الوباء السعودي، ورجل المنطقة المريض

محمد قستي

يقول احد المراقبين إن السعودية إذا أعطتك هبة أو قرضا.. فانتظر مشكلة. وإذا سحبت هبتها أو قرضها، فالمشكلة أكبر..

وإذا سحبت سفيرها من بلدك، فتوقع مصيبة، وإذا أعادته فالمصيبة أكبر..

واذا أعلنت وقوفها إلى جانب شعب.. حلت الكارثة ببلده، وإذا عادته أكلت وحوش الإرهاب لحم بَنِيْه.

دولة تحولت الى مصدر للقلاقل والمصائب والكوارث في المنطقة. فما من مشكلة او أزمة تعصف ببلد إلا وتجد يدا سعودية: تحرض، أو تمول أو تزرع الفتن والخلافات، بين ابناء الشعب الواحد، والبلد الواحد.

والمسألة ليست مجرد اتهامات، بل هي في الوقائع ومجريات الأمور حقيقة لا لبس فيها. فالأزمة اليمنية أساسها التعنت السعودي، ودفع الرئيس الضعيف عبد ربه منصور هادي الى رفض الاصلاحات والتسويات، التي وقع عليها مع الاطراف اليمنيين، وتحريضه على معاداة القسم الأعظم من شعبه!

ولما انتفض الشعب اليمني للمطالبة بنظام عادل يساوي بين المناطق، ويكرس حق المواطنة لكل اليمنيين، استقال هادي وانسحب من الحياة السياسية، فاستدعته السعودية، او بالأصح هرَّبته كأي سلعة ممنوعة، بعملية أمنية، وحولته الى قميص عثمان، للمتاجرة بشرعيته، وستارا شفافا للتغطية على عدوانها المستمر على الجار الفقير الطيب.

وبعد كل الماء الذي جرى تحت الجسر، طيلة خمسة عشر شهرا، ها هي الرياض لا غيرها، تعرقل الحلول في اجتماعات الكويت، وتمنع توافق اليمنيين، لتقول فقط: انا دولة مهيمنة وصاحبة نفوذ.

وفي البحرين الصغيرة المتآلفة، كان بالإمكان التوصل الى توافق بين البحرينيين، والعائلة الحاكمة في اقل من شهر، وقد صدرت بوادر ذلك في الاسابيع الاولى للانتفاضة، فبادرت السعودية لارسال جيشها واحتلت البحرين، وحولت النظام الى دمية يتحكم بها امير سعودي، لخدمة عنجهية وغرور وأوهام امراء العائلة السعودية، بل حولت النظام نفسه الى رهينة، عبر بث التعصب والعداوة المذهبية في المجموعات المحيطة بالملك وعائلته.

وفي العراق تحول السفير السعودي الى نذير شؤم للعراقيين، يتدخل في الشؤون الداخلية، ويمارس الطقس السعودي اليومي بإصدار التصريحات المذهبية والمحرضة على الصراع والاقتتال، حتى بات العراقيون يتمنون غيابه عن المسرح، ويتحسرون على زمن كانت الرياض تقاطع بغداد، طيلة اثنتي عشرة سنة.

أما في لبنان، فتلك قصة مثالية للدولة التي لا تستطيع الابتعاد عنها، واذا اقتربت منها حلّت بك الكارثة.

فعندما قررت السعودية اعطاء الجيش اللبناني هبة بقيمة 3 مليارات دولار، في نهاية العام 2014، خرج رئيس الجمهورية حينها ميشال سليمان ليسدد طعنة للمقاومة، بالحديث عن (المعادلة الخشبية)، وهي معادلة الجيش والشعب والمقاومة، التي قامت عليها الحكومات اللبنانية منذ العام 2000 الى اليوم، بهدف نزع الشرعية عن المقاومة، وادخال لبنان في اتون حرب اهلية جديدة.

وعندما سحبت السعودية هبتها واستثماراتها من البنوك اللبنانية، في الاشهر القليلة الماضية، كان ذلك بمثابة الضوء الاخضر لتفجير الوضع الامني في لبنان، الذي بدأت بوادره بمتفجرة فردان مساء الاحد 12 يونيو الحالي، واثارة ازمة داخلية على خلفية العقوبات المالية الاميركية على حزب الله. وحتى هذه العقوبات برأي المصادر اللبنانية، كانت ثمرة جهد حثيث للوبي السعودي الاسرائيلي في واشنطن منذ العام 2014.

ولن نتحدث كثيرا عن الوضع في سوريا، التي يبدو ان العائلة السعودية استمرأت اللعب بدم أبنائها على المكشوف، وحتى من دون قفازات او ستر للوجه. فوزراؤها وامراؤها يدعون صبح مساء الى تسعير الاقتتال، ومد المسلحين الارهابيين بأحدث انواع الاسلحة، لإسقاط النظام السوري، وتمزيق وحدة الشعب بقبائل جديدة من الوهابيين والتكفيريين، الذين يتعيشون حصرا بالمال السعودي.

وحتى لا يختلط الامر، ويذهب بنا التصور الى اننا نعبر عن حالة الصراع القائم في المنطقة، بين فريقين او معسكرين، فلنذهب الى الدائرة الدولية، حيث لم نعد بحاجة الى رصد ردود الفعل في الصحافة العالمية، وفي بيانات منظمات حقوق الانسان الدولية المرموقة، لقياس مكانة السعودية المزرية في قائمة شياطين العالم، وممولي حواضن الارهاب، ومرتكبي الجرائم بحق الانسانية، وخصوصا بحق الاطفال والمدنيين العزل!! بل يكفي ان نقف عند قرار الامم المتحدة بوضع السعودية على رأس قائمة العار، كما تسميها المصادر الحقوقية الدولية، وتصريحات المرشحين البارزين للانتخابات الرئاسية الاميركية عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

فالسعودية التي هلل إعلامها، وديبلوماسيوها لإعلان الامين العام للأمم المتحدة التراجع عن قرار دولي، مدعم بآلاف الصفحات من الوثائق والصور والشهادات الحية لضحايا العدوان السعودي على اليمن.. أضافت الى جريمتها المثبتة والموصوفة بقتل الاطفال، جريمة جديدة هي: سوء استخدام الثروة، وابتزاز المنظمات الانسانية الدولية، ووكالات الامم المتحدة، لتغيير الحقائق والقناعات الثابتة. وسلطت عليها الاضواء اكثر مما سبق بحيث لم تبق منظمة انسانية او حقوقية دولية إلا وأخرجت ما في جعبتها من إدانة وفضح لجرائم النظام السعودي بحق شعبه وشعوب المنطقة والعالم.

ولا يمكن ان تمر حادثة ارهابية واحدة في العالم، دون ان يكون لمنفذها صلة بالسعودية وفكرها ومالها. وحتى حادثة الارهابي الافغاني الاخيرة في اورلاندو بفلوريدا، وجهت الرأي العام الاميركي كله، تجاه ما يعرف انه مصدر الارهاب، وبيئته الحاضنة.

المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون التي يقال انها خليجية الهوى، وانها تتلقى تمويلا سعوديا لحملتها الانتخابية، لم تستطع السكوت، فخرجت لتندد بدور السعودية في تمويل التطرف وثقافة الحقد، وقالت انه «حان الوقت ليمنع السعوديون والقطريون والكويتيون وآخرون مواطنيهم من تمويل منظمات متطرفة. يجب أن يكفوا عن دعم مدارس ومساجد متطرفة دفعت بعدد كبير من الشبان على طريق التطرف في العالم». ويبدو انها زجت باسم حكومة الكويت دون مبرر، الا اذا كانت تريد ان تميع التهمة وتجعلها عامة لكل الخليج.

اما المرشح الجمهوري دونالد ترامب، والذي سبق ان اعلن نيته بمطالبة السعودية بدفع تكاليف حماية نظام آل سعود نقدا، عاد ليؤكد صواب شعاراته عن الارهاب الاصولي الاسلامي، وجدد الدعوة لمنع دخول مواطني اي دولة تدعم الارهاب الى الولايات المتحدة، بل منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.

هكذا حول آل سعود بلد الحرمين الشريفين، وارض المقدسات والثروة التي كان بإمكانها ان تطلق نهضة عربية واسلامية حقيقية، وتكون اساسا لاستعادة امجاد حضاراتنا الغابرة.. بدل ذلك حول الفكر الوهابي التكفيري المنطقة، الى ارض محروقة بالتوحش والقتل وسفك الدماء، والى امة مكروهة في العالم بالتبذير والسفاهة باستخدام المال والتعصب والتخلف.

حتى ان البعض بات يرى انه لا خلاص للمنطقة على الاقل من ازماتها، بوجود هذا النظام الذي بات رجل المنطقة المريض بحق، والذي يوزع جراثيم مرضه، كالوباء في كل اتجاه.

الصفحة السابقة