هاجم حماس والجهاد الإسلامي

تركي الفيصل وتقديم اعتماد للصهاينة

عمرالمالكي

باعتباره مسؤولاً عن الإستخبارات السعودية لفترة طويلة، فقد كان لتركي الفيصل اتصالات بكل مسؤولي استخبارات العالم، بما فيها، إن لم يكن في مقدمتها بالموساد الإسرائيلي. وحتى بعد أن غادر منصبه الإستخباري، كان تركي الفيصل يحوم حول مراكز الأبحاث الغربية، والنخب ذات الميول الصهيونية، وقد حقق نجاحاً في استقطابها، وصرف عشرات الملايين من الدولارات من أجل ذلك. والحقيقة انه حقق نجاحاً غير مسبوق في هذا الشأن. إذ كان من عادة العائلة المالكة الإهتمام بالإعلام، وبالصحفيين، أكثر من اهتمامها بصنّاع الرأي من الأكاديميين. تركي الفيصل سدّ هذه الثغرة في سنوات ما بعد احداث سبتمبر 2001، وهي الفترة التي كان فيها سفيراً في لندن ثم في واشنطن. وتكشف هذه التجربة، ليس عن براعة خاصة فيه، بقدر ما تكشف عن مدى تهافت النخبة الغربية أمام المال السعودي.

لم يكن تركي الفيصل بحاجة الى ان يثبت للصهاينة انه قريب منهم. فلقاءاته المتكررة طيلة السنوات الماضية، والتي أخذت الطابع العلني، لا تحتاج الى شرح أو تعليق. ولم يكن النقد لتركي الفيصل بعد كل لقاء ليؤثر في قراراته وقرارات حكومته التي تمضي حثيثاً باتجاه تطبيع العلاقات مع اسرائيل، التي تستحث الرياض وبقوة على استعلانها.

لم يكن الفيصل بحاجة ليوضح أكثر مما وضحه، بأن الرياض تستطيع استغلال القضية الفلسطينية والتنازل بشأنها، كلما اعترضت النظام السعودي مشاكل مع حلفائه.

فبعد تفجيرات سبتمبر 2001، لم يقدم آل سعود تنازلات سياسية، خاصة بنظام الحكم، وبالحريات السياسية للمواطنين، او بعلاقة الأمراء بالوهابية التكفيرية، بل عمد الملك عبدالله الى استجلاب الصهيوني فريدمان الى الرياض ليستخرج له من درجه، مبادرة عربية (او بإسم العرب) تعترف باسرائيل، وتحوي تنازلات كثيرة للكيان الصهيوني، ومع هذا تم رفضها. وقبلها حدث مع اخيه الملك فهد في عام 1981، حيث تقدم بمبادرة استسلامية تعترف باسرائيل لأول مرة، فمع انه وقبلها بأشهر أعلن فهد (الجهاد المقدس) من اجل القدس!

اليوم يريد تركي الفيصل ـ وفق رؤية حكومته ـ تقوية التحالف السعودي الإسرائيلي، حيث يعمل اللوبيان السعودي والإسرائيلي في واشنطن لجذب امريكا باتجاه الصدام مع ايران، وباتجاه استخدام قوتها المسلحة لخدمة حلفائها السعوديين والصهاينة على حد سواء.

المشتركات بين آل سعود كثيرة، والمخاوف مشتركة. كلا الكيانين يشتركان في العداء لإيران ويريدان حرباً ضدها، وكلاهما يريدان اسقاط الحكم في سوريا وتدمير مقدراتها العسكرية، وكلا الكيانين يشنّان الحرب على المقاومة سواء في لبنان (حزب الله) او حماس والجهاد وغيرهما في فلسطين.

تركي الفيصل، وفي مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس، وبحضور اليمين الأمريكي، ومسؤولين سابقين في الغرب، وجمهرة مشتراة للتصفيق من العرب..

ابن فيصل، ابن الذي قال يوماً انه يريد الصلاة في القدس.. لم يفوّت المناسبة، فبعد أن اوصل رسائله الإستفزازية لإيران، وهي رسائل موجهة للغرب، وبما يرضي الصهاينة. أبى إلا أن يشتم حماس والجهاد الإسلامي، ويتهمهما بتخريب المنطقة، فماذا تريد اسرائيل أكثر من هذا.

 
لا حياء من لقاء الصهاينة علناً

منذ سنوات طويلة وآل سعود ضد حماس والجهاد وغيرهما من فصائل المقاومة الفلسطينية، التي شنّت عليها اسرائيل حروباً متعددة متكررة خاصة في غزة.. فلماذا يكرر كلاماً عدائياً لا تستفيد منه سوى اسرائيل؟

حتى لا ننسى، فتصريحات تركي الفيصل ليست نشازاً، فقبل أيام فقط من ذلك، تعهد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، ومن باريس أيضاً، حيث عقد مؤتمر لمناقشة موضوع السلام الإسرائيلي الفلسطيني.. تعهد بنزع سلاح حركتي حماس والجهاد، وهذا التعهد مجاني، وليس هو ولا عائلة آل سعود ولاة أمر للفلسطينيين ولا للعرب ولا للمسلمين ولا حتى للشعب المسعود نفسه. واضاف الجبير متهكماً على الفصائل المقاومة، وكأنه يبرئ اسرائيل من عدوانها وقتلها، فقال: (الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لن يحل عبر الكفاح المسلح الذي اعتمدته حركتا حماس والجهاد. ان هاتين الحركتين ليس فقط لم تتمكنا خلال اكثر من عشرين عاما من كفاحهما من تحقيق اي شيء، بل انهما جعلتا المواطنين الفلسطينيين الابرياء ضحية). ماذا يريد الصهاينة اكثر من هذا؟

الآن تركي الفيصل يقول ان الحركتين تزرعان الخراب في المنطقة، وليس اسرائيل بالطبع.

ان هذه التصريحات هي رسائل موجهة للصهاينة، غرضها تقوية التحالف الذي ظهر منه ما يوازي قمة جبل الثلج فقط، مع ان تركي الفيصل لا يستحي في الظهور العلني مع القادة الصهاينة ومستشاريهم. ولطالما كانت هناك دعوات سعودية يطلقها مقربون من تركي الفيصل مثل تلك التي يقولها انور عشقي الذي اجتمع هو الآخر مع مسؤولين صهاينة، من ضرورة اقامة علاقات تعاون بين البلدين، بل وامتدح نتنياهو بأنه قوي. وهناك اعلاميون متصهينين مسعودين في ذات الخط، مثل دحام العنزي، الذي طالب باغلاق السفارة الايرانية لتقوم محلها سفارة اسرائيلية، ولتصبح اسرائيل جزءً من الجامعة العربية، وتوجيه الجهد المشترك ضد ايران.

ما كانت قضية فلسطين إلا عبئاً نفسياً على آل سعود، فهم لم يدعموا بالمال ولا وبالغطاء السياسي شعب فلسطين، وأغلب الأموال تأتي من الاتحاد الأوروبي، يا لسخرية القدر، ليبقوا الفلسطينيين تحت طائلة الترويض السياسي. لكن هذا العبء تخلصوا منه، وبدل ان يصبح دعم فلسطين وشعبها شرفاً لمن يفعل ذلك، نرى تهافت ال سعود أكثر فأكثر في تطبيع العلاقات مع الصهاينة، بعد ان رفضوا ان يتنافسوا وإيران في فعل الخير ودعم النضال الفلسطيني.

الآن يسعى تركي الفيصل والجبير وطاقم آل سعود لبيع المواقف التي تضيع فلسطين، فهم يبيعون ما ليس لهم، رغم زعمهم بأنهم يتحدثون باسم العرب وباسم المسلمين، بل ويزعمون انهم قادة العالم الإسلامي والعربي، فهل هذه الأفعال تدلّ على رشد، او على قيادة حتى وان كانت فرعونية؟!

حركة الجهاد الاسلامي وصفت تصريحات تركي الفيصل بـ (أنها اتهامات باطلة لا تخدم إلا الأجندة الصهيونية التي تسعى لتصفية قضية فلسطين، وفتح كل العواصم العربية والإسلامية أمام دولة الاحتلال)، كما وصفت التصريحات السعودية بأنها (مشينة لا تسيء إلى مقاومتنا وشعبنا وقضيتنا بقدر ما تسيء إلى قائلها، وإلى الشعب السعودي الشقيق، الذي لن يسرّه الزج باسمه في خذلان فلسطين، وطعن مقاومتها في الظهر لمصلحة العدو الصهيوني).

 
مستقبل العلاقات مع الصهاينة واضح المعالم!

وتعرضت الجهاد الى تصريحات عادل الجبير الذي تعهد بنزع سلاح حماس والجهاد (بدلا من توفير الحماية للشعب الفلسطيني، وحماية الأقصى من العدوان الصهيوني المتواصل). وواصل البيان فقال: (يبدو أن اللوبي المتصهين في الإدارة السعودية لم يتعلم الدرس من مبادرة فهد عام 1981 إلى المبادرة العربية عام 2002 بأن إسرائيل لا يمكن أن تقبل بأي نوع من السلام يضمن للفلسطينيين أدنى حد من الأرض والحقوق والسيادة، وللعرب أي قدر من القوة والعزة والكرامة). وخاطب بيان الجهاد تركي الفيصل والجبير والامراء السعوديين بالقول: (إن كنتم عاجزين عن نصرة فلسطين وشعبها، فلا تنتقلوا إلى المركب الإسرائيلي لإدانة الضحية والتحالف مع الجلاد) مشدداً ان شعب المملكة المسلم (لن يقبل بأن تفتحوا طريق الصهاينة إلى مكة والمدينة المنورة، على أنقاض فلسطين والقدس والمسجد الأقصى).

حماس هي الأخرى ادانت تصريحات تركي الفيصل، ولكن نغمتها كانت هادئة للغاية، وقالت ان تركي الفيصل تعرض فيها لها بالإساءة والإتهام، ووصفت تصريحاته بأنها (افتراءات لا أساس لها من الصحة، ومجافية للحقيقة والواقع)، وهي (تسيء إلى شعبنا وقضيتنا ومقاومتنا، ولا تخدم إلا الاحتلال الصهيوني، وتوفر له الذرائع لمزيد من عدوانه على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا).

أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فقالت ان مواقف تركي الفيصل تتقاطع مع مواقف دولة الاحتلال الصهيوني، وأضافت بأن تصريحاته تعني (تبنّياً عمليا للرواية «الإسرائيلية»، التي على أساسها يتم شن العدوان والحروب المتواصلة على الشعب الفلسطيني، وعلى قوى المقاومة في المنطقة)، مشيرة إلى أن (إسرائيل تسعى، بالتعاون مع بعض الأنظمة العربية، إلى حرف الصراع والتناقض في المنطقة، ليصبح صراعاً مذهبياً بين السنة والشيعة، بدلاً من كونه صراعا وتناقضا رئيسيا بين الأمة العربية والكيان الصهيوني الذي يستهدف شعوبها ومصالحها العليا).

زهد سعودي بفلسطين وتآمر عليها

لم تكن علاقة إيران الشاه مع السعودية حسنة، ولكنها كانت تميل الى الإستقرار، فنقاط الإختلاف بين البلدين ـ خاصة أواخر عهد الشاه ـ بدت واضحة فيما يتعلق بالسياسات النفطية (أسعار النفط تحديداً)، والرؤية تجاه (أمن الخليج)، وكان الشاه يميل الى التهديد بالقوة العسكرية لفرض إرادته بشكل شبه علني. مع هذا، لم يمنع ذلك السعودية من التعاون مع الشاه في تقويض الوضع العراقي من خلال دعم حركة الملا مصطفى البرزاني، وكانت السعودية يومها أقرب الى طهران منها الى بغداد.

المشترك بين ايران الشاه والسعودية ـ حتى في الصعيد الأمني ـ كان كبيراً. فالبلدان ينتميان الى رؤية استراتيجية غربية/ أميركية، تمّ التعبير عنها من خلال هندسة واشنطن لسياسة محورية قائمة على ما سمي آنئذ بـ (العمودين المتساندين) اللذين تمثلهما ايران والسعودية، وذلك للحيلولة دون تمدّد النفوذ السوفياتي باتجاه المياه الخليجية الدافئة. لم يكن الشاه منافساً للسعودية إلا في الخليج، فهذا هو محيط ايران الإستراتيجي، ومجال نفوذها الأساس. أما فيما يتعلق بدور السعودية الإقليمي العربي، والإسلامي بشكل عام، فلم يكن الشاه منافساً أو حتى عابئاً بذلك. في القضية الفلسطينية كان الشاه صديقاً لإسرائيل اكثر مما كان صديقاً للعرب، وكانت علاقاته الطيبه تكاد تنحصر مع مصر السادات. وهذا أيضاً لم يكن يعني شيئاً بالنسبة لآل سعود.

حين قامت الثورة في ايران وسقط الشاه، أضيف لنقاط الإختلاف المزيد منها. لقد تغيرت أيديولوجية الدولة فصارت (دينية)، وتبعاً لتلك الأيديولوجية جرى إعادة تعريف مجالات النفوذ للسياسة الخارجية الإيرانية، بحيث بات من الواضح أن عناصر اضافية أخذت دورها لتساهم في المزيد من تعقيد العلاقات بين البلدين.

استاءت الرياض من دعم ايران لقضية فلسطين سياسة واعلاماً ومالا وسلاحاً، وهي لم تشأ المنافسة في احتضان حركات المقاومة للصهاينة، فهذا فوق طاقتها، بل عمدت الى حصر الدعم في السلطة الفلسطينية وبحدود أيضاً. واعتبرت الدعم الإيراني، دليل إدانة لقوى المقاومة!

ذات مرة قال الملك عبدالله وهو يصالح بين عباس مع مشعل: عدوكم ايران، وفلسطين عربية!

لطالما تمنت حماس دعماً سعودياً، وانبطحت لآل سعود أيما انبطاح، ولكنها لم تحصد سوى الريح، وسوى التآمر، وسوى بقاء الحصار لغزة حتى تموت جوعاً ومرضاً.

ولأن آل سعود ليس في نيتهم دعم صمود فلسطين، كان لا بدّ من التصويب على إيران وعلى من تدعمهم ايران، أي كل الفلسطينيين تقريباً بمن فيهم حركة فتح!

لقد باع ابن سعود الأب ثورة فلسطين الكبرى (1936 – 1939) كما وثقت ذلك (بيان نويهض الحوت) وثائقياً، من خلال نشر وتحقيق وثائق بريطانية.

ورفض آل سعود حتى توزيع منشور يدعم قضيتهم لا في عهد الأب ابن سعود، ولا في عهد أبنائه.

واليوم لا يخجل الامراء واعلامهم في الطعن بالفلسطينيين، وشتيمتهم. وهذا من الهوان الذي ما بعده هوان.

المشكلة ليست في آل سعود بقدر ما هي فيمن ينتظر نصرة منهم!

الصفحة السابقة