غير واقعية، ستؤدي الى الإفلاس، مغامرة

(رؤيـة) محمد بن سلمان بـعـيــون غـربـيــة

عبدالحميد قدس

سوف نحاول في هذا التحقيق الصحافي أن نقرأ رؤية السعودية 2030 التي فاجأ فيها الأمير محمد بن سلمان السعوديين، ووسائل الاعلام، في 25 ابريل الماضي. ولن نتوقف عند ردود العل المحلية والعربية، لأنها بمعظمها، تصلح لتصنيفها في باب المجاملات، والترويج السياسي والدعائي، ولا تقدم شيئا جديا لفهم الخطة الاستراتيجية، كما أرادها صاحبها.

بل سنسعى الى استعراض جملة من المواقف الغربية، كما عبرت عنها قراءات من ذوي الاختصاص، لم تستهدف المديح والتطبيل، ولا التهجم والتبخيس، بل هي كما يفترض مواقف أقرب للموضوعية، تستهدف وضع القارئ والمستثمر ورجل الاعمال الغربي في صورة هذه الرؤية، التي تفترض نقل السعودية من واقع الى واقع آخر مغاير تماما، بحيث تتحول المملكة كما يقول النظام السعودي واعلامه، الى مجال رحب للاستثمار، واعادة الهيكلة، واطلاق برنامج صناعي واسع، وصولاً الى الصناعات العسكرية.

والاهمية الاخرى لاستطلاع المواقف الغربية من هذه الرؤية، تكمن في انها موجهة أصلا للغرب، سواء على الصعيد السياسي، حيث يسعى الأمير محمد بن سلمان لخطب ود الغرب وتقديم نفسه اليه، باعتباره ممسكا بزمام المملكة، أو على الصعيد الاقتصادي حيث ان ولي ولي العهد السعودي يتطلع لاستقطاب رساميل غربية، لشراء ما يريد بيعه من ارامكو، وتوظيف اموال في البنية الصناعية المنشودة.

فماذا قال الغربيون عن رؤية السعودية 2030؟

أهم محاور الرؤية

يمكننا تلخيص أهم النقاط التي دارت حولها الخطة في المحاور التالية:

■ تحويل صندوق الاستثمارات العامة السعودي، إلى صندوق سيادي، بأصول تقدر قيمتها بتريليوني دولار.

■ حجم الصندوق يعادل أكثر من 10% من القدرة الاستثمارية في الكرة الأرضية، وحجم ممتلكاته أكثر من 3% من الأصول العالمية.

■ تمويل هذا الصندوق يكون أساسا من بيع ما نسبته 5% من شركة ارامكو.

■ نقل المملكة من دولة تعيش على مواردها النفطية، الى السعودية بدون نفط في 2020.

■ عدم ربط الموازنة العامة والدخل الوطني بالنفط، بحيث يمكن للمملكة السعودية ان تتعايش مع اي سعر منخفض لبرميل النفط.

■ ومع ذلك فإن الخطة تستهدف زيادة الإيرادات النفطية ستة أضعاف، من 43.5 مليار دولار سنوياً، إلى 267 ملياراً. الا ان هذه الزيادة لن تكون من خلال رفع الانتاج، ولا رفع سعر البرميل، بل من خلال الضرائب غير المباشرة على السعوديين، واجبارهم على دفع ثمن فاتورة الغاز والكهرباء والبنزين والمشتقات النفطية كاملة، من خلال اقتطاعات ضخمة من الدعم الحكومي على منتجات الطاقة.

■ زيادة حصة الصادرات غير النفطية من 16% من الناتج المحلي حاليا إلى 50% من الناتج.

■  لتشجيع الاستثمار الخارجي وعد المشروع بتطبيق نظام البطاقة الخضراء للاقامة في السعودية خلال خمس سنوات.

■ زيادة عدد المعتمرين الى ثلاثين مليونا 2030.. وهذا جزء اساسي من مشروعات سياحية يفترض ان تتبناها الجهات السعودية، لاستقطاب السياح الداخليين والخارجيين، اضافة الى استغلال المراكز الدينية.

■ إطلاق صناعة عسكرية سعودية، بحيث تخفض نصف المشتريات العسكرية على الأقل، بل وبيع المنتجات العسكرية الى دول المنطقة.

■ كما تهدف الخطة إلى زيادة مشاركة النساء في سوق العمل من 22% إلى 30%، وخفض نسبة البطالة بين السعوديين من 11.6% إلى 7%.

■ وتهدف السعودية، تبعا للرؤية الجديدة، إلى رفع نسبة مساهمة القطاع الخاص من الناتج المحلي إلى 65%، إضافة إلى زيادة نسبة الاستثمار الأجنبي من 3.8% حاليا إلى 5.7%. كذلك تسعى المملكة إلى زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 مليار ريال حاليا إلى تريليون ريال.

مصادر الرؤية

 
ماكنزي.. استشارات لصوصية!

من المهم الاشارة هنا الى أن ما ورد في رؤية الأمير محمد بن سلمان، جاء على عجل، ودون أي دراسات متأنية، لذا فهو اعتمد على مصدرين أساسيين:

الاول، تجميع عدد من البرامج والمشاريع من أدراج الوزارات والمؤسسات الحكومية، وهي مشاريع سبق ان ادرجت في الخطط الخمسية الفاشلة التي جرى اعتمادها في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، والتي لم تطبق، او انها طبقت بشكل مشوه، ولم تسفر عن اي اصلاح او تنمية حقيقية، باعتراف اركان النظام السعودي أنفسهم.

الثاني، اعتماد ما قدمته الشركات الاستشارية التي يوظفها الأمير محمد بن سلمان من قراءات ومشاريع اصلاحية لتطوير اقتصاد المملكة، مضافا اليها الجهد الترويجي الذي تضطلع به هذه الشركات، لتقديم المملكة بصورة جديدة، واستعراض قدرات وكفاءات الأمير محمد بن سلمان ـ الذي استقبلته الصحافة الغربية باستخفاف ونقد بالغين منذ ان تم تعيينه في مناصبه الحالية.

وقد أنفقت السعودية مليارات الريالات على الاستشارات الأجنبية الخاصة ببلورة الرؤية الجديدة. وقال مركز أبحاث «سورس غلوبال ريسيرش» ومقره لندن، إن حجم الأنفاق السعودي من قبل الحكومة والهيئات المرتبطة بها على الاستشارات الأجنبية وصل عام 2014 إلى نحو 1.06 مليار دولار، وأضاف المركز ذاته أن حجم الانفاق ارتفع بنسية 10 في المئة خلال عام 2015. اما موقع بلومبيرغ للأعمال فقال ان قيمة الاستشارات للسعودية بلغت في عام 2012 وحده بثلاثة مليارات ريال. وزاد المبلغ في العام التالي 2013 الى 3 مليارات و200 مليون ريال؛ وفي 2014 كانت قيمة الإستشارات 4 مليارات ريال، وفي العام الماضي 2015 كانت الفاتورة اربعة مليارات و300 مليون ريال! بمعنى ان الاستشارات التي صرفتها الحكومة السعودية على شركات مثل ماكنزي وبوسطن كونسلتنغ وغيرها، وصلت الى عشرين مليار ريال في غضون خمس سنوات فقط، اي بمعدل 333 مليون ريال شهرياً لستين شهراً، حسب الكاتب الاقتصادي السعودي برجس البرجس، الذي يقارن كل هذا الصرف، بحقيقة أن مجموع رواتب 37 ألف استاذ واستاذة جامعية في السعودية يبلغ عشرة مليارات ريال سنويا فقط، ولم يُستشر أي من هؤلاء في خطط الحكومة ومشاريعها.

من بين الشركات التي تعمل في السعودية شركة الاستشارات الإدارية العالمية BCG، وشركة أوليفر وايمان وشركاه Oliver Wyman، وشركة Deloitte LLP ، وتقوم هذه الشركات، حسب ما ذكره موظفون فيها، بالمساعدة في الاصلاح الاقتصادي بتوجيه من الأمير محمد ووالده، والذي تولى السلطة في يناير 2015.

الا ان ابرز هذه الجهات شركة ماكنزي للاستشارات، التي اصدرت تقريرا في ديسمبر الماضي، رسمت فيه معالم خطة لإجراء تحول جذري في الاقتصاد السعودي، بغض النظر عن أسعار النفط.

وشددت McKinsey على أن التغيرات ستشمل الحكومة التي ستكون المحرك الرئيسي للتغيير، من خلال ثلاث طرق أساسية.

أولها: من خلال اعتماد نموذج جديد للدخل، تتحول فيه الحكومة من مولد مباشر للإيرادات، إلى جهة تهدف إلى تسهيل استثمارات القطاع الخاص.

وثانياً: عبر تطبيق نموذج إنفاق اجتماعي، تديره شركات تنافسية، ويتضاءل فيه اعتماد المواطن على الدولة.

وثالثاً: تحويل السوق الداخلية الى سوق استثمارات مفتوح للمتمولين الخارجيين.

ولعله ليس من باب الصدفة ان تعتمد رؤية السعودية فترة زمنية طولها خمسة عشر عاما لتطبيق برنامجها، وهي نفس المدة التي اقترحتها ماكنزي في تقريرها، الذي عنونته ايضا: (وضع الإقتصاد السعودي ما بعد النفط)، وحددت فيه المحاور ذاتها تقريبا التي اعتمدتها رؤية الأمير محمد بن سلمان، وهي التالية كما يقول تقرير ماكينزي: (ينبغي على السعودية استثمار مبلغ 4 ترليون دولار في القطاعات الثمانية التالية: (1/ التعدين والمعادن؛ 2/ البتروكيماويات؛ 3/ تجارة الجملة والتجزئة؛ 4/ التصنيع؛ 5/ السياحة؛ 6/ التمويل؛ 7/ البناء والتعمير؛ 8/ الصحة).

فكيف استقبلت الاوساط الغربية خطة الأمير محمد بن سلمان؟

غامضة ومحفوفة بالمخاطر

 
زاك شرايبر: بيع آل سعود الأوزة الذهبية.. جنون!

المئات من المسؤولين السعوديين والمديرين التنفيذيين، إضافة إلى استشاريين أجانب اجتمعوا، نهاية فبراير الماضي، بأحد فنادق العاصمة الرياض، لبحث مستقبل الاقتصاد السعودي في ظل تراجع أسعار النفط. ونقلت وكالة «رويترز» عن بعض ممن حضروا المناقشات، أن برنامج الإصلاح يبدو غامضا ومحفوفا بالمخاطر. وأضافوا أنه يشتمل على بيع أصول، وزيادة في الضرائب، وخفض الإنفاق، إضافة إلى تغيير في أسلوب إدارة الدولة لاحتياطاتها المالية، ودور أكبر للقطاع الخاص.

وتضيف رويترز، انها ليست المرة الأولى التي يتم التحدث فيها داخل المملكة عن مشاريع وخطط للتطوير دون أن تترجم إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع. ويرى مراقبون ان تلك الإصلاحات وجذب الاستثمارات الأجنبية يحتاج إلى قطاع خدمات مدني قوي غير متوفر حاليا في المملكة، كما يحتاج إلى إجراء تعديلات على القوانين الحالية. ويضيف هؤلاء أن التغيير المقترح قد يصطدم بمعارضة شريحة من فئات المجتمع السعودي.

إنه الجنون: الإفلاس ينتظر السعودية

قبل عامين، توقع الرئيس التنفيذي لصناديق التحوط «بوينت ستيت كابيتول»، زاك شرايبر، انحدار أسعار النفط، وكانت توقعاته في محلها، والآن يُحذر شرايبر من كارثة مالية وشيكة في المملكة السعودية. يقول شرايبر ان السعودية خفضت بالفعل الانفاق وسارعت لجمع النقد، كما أقالت وزير البترول والثروة المعدنية السعودي السابق، علي النعيمي، الا انه يعتقد أن الأوضاع على وشك أن تزداد سوءاً.

وقال شرايبر في مؤتمر الاستثمار «سون» السنوي الـ21، مطلع الشهر الجاري ان أمام السعودية عامين أو ثلاثة قبل أن ترتطم بالجدار، متوقعا أن تواجه «إفلاساً هيكلياً» لأنها تواجه تهديدات مزدوجة من التزامات الإنفاق الضخمة والنفط الرخيص.. مشيرا الى ان الأمراء بدأوا يستدينون بمبالغ ضخمة.

والمشكلة التي تواجهها السعودية هي أنها بحاجة لارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل، لتصل نقطة التعادل في ميزانيتها، وتبدأ بعدها بتكوين فوائض، وقال شرايبر إن «برنامج السعودية للإنفاق الاجتماعي الضخم يتجه نحو مسار تصادمي» مع النفط الرخيص. وشكك بمشاركة بنوك عربية بطرح أرامكو للبيع، ورأى ان لدى المملكة أيضا الميزانية العسكرية الضخمة التي تعكس الأزمات في الشرق الأوسط، والتنافس المستمر مع إيران، والحاجة لضمان استقرار داخلي.

هذه المخاوف قد تساعد في تفسير سبب تخطيط السعوديين لبيع حصة تبلغ خمسة في المائة من جوهرة التاج الاقتصادي في البلاد، شركة النفط العملاقة المملوكة للدولة «أرامكو.» وعلق شرايبر: «إذا باعوا الأوزة الذهبية، كيف سيمولون أي شيء؟ إنه جنون. السعودية ترهن مستقبلها لكسب الوقت».

شكوك كبيرة في فرص النجاح

 
باتريك كوكبرن: رؤية ابن سلمان قفزة في الفراغ

صحيفة نيويورك تايمز الاميركية قالت ان صافي الاصول بالعملة الاجنبية في مؤسسة النقد السعودي، والتي هي بمثابة البنك المركزي، تراجع بمقدار ستة مليارات دولار في مارس الماضي.. وربما كان هذا الخبر هو الرد العملي من الصحيفة على خطة الرؤية السعودية، والمآزق التي تواجه المملكة، التي لا تمتلك رفاهية الحديث عن قدرات استثمارية لتمويل مشاريع بترليونات الدولارات. وتضيف بأن مؤسسة النقد وهو بمثابة صندوق الثروة السيادية للمملكة، بدأت تفقد مدخراتها نتيجة الانخفاض المستمر في أسعار النفط، والانفاق غير المدروس وغير المدرج في الميزانية للحكومة السعودية.

واشارت المعلومات الرسمية السعودية الى انخفاض الموجودات المالية بالعملة الاجنبية 16.2% عن العام السابق وهو أدنى مستوى لها منذ أبريل 2012. وكان البنك المركزي قد عمد الى السحب من مدخراته لتغطية عجز الموازنة العامة للدولة.

وفي تعليقها على رؤية الأمير محمد بن سلمان الاقتصادية قالت الصحيفة الاميركية في مقال تحليلي، انه إذا كانت المملكة السعودية الحديثة قد تأسست عن طريق الغزو وحنكة الملك عبد العزيز، فإنها حافظت على وجودها بسبب عائدات النفط، أكثر من الاستناد الى علماء الدين المحافظين (الوهابية).

لذا فإن تحويل هذا العقد بحيث لا يجري التركيز على النفط، هو مشروع طموح ومحفوف بالمخاطر الكبيرة، وسط شكوك كبيرة في فرص النجاح. جاء ذلك ردا على ما قاله الأمير محمد بن سلمان ان (الملك عبد العزيز والرجال الذين عملوا معه في كل أنحاء المملكة، عندما أسسوا الدولة لم يكن هنالك نفط، وتم تأسيسها وإدارتها دون نفط).

واستعرض المقال المراحل التي مر بها النمو في مداخيل النفط السعودي التي ارتفعت من 340 ألف دولار في 1938 حتى عشرة ملايين في عام 1946، و57 مليون دولار في عام 1950، و334 مليونا في عام 1960، فمليار ومئتي مليون في 1970، وصولا الى 84 مليار دولار في عام 1980.

وفي كل هذه السنوات حتى الوقت الحالي، حدثت ازمات دورية متعددة في الايرادات، لاسباب سياسية واقتصادية عالمية متغيرة، ليؤكد التقرير الترابط العضوي بين انخفاض العائدات النفطية، وما يتسبب به من عجز الدولة عن ضخ الاموال، وبين المطالبات بتغيير صيغة العقد السياسي (العلاقة) بين المجتمع والعائلة المالكة.

وهذه ليست المرة الاولى التي يجري فيها الحديث عن فك العلاقة بين الدولة والبترول لا في السعودية ولا في بقية دول الخليج العربية.. ففي العام 1998 اعلن ولي العهد السعودي حينها عبد الله بن عبد العزيز، ان على دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها ان تدرك ان الطفرة النفطية انتهت.. وبات علينا جميعا أن نعتاد على نوع معين من نمط الحياة التي لا تعتمد كليا على الدولة.

الا ان شيئا من التغيير الموعود لم يحصل، وذلك أنه عندما تكون أسعار النفط منخفضة فإن الموارد اللازمة لإنجاز التحول تكون شحيحة، والصعوبات التي يمكن أن تظهر تبدو شاقة.. وعندما ترتفع أسعار النفط، يكون من الأسهل تأجيل القرارات الصعبة!

وقد ركز المعلقون على الايراد المرجح أن يتحقق من خصخصة جزء من الشركة العامة للنفط أرامكو السعودية، ولكن هذا الامر هو أهون المشاكل المرتقبة. ذلك ان التنويع الحقيقي في مصادر الدخل يتطلب صناعات متطورة وتنافسية، ليس لها علاقة باستخراج النفط والإنفاق من الإيرادات النفطية.

واذا كان الحج والعمرة الخيار الطبيعي للاستثمار، فإن بيئة الأعمال لقطاعات أخرى مثل المركز المالي والخدمات اللوجستية والصناعات التحويلية لا تزال صعبة جدا.

يجب على حكام السعودية ان يقدموا مكانا جذابا للقيام بأعمال تجارية لاقناع الشركات التي لديها حاليا بدائل أبسط من ذلك بكثير مثلما تفعل دولة الإمارات العربية المتحدة.

مصالح العائلة ورجال الدين

بحسب تقرير لشركة كابيتال ايكونوميكس البحثية، فإنه «نظرا إلى أن السلطات السعودية ستواجه شبكة مصالح مهمة ضمن العائلة المالكة والنخبة الاقتصادية في البلاد والسلطة الدينية، نعتقد أن الهواجس السياسية، وليس أسعار النفط، هي التي ستحدد على الأرجح ما إذا كانت الخطط الحكومية ستثمر». ويقول كبير اقتصاديي الشرق الأوسط في اوكسفورد ايكونوميكس، باتريك دينيس: «من غير المعروف إلى أي حد سيتمكن محمد بن سلمان من كسب تأييد العائلة المالكة في مشاريعه».

ولا يخفي المحللون شكوكهم في قدرة السعودية على الابتعاد عن اعتمادها على النفط، على رغم أن بن سلمان قال إن بلاده ستكون قادرة على «العيش بدونه» في سنة 2020. وبنفس القدرمن الشك والحذر، قاربت الايكونوميست خطة الأمير محمد بن سلمان، ووقفت المجلة عند حالة الاستعجال التي تبدو عليها خطابات الأمير ومشاريعه الاصلاحية، ومسحة التفاؤل والاستسهال التي يتعامل بها مع هذه الرؤية.

احتمال خيبة الأمل كبيرة

 
ليس برؤى المنام تتحقق المعجزات على يد أطفال حالمين!

علقت الايكونوميست على وعد الأمير محمد، الذي وصفته بالمتواضع، برفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22٪ إلى 30٪ فقط في 15 عاما، وقالت ان ان النجاح في هذا يعتمد على مدى مقاومة المؤسسة الدينية الوهابية، التي تعيق كل إصلاح في السعودية. وقد اضطر الأمير الى التصريح بأنه لن يسمح للمرأة بقيادة السيارة، وهو امر ضروري إذا كانت ستدخل سوق العمل بالكامل، وهو ما كان مأمولا لدى البعض، لكنه فشل في تجسيده. كما انه لم ينطق بأي كلمة حول الإصلاح الديمقراطي والحريات الأخرى، التي من الطبيعي انها تلبي طموحات الشباب.

ورأت الايكونوميست انه لتحقيق أهداف الرؤية، فإن السعودية في حاجة إلى فتح اسواقها أمام التجارة والاستثمار والزوار الأجانب، واعتماد القوانين الدولية للسلوك، والمزيد من الشفافية، ووضع المزيد من القوانين العلمانية. وتضيف: لكن الكثير من هذا يحرمه رجال الدين الوهابيون. كما ان تصعيد التوتر مع إيران، والحرب التي يديرها الأمير نفسه في اليمن المجاورة، وتفاقم عدم الاستقرار، يؤدي الى ارتفاع نسبة المخاطر التي ستواجه المستثمرين.

ثمن ان الكسل المزمن في مجتمع تعود على تأمين حاجاته من الثروة النفطية عقبة كبيرة أخرى. فلسنوات، واجهت الجهود لإنهاء الإدمان على النفط جدارا من اللامبالاة. وكما يقول أحد المعلقين السعوديين: «لقد كان بمثابة أب يقول لابنه البالغ من العمر 40 عاما أن الوقت قد حان للخروج والحصول على وظيفة». ومع عائدات نفط ضعيفة ومعدل بطالة يتجاوز 11.6٪، فإن فرص خيبة الأمل قوية.

لهذا السبب سوف يضطر ولي ولي العهد السعودي لمواجهة بعض الأسئلة المعلقة بشأن الإصلاحات.

«التغيير الكبير هنا هو في الاعتراف بأن المؤسسات السعودية غير فعالة، وفاسدة، وبحاجة إلى تغيير»، يقول بادي بادماناثان، الرئيس التنفيذي لشركة أكوا باور، التي تزود السعودية بالكهرباء، والذي يأمل في الاستفادة من عقد لإنتاج 9500 ميغاواط من الطاقة. وقد اشاد بقطع الدعم عن الخدمات العامة مثل الكهرباء. واضاف أنه لجذب الاستثمار، سوف تحتاج الحكومة السعودية إلى توضيح خطط خصخصة المرافق العامة، لأن المستثمرين «لا يريدون أن يعتمدوا على قول الحكومة ثقوا بي، وأنا سوف أدفع».

ويقول رجل أعمال آخر: إن البلاد بحاجة إلى إصلاح سوق العمل، بحيث يصبح من الممكن سياسيا طرد الموظفين السعوديين الذين يفشلون في القيام بعملهم.

قفزة في الفراغ

وجزمت صحيفة الاندبندنت البريطانية بفشل رؤية محمد بن سلمان في مقالة كتبها باتريك كوكبيرن: (المملكة السعودية على وشك تجريب نسختها الخاصة من القفزة الكبرى إلى الأمام التي اطلقها ماو تسي تونغ في الصين في العام 1958 وذلك من خلال انهاء اعتمادها على النفط.. ولكنها لن تنجح.. وستبقى قفزة في الفراغ).

فالملوك والحكام المستبدون معروف انهم يعيشون حياة منفصلة عن العالم الحقيقي من خلال طبيعة أنظمتهم، ولكن الامر صحيح على نحو مضاعف في ما يخص قادة الدول النفطية، الذين يثبتون قدرتهم على نثر الأموال بشكل غير محدود، بما لا يتناسب مع قدرتهم الحقيقية على التعامل مع العالم من حولهم، تقول الصحيفة.

ويضيف كوكبيرن ان الوثيقة المسماة رؤية 2030 يفترض ان يتم تجاهلها ورفضها باعتبارها مكلفة وبعيدة المنال، اعدها نظام مستبد بمساعدة مستشارين يبحثون عن مصالحهم الخاصة. اذ ان قلة من الخبراء اخذوا بجدية حديث الأمير محمد بن سلمان عن مملكة بدون نفط.. حيث اثبتت التجارب ان التنمية لاقتصادية المفروضة بالاوامر من فوق، تشجع على تفشي  الفساد، في حين أن الخصخصة في الأنظمة الاستبدادية غير خاضعة للمساءلة، وهي في الغالب تعود بالفوائد، على زمرة من السياسيين الاقوياء المتحلقين على مقربة من العائلة الحاكمة.

وفي تفسيره للسبب الذي دعا الأمير محمد الى اتخاذ هذه الخطوة، يقول الكاتب، ان عائدات النفط لم تعد كافية لتلبية حاجات الزيادة السكانية السريعة من الشباب السعوديين لمواصلة سياسة الرشاوى لهم من غير وظائف ودعم الحاجات الضرورية.. بينما يرى البعض الاخر تفسيرا أكثر سخرية لهذه القفزة الكبرى إلى الأمام، اذ ان حث المواطنين للعكوف على العمل، والبدء بإنشاء مشاريعهم الخاصة هو مجرد تكتيك لصرف أنظار السعوديين بعيدا عن الخصخصة التدريجية لشركة أرامكو، مصدر الثروة الوحيد في المملكة، وبيعها لازلام النظام والامراء المحظوظين.

لكن المشككين يقولون ان تسييل الأصول الرئيسية في السعودية يسهل على العائلة المالكة السعودية، ان تحوز على اموالها تحسبا لانقلاب سياسي يقلب الاوضاع ضدهم. فإذا كان على ابناء العائلة المالكة السعودية ان يلجأوا للفرار مثل شاه ايرن، فمن مصلحتهم أن تكون ثرواتهم في شكل يمكن وضعه في الخارج أو نقله بسرعة إلى بر الأمان.

الصفقة التاريخية

 
الرؤية العمياء لا ترى للمرأة دوراً

صحيفة «التايمز» البريطانية أطرت ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الا انها أكدت أن خطته بشأن رؤية المملكة 2030، لم تشمل مسألتين مهمتين، وهما: القوة المفرطة لرجال الدين المتشددين ـ أو الشرطة الدينية، ومسألة الديمقراطية في البلاد.

وربطت «التايمز» بين النجاح في احداث النقلة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، بإنجاز النقلة السياسية المطلوبة باتجاه الديمقراطية، وقالت إنه «كلما احتاج الأمير محمد إلى تفويض شعبي ليستطيع تحقيق خطته، فإنه سيحتاج إلى القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية». وأكدت الصحيفة في افتتاحيتها التي حملت عنوان «أمير غير محدود»، «أن الإصلاحي الجديد في السعودية يستحق الكثير من الدعم الغربي».

اما الكاتب السياسي ديفيد غاردنر فرأى في مقال له بعنوان: الصفقة الدينية تعيق الإصلاح الاقتصادي السعودي، في صحيفة فاينانشيال تايمز، ان مشروع الأمير محمد بن سلمان، سيعيد صياغة العلاقة بين العائلة المالكة والمجتمع السعودي. وبرأيه فإن العقد الاجتماعي الراهن يقوم على اساس تخلي السعوديين عن حقوقهم السياسية وتقديم الولاء لآل سعود، في مقابل وظائف القطاع العام، وتأمين مستلزمات العيش من المهد إلى اللحد، بتمويل من مداخيل النفط. الا ان الأهداف التي تتضمنها رؤية الأمير محمد تعني تغييرا اجتماعيا جذريا، وفي شكل الحكم، بينما لا يوجد الكثير من المؤشرات حول نية الملكية المطلقة في تحويل رعاياها ليصبحوا مواطنين لهم حق المشاركة الكاملة. ان هذا البرنامج يتوخى تجاوز العقبات السياسية الكبيرة بالادوات التكنوقراطية.

ويلفت غاردنر الى ان حجر الزاوية في الدولة السعودية هو الاتفاق التاريخي بين آل سعود واسرة محمد بن عبد الوهاب، الذي اسس النسخة الأكثر تطرفا من المذاهب السنية، وتحولت الى شكل من أشكال الحكم. وليس خافيا ان الأسرة السعودية الحاكمة تعتمد الآن على المؤسسة الوهابية - الرجعية والمتعصبة أكثر من أي وقت مضى – لتبرير شرعيتها، في مقابل السيطرة الدينية على مجالات التعليم والقضاء، والتحكم بمصير النساء.

وهذه رافعة واحدة للسلطة لا يمسك ولي ولي العهد بها، حيث من الصعب أن نرى خططه الاصلاحية تزدهر إذا كان سيبقي العلاقة بين السلطة والمؤسسة الوهابية مدمجة وتكافلية كما هي الان. اذ من الصعب ان يتمكن من التوفيق بين دعوته للتنمية والتبشير الوهابي الذي يغذي الظواهر الارهابية الخبيثة، مثل تنظيم القاعدة وداعش التي تقوض صورة المملكة كمغناطيس جاذب  للاستثمار.

هذه الشكوك تبقى جوهرية على الرغم من صدور قوانين جديدة هذا الشهر تكبح هذه القوة الجامحة للشرطة الدينية، سيئة السمعة. الا ان تصريحات الأمير محمد في لقائه مع بلومبرغ والتي قال فيها: نحن نعتقد ان المرأة لديها حقوق في الإسلام لم تتمكن من الحصول عليها بعد.. وانه ينوي زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، عزز التفاؤل بمنح المرأة حق قيادة السيارة.. قبل ان يتراجع الأمير سريعا عن ذلك بضغوط غير خافية من المؤسسة الدينية.

ففي اليوم التالي اكد محمد بن سلمان أن مجتمع بلاده لا يزال غير متقبل لأن تقود المرأة السيارة، مؤكدا أن هذه مسألة لها علاقة بشكل كامل برغبة المجتمع السعودي وأنه لا يمكنه فرض ذلك على المجتمع.

ولعل مشكلة ابن سلمان مع الجناح الديني المتشدد ستكون اكبر في مجال التعليم والقضاء الخاضعين لهيمنة حماة العقيدة الوهابية.. ومن هنا يجب النظر بكثير من الحذر والشك في رؤيته تجاه الإصلاح في التعليم، وخصوصا في ما يتعلق باصلاح المناهج الدراسية، واعداد خمس جامعات سعودية لتكون ضمن افضل مئتي جامعة في العالم.

غير واقعية

رجل الاعمال والمستثمر الاميركي جيم روجرز، رئيس شركة روجرز القابضة، ومقرها سنغافورة، رأى ان الرؤية السعودية ليست واقعية في أي شيء. وعاد روجرز بالذاكرة الى تجارب سعودية سابقة منذ العام 1970، وقال ان السعودية اعدت برنامجا لزراعة القمح فاستصلحت الاراضي وبدأت بالانتاج، الا ان السلطات اوقفت العملية بعد ان رأت ان كلفة المحاصيل أكبر من الثمن الذي يمكن شراؤها به في السوق، لذلك تخلت عن الفكرة.

وبرأيه ان ما يرغب به المخطط السعودي مجرد أماني غير مدروسة، وستصطدم بالواقع الفعلي عند بدء التنفيذ. وقدم روجرز مثلا لذلك بالحديث عن السياحة في بلد لا يسمح فيه بالحركة بحرية، ولا يمكن أن تذهب إلى الشاطئ، والمرأة لا يمكن أن تجلس في مطعم مع الرجال.

وقال فيليكس مورينو، مدير محفظة مالية والخبير الاقتصادي، ان تحول المملكة السعودية ليكون لديها اقتصاد لا يعتمد على النفط يعترضه الكثير من الصعوبات. لقد حاولت جاهدا ان اعثر على بلد في التاريخ كان يعتمد على سلعة واحدة، ثم استطاع القيام بالتحول دون الكثير من الاضطرابات، فلم اجد.

التوازن بين رجال الأعمال والمشايخ

سايمون هندرسون  مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، قال انه في عام 1984، وعشية مغادرة السفير البريطاني في الرياض آنئذ بعد انتهاء مهمته الدبلوماسية، كتب «برقية وداعية»، وصف فيها المملكة بثلاث كلمات تبدأ بالحرف «آي» باللغة الانكليزية: (إسلام، انعزال، وعدم كفاءة). وليس من المستغرب، أن تم تسريب البرقية على الفور. فالإسلام لا يزال بالتأكيد السمة السائدة في البلاد، ولكن الشبكة العنكبوتية ووسائل الإعلام الاجتماعية تعني أن جيل الشباب على الأقل، يعي جيداً بما يجري في العالم الأوسع، حتى لو بقي اغلب السكان محافظين وانعزاليين بصورة عامة. أما بالنسبة لعدم الكفاءة، فأقرب مثل عليها إقالة وزير المياه والكهرباء في 23 ابريل، بسبب أدائه الضعيف.

ويمكن القول إن التحديات الرئيسية لـ «رؤية السعودية 2030» ستكون قانونية. اذ ان نجاح الدول المجاورة، مثل الامارات وقطر، في عالم الأعمال، يرتكز على تزويد المستثمرين الأجانب بنظام لتسوية النزاعات التجارية، على أساس القانون العام والتحكيم الأجنبي، بدلاً من الشريعة الإسلامية التي تهيمن على الحياة في السعودية.

وهناك تحدّيان سياسيان يلوحان في الأفق أيضاً. أولاً، سوف تكون طبقة رجال الأعمال السعوديين والتكنوقراطيين المستفيدة الرئيسية من «رؤية السعودية 2030»، وهي طبقة متعطشة للفرص التجارية. ولكن يتعيّن على العائلة المالكة تحقيق التوازن بين تأثير نخبة الأعمال وبين سلطة «العلماء/ مشايخ الوهابية» - الهيئة الدينية التي تمنح الشرعية الدينية الضرورية لبيت آل سعود. ثانياً، يُعتقد أن الأمير محمد بن سلمان لا يتمتع بدعم كلي تام داخل العائلة المالكة، التي عادة ما تتخذ قراراتها بتوافق الآراء. فبعض الأمراء يعتبرونه متهوراً وعديم الخبرة، وتراود العديد منهم مخاوف، كما يرجح بأنهم سوف يفقدون امتيازاتهم في تأمين شروط مواتية للصفقات التجارية - وهي الطريقة التقليدية لجمع الثروة للعائلة المالكة، ولكنها تشكل أيضاً مصدر استياء بين صفوف أولئك من غير العائلة المالكة.

ومن الناحية الاقتصادية، فإن الخطة نفسها تبدو متناقضة في اعتمادها على الخصخصة الجزئية لشركة «أرامكو السعودية» لتمويل التحوّل في منأى عن الاعتماد على النفط.

ولجذب المستثمرين الأجانب، ستحتاج المملكة إلى التحلي أيضاً بقدر أكبر من الشفافية حول المعلومات التي تنشرها. فغالباً ما تكون الإحصاءات الرسمية محدودة، كما لا تصدق في بعض الأحيان.

وفي الأساس، تمثل رؤية السعودية 2030 انفتاح المملكة السعودية، ليس فقط أمام الاستثمار الأجنبي، بل أيضاً أمام الرأي العام العالمي، الذي يَعتبر معظمه أن الحظر الذي تفرضه المملكة - على قيادة النساء للسيارات، وقطع الرؤوس بصورة علنية، والجلد وفقاً لتوجيهات الدولة، وغيرها من الممارسات - جديراً بالشجب أو الاستنكار. وقد يخشى بعض المستثمرين المحتملين (الانخراط في الخطة المقترحة) بسبب سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان المثير للجدل.

كماأن «رؤية السعودية 2030» تمثل محاولة سعودية تسعى لزعامة اقتصادية في عالم لم يعد فيه النفط المورد المهيمن. وإذا نجحت هذه الخطة، فسوف تجلب أيضاً تغييرات أوسع نطاقاً داخل المملكة، وان كانت على الأرجح لن تحقق نجاحاً ذا اهمية.

الصفحة السابقة