تركي الفيصل يرد على سيده أوباما

السعودية.. بضاعة منتهية الصلاحية!

محمد فلالي

هل أميركا صديقة او عدوة؟ حامية لنا ام متآمرة علينا؟ وأسئلة اخرى على هذا المنوال، شطرت السعوديين الى شطرين! كأنما أصابهم باراك أوباما في مقتل.. جُن جنونهم، وخبطوا في الارض يبحثون عن مبرر يهدئون به روع أنفسهم الكسيرة المهزومة.

لا اقول إن المُسعودين انقسموا الى فريقين: مهاجم ومدافع، ومحب وكاره لماما امريكا!! 

لا.. ولكن الانشطار والانقسام كان في كل واحد منهما! نصفه يرى في اميركا ما رآه كتابه وصحافيوه وبعض أمرائه ومشايخ سلطانه: عدوا حاقدا يتربص بالسعودية الفرص ويكيد لها كيد الطامعين!! والنصف الاخرى عاشق متيم، لا يطيق لحظة الفراق ولا يتخيل نفسه بعيدا عن الحضن الامبريالي الدافئ الذي تربى عليه هو وأولياء نعمته!

لكن الاغرب هو ذلك الفريق الذي يرى ان اميركا تحسد السعودية والسعوديين على ما هم فيه، بعد ان عجزت عن تقليدهم ونقل تجربتهم الرائعة في “الحسبة” مثلا، حتى انتظم امرهم، ولم يعد هناك سارق ولا متجسس ولا مرتش، ولا فقير ولا مواطن من غير سكن، ولا متحرش ولا عاطل عن العمل، ولا سجين قاده قدره المنحوس الى ان يكتب تغريدة تغضب ولي الامر، فانتهى به الامر سجينا لعشر سنوات... وبعد ان فشلت اميركا في استنساخ عقيدة الوهابية في معاملة المرأة، ومنعها من قيادة السيارة وجعلها ملكة يُمنع ان تراها عين، او تفتح عينيها لرؤية الكون..

اميركا تحسدكم أيها المُسعودون، على ملككم وخلفائه وحزمه وسلطانه، وهذه الهيبة والاحترام الذي تتمتعون به، بعد ان عززتم حكم الاقلية الديكتاتورية في البحرين، وبعد ان دمرتم اليمن على رؤوس ابنائها، وجندتم جيوش الارهابيين الى سوريا والعراق.

وها هي سمعتكم السيئة يتردد صداها في اروقة المجلس العالمي لحقوق الانسان وكافة المنظمات الحقوقية والانسانية الدولية دون استثناء، وفي البرلمان الاوروبي، والبرلمان الهولندي، والرأي العام الاوروبي الذي تعبر عنه الصحافة العالمية المعروفة لديكم، والتي لا تغيب عنها المقالات بتصنيف بلدكم دولة منتهكة لحقوق الانسان، لا تطبق معايير العدالة الدولية، وتنتهك الحريات، ولا تؤمن بحرية التعبير، وتقمع كل اشكال التعبير عن الرأي والحريات الفردية، وتعتمد التمييز بين ابناء مجتمعها على اسس قبلية ومناطقية ومذهبية، وتنشر التعصب في العالم، وتثير الحروب المذهبية والفتن الطائفية، ولا تحترم الاديان السماوية وغير السماوية... والقائمة تطول حتى لا تبقى رذيلة او فساد او خرق لحقوق الانسان الا واقترفته حكومتكم ونظامكم وأمراؤكم..

فكل هؤلاء حاقدون عليكم! وقد نطق باسمهم الرئيس الاميركي باراك اوباما اخيرا، فقال فيكم ما لم يقله مالك في الخمر.

لكن الاغرب من كل هذا هي الردود التي توالت على الرئيس الاميركي.. سيل من الثرثرة والهذيان والهذر، ملأ الصفحات وتناثر في الاثير عبر الشاشات والهوائيات.. يشتم اوباما! ويفند كلامه.. وينفيه، بل يتهم الرئيس الاميركي بأنه لا يفهم مصلحة بلاده!!

حسنا، ولكن ما قيمة كل هذا الكلام ايها المثقفون؟

الرئيس الاميركي قال ما قاله وانتهى الامر. لقد عبر عن قناعة ادارته وحزبه بعد تجربة مباشرة في التعامل مع النظام السعودي طيلة ثماني سنوات، بل عبر تراكم التجربة والتقارير الديبلوماسية والاستخبارية طيلة العقود الماضية، وفي ادنى المعايير منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001.

السعودية دولة فاشلة في الداخل، تضطهد المرأة، والاقليات الدينية، والعمال الاجانب.

السعودية دولة تحتضن الارهاب وتنتجه وتوزعه على دول العالم، فتفسد مجتمعات معتدلة هادئة كإندونيسيا وكينيا وغيرهما.

السعودية  مخيبة للآمال في مجال المراهنة على التطور والعصرنة. وان نظامها يسعى الى جر الولايات المتحدة لصراعات طائفية لا مصلحة لاميركا فيها.

هذا ما قاله اوباما.

فماذا تفيد كل ردود الكتاب الاعلاميين اذا لم ينظروا الى هذا الكلام ويتفكروا فيه؟

احد كتابهم الذي عاد الى الحضن الاميركي بعد ان أبلى بلاء حسنا بين يدي ابن لادن، يصف الرئيس الاميركي بأنه حائر محير، كسر كل ثوابت السياسة الاميركية.. بل انه أي هذا الكاتب السعودي، السعودي جدا في حضن ولاة أمره، لا يفتأ يعين نفسه استاذا للعقل الأميركي، ومحللا خبيرا في خفايا النفس الاميركية، ويقرر أن ما فعله اوباما يكشف عمق الخلل الذي أصاب العقل الاميركي الاستراتيجي (هكذا دفعة واحدة)!

 

والمشكلة كما يراها مشاري الذايدي ان هناك ما هو أكثر فجاجة مما يقوله اوباما في الكواليس! فطبقا لجيفري غولدبرغ من مجلة اتلانتيك فإن اوباما يهاجم السعودية في الغرف المغلقة أكثر من ذلك.

اما طارق الحميد فاكتفى بدعوة قرائه السعوديين خصوصا الى ان يصدقوا ان رئيس الولايات المتحدة الاميركية، الذي فاز بفترتين رئاسيتين، وسجل اسمه في عداد كبار رؤساء اميركا، هو مجرد مهووس “يعيش في فقاعة، وانه مثقف روائيا، وليس سياسيا، حالم يقرأ الرواية وليس كتب التاريخ”..

مسكين هذا الاوباما حقا.. كان عليه ان يتدرب في مدرسة الحزم السعودية، ليتعلم فنون التوحش والتضليل الاعلامي، وتبذير الموارد واعادة البشرية الى القرون الوسطى في صراعات القبائل والمذاهب.. وهو على كل حال ليس مقصرا في ذلك.

ولم يتوقف كاتب اخر (جمال خاشقجي) الا عند دعوة اوباما للأمراء بالتفاهم والحوار مع ايران لحل الخلافات، وترتيب شؤون شعوبها ودولها..

لا تغضب كثيرا استاذنا الكريم.. سيفعلها أمراؤك عاجلا ام آجلا! واذا كانوا يحتاجون للاصطدام بالحائط قبل ذلك، فها هم امام اربعة جدران، وقد انسدت عليهم المنافذ.. سيفعلونها لانه لا سبيل الى الاستقرار، ومنع انتشار النار الى الداخل السعودي، الا لغة العقل والاقرار بحقوق الشعوب ومكونات المنطقة جميعها.. واقامة علاقات التعاون والتطلع الى البناء والتنمية، بدل الحروب واوهام السيطرة والهيمنة.

اما الطامة الكبرى فهي فيما كتبه الامير تركي الفيصل، مفاخرا بالقبائح، مستعليا بالجرائم، كأي شاعر جاهلي متخلف، يباهي بما كان مآثر الجاهلية وأصبح مع تقدم البشرية موبقات تدعو الى الخزي والعار.

الامير السعودي يذكر الرئيس الاميركي كيف ابلت حكومة الامراء والعائلة المستبدة، في خدمة المشاريع الصهيونية والاميركية، في تدمير اليمن، وتمويل الارهاب في سوريا، واحتلال العراق، وتمزيق ليبيا.. وصولا الى “نحن من يشتري السندات الحكومية الأميركية ذات الفوائد المنخفضة التي تدعم بلادك. نحن من يبتعث آلاف الطلبة إلى جامعات بلادك، وبتكلفة عالية. نحن من يستضيف أكثر من ثلاثين ألف مواطن أميركي، وبأجور مرتفعة، لكي يعملوا بخبراتهم في شركاتنا وصناعاتنا”!!

ولقد استوقفني كلام الامير تركي طويلا، لان ما قاله وظنه دفاعا عن اسرته الكريمة ونظامها الممتد منذ اكثر من ثمانين عاما، كشف المستور وفضح العائلة وديكتاتوريتها.

فهو يعترف بأن بلاده دربت المسلحين السوريين ومولتهم وزودتهم بالسلاح، فماذا كانت النتيجة يا سمو الامير؟ هل قدمتم خدمة لملايين السوريين المشردين، ام لمئات الاف الضحايا؟ هل صارت سوريا اجمل وافضل بسلاحكم وتمويلكم، ام اقرب الى التقسيم والتدويل والتمزق والغرق في الانقسامات المذهبية والطائفية والعرقية؟!

لقد ذهبتم لتستردوا اليمن من براثن الحوثيين!! حسنا يا سمو الامير: هل تعلم من هم الحوثيون؟ أليسوا من ابناء اليمن، هم وحزب المؤتمر وقبائل واسعة التمثيل في الشمال والجنوب؟ وهل من حقك ان تدخل طرفا بين ابناء البلد الواحد والعائلة الواحدة، لتعطي شهاد بالوطنية لهذا والعمالة لذاك؟ من انت لتقوم بذلك؟ وبعد: نسألك الاسئلة ذاتها عن سوريا.. هل بات اليمن افضل بعد تدخلكم؟ هل استرداد شرعية دمية لكم يتطلب رد البلد الى القرون الوسطى والقضاء على ما بناه شعب اليمن طيلة مئة عام؟

والاسوأ من كل ذلك يا سمو الامير: انكم تفاخرون بارسال الطلبة للتعلم في اميركا وغيرها ولم تكلفوا أنفسكم عناء بناء جامعة وطنية، توفر عليكم هذا الجهد وهذا الانفاق.. كما فعلت نخب وحكومات كثيرة في العالم، هالها التخلف العلمي لبلدها، فسخرت اموالها وجهدها للحاق بركب التقدم عبر مؤسسات وطنية تردم الفجوة مع الدول المتقدمة.. ولكنكم لم تفعلوا ولن تفعلوا.

وتتباهى يا سمو الامير بأنكم اشتريتم السندات الحكومية الاميركية بفوائد منخفضة لتدعموا اميركا.. وانكم وظفتم الاميركيين بأجور مرتفعة.. ألا يعيبكم ان تعترفوا بذلك، والكل يعرف انكم بذرتم الثروة الوطنية، ثروة الارض والناس المساكين، لكي ترضوا سيدكم الاميركي.. بتوظيف الاموال في الاسواق الاجنبية وصفقات السلاح، وتمويل الحروب.. ولم تحاولوا ان تنقلوا التقنية او تؤسسوا لصناعة وطنية متقدمة تستفيد من كوادر البلاد المتعلمة، بدل الاستعانة بالاميركي وغير الاميركي، وبأجور مرتفعة كما تقول.

عتبك على الاميركي مقبول يا سمو الامير، لكنه يكشف الجريمة التي ارتكبتموها منذ عقود بحق ملايين السعوديين، الذين حولتم بلدهم الى سوق لاستهلاك البضاعة الاجنبية، وحولتموهم الى عالة على شعوب العالم في العمل والخدمات، واذا تعلموا حولتموهم الى جيش من العاطلين عن العمل، او المطبلين لكم في مواقع هامشية.. وهم لا يقلون ذكاء وقدرة وابداعا عن اي شعب آخر.       

صراخ بأعلى الصوت، كما يفعل الاطفال خوفا من فقدان الام والمرضعة، هذا ما فعله الامير تركي الفيصل والزملاء الكتاب والاعلاميون.

ولعل اقسى ما يعذبهم احساسهم بأنهم فعلوا المستحيل لارضاء “ماما امريكا”، سخروا لها مملكتهم، وفتنوا عقول شبابهم بالفكر التكفيري المتطرف لمحاربة اعدائها، ووهبوها ثروة بلادهم، وفعلوا كل ما يفعله العملاء لأسيادهم.. ومع ذلك هي تركلهم وتهينهم وتتخلى عنهم.. لماذا؟

والجواب ايها السادة، ان ما تعتبرونه ميزة هو النقيصة!

وما تفاخرون به هو العار!

ولأنكم كنتم في موقع العمالة لاميركا، لن تجنوا الا ما يجنيه العملاء..

ببساطة أصبحتم بضاعة انتهت مدة صلاحيتها.. ورأس الامبريالية العالمية حريصة على تجارتها واسواقها: ولن تتعامل مع بضاعة منتهية الصلاحية.

الصفحة السابقة