إعادة توجيهه بالمال

توماس فريدمان في الرياض

ناصر عنقاوي

توماس فريدمان، الصحفي في نيويورك تايمز، دُعي مؤخراً لزيارة الرياض من قبل مسؤوليها وفي مقدمهم وزير الإعلام عادل الطريفي. الهدف تهدئته أو شراءه إن أمكن. وكان يعتقد الى وقت قريب ان فريدمان صديق للحكم السعودي، فهو الذي كشف عن مبادرة الملك عبدالله التي سُرّبت اليه بشأن الصلح مع اسرائيل، ويومها دُعي الى وليمة في الرياض الى جانب عبدالله (ولي العهد حينها).

لكن الصحفي عاد وانتقد العائلة المالكة في مقالاته، خاصة مقالته الشهيرة في سبتمبر الماضي والتي كانت تحت عنوان (صديقتنا للأبد الراديكالية الإسلامية السعودية)، حيث هاجم الملك سلمان عشية زيارته لواشنطن، واتهم بلاده بأنها تدعم الإرهاب الداعشي، وقال أن واشنطن تتغاضى عن ذلك طمعاً في النفط السعودي. وأعاد فريدمان الى الأذهان بأن خمسة عشر انتحارياً بين تسعة عشر من الذين فجروا واشنطن في احداث سبتمبر، سعوديون. وزاد فريدمان بأن الرياض تستخدم اموالها منذ عقود لمحو التعددية في الإسلام، وترسيخ نمط الاسلام الوهابي المعادي للحداثة الذي خرجت منه داعش والقاعدة، وذلك عبر مساجد مولتها الرياض، تمتد من المغرب الى باكستان واندونيسيا. وأكمل بأن تصدير السعودية للإسلام الوهابي كان من أسوأ ما حدث في القرن الماضي. وختم بأن الرياض هي التي تدعم الإرهاب في العالم وليس إيران.

المهم ان الرياض دعت فريدمان اليوم لزيارتها مرة أخرى، من أجل تغيير صورته عنها، وليلقي محاضرة فيها، وربما لتلقي رشوة من الأمراء المستائين من تدهور سمعتهم كداعمين للإرهاب الداعشي. هذا وقد احتفت به الرياض ايما احتفاء، ورحبت به قناة الإخبارية التي زار مقرها فريدمان وكأنه رئيس جمهورية، وليس عدوها الذي كانت تهاجمه بالأمس.

الاعلامي جميل فارسي سأل ما إذا كان فريدمان قد جاء (لتحسين الصورة) عن السعودية، وأضاف: (حَسِّن الأصل، تتحسّن الصورة). والكاتب الضحيان يعلق: (سيكتب فريدمان غداً ساخراً: اختار السعوديون لي نخبة مثقفة لأصدّق أنهم ليسوا إرهابيين، ولم يتيحوا لي مقابلة الأغلبية المتطرفة). فيما انتقد موقع اساتذة جامعة الامام، التي تخرج مشايخ التطرف الوهابي، دعوة فريدمان لزيارة الرياض، وقالت بأنه صهيوني يجلدنا ويتهمنا بالإرهاب، ثم يقوم بجولة على طلابه في الوطن.

لكن الأمير خالد آل سعود دافع عن زيارة فريدمان بالقول انه إعلامي له ثقله (ومن المهم ان نعمل على تحسين صورة بلادنا أمام العالم، وأن نتحاور مع من يحمل في ذهنه أفكاراً خاطئة عنا). اذن يا أمير: لماذا لا تتحاورون مع شعبكم، لماذا تقمعون أصوات النخب الحرّة وتضعونها في السجون؟ ربما لو كان عبدالله الحامد وسائر الحقوقيين المعتقلين من أصول فريدمانية لتحاور آل سعود معهم بكل رحابة صدر، هكذا يسخر محمد سليمان، المغرد على موقع تويتر.

سلمان الدوسري، رئيس تحرير الشرق الأوسط، له رأي مماثل لرأي سلطته يقول أنه يختلف دائماً مع اطروحات فريدمان ولا يتفق معه إلا نادراً. ثم يسأل: (لكن متى كان المنع حلاً). ما شاء الله يا دوسري. إذن لماذا تمنعون الصحفيين العرب من زيارة البلد حتى للعمرة والحج لمجرد انهم كتبوا كلمة لا ترضي ولاة أموركم؟! بل لماذا تقمعون مؤيديكم لمجرد نقد صغير صدر بنيّة حسنة، كما فعل الشيخ العريفي ذات مرة، حيث أودع السجن لثلاثة أشهر لأنه انتقد قطار الأنفاق الفاشل في مكة.

نواف عبيد، موظف الإستخبارات السعودي، والمقيم في واشنطن، يسأل ساخراً: (يا ترى، هل صرّح فريدمان وهو يلتقي بالطلبة السعوديين انه يؤمن أن السعودية هي من يمول الإرهاب دولياً؟). بالطبع لن يصرح الآن بذلك فقد مُليء فمه مالاً نفطياً، وقد كتب فريدمان مقالة بعد الزيارة امتلأت بالمديح لملك السعودية القادم، محمد بن سلمان (انظر في هذا العدد: فريدمان يحدّثكم: أقدّم لكم إبن سلمان!).

بيد أن مشايخ الوهابية امتعضوا من فريدمان الذي يتهمهم بالإرهاب، وأنهم مرجعيته الفكرية، وكانوا يتمنون التعامل معه بطريقة أخرى: التفجير او القتل مثلاً، وفي أقل الأحوال العقاب بالإهمال!. الشيخ الوهابي المتطرف السعيدي يهتف: (لا مرحباً به، ولا شكر ولا تقدير لمن دعاه)!


مغردون مستاؤون: لن يتم احتواء فريدمان!


الصفحة السابقة