قراران فاجعان!

الشعب المُسَعْوَدْ بين وهم (هيئتين)!

فريد أيهم

أُلغيَتْ صلاحيات كبيرة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فطار كثيرون فرحاً!

وأُسست هيئة (للترفيه) فزاد غضب التيار الوهابي الأقلّوي!

السؤال: هل تتجه البلاد نحو الإنفتاح وتخفيف الخناق الاجتماعي الذي تمارسه السلطة ومشايخها؟

أم كل هذا مجرد تكتيك لا يغيّر من واقع السلطة السياسي، ولا يفيد في تحسين أدائها، وأنها مجرد قرارات ملهاة، تعبث بالقوى المحلية وتستثمرها العائلة المالكة حسب أغراضها وظروفها، وقريباً ما تتكشف بوضوح دوافعها؟

لا هيئة الأمر بالمعروف ستزول وتُلغى او يضعف دورها لفترة طويلة، ولا هيئة الترفيه الجديدة ستؤسس قدماً في بلدٍ منكوب بديكتاتورية آل سعود ومشايخهم!

 
الهيئة في قلوبنا: ما بعد تقليص مهماتها

كان قراراً مستغرباً أن يصدر من مجلس الوزراء، الذي يرأسه الملك سلمان، بأن تُسحب أهم صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث منعهم من (ايقاف الأشخاص أو مطاردتهم أو طلب وثائقهم أو متابعتهم)، وأن تكون جهة الضبط هي الشرطة وادارة مكافحة المخدرات، وان شغل عضو الهيئة أن يبلغ (الشرطة) بعد ان كانت الأخيرة تعمل ملحقة به. وجاء في القرار إلزام عضو الهيئة أن يبرز بطاقة تعريف رسمية ظاهرة تتضمن اسمه ووظيفته وغيرها.

جذر القضية بدأت بقيام الدولة على الشرع الوهابي، وكان للدولة رأسان (او هو تحالف بينهما) يمثلهما آل سعود من جهة، ومطاوعة الوهابية ومشايخها من جهة ثانية، والجميع من منطقة أقلوية هي نجد، التي أسست الدولة وسيطرت عليها بحمولتها الى اليوم.

في الخمسينيات، كبُر نواة الطبقة الوسطى في نجد، فأراد رجالها أن يشكلوا رأساً ثالثاً يشارك في مغانم السلطة، الى جانب المشايخ وآل سعود. أطلقوا على أنفسهم جمعية (نجد الفتاة)، وذلك بعد أن صار لهم وجود قوي في أجهزة الدولة، ولكن على حساب المشايخ النجديين، وليس على حساب أمراء آل سعود الذين استطاعوا ان يكونوا الرأس الحقيقي للدولة. 

وهكذا أصبح للعائلة المالكة عضدان، أو حزبان: حزب المشايخ والمؤسسة الدينية؛ وحزب من سمّوا بالليبراليين او العلمانيين او التكنوقراط او المثقفين او الحداثيين، مع انهم في معظمهم من نجد ايضاً، وهم المسيطرون على جهاز الدولة البيروقراطي بمجمله.

استطاع ال سعود ان يجيدوا لعبة تغليب احدهما على الآخر، مستغلين التنافر بينهما، فوظفوهما لخدمتهم، واصبحا حزبا السلطة بحق. فكان النظام يعطي صلاحيات أكبر لجناح حسب الوضع السياسي والغرض الأمني، ثم يقلصها ويعطي صلاحيات أخرى للطرف الآخر، وهكذا. اللعبة مضى عليها عقود طويلة، وهي لا تعني بالضرورة احداً خارج إطار منطقة نجد، فالاكثرية مجرد متفرجة، وقد تميل لأحدهما باعتباره أقلّ سوءً من صاحبه.

في بداية عهد الملك عبدالله، جرى تقليص صلاحيات المؤسسة الدينية، خاصة ميليشيا هيئة الأمر بالمنكر، وهي إحدى أجنحة المؤسسة الدينية، وتقع في مجملها ضمن سيطرة الأمير نايف وزير الداخلية السابق، وابنه اليوم، وكان لأمير الرياض، الملك سلمان حالياً، سطوة على الجهاز، وسيطرة، وكان يغذيها بالدعم، وكان رجال الجهاز يمثلون يده في كثير من الأحيان.

في اواخر عهد عبدالله، وحين ظهر الربيع العربي، غيّر الملك عبدالله سياسته، ودعم الهيئة والمؤسسة الدينية لتحميه من ذلك الربيع، الذي حوله ال سعود الى صقيع في اكثر من بلد عربي. وإن كانت المؤسسة الدينية عامة لم تنظر الى عبدالله نظرة تقدير، وهي لا تحبّه في الجمله. 

ولما جاء سلمان، الى العرش في ٢٠١٥، جاء معه الفرج، فقفزت صلاحيات كل أجهزة المؤسسة الدينية، وزادت مخصصاتها، وأطلق سراح سجناء التيار السلفي النجدي من القاعدة وغيرهم، وأعاد جوازات السفر.

كان الملك سلمان بحاجة اليهم لتغطية مشاريعه السياسية المحلية في قلع المنافسين من العائلة، وضرب المعارضين بالشدة والقسوة التي لم تعرف حتى في عهد فيصل. وكان بحاجة الى تغطية في الحرب المذهبية داخلياً وخارجيا، وإخماد اصوات المعارضين. وقد نجح في كل هذا بتحالفه الوثيق مع المؤسسة الدينية، رغم اخطائها وتجاوزاتها التي لم تشهدها البلاد قط من قبل من حيث العدد، ما جعل عدداً من المثقفين يتحدثون علناً عن أخطاء استراتيجية مثل تركي الحمد، وانه أصبح في كل بيت داعشي كما يقول قينان الغامدي، أو ان داعش نبتة سلفية وعلينا الاعتراف بذلك، كما يقول الشيخ عادل الكلباني.

الآن، حقّق سلمان ما يريد من المؤسسة الدينية في السيطرة على الوضع الداخلي، ولكن ظهرت الأعراض الجانبية الخطيرة، مثل كراهية النظام بسبب الاستبداد السياسي والأمني المدعوم دينيا، وبسبب الفشل الاقتصادي والتنموي، وبسبب هجرة مئات الألوف من المواطنين الى كل بقاع الكرة الأرضية، فراراً من القمع المزدوج الديني والسياسي.

إذن، فليضحّي بهم. ومادام سلمان رجل حزم وعزم وظفرات، فليعصف بالهيئة المكروهة شعبياً جداً جداً. وليجردها من معظم صلاحياتها الضخمة، ويبقيها مسمّى. فهل هذا عملٌ مؤقت لإرضاء الشعب والنخب الليبرالية كما يقال؟ أم انه حلّ لوضع غير طبيعي مضت عليه الدولة لعقود؟ الأرجح انه تكتيك وليس استراتيجيا، رغم ان القرار ثقيل جداً. ولكن يمكن ان يتراجع النظام، او يعطيهم بدائل عما اخذه منهم، كما فعل سابقاً.

كانت هناك بكائيات سلفية بسبب قرار ما عرف بـ (تنظيم عمل الهيئة)؛ وسمي القرار ـ سلفياً ـ بالقرار الفاجعة! وظهرت مطالبات عديدة من التيار الوهابي النجدي بإعادة النظر في قرار مجلس الوزراء ورئيسه (الملك)؛ وضغط المشايخ والدعاة الوهابيون عبر التلفزيونات ومواقع التواصل الاجتماعي، وغيره من اجل التراجع عن القرار.

لكن ما آلمهم أكثر، هو الإنتشاء الذي ظهر لدى خصومهم، او الكارهين لهيمنتهم، وهم أكثرية الشعب، الذين رحبوا بالقرار. فقد اعتبر المفكر محمد علي المحمود قرار مجلس الوزراء بتجريد هيئة المنكر من أهم صلاحياتها (صورة من صور النهي عن منكر الفوضى)، والكاتب الطبيب أيمن كريّم قال بأنه امر جيد تحجيم أن تكون هناك محاولة للعودة بالمجتمع للحياة الطبيعية عبر ضبط سلوك افراد الهيئة ومنعهم من التدخل في الخصوصيات الفردية وفي المهام الأمنية البحتة، وسخرت البروفيسورة مضاوي الرشيد: (لا يعلم الا الله الى أين سيهاجر أعضاء الهيئة بعد القرار الفاجعة). الى الرقّة طبعاً!

ووصفت الكاتبة والناشطة خلود الفهد القرار بأنه تاريخي، لأنه يغلق صفحة سوداء من محاكم التفتييش وإهانة الشعب باسم شعيرة تمّ توظيفها للتسلط. والمحامي نايف آل منسي الذي سُجن لأنه بحث في عقائد الوهابية، قال بأن تنظيم عمل الهيئة انتصار للشرع الصحيح وحقوق الإنسان. أيضاً فإن المحامي إبراهيم المديميغ رأى في تقليص صلاحيات الهيئة مجرد خطوة في الإتجاه الصحيح، وقال انه يتطلع لمزيد من تقليم أظافر هذا الجهاز. 

ولأن تجريد الهيئة من صلاحيات القبض والملاحقة والسجن وغيرها تجعل من موظفيها مجرد مبلّغين للشرطة عن التجاوزات، تصوّر البعض ـ خطأ فيما نظن ـ أن الخطوة التالية ستكون الغاء جهاز هيئة المنكر كاملاً؛ او أن صلاحياتها لن تعود أبداً، وهذا لا يمكن التيقّن منه.

غضب التيار الوهابي

 
الترفيه على طريقة هيئة المنكر!

قرار سحب صلاحيات الهيئة ولّد بكائيات كثيرة. فحسب أحدهم ان صلاحيات المواطن العادي صارت أكثر من صلاحيات رجل الهيئة نفسه؛ والشيخ احمد الصويان يقول ان اخطاء الهيئة مجرد ذريعة لتحجيمها، والغرض (تغيير بنية المجتمع)؛ ورجل الاعمال المقرب من التيار الوهابي عبدالمحسن المقرن، امتدح الهيئة ورجالها إذ لا يكرههم الا المفسد، ولا يحبهم إلا المصلح.

الشيخ سعد البريك تألم فقال: (عندما يفرح العلمانيون والصفويون والروافض والمنافقون ومؤسسات نصرانية بقرار تنظيم الهيئة، تُدرك ان الأمر يحتاج الى مراجعة تصلح الخلل). فهو يريد من الملك ان يتراجع عن القرار. والمتطرف محمد القرني يقول بأن الغاء صلاحيات الهيئة هو (إلغاء لديننا وإسلامنا ووجودنا)؛ والشيخ البراك (علامة الوهابية بزعمهم) يقول انه لا يفرح بالقرار الا خبيث،؛ اما المتطرف الشيخ محمد البراك فيأتينا بشعر يعبّر عن مأساته:

تلك المصيبةُ أنْسَتْ ما تقدّمَها

وما لها مع طولِ الدهرِ نسيانُ

الإخواني مالك الأحمد، اتهم الإعلام السعودي بأنه قاد حملة مخططة ضد الهيئة النائمة، والداعية علي بن معدّي البارقي يقول بأسى: (ما كنتُ أظن أن تؤتى يا وطني في شعائرك؛ ولم نعهد سماع تراتيل المآذن والناس في أسواقهم يتسكّعون)؛ ويضيف: (مع كوني عضو هيئة، فما ضرّني سخرية السفهاء وكيد الأعداء). وزاد أحدهم في بكائياته جرعة عنصرية عالية حين أقحم اسم الأديب والكاتب الصحفي الجازاني عبده خال، حيث تم تقصده دون بقية الكتاب والأدباء، خاصة النجديين منهم، فقال: (كنا نفتخر على الدول الثانية ان عندنا هيئة. بالله الحين وِشْ نقول لهم؟ نقول لهم عندنا عبده خال؟ الله المستعان). والشيخ حسن الحميد، يقول بأن رجال الهيئة أكفاء، وسحبت صلاحيتهم لأنهم اقضوا مضاجع الفاسدين، والدليل هو فرحهم بالقرار. وزاد داعية آخر: (فرح الليبراليين بهذا القرار، كفرح المشركين يوم أُحُد. ارجو ان يعقبه يوم يسوؤهم كفتح مكة)!

ويسأل الطائفي واستاذ العقيدة ابراهيم الفارس، الذي له ثلاثة أبناء دواعش معتقلين، يسأل باستعطاف: (هل من تراجع عن القرار الفاجعة؟ فالوضع يدمي القلب، حينما ترى شرذمة الفسّاق وبغال الليبرالية ينتشون فرحاً بتحجيم عمل الهيئات). وحذر الداعية الاخواني احمد بن سعد القرني بأن تكبيل الهيئة (يجعلنا في مصاف اليهود). ويبالغ علي المطيري بالقول ان القرار الفاجعة كما يسميه، اصاب الناس بخيبة امل وخوف، وطالب ليس فقط باعادة النظر في القرار، بل تحويل الهيئة الى وزارة أيضاً!

الهيئة دواعش

 
رجال الحسبة في إحدى غزواتهم بمجمع تجاري

رجال الهيئة نالوا حصة كبيرة من النقد والتهزيء والسخرية والشماتة، تليق بأفعالهم بالناس طيلة عقود. انفجر مخزون المواطنين بوجههم بعد أن صدر القرار، وكما يقول المثل الشعبي: (اذا طاح الجَمَلْ. كثْرَتْ سكاكينهْ). فمن يطالب ببقاء هيئة المنكر بوضعها الحالي، وبطريقة عملها العنفية كمن يريد بقاء داعش. وقد أثبتت الأجهزة الأمنية أن عناصر كثيرة التحقت بداعش كانت تعمل سابقاً ضمن جهاز هيئة المنكر، بل أن السلطات الأمنية سرّبت فيديو يفيد بتعاون رجال الهيئة مع دواعش الداخل وأنهم قاموا بتهريب زعيم تنظيم القاعدة في السعودية في سيارة رسمية للهيئة.

من هنا توقع محللون، بأنه اذا تم تقليص سلطة الوهابيين خاصة في الهيئة، فالمتوقع بالنسبة للكثيرين منهم ان يلتحق بصفوف النصرة والقاعدة وداعش. وان الطلاق او نصف الطلاق بين آل سعود والمؤسسة الدينية سيؤدي الى اصلاحات سياسية، حسب البعض، او الى عنف داخلي داعشي وهابي، حسب البعض الآخر.

الشيء الثابت هو أن الشعب كره الهيئة لتجاوزاتها وعنفها وغلوها، كما كره من استخدمها ضده، وهم امراء العائلة المالكة. المفكر المحمود أكد هذه الحقيقة، ووصف رجال الهيئة بأنهم غلاة عبثيون؛ والناشطة سعاد الشمري ميّزت بين شعيرة الأمر بالمعروف، وبين عمل عصابات الهيئة المتدعشنة، المريضة بتعبيرها، والتي تتجسس وتبتزّ وتنتهك الخصوصية والأعراض. وأضافت بأن الهيئة ليس لديها هيبة، والناس تفرّ منها، لأن رجالها يعتبرون ميليشيا مسلّحة بالسلطة، تماماً كداعش. ووصفت الكاتبة همسة السنوسي رجال الهيئة بأن سلوكهم سلوك عصابات ضد المواطنين. لكن الكاتب الصحفي الإخواني عبدالله الملحم يدافع عن الهيئة ويقول بأنها ليست ميليشيا، لانها احدى مؤسسات الدولة، ولا يجوز الغاؤها.

ضغوط لاستعادة صلاحيات الهيئة

 
رجال الحسبة في إحدى غزواتهم بمجمع تجاري

كيف يواجه التيار الوهابي ـ الشريك في السلطة ـ قرار مجلس الوزراء بتحجيم هيئة المنكر؟

الجواب: بالحملات الاعلامية المضادة. بالرسائل والبرقيات الى الملك تطالبه بتغيير رأيه. بالضغط على مشايخ السلطة الكبار في هيئة كبار العلماء، ليتخذوا موقفا ضد الحكم ومواجهته، او على الأقل بالحديث مع الملك لتغيير رأيه. وأيضاً بالتهويل من ان البلد ستفلت امنياً واخلاقيا ان تم تنفيذ القرار، وإنضاب هيئة المنكر من صلاحياتها. وزيادة على ذلك، فقد قام رجال الهيئة، على الأقل في الرياض، بالإضراب عن العمل كما فعلوا، وهددوا بحمل السلاح حماية للأعراض بزعمهم.

الشيخ عادل الحوالي، حذر من ان هناك ضرورة لحمل السلاح لحماية الذات والأعراض اذا ما غابت الهيئة؛ فيما قال محمد الشنار ان كل العلماء استنكروا قرار مجلس الوزراء، وطلب من صاحب القرار ـ أي الملك ـ ان يسمع لهم. وتحمّس البعض فأوضحوا على شبكات التواصل الاجتماعي، كيف يمكن للمواطن أن يرسل برقية الى الملك احتجاجاً على قراره. وطالب الداعية يوسف القاسم اهل العلم (ويقصد هيئة كبار العلماء) ان يقنعوا الملك بالتراجع. وسعد مدوس الدوسري يقول ان الورقة الأخيرة الرابحة هي مناشدة الملك. فقط نحتاج اصطفاف العلماء والمشايخ. وهنا سخر أحدهم من هذا فقال: (يعني نناشد الذي ألغى الهيئة بأن ينقذ الهيئة. فيه سذاجةْ أكثر من كذا؟).

لكن داعشياً صغيراً طالبهم بالإستقالة من مؤسسات الحكومة التي لا تحترمهم، وقال ان المواطن يستطيع ان يحمي نفسه بالسلاح: (يا علماءنا ومشايخنا وأساتذتنا. اذا سُحبت منكم صلاحياتكم فأرجو منكم الاستقالة. ارجو منكم الاستقالة، حفاظاً على الدين وهيبة العلماء. المواطن ليس عاجزاً اذا ما ذهب الى السوق ان ينزل وسلاحه معه، ويحمي محارمه بإذن الله. يكفي ما مرّ بكم من إهانات، ومن عدم دعم المسؤولين).

هذا النزوع الى العنف احتجاجاً، برره محمد البراك المتطرف بالقول أن سبب معارضة تنظيم عمل الهيئة هو (اننا نريد الأمن لبلدنا)!، واعتبر الشيخ سليمان الطريفي، هذه التعليقات وامثالها، إثارة للرأي العام ضد الولاة (اي الملك وعائلته) وانه فيه إفسادٌ للرعية وتأليبهم على الملك. الشيخ عبدالله المطلق، عضو هيئة كبار العلماء، قال بأنه تفاجأ بالقرار، وانه لم يمرّ عبر مجلس الشورى، فعلق الاعلامي تركي الشلهوب: (تحسّ ان الحديث عن الكونغرس، وليس عن مجلسنا الذي نعرفه).

أيضاً، نُقل عن هيئة كبار العلماء، انهم قالوا بمواقف مضادة لآل سعود، بشأن هيئة المنكر، فأصدروا بياناً يكذبون من يتحدث على لسانهم، واعتبروهم دعاة فتنة، يمتهنون الكذب ويثيرون الشائعات، وقالوا ان منهجهم: التواصل مع ولاة الأمر.

لهذا علق أحد المتحمسين للصدام: (البعض يقول أين المشايخ؟ ولا يدري ان ابن سعود لو أخرج لنا هُبَلْ ونصبهُ عند الكعبة، لوجد له مشايخ السوء تبريراً).

ومن جانبه، فإن الداعية سلمان العودة لم يكن راضياً ايضاً عن تقليص صلاحيات هيئة المنكر، التي اعتبر وجودها مهماً، وطالب بتمكينها بضبط المخالفات ودعمها. والشيخ محمد الخضيري استغرب ان يأتي القرار من الملك سلمان الذي كان اميراً للرياض، ويعرف الهيئة لخمسين سنة، وسبق أن دعمها بعد أزمة الخليج بمائة سيارة، وستين مليون ريال!.

والشيخ عبدالعزيز الطريفي حذّر ـ قبل ان يُعتَقل ـ ان من يُضيّع دين الله، يستبدّل الله بغيره، يعني يزول مُلك آل سعود. اما الشيخ عبدالله الصبيح فيضرب تحت الحزام محرّضاً: (هل نشهد مع تنظيم الهيئة الجديد ظهور معابد لأصحاب الديانات الأخرى في بلاد الحرمين؟). ويدعو الشيخ المتطرف عبدالله الفيفي الملك الى التراجع (فالتراجع عن الخطأ ليس عيباً. هي منقبة يشكرها الناصحون) وهم أمثاله طبعاً. وفي نفس الاتجاه يكتب المتطرف محمد البراك استاذ العقيدة في جامعة ام القرى، مطالباً الملك بالتراجع عن قراره (فذلك خير من التمادي في الباطل).

وحثّ الشيخ عبدالله الكثيري على بذل الجهد في إنكار القرار (الجائر)، وترك التواكل، فهذا هو ما يعيد للهيئة صلاحياتها. أي انه لا يؤمن بمناشدات الملك. لكن الأخطر ما قاله محمد عبدالله الجفن، الذي خاطب الملك سلمان: (وقفنا معكم في حرب اليمن، وعاصفة الحزم، ومدحناكم في محافلنا. فردّوا الجميل).

(وقفنا معكم)، جملة استفزّت الكثيرين. وبدأ البعض يفسرها على لسان التيار الوهابي المتطرف، فهي تعني مثلاً: (خذْ الدعم، وأعطنا التسلّط) على الناس. او: (يا حكومة وقفنا معكم نحن رجال الهيئة ولم نقف مع داعش او الحوثي. اعقلوا ولاّ بنروح مع داعش). وآخر قال انها تعني التالي: (وقفنا معكم، وبررنا لكم، وقدمنا الفتوى التي تساعدكم في حكمكم، وبعدها تنقلبون علينا؟ ما هكذا الظنّ بكم؟).

واعتبر الدكتور تركي الحمد تصريح الداعية محمد الجفن (فلتة لسان تعبر عن حقيقة ما في الوجدان: هؤلاء يعتبرون انفسهم دولة فوق الدولة وليس مجرد جهاز في الدولة). وخلص الاعلامي والصحفي محمد العمر مما قيل، أن رجال الهيئة لا يعترفون بوطن ولا وطنية ولا انتماء. لغتهم هي: (انتم ونحن).

الداعية الجفن نفسه تحدث عن اضرابات مراكز هيئة المنكر في الرياض وعددها اربعون مركزاً، فتمنى المواطنون أن يمتدّ الاضراب لأطول فترة ممكنة، فقطاع هيئة المنكر هو القطاع الوحيد الذي حينما يُضرب عن العمل، يتحسّن حال البلد). وتساءلت الناشطة عزيزة اليوسف، وهي تخاطب المضربين بلغتهم: (الا يعتبر هذا العمل تأليباً للرأي العام ومخالفة لولي الأمر؟).

هيئة الترفيه

 
المسرح لنشر الفضيلة

حين تسمع كلمة (هيئة)، فالمقصود دائماً هي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، المكروهة والتي تمثل سوطاً لآل سعود ضد الناس، كما تمثّل الوسيلة المثلى لخنق المواطنين اجتماعياً، مثلما هناك المباحث لخنقهم سياسياً.

هذه الهيئة، جرى تحجيم صلاحياتها الى حين، والآن ظهر لنا في الأوامر الملكية الأخيرة في مايو الجاري، أمرٌ بتشكيل هيئة الترفيه، التي تشبه في اسمها الأولي هيئة المنكر، ولكنها تقوم بنقيض ما تفعله، أي ترفّه عن الناس، وليس ان تحوّل حياتهم الى جحيم اكثر مما هو جحيم مباحث آل سعود، حتى صارت المملكة مهلكة، وهجّ منها اهلها، على الأقل مليون مواطن سعودي مهاجر حتى الآن، أعياهم التغيير، ففرّوا بأنفسهم وعوائلهم من جحيم الحكم السعودي.

هيئة الترفيه على الأرجح ستفشل، فلا يمكن ان تتعايش هيئة كهذه مع سطوة الساسة آل سعود والوهابية معاً. لا يمكن ان تنجح وهي تدمر الآثار بما فيها آثار النبوة والصحابة فضلاً عن آثار الأمم الغابرة. لا يمكن ان تنجح في وقت لا يستطيع المرء ان يرفّه عن نفسه في مقهى او مطعم بدون تدخّل الحكومة ومضايقتها. الترفيه والسياحة صناعة لا تستقيم مع حكم آل سعود، ولا مع مشايخهم.

لكن الأمل بالترفيه، وليس الرفاه، طبع المتقاعسين عن طلب الحق والدفاع عن الحقوق الخاصة والعامة. وقد وجد المواطنون فرصة تشكيل هيئة الترفيه ليستخدموا مفردات مشايخ الوهابية واتباعهم في مديح هيئتهم، هيئة المنكر، ليستخدموها ضدهم.

الاعلامي مالك نَجَر، وعلى وزن ان رجال هيئة المنكر، يصفون انفسهم بأنهم (حُماة الفضيلة)؛ فإن رجال هيئة الترفيه هم (حُماةُ الوَنَاسَةْ). والاعلامي الممثل فهد البتيري استخدم نفس الفاظ حماة الفضيلة في مديح هيئة منكرهم، فأصبحت هيئة الترفيه هي الوريث للنص: (الهيئة تاج راسك إنت ويّاهْ). وقال أحدهم: (أول مرّة أحبّ اسم الهيئة)، واستخدم آخر تعبير: (الهيئة في قلوبنا)، الذي يستخدمه داعمو هيئة المنكر. ومثل ذلك تعبيرات: (حفظ الله هيئتنا وحفظ أسود الترفيه. من يبغضهم كاره للحياة. أدامها الله تاجاً على رؤوسنا).

وبالرغم من أنه هيئة الترفيه لم تعمل بعد، والأرجح انها لن تنجح، إلا أن الدكتور عبدالله الحيدري من جامعة الملك سعود، يعتبرها (أهم هيئة في التاريخ)، ربما في التاريخ السعودي الجاهلي؛ وتوقع الكاتب عبدالله الكويليت حالماً أن الكآبة التي غطت المجتمع ستكون من مخرجات الماضي؛ في حين اقترح البعض على رئيس هيئة الترفيه ان يبدأ بمناشطها في القصيم ـ معقل الوهابية والتشدد ـ فإذا ما أصبح فعلها هناك مباحاً، سَهُلَ تمدده في باقي المناطق.

مؤيدو هيئة المنكر، استاؤوا من هيئة الترفيه المنافسة، وقال الداعية احمد القرني مخاطباً من أسماهم (بغال الليبرالية) بأن هيئة الترفيه تُعنى بالأنشطة والفعاليات الصيفية والمسرحيات الهادفة، وكأنه يريد أن يحدد عملها وفق عقلية رجال هيئة المنكر. وهذا يختلف عن رأي عبدالرحمن البسام الذي قال: (أهلاً بالحفلات الغنائية، وبصالات السينما، وقاعة المسرحيات. أهلاً برفع ضغط الصحونجيّةْ). لكن رجل هيئة يكتب على لسان ماسوني طاعناً في المجتمع وهيئة الترفيه: (كأسٌ وغانيةٌ تفعلان بأمة محمد ما لا يفعله ألف مدفع ودبابة). 

حقاً، فأهم ما شغل المواطنين من الأوامر الملكية هو تشكيل هيئة الترفيه، وهذا يثبت عطشهم للحياة الطبيعية التي حُرموا منها لعقود. الغريب ان رئيس الهيئة هو أحمد الخطيب الذي كان العام الماضي وزير صحة وأُقيل بعد بضعة اشهر من تعيينه لأنه قال أن وزارته ما هي (شمسٍ شارتزةْ).

وكان وزير التخطيط الجاسر قد قال قبل عامين أن (المواطنين ينعمون بمستوى عالٍ من الرفاهية)؛ وملكه سلمان قال في ٢٠١٢ في مقابلة مع أحمد الجار الله في جريدة السياسة بأن الشعب يعيش في (بحبوحة) واسترخاء! ثم تنصّل مما قاله بعد ان ضجّ المواطنون ساخرين، وقال أن الجار الله ألّف قصة البحبوحة على لسان سلمان، بل ان سلمان لم يجر مقابلة اصلاً مع احمد الجار الله!

الصفحة السابقة