبلغ القيادة المصرية بأن ثمة غضباً رسمياً في المملكة على تجاوزات بعض الإعلاميين. كان الرد المصري الرسمي هو أن هذا الملف يحظى بمتابعة شخصية من قبل الرئيس السيسي.

يرجع متابعون للعلاقات المصرية السعودية الخلاف الى موقف القاهرة من الأزمة السورية، حيث يظهر أنها لا تمانع من بقاء الأسد على رأس السلطة، فيما تتمسك الرياض بهذا الشرط في أي حل للأزمة السورية..

ويصدر الموقف المصري من منطلق الأمن القومي العربي، إذ تنظر القيادة المصرية الى أن سقوط الدولة السورية من شأنه أن يعرض أمن مصر للخطر ويسهل انتقال الفوضى الى داخل مصر في وقت تسعى الى مواجهة الارهاب الذي يضرب في سيناء.

الرياض تحاول نفي وجود الخلاف مع القاهرة، حتى وإن اشتعل الاعلام على الجانبين بالأدلة التي تؤكّد وجوده وتعاظمه.

المتحدث باسم الخارجية المصرية المستشار أحمد أبوزيد قال في اتصال مع صحيفة (الحياة) نشر في 17 أكتوبر الماضي أنه «لا صحة لما يقال عن خلافات مصرية - سعودية في هذا الجانب»، لكنه لم يخفِ عدم التطابق في بعض وجهات النظر بين البلدين حيـال الأزمة، حسب الصحيفة. وأشـار إلى أن «لكل دولة في بعض الحالات مواقف قـد لا تتطابق بنسبة 100 في المئة، لكن التشـاور والتنــسـيق قائمان والتوجـه واحد».

أوجه التباين بين القاهرة والرياض كما يراها أبو زيد تتعلق بالعمليات العسكرية الروسية في سورية، واختلاف الرؤية حول بقاء أو رحيل نظام بشار الأسد، أفاد أبوزيد: «نتفق حول مخرجات مؤتمر جنيف1 ولا يوجد خلافات حولها، لكن مسألة بقاء بشار الأسد أو عدمه هو أمر يحسمه الشعب السوري ولا نتحدث فيه ولسنا أصحاب رأي في شأنه..».

وفي سياق متّصل، كتب مراسل صحيفة (القدس العربي) في عمّان بسام البدارين في 9 نوفمبر الجاري أن الأردن تتعامل بحذر وقلق مع «التباعد المرصود» بين القاهرة والرياض خلافا لما يبدو عليه الأمر.

ولفت البدارين الى أن العلاقة بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والدولة السعودية، بزعامة الملك سلمان بن عبد العزيز، بالنسبة للدوائر العميقة في الأردن، لا تبدو مطمئنة في هذه المرحلة بل و»مقلقة»، لأنه يتخللها العديد من المطبات التي تعيق طموحات الأردن في التقدم.

القرينة الأكبر، كما يقول، على إخفاق الدبلوماسية الأردنية في تمرير المصالح بعلاقات متوازنة مع الجانبين برزت عندما «عاتبت» القيادة السعودية – وراء الكواليس – الأردن على موقف للرئيس السيسي، بمعنى اتخذت الرياض موقفا من الأردن بناء على رأي منقول عن السيسي له علاقة بعاصفة الحزم عند انطلاقها.

عندما تبين للأردنيين أن السيسي «نقل كلاماً لا ينبغي نقله» بين الدول، وله علاقة برأي أردني يتعلق بمأزق اليمن، خففت وسائل الإعلام الرسمي الأردنية من خطابها الذي يتعامل مع السيسي باعتباره «زعيماً للأمة»، وتلاشت تلك اللهجة السياسية الإعلامية الأردنية التي تطالب بصدارة مصر وقيادتها للنظام العربي الرسمي.

الإخفاق الأردني في قراءة أعماق المشهد المصري السعودي تجلى، حسب مصدر أردني نقل عنه الكاتب في الصحيفة سالفة الذكر، في عدم إدراك الحساسية التي تشعر بها الرياض عندما ينمو ويكبر الدور الإقليمي المصري ويتطلع للزعامة على حساب الدور الإقليمي السعودي نفسه.

هنا، وفقاً للمراسل، لم تقرأ عمّان درسها جيداً فيما يبدو ولم تدرك أن السعودية تدعم السيسي وتساهم في الحد من طموحات الإخوان المسلمـين، لكنها لا تريد للنظام المصري أن يتفوق ويتصدّر دون تنسيق مع السعودية وليس خارجها وبصورة يمكن أن تهدد الدور الإقليمي والدولي للسعودية التي تواجه سلسلة من الخذلان الأمريكي والروسي والعربي.

الأردن بالغ في الحديث العام الماضي عن «تمكين» مصر السيسي من الزعامة وقيادة مشاريع مكافحة الإرهاب، هذه المبالغة فهمت دوائر أردنية اليوم بأنها قد تكون السبب المرجح للبرود السعودي مع المصالح الأردنية، وتحديدا الاقتصادية والمالية، بالرغم من الكلام المعسول جداً الذي صدر عن كبار العائلة السعودية وعلى رأسهم الأمير الشاب محمد بن سلمان، وفقاً لتقديرات الكاتب الأردني.

ونقل عن القيادي في الحركة الإسلامية الأردنية، الشيخ مراد عضايلة، أن السعودية في عهد الملك سلمان تبدو منصفة أكثر وهي لا تنشغل بمطاردة الإخوان المسلمين مركزة على الأهم وهو النفوذ الإيرني كما كان يحصل في الماضي.

يقدر عضايلة أن التصدي للنفوذ «الفارسي الطائفي» في عمق العالم العربي هو نقطة جذب «متوافق عليها بين الإخوان المسلمين والسعودية وكل شرفاء الأمة»، فيما يلاحظ مطبخ الإخوان المسلمين المصري في تركيا أن السعودية «أقل تطرفاً» وأقل دعماً للأطراف التي تحاول شيطنة «الإخوان». كما إن الرياض، وعلى هامش «عاصفة الحزم»، تحدثت مع النسخة اليمنية من الإخوان ونسقت مع قطر وتركيا واستقبلت خالد مشعل.

في القراءة الأردنية، فإن السعودية لا يعجبها مواصلة العزف على وتر تقوية السيسي ونظامه بما يتجاوز الحسابات الدقيقة. ولا يعجبها موقف السيسي من الملف السوري ولا انفتاحه السريع وغير المدروس مع الرياض على موسكو، ولا يعجبها إسقاط السيسي للشعار العسكري القديم الذي رفعه في أول خطاباته بعد دعم الانقلاب عندما تعهد بالوقوف مع الأشقاء الذين وقفوا مع مصر بعبارة «..هي مسافة السكة».

«سكة» السيسي باتجاه دعم الرياض كانت طويلة ومتباطئة، كما يرى الكاتب، والجديد في الموضوع أن عمان متهمة خلف الستار بأنها متواطئة معه ومشجعة لهذا الموقف. والجديد أن عمان أدركت مؤخرا تفصيلات قصة البرود السعودي وإن كانت لا تريد الاعتراف به.

الصفحة السابقة