cccccc - مجلة الحجاز

تركي الفيصل يستعلن (إسقاط النظام) في إيران

اليأس السعودي، والملاذ الطائفي الآمن!

عبدالحميد قدس

لم يكن مستغرباً أن يتحول مؤتمر معارضة إيراني في باريس الى منتدى سعودي.

فقد كان المؤتمر سعودياً بامتياز. فالأمراء موّلوا، وهم من دعوا أصدقاءهم من الجناح اليميني الأمريكي والأوروبي ليشارركوا فيه، وهم من استدعوا اعلامهم لتغطية المؤتمر السنوي الذي كان مهملاً طيلة عقود، وهم من جاء بشبكة العلاقات العامة للترويج له، وهم من طلبوا من الصحفيين والسياسيين والبرلمانيين الاوروبيين لحضور المؤتمر، وفوق هذا هم ـ أي آل سعود ـ من جاء بالجمهور المصفّق ليكمل الجوقة بهتافات بالعربية الفصحى: (الشعب يريد إسقاط النظام)!

لم يكن المؤتمر مؤتمر معارضة إيرانياً، بل منصّة سعودية، خطط الأمراء لاستخدامها لإطلاق قذائفهم باتجاه ايران وحماس والجهاد الاسلامي وحزب الله وغيرهم، ولتصعيد الموقف بغية فتح معركة مباشرة بين الرياض وطهران، تستطيع الأولى عبر الفعل ورد الفعل.. استجلاب العالم السنّي ضد الخصم (المجوسي) الإيراني بزعمهم، والذي يريد أن يسيطر على المقدسات الإسلامية!

ولم يكن مستغرباً أيضاً أن يكون بطل القصة هذه المرّة، هو تركي الفيصل، الذي اشتهر بلقاءاته العلنية مع المسؤولين والمستشارين الصهاينة، في جنيف وفيينا وأخيراً في واشنطن وباريس. تركي الفيصل هو أصغر أبناء الملك فيصل، وأمّه عفّت ذات الأصل التركي، وهي اخت كمال أدهم (التركي)، أول رئيس استخبارات سعودي، والذي هندس ـ حسب هيكل في خريف الغضب ـ تحويل السادات الى الخط الأمريكي وربطه بالمخابرات المركزية.

تركي الفيصل ورث جهاز المخابرات السعودية من خاله كمال أدهم، وبقي مجهولاً لأكثر من عقدين، الى أن تردد اسمه كثيراً بعد أحداث سبتمبر 2011 ومن ثمّ إقالته، وبعدها جرى تعيينه سفيراً في لندن، ثم سفيراً لبضعة أشهر في واشنطن.

تركي الفيصل متهم ـ أمريكياً ـ بتمويل القاعدة. وأخته هي وزوجها بندر بن سلطان، السفير السابق في واشنطن، ومسؤول الأمن القومي فيما بعد الى حين ابعاده نهائياً.. متهمان ايضاً بتمويل ارهابيين سعوديين من بين الخمسة عشر سعودياً الذين قاموا بتفجيرات واشنطن ونيويورك، ولازالت خفايا مشاركة تركي الفيصل وابن عمه بندر واخته هيفاء، تتضمنها الصفحات الثمان والعشرين التي حذفت من تقرير التحقيق الأمريكي في الحادثة، والتي يفترض أن يُفرج عنها قريباً.

 

تركي الفيصل كان ولازال يتصرف وكأنه وزير خارجية، يقابل من يريد، يصرّح بما يريد، وكان البعض يتوقع ان يكون وزيراً للخارجية القادم. كل ذلك كان يفعله تركي، في عهد اخيه سعود الفيصل قبل وفاته. وبعد الوفاة استمرّ على ذات النهج. لم يقل احدٌ من الأمراء له: بأنك لا تحمل منصباً رسمياً لتتحدث بإسم البلاد، ولم يعتبره أحد (أكاديمياً)، فلا هو اكاديمي، ولا يمتلك شهادة تؤهله لأن يكون أكاديمياً، ولا عقليته وخلفيته الاستخباراتية تناسب الأكاديميا!

حين كان الموظف لديه والمقرب منه الصحفي جمال خاشقجي يتحدث، وكذلك موظفه الآخر انور عشقي يقابل الصهاينة ويحضر مؤتمراتهم، هاجت المجموعة النجدية الوهابية ضدهما باعتبارهما حجازيين، وهما يتحدثان ولا يمثلان المملكة! رغم قربهما من الإستخبارات وبالذات من آل فيصل، وتحديداً من تركي الفيصل إيّاه؛ وقد أصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً بأن خاشقجي وعشقي لا يمثلان في رأيهما المملكة.

لكن تركي، وهو أمير من العائلة المالكة، لم يتعرّض لأي نقد، ولا مساءلة. على العكس، فإن اعلام آل سعود من صحافة وتلفاز، تبرز تصريحات ونشاطات تركي الفيصل، بل ان كلمته التي ألقاها في مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس، نقلتها اكثر من قناة سعودية بما فيها الإخبارية والعربية على الهواء مباشرة. ولم تقصّر الصحافة السعودية وكتاب وزارة الداخلية في الثناء على تركي الفيصل وتغطية مساهمته، وكذلك حدث مع جيش المباحث المسعود على مواقع التواصل الاجتماعي.

تركي الفيصل لم يكن يمثل نفسه في لقاءاته مع المسؤولين الصهاينة ولا في تصريحاته التي يطلقها، ولا في مؤتمراته التي يعقدها، ولا في تمويله للعديد من مراكز الأبحاث الغربية لتكتب ما تريد السعودية لتغيير رأي النخبة الغربية لصالح الدولة السعودية، من مؤسسة القرن 21، الى تشاتام هاوس في لندن، الى معهد باريس، الى بروكنغز وكارنيغي في الولايات المتحدة. وعموماً فإن الرياض كفتنا إثبات ان ما يقوله الأمير تركي الفيصل إنما يمثلها، لأنها لم تصدر بياناً واحداً يوضح ان موقفه لا يمثل الا نفسه!

وفي الحقيقة، فإنه أمرٌ غير مسبوق في تاريخ السعودية، أن يتحدث مسؤول سابق، سواء كان وزيراً أو مسؤولا من العامة او من الأمراء، ان يتحدث بعد اعفائه من منصبه أو إقالته، ويتصرف وكأنه لازال في السلطة. لم يحدث هذا مع بندر بن سلطان، ولا مع اخويه خالد بن سلطان وسلمان بن سلطان، ولا مع ابناء فهد: عبدالعزيز، وسعود، ومحمد بن فهد، وسلطان بن فهد.. كل هؤلاء كان لديهم مناصب ولم يتحدث منهم احد بكلمة. بل أن ابناء الملك المؤسس عبدالعزيز تخمد انفاسهم حين يقالون من مناصبهم. حدث هذا مع أحمد وزير الداخلية، وهو شقيق سلمان؛ وحدث ذات الأمر مع شقيق سلمان الآخر، وهو عبدالرحمن نائب وزير الدفاع، وحدث الأمر ذاته، مع متعب بن عبدالعزيز ومن ثم ابنه منصور، في وزارة البلديات. فلمَ تكون حالة تركي الفيصل مختلفة؟! وفي الأساس هل هي مختلفة حقاً؟ ام ان الرجل مطلوب منه ان يقوم بذلك، في اطار المؤسسة الرسمية؟

 
كمال ادهم، خال تركي الفيصل، ورئيس الاستخبارات الأسبق

استعلان الوجه الحقيقي

يمكن القول بأن تبنّي الرياض للمعارضة الإيرانية وحضور مؤتمرها في باريس، وتحديداً معارضة (مجاهدي خلق) الذين يسميهم الايرانيون بالمنافقين، يمثّل آخر الخطوط الحمراء التي تخرقها الرياض، وتُشهد العالم عليها، حيث اعلن تركي الفيصل صراحة بأنه مع اسقاط النظام في ايران، واخترق كل المحظورات الرمزية الإيرانية بالشتم والتعريض.

كان هنالك اتفاق أمني ايراني سعودي أواخر التسعينيات حينما أعيدت العلاقات بين البلدين، وزار الأمير نايف وزير الداخلية حينها، طهران في يناير 2001.. يقضي بأن لا يدعم أحدهما معارضة الآخر. الرياض وجدت نفسها غير قادرة على الإلتزام بهذا الأمر، خاصة بعدما تقلّصت أوراقها التي تلعبها في الإقليم. كان الاستهداف الأول وحسب تصريحات وكتابات علنية سعودية هو نقل المعركة الى داخل ايران، ومبكراً جرى التدخل لإثارة العرب في الأهواز، ثم انتقلت الرياض الى اقليم بلوشستان، وحدثت العديد من التفجيرات من جماعات مقربة من القاعدة تمّ اخمادها لاحقاً. والآن انتقلت المعركة الى كردستان الايرانية، حيث حدثت خلال الاسابيع الماضية عدة تفجيرات ومحاولات اغتيال. وكانت الرياض قد جنّدت بعض أنصارها للقيام بتفجيرات بالعشرات في طهران والمدن الإيرانية في شهر رمضان المبارك الماضي، تم الكشف عنها.

هذا غير التحريض لداعش والقاعدة، وعلناً في الصحافة السعودية كتابة وبالرسوم الكاريكاتيرية، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بأن اضربوا ايران، لا تدعوها تستقر! ثم يشتكي الأمراء بأن داعش هي صنيعة ايرانية، وأنها تتقصد المملكة وأمنها، ناسين او متناسين أن داعش كفكر صناعة سعودية، وان الدواعش خاصة الانتحاريين منهم هم سعوديون، وأن الأموال التي تدعم بها داعش هي سعودية، الى حد أن البرلمان البريطاني وفي 11 يوليو الجاري، طالب حكومته بأن تضغط على السعودية لتضبط التبرعات التي تذهب لداعش من مواطنيها!

تركي الفيصل كسر قاعدة لدى الرياض، وهي أن الأخيرة عادة ما تقوم بجرائمها كالذي نشهده في العراق وفي سوريا وفلسطين ولبنان وغيرها، بخفية وصمت في كثير من الأحيان. أما الآن، فحشفٌ وسوء كيلة، وهذا أمرٌ حسن في جانب منه، أن يعلن خصمك عداءه الصريح لك علناً ويشتمك ويحدد موقفه منك ويعلن ما كان يضمره لك!

وللتذكير مادمنا نتحدث عن تركي الفيصل نفسه، فمسؤول الإستخبارات السعودي هذا، قال في تصريح له بأن السعودية شاركت الأمريكيين في حرب فيتنام. في حين أن أحداً لم يعلم بهذه القضية من قبل. والسعودية يوم كان تركي رئيس استخباراتها، هي من دعم معارضي الكونترا في امريكا اللاتينية، وهي من دعم الأحزاب اليمينية في اوروبا لتضرب اليسار في ايطاليا وفرنسا. الرياض تعودت ان تقوم بجرائمها بخفية او بواجهات، ولكن هذه المرّة، ظهر لنا تركي الفيصل ليقول بالفم الملآن: ها نحن هنا! نعم سنسقط النظام في ايران. نعم نقف مع المعارضة الايرانية (مجاهدي خلق) التي كانت على لائحة الإرهاب الاوروبي والأمريكي لمدة طويلة وقتلت من الإيرانيين والمسؤولين ما لم يقتله احد. نصف القيادة الإيرانية تمت تصفيتها على يد هذه المنظمة. مع هذا رفعت اوروبا عنها صفة الإرهاب في 2008، ورفعت الولايات المتحدة عنها صفة الإرهاب قبل ذلك بوقت طويل، من اجل فتح الطريق لاستخدامها لإسقاط النظام الإيراني، وهو ما فعله الغرب اثناء ما قيل انه ثورة خضراء، ولازال الأمريكيون والغربيون يؤملون استخدام هذه المنظمة التي خسرت قواعدها في عراق صدام، ولم يتبق لها الا حاضنها الأول وهي فرنسا، والآن السعودية وتوابعها (الإمارات والبحرين).

 
أنور عشقي موظف سابق لدى تركي الفيصل في الإستخبارات السعودية
يلتقي علناً مسؤولين صهاينة

ماذا يعني أن يخطب تركي الفيصل ولمدة 28 دقيقة شاتماً القيادات الإيرانية، وليختم بالقول مخاطباً الحضور: (انتم فإن كفاحكم المشروع ضد النظام الخميني سيبلغ مرماه، عاجلاً وليس آجلاً!) ليلحقه تصفيق من قبل عرب جُلبوا للمؤتمر وهتفوا بالعربية: الشعب يريد اسقاط النظام، فقال تركي الفيصل: (..وأنا أريد اسقاط النظام). واضاف متحدثاً بإسم العالم الإسلامي دون ان يحتاج الى تفويض: (الانتفاضات في أنحاء ايران اشتعلت، ونحن في العالم الاسلامي، نقف معكم قلبا وقالبا نناصركم، وندعو الباري عز وجل ان يسدد خطاكم لتنال كل مكونات الشعب الايراني حقوقها. وانت يا سيدة مريم رجوي، وزوجك المرحوم مسعود رجوي، فسعيكما لتخليص شعبكما من السرطان الخميني ملحمة اسطورية ستبقى مثل الشاهنامة مسطورة عبر التاريخ).

ماذا يعني هذا القول من مسؤول بمستوى تركي الفيصل؟

هو يعني فتح المعركة المباشرة وفي العمق مع ايران لتصل الى أقصاها، في وقت كان يؤمل ـ نظرياً ـ أن تلملم ايران والسعودية، أشلاء المنطقة، وتعيد لها بعض استقرارها، لا توسعة الحرب، وأن تصل الى المواجهة المباشرة، كما يستبطن ذلك ويدعو اليه بصورة ضمنية كلام تركي الفيصل.

كل المراهنات تقول الآن، ان المنطقة ستعيش ـ ربما لسنوات طويلة قادمة، واذا لم تُكسر السعودية مبكراً ـ اضطرابات متصاعدة، وهي لن تهدأ مادامت مضخّة السعودية العدائية قائمة، ليس تجاه ايران فحسب، وانما اليمن وسوريا ولبنان وحتى فلسطين والعراق (فقد ذكر الفيصل ـ بالتنديد ـ حزب الدعوة في العراق، وهو الحزب الفائز بالإنتخابات، والذي يقوده رئيس الوزراء حيدر العبادي).

ما كان الغرب يريد تهدئته ولو نظريا، بعد أن أشعل المنطقة، وما كان قد دعا اليه الاتحاد الاوروبي، وطالب السعودية بأن تتفاهم مع ايران، وكذلك فعل أوباما.. لم ولن يتحقق، فالسعودية تقول من خلال تركي الفيصل بأنها لا تقبل الهدنة مع ايران، ولا الصلح، ولا تقاسم النفوذ، ولا مراجعة العلاقات، ولا تهدئة المواقف. بل هي الحرب الى أبعد مدى. او بتعبير تركي الفيصل المتحدث بالنيابة المزعومة عن العرب هذه المرة حين قال: (لن يرغم العرب على اتباع خطط سياسية رسمت في واشنطن او لندن او باريس). هذا كلام يقوله عضو في عائلة مالكة، صنع حكمها الاستعمار البريطاني، ورعاها الأمريكي، ولازال يحميها.

حقّاً إنها الرياض صارت مقراً لقرن الشيطان، تماماً كما وصف رسول الله نجد. وإنه لحكم الشيطان، الذي يشيع العداوة والبغضاء والحروب التكفيرية والقتل والفساد والنهب في ارجاء المعمورة.

 
جمال خاشقجي من مقاتل في افغانستان الى موظف لدى الاستخبارات

ماذا يعني ان الرياض التي تتحدث عن تدخل ايراني في الشؤون العربية، في ديار أضحى يلعب فيها الكل: الروسي والأمريكي والصهيوني والأوروبي والسعودية نفسها التي تجيز لنفسها شنّ الحروب في اليمن، وارسال الجيوش الى البحرين، ودعم جيوش الاسلام التكفيرية في سورية والعراق.. ماذا يعني هذا، وكيف لها أن تزعم عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وها هي الآن تقول أنها تريد ان تسقط نظام الحكم في ايران، تقوله في مؤتمر معارضة ايراني؟. الرياض ليست مسؤولة عن العرب، ولا ديار العرب خالية من الحكام حتى تتحدث بالنيابة عنهم وتعادي بالنيابة عنهم، وتصادق في نفس الوقت اسرائيل وتقوي الاواصر معها!

السعودية بكلام تركي الفيصل تدين نفسها امام العالم، وتظهر كدولة متهورة معتدية فاقدة للبوصلة غير مقدّرة للعواقب. ومن هنا حتى المتطرفين المسعودين، أو بعضهم على الأقل، ممن يقفون مع النظام ويتبنون اقامة علاقات مع اسرائيل ومواجهة مع ايران، قالوا تعليقاً على خطاب تركي الفيصل بأنه لم يكن موفقاً، وهو يعطي لإيران ذريعة للتدخل في الشأن السعودي الداخلي.

لكن أحمقاً كجمال خاشقجي، الموظف السابق لدى استخبارات تركي الفيصل يقول على العكس من ذلك، وينتقد منتقدي مشاركة تركي الفيصل، يقول: (قال أحدهم ان تركي الفيصل أعطى ايران ذريعة لدعم «معارضة سعودية». ان استطاعوا جمع معارضة سعودي تكفي لملء قاعة صغيرة بفندق بباريس.. فليفعلوا). واضاف: (بعضنا يريد دحر ايران بالتمني وبدون عمل وجهد وطني او بالإعتماد على حليف لا يوجد).

استجلاب ردّ مماثل

هل تبحث الرياض عن مواجهة عسكرية مع ايران؟

نعم، ولا!

نعم.. اذا كانت امريكا او اسرائيل ستشارك فيها. هذا ما كشفت عنه وثائق ويكيليكس، حيث نقلت كلاماً للملك عبدالله وهو يطلب من الأمريكيين بأن يقطعوا رأس الأفعى (ايران)، وأعلن استعداد بلاده للمشاركة بالمال، وربما الدم!

الأمريكيون يعرفون قوة خصمهم، وبعد العراق وافغانستان وورطتهم فيهما.. لم يكونوا ينوون المواجهة العسكرية المكلفة، رغم الحاح السعودية واسرائيل.

اتجهت الرياض لاسرائيل التي كانت تهدد وبشكل اسبوعي بمهاجمة ايران وقصفها، وكان المسؤولون السعوديون يحرضون زملاءهم الصهاينة ـ مثلما فعلوا في حرب تموز ضد حزب الله ـ على حرب ايران، وافساح المجال للطيران الاسرائيلي ان يستخدم الأجواء السعودية. لكن الصهاينة الذين لم يستطيعوا قهر غزّة، والانتصار على لبنان وحزب الله، كيف لهم ان يواجهوا ايران؟ فجأة أعلن نتنياهو بأن بلاده لن تهاجم ايران بالنيابة عن بعض الدول العربية، ومنذئذ قبل نحو عامين توقفت التهديدات الفارغة.

 
مسعود رجوي الذي أعلن تركي الفيصل وفاته قبل أن تعلن ذلك منظمته أو زوجته!

السعودية التي أثبتت في حرب اليمن أنها فاشلة عسكرياً غير قادرة على تحقيق انتصار على جماعة تسميها (عصابة حوثية) رغم القصف والقتل والتدمير واستخدام القنابل العنقودية، ورغم دعم عشر دول كما تزعم.. هل يمكنها ان تخوض حرباً اضافية في نفس الوقت مع ايران، وتدعو بشكل مباشر لاشعالها؟

كلا.. الرياض تريد صخباً ومواجهة سياسية، مع ايران. هي تنتظر من ايران ردّاً مقابلاً لن يتحقق على تصريحات تركي الفيصل، اي دعم معارضة سعودية مقابل دعم معارضة إيرانية.

ليس هكذا يرد الإيرانيون!

مؤتمر مقابل مؤتمر! وفي باريس!

الايرانيون استراتيجيون، يعملون على انضاب قوة الرياض اقليمياً، وقد نجحوا، وقادوا آل سعود الى ما يشبه الهلوسة والجنون، حتى أنه لم يبق في العقل السعودي ولا عقل التابعين لال سعود من كتاب.. همّ او قضية غير مواجهة ايران!

ان كان هناك ردّ ايراني على دعم المعارضة الايرانية سعودياً، وعلى تفجيرات بلوشستان وتأجيج الوضع في الأهواز، وتفجيرات كردستان ايران الأخيرة، فلن تكون ساحته المعارضة السعودية، التي لم يبق منها الا الهيكل العظمي، وبقية قادتها في السجون والمعتقلات محكومين بعشرات السنين سجناً واعداماً ايضاً.

لا يفرط الايراني استراتيجياً ليمارس عملاً تكتيكياً كما يفعل اغبياء آل سعود.

ولن يعطي الإيرانيون الرياض ذريعة ليزيدوا في الفتنة الطائفية التي تراها الرياض ملاذاً آمناً في أي مواجهة معهم؟

ولا يبدو أنهم سيمنحون الرياض فرصة التقاط الانفاس اقليميا، حيث القناعة عند المراقبين السياسيين بأن الرياض، التي بلغ بها اليأس محلّه، تريد تسعير المواجهة السياسية والإعلامية والطائفية لتحقيق امرين:

ـ الأول، تحقيق اصطفاف العالم السني وراءها لمواجهة ايران، بعد ان فشلت في القيام بذلك منفردة او عبر دول مجلس التعاون، او عبر التحالف العسكري المزعوم لمحاربة الإرهاب، حيث جرت محاولة جرجرة باكستان وتركيا للحرب بالنيابة عن السعوديين، وقد فشلت الرياض في ذلك، وهي الآن تراهن ربما على ماليزيا وأندونيسيا!

ـ الثاني، تصعيد الموقف الى حد اجبار الحلفاء الغربيين لإعادة النظر في علاقاتهم مع ايران والتي حدث فيها انعطافة بعد الاتفاق النووي. السعودية تقول انها قبلت وتفهمت دوافع توقيع الاتفاق النووي، ولكنها في الحقيقة لا تريد لأي تطور في العلاقة بين الغرب وايران، لا اقتصاديا ولا سياسيا ولا على قاعدة محاربة الارهاب الداعشي الوهابي. اي تطور في العلاقة يعني ان الرياض بدأت تخسر موقعها الأثير لدى الغرب، وان مكانتها الاستراتيجية آخذة بالإنحدار السريع. هذا الموقف تشترك فيه اسرائيل ايضاً وتعمل على توتير العلاقة الغربية الإيرانية، واعادتها الى حالتها العدائية الصريحة الماضية. ولا شك ان هناك في امريكا والدول الغربية من لا يريد تحسين العلاقة مع ايران او تهدئتها، خاصة في الأطراف المتصهينة واليمينية المقربة من السعودية.

وعليه فإن الرياض، التي تعتمد التصعيد في سياستها، تجاه ايران وسوريا وحتى العراق واليمن، إنما تريد مواصلتها حتى يتم تعيين رئيس جديد للولايات المتحدة، فقد تأتي كلينتون صديقة السعوديين، فتغير النهج، او يأتي مجنون كترامب الذي لا يحبّه الأمراء السعوديون، ولكنهم لا يستبعدون منه ان يواجه ايران، مثلما هو غير مستبعد ان يخلق لهم ازمة على خلفية دعمهم للإرهاب.

الصفحة السابقة