بين الزهايمر والخرف

مرض سلمان.. سر الأسرار!

محمد فلالي

من يقترب من مرض الملك أو كبار الأمراء، كمن يخرق سيادة الدولة ويعرّض أمنها القومي للخطر. وقد درجت العائلة المالكة على التعامل مع أمراض أمرائها، كما الأسرار التي لا يجوز لغيرهم الاطلاع عليها. وكانت البيانات الصادرة في الغالب تصدر عن الديوان الملكي في حال مرض الملك أو ولي العهد، والعبارة الشهيرة المستخدمة رسمياً، هي «إجراء فحوص روتينية». وقد يموت الملك او ولي عهده تحت وطأة الفحوص الروتينية، ولكن (يا جبل ما يهزّك موت)، أو (كلمة الرجل واحدة)، فالديوان لا يغيّر عباراته ولا يوضح التفاصيل، معتقداً بأن هناك من سيتشفّى بمرض الملوك والأمراء، وبالتالي لا يجب أن يسمح لهم بشيء من الفرح و(الشماتة) بالعائلة المالكة!

وكانت أمراض الملك فهد قد شغلت الرأي العام، ببساطه لطول إصابته بالفحوص الروتينية، حتى أفقدته القدرة الذهنية لعقد من الزمن. في بدايات الجلطة الروتينية عام 1996، غنى المطرب المعروف محمد عبده لفحوص الملك فهد وقال في أغنيته:

الله أكبر يا غالي

يا مليك البلادْ!

عسى نتايج فحوصاتكْ

حسب الأمل والمرادْ!

على أية حال، فإن أخبار مرض سلمان، سبقت اعتلاءه العرش، وكانت التقارير الاعلامية، وتسريبات الدبلوماسيين الأجانب، تفيد بأن الرجل مصاب بالزهايمر. ولكن تبيّن أنه مرض (مشابه للزهايمز)، يحوز على مكرمات أو بالأحرى خصائص الزهايمر، ويضيف عليها بعضاً آخر من الخرف الوعائي.

جريدة (السفير) اللبنانية حصلت على تقرير طبي موثّق حول مرض خادم الحرمين سلمان. ونشرت في 21 مارس الماضي خلاصة التقارير الطبية، بدأتها بتعريف نوع المرض وهو «العَتَهْ الوعائي» أو «الخرف». وقالت أن قصة مرض الملك سلمان تعود الى العام ٢٠٠٨، وهي أول حالة تثبت فيها إصابة الملك في دماغه، وليس جسده، كما هي حال الملوك السابقين.

ونقدّم هنا أهم مقتطفات التقرير الطبي بحسب ما جاء في صحيفة (السفير):

 
تقاعد الدماغ أخطر من تقاعد الرجلين

الملك سلمان يعاني، بحسب تقارير طبية، من قصور دماغي، من دون أن تتمكن هيئة البيعة (٣٤ عضوا من أبناء الملك عبد العزيز وأحفاده) من التدخل لعزله، كما يمنحها الحق بذلك نظامها الداخلي بسبب ضعف مَن تبقى من أبناء عبدالعزيز الأحياء، وهم ثلاثة عشر، وسطوة إبنه الأمير محمد بن سلمان.

لكن سلمان لن يستقيل، قبل أن يحسم، ولمصلحة نجله، الصراع على خلافته بين المحمدَين. ومنذ أن اقتحم «العته الملكي» المشهد، أضحى لاعباً يفرض على الأميركيين، والأسرة المالكة، والجهاز الديني السعودي، أي ثلاثي القرار الملكي السعودي، العمل خلال عام أو عامين، على استخلافه، أو وضع قواعد جديدة للتعايش معه، لن تتمكن مع ذلك، من وقف العد التنازلي الذي يحيق بأيام الملكية السعودية.

التشخيص الطبي لمرض الملك سلمان، يضع كل القرارات المتخذة منذ صعود الملك سلمان إلى العرش في 23 يناير 2015، موضع شك بأن يكون المركز الملكي قد اتخذها بنفسه.

ومنح الأطباء، الملك الحالي منذ العام ٢٠٠٩، مهلة من ٦ إلى ٨ أعوام، قبل أن يدمر التلف الدماغي ما تبقى له من قدرات ذهنية. وبحسب العد التنازلي للمرض، تقول المعلومات الطبية إن الملك سلمان، سيعاني من ازدياد التلف في الجزء الأمامي من الدماغ، في مساحة كبيرة من الخلايا، أولى نتائجها، وأخطرها، خصوصا لدى الملك الذي يقود البلاد: انعدام القدرة على اتخاذ أي قرار.

وينبغي من الآن فصاعداً قراءة كل هذه القرارات في ضوء تقدم تلف الخلايا الدماغية لدى الملك، وعدم الاكتفاء بالقراءات السياسية. وكان مشهد الملك مغادراً، دون حرج، ضيفه باراك اوباما على مدرج مطار الملك خالد في الثامن والعشرين من يناير 2015، قد دفع الماكينة الاعلامية الى تبرير ما بات مكرراً في سلوك الملك الضائع، بوقوع صلاة العصر، دون أن يفاجئ الرئيس الاميركي نفسه، لأنه يعرف اشياء كثيرة عن المرض الملكي. وهو ليس الوحيد، اذ يروي خبير عربي لـ (السفير)، أن وزير الدفاع الاميركي الاسبق ليون بانيتا، فوجئ بخروج زائره الامير سلمان، عام 2012، عن موضوع لقائهما، وظهر وجومه في ذلك اللقاء. ويبعث ذلك على التفكير في ما قاله خبير اميركا في السعودية سايمون هندرسون في اكتوبر الماضي عن «ان الملك السعودي يمر بايام جيدة وسيئة».

وللمرة الثالثة، او الرابعة مثلا، منذ يونيو الماضي، يجري الحديث عن زيارة سلمان بن عبدالعزيز الى موسكو للقاء الرئيس فلاديمير بوتين. ومرة جديدة يتراجع السعوديون عن تحديد الموعد للزيارة الملكية الى روسيا. ففي بيان صدر مطلع الشهر نفت الخارجية السعودية ان يكون موعد الخامس عشر من مارس، موعداً ناجزاً، لكي يفي الملك سلمان بوعد ضربه للروس نجله وزير الدفاع الامير محمد، عندما زار للمرة الاولى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يونيو الماضي.

وبحسب معلومات طبية خاصة اطلعت عليها «السفير»، قد يضطر الديوان الملكي السعودي لإلغاء زيارات أخرى في المستقبل الى موسكو وغيرها، اذ تضيق يومياً النافذة الصحية والذهنية التي تسمح للملك بمواصلة القيام بمهماته على رأس المملكة، وقد عبر عتبة عامه الثمانين.

الملف الطبي للملك سلمان يخلص الى انه لن يكون قادراً خلال عام ونصف من الآن، بسبب تدهور حالته الذهنية وقدراته الفكرية، على اتخاذ اي قرار سياسي من تلقاء نفسه. والاحتمال الأخطر أنه لم يكن في الأصل قادراً على اتخاذ كل القرارت التي نسبت اليه منفردا منذ أعوام. ومع بلوغ مرض «التلف الدماغي» الذي يعاني منه منذ العام 2009 مرحلة متقدمة لن يكون بوسعه قريباً، حتى ان يتواصل مع محيطه الاجتماعي.

تفيد المعلومات، إن الحالة الصحية لسلمان بن عبد العزيز، امير الرياض السابق، وقبل ارتقائه العام 2012 سدة ولاية العهد، كانت موضع اهتمام الملك السابق عبدالله بن عبدالعزيز، اذ كانت التقارير الطبية تتوالى لدى الديوان الملكي، عن تطور السرطان القاتل في أمعاء ولي العهد سلطان بن عبد العزيز، الذي لن يخلف أخاه عبدالله، هذا ما أكدته وفاته في أكتوبر من العام 2011. وكان الملك عبدالله يعلم أيضاً ان الأمراض التي عانى منها الأمير نايف بن عبدالعزيز، وخصوصا السكري، لن تسمح لولي عهده الثاني، أن يخلفه هو أيضا على العرش. تحققت التوقعات بسرعة، إذ أمضى الأمير نايف أشهر ولاية العهد التسعة التي سمحت له أمراضه بإمضائها، في احتضار بطيء قبل ان يتوفى في جنيف في يونيو 2012، تاركا المنصب لسلمان، الابن السادس والعشرين للملك عبد العزيز، وحصة السديري.

وكان الملك عبد الله قد طلب من الأطباء الذين يتابعون صحياً الأمير سلمان، في مشفى سليمان الحبيب في الرياض، تقديم تقرير كامل عن حالته الصحية والعصبية. كان ما لفت الأنظار، وأثار القلق مبكراً لدى الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، الغيبوبة التي دخل بها الأمير سلمان خلال العام 2009، بعد إصابته بجلطة دماغية. لم تطل الجلطة طويلاً، لكن آثارها ستظهر تدريجياً في ما بعد، الى حد انه لم يعد ممكناً بعدها، ان يضع عبدالله أخاه سلمان في مقدمة المشهد السياسي، كما كان يتمنى.

قام طبيبان احدهما طبيب صحة سعودي، وآخر طبيب أعصاب سعودي من أصل يمني، بمساعدة فريق من الأطباء والأخصائيين، بإعداد تقرير شامل، مع توصيات كاملة وتوقعات للاعوام التي ستلي اصابته، تشرح نتائج الجلطة والغيبوبة، خلال الفترة التي تلتهما وانعكاساتها صحيا، ونفسيا، وعصبيا اولا، وسياسيا في نهاية المطاف.

 
من اتخذ قرارات الحرب والنهب.. الملك المخرّف أم إبنه؟

وبينت صورة أجريت للأمير سلمان بالرنين المغناطيسي في سبتمبر 2009، في مشفى سليمان الحبيب، ان الامير يعاني من تلف في الخلايا العصبية للجزء الامامي لدماغه. وشخص الاطباء عوارض تشير الى اصابته بمرض «العته الوعائي» أو بعبارة أبسط «خرف الاوعية الدموية». يشبه «العته الوعائي»، بعوارضه مرض «الزهايمر».

يتقاطع المرضان في الاعراض لا سيما في فقدان الذاكرة القريبة ثم البعيدة تدريجياً، والاكتئاب وصولاً الى العته الكامل. لكنهما يختلفان في المسببات، وفي التدهور الذهني زمنياً نحو العته.

وتقول المعلومات الطبية إن الملك، قد يكون دخل بسبب التلف في الجزء الامامي من الدماغي، مرحلة العنف والعدوانية، والانفصام الاجتماعي، والاضطراب في الشخصية.

تظهر الأشرطة المتلفزة التي يتم توزيعها، توسع عارض التعثر في اللفظ، والإبدال في احرف الكلمات، ونقص مخزون الذاكرة المعطوبة من العبارات، ولجوءه المتزايد الى عبارات متداولة، تعفيه من جهد التفكير، وأكثرها ديني لقربه الى مخزون ذاكرته البعيدة.

من جهة اخرى، فإن مركز النطق في الدماغ ملاصق للقسم الامامي منه، ويؤدي التلف ونقص الاوكسيجين او ري الخلايا بالدم، الى تعثر النطق، واجترار الافكار والكلمات وتكرارها. كما تظهر الاشرطة تراجعا في عمل الذاكرة، خصوصا الذاكرة الاقرب. وبدا الرجل منقطعا كليا عن ذاكرته القريبة، فعندما جمعه نهاية أكتوبر الماضي لقاء مع صحافيين، قدم تمرينا ناجحا في الحديث عن اسلافه بترتيب زمني صحيح، ليوحي ان مركز الذاكرة البعيدة لا يزال يعمل، فيما لم يلامس الحديث الملكي ايا من الاحداث الدموية الطازجة، التي لم تمر عليها اسابيع، من عمليات «داعش» الانتحارية ضد المساجد، او مأساة تدافع الحجاج في «منى»، ومقتل المئات منهم.

*  *  *

نكتفي بهذا القدر من التقرير الطبي رغم أهمية التفاصيل الواردة فيه حول أعراض هذا المرض على سلوك الملك سلمان. اللافت، أن رد فعل فوري صدر من السفير السعودي في لبنان علي بن عواض عسيري على المقالة ـ التقرير حيث بعث بياناً الى صحيفة (الحياة) المموّلة من الأمير خالد بن سلطان ونشر في 23 مارس الماضي بعنوان (عسيري: أقلام السوء مستمرة في استهدافنا). وقال بأن ما نشرته (السفير): «يعكس حال الضياع والارتباك التي وصلت إليها الصحيفة نتيجة الصعوبات المادية التي تعاني منها». وقال بأن المقال ـ التقرير «مجاف للحقيقة ونتاج مخيلة واسعة»، واستشهد باستقبال سلمان لرؤساء الدول وكبار المسؤولين من داخل المملكة وخارجها، وآخرها خلال مناورات رعد الشمال، إضافة إلى ترؤسه جلسات مجلس الوزراء، ومتابعته الملفات السعودية والإقليمية متابعة دقيقة، وتواصله الدائم مع القادة الدوليين والعرب والمسلمين».

الطريف أن عسيري لا يستبعد أن يكون التقرير المنشور في (السفير) «بهدف لفت النظر». دون توضيح معنى ذلك، وإن كان ثمة إشارة «استجداء» أو «ابتزاز» لاستدراج دعم من السعودية.. مع أن الصحيفة ليست المرة الأولى التي تكتب فيها مقالاً نقدياً عن السعودية، فقد مضت على ذلك سنوات طويلة.

عسيري استنكر أيضاً موضوعاً نقدياً نشر في (الاخبار) عن العائلة المالكة وصراع الأمراء وختم مقالته بالقول: «إن أقلام السوء مستمرة في استهداف المملكة ضمن توزيع أدوار واضح ومبرمج، يعكس التوجهات الهدامة لهذه الصحيفة، وحقدها الدفين الذي تجاوز - كالعادة - حدود اللياقة والأدب، وتضمن ألفاظاً شبيهة بأفكار كتابها ونفوسهم السوداء، التي لا تملك إلا السفاهة والتجريح، لتغطية ما تقوم به بعض الجهات من أخطاء وفظائع».

صحيفة (الأخبار) ردّت على عسيري في 23 مارس من بوابة التعريض بحرية الصحافة على يد وزير الاعلام اللبناني رمزي جريج. وقالت الصحيفة عن الأخير «وبدل أن يكون معيناً وحامياً لما تبقّى من حريّة التعبير والكتابة والصحافة الحرّة في لبنان، لا يوفّر وزير الإعلام فرصة إلّا ويغتنمها لإرضاء حكام المملكة السعودية، على حساب وسائل الإعلام اللبنانية، مطلقاً تصريحات تخرجه من دائرة اختصاصه كوزير للإعلام، إلى دائرة الرقيب الحريص على مشاعر أنظمة استبدادية».

من جهة ثانية، ردّت (السفير) على عسيري في 23 مارس الماضي في دفاع عن معدّ التقرير من باريس محمد بلوط، وقالت عنه بأنه: «مؤتمن وموثوق ولا ينشر إلا ما يعرفه يقيناً، وبالوثائق». وأوضح بلّوط في ردّه على عسيري وما قاله عن «مخيلته الواسعة» قائلاً: «اننا لم نسبق كثيراً من الصحافيين في التحدث عن «العته الوعائي الملكي». نحن في السفير لم نفعل سوى تقديم التشخيص الصحيح لحالته الذهنية والنفسية، وشرحنا أنه يعاني من «العته الوعائي» كما يعلم الاميركيون والفرنسيون. تعلم دوائر القرار الامنية والدفاعية والسياسية في الغرب بحالة الملك سلمان، والمثال الاقرب لي بحكم عملي في باريس هو فرنسا».

وأضاف مخاطباً عسيري: «يا سعادة السفير احيلك الى عدد صحيفة «لوموند» الصادر في ٢٣ يناير ٢٠١٥، أي في اليوم نفسه الذي تمت فيه مبايعة سلمان ملكاً، ستجد فيه مقابلة مع السيدة فتيحة دازي - هيني التي تعمل خبيرة في معهد الدراسات الاستراتيجية لكلية الحرب الفرنسية، وهي مستشارة أساسية في قلب مؤسسة رسمية فرنسية، خبيرة في الشؤون السعودية، تعمل على تزويد مراكز القرار في الامن والدفاع والدبلوماسية والرئاسة الفرنسية بالمعلومات الضرورية للتعامل مع مملكتكم.

تقول السيدة دازي - هيني في المقابلة «ان الملك سلمان يعاني من مرض الزهايمر، ومن صعوبات في النطق، وأتذكر خطاباً له في الاليزيه (عندما كان وليا للعهد)، حيث كان يصعب عليه التكلم أمام الرئيس الفرنسي». وتتابع «مع مرض تلف الخلايا الدماغية، كالزهايمر، لن يكون سلمان الملك الذي انتظرناه خمسة عشر عاماً، وقد كان الملك الاكثر وعداُ بين أبناء الملك عبدالعزيز، وسيكون مفاجئاً أن يملك لوقت طويل، ولن يكون الا ملكاً انتقالياً».

وحول ظهوره في مناورات «رعد الشمال» واستقباله الشخصيات قال بلّوط بأن ذلك لا يفنّد شيئاً، وطالب عسيري بأن يسأل اطباء الملك سلمان في مشفى سليمان الحبيب في الرياض، عن «ومضات اليقظة» التي يتمتع بها مريض العته الوعائي.

وفي الأخير تحدّى بلوط السفير عسري بأن يشكوه مع صحيفة «لوموند» الفرنسية «الى أية محكمة، وليأتِ كل منّا بوثائقه، لنحسم الجدل، الذي تعرف جوابه في ضميرك، قبلي، وقبل الجميع».

الصفحة السابقة