جاستا يدين آل سعود بالإرهاب ويهيء نهب استثماراتهم وربما انهاء دولتهم

السعودية غير المستقرة

جاستا.. تخريب بيئة الاستثمار

هيثم الخياط

إن أول ضربة قاصمة يوجّهها قانون جاستا (العدالة ضد رعاة الارهاب) هو تخريب بيئة الاستثمار في المملكة السعودية. إذ لا يمكن تخيّل إقدام شركات أجنبية كبرى على الاستثمار في بلد باتت ثروته بل ومقدّراته جميعاً تحت رحمة العقوبات المالية من دولة عظمى أو من مؤسسة دولية خاضعة لإرادة دولة أو دول عظمى.

فما هو الحل؟

الحل المباشر وغير الموارب أن قانون جاستا يحرم السعودية من تنويع خياراتها الاستثمارية ويجعلها مرتهنة بصورة كاملة للولايات المتحدة. بمعنى آخر، أن قانون جاستا يملي على النظام السعودي اسستثمار مداخيله النفطية في الأسواق الأميركية إن أراد ضمان استقراره ووحدته ومصيرته. وبالتالي، فإن الخطورة في جاستا ليس في تطبيقه وإنما في أصل صدوره والتلويح به، وسوف يبقى سيفاً مسلطاً على رقاب آل سعود الى مدى الحياة. لاشك أن محاولات البحث عن مستثمرين آخرين صينيين ويابانيين وهنود وروس وحتى أوروبيين لإدماجهم في مشروع «رؤية السعودية 2030» تصبح عبثية بعد صدور قانون جاستا..

إن السعودية دخلت بعد قرار الكونغرس في مرحلة المجهول، ولربما أول انعكاس لذلك هو الهاوية التي وقع فيها الريال السعودي بعد التصويت على جاستا. ما هو جدير بالإنتباه أن الأوضاع الجديدة يجعل المملكة السعودية في مهب تقلّبات سياسية واقتصادية وأمنية. يدفع رد الفعل الإنفعالي بعض المتحلّقين حول الطبقة الحاكمة للدعوة الى مراجعة العلاقة مع واشنطن، وهناك من يشجّع على تطبيق مبدأ «المعاملة بالمثل»، بحسب الكاتب جميل الذيابي في صحيفة (عكاظ)، ويذهب آخرون للقول بأن « المملكة لديها ترسانة من الوسائل تكفل لها ردّ الفعل المناسب ضد هذا القانون من ضمنها تجميد الاتصالات الرسمية، وسحب مليارات الدولارات من الاقتصاد الأميركي وإقناع أشقائها في مجلس التعاون الخليجي بالحذو حذوها واتباع سياستها التي قد تشمل تجميد التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتعاون الاقتصادي والاستثمار والسماح للقوات المسلحة الأميركية باستخدام قواعد المنطقة العسكرية»، كما جاء في تقرير وكالة الاسوشيتدبرس في 28 سبتمبر.

عبد الرحمن الراشد، من بين قلّة نادرة إن وجدت، من قارب بهدوء الخلاف الأميركي السعودي عقب قرار الكونغرس، وانتقد الناصحين بتوتير العلاقة بين واشنطن والرياض، وعوّل على «رصيد الحكمة والتروي» لدى الرياض في التعامل مع الأزمات التي شهدتها العلاقة مع واشنطن، واستبعد أن «تفرّط السعودية في علاقتها مع الولايات المتحدة لأسباب كثيرة، إستراتيجية وتاريخية». ولم يغفل، في الوقت ذاته، إقحام إيران وسط الأزمة السعودية الاميركية، على أساس أن إيران «تعمل على تخريب العلاقة بين الدولتين»، وألحق بها زعيم القاعدة السابق «أسامة بن لادن» الذي خطط ذات مرحلة لإرسال الارهابيين لتنفيذ تلك الهجمات على نيويورك وواشنطن «لتقويض العلاقة السعودية الأمريكية».

مهما تكن الأسباب والخلفيات، فإن الراشد مؤمن بقوة بأن خيارات الرياض في العلاقات الاستراتيجية محدودة للغاية، وعلّق ذات مقالة على جولة سلمان الآسيوية، حين كان ولياً للعهد، مستبعداً إمكانية تعويض الصين بالولايات المتحدة حين يجري الحديث عن بناء تحالف استراتيجي، وكذلك الحال بالنسبة لروسيا. وعليه، فإن أولئك الذين تجنح بهم العاطفة للثأر من قرار الكونغرس يجهلون طبيعة العلاقة بين واشنطن والرياض وكذلك تعقيداتها، وأيضاً فرص الرياض للتحرّر من قيودها.

من نافلة القول، تملك السعودية ما يقدّر بنحو 116 مليار جدولار على شكل سندات خزينة، وهي جزء من الموجودات الخارجية التي يديرها البنك المركزي السعودية (ساما) والتي بلغت نحو 578 مليار دولار بنهاية أغسطس الماضي بعد أن كانت 715 مليار دولار عشية تولّي سلمان العرش في 23 كانون الثاني 2015.

حتى الآن، لم يكن رد الفعل الخليجي، دع عنك العربي والإسلامي، على قدر توقعات الرياض، التي تنتظر من الدول المدرجة على قائمة المساعدات الخارجية التعبير عن تعاطفها، وإن شكلياً، لمواجهة استحقاقات «مقاضاة» السعودية في المحاكم الأميركية على خلفية ضلوعها في هجمات الحادي عشر من سبتمبر والتي في حال ثبوت التهمة سوف تستنزف ليس كل ما لديها فقط من أصول مالية وإنما ستحيلها الى دولة مدينة للولايات المتحدة لعقود قادمة بناء على حجم التعويضات لعوائل الضحايا وللخسائر المترتبة على استخدام الطائرات المدنية وسقوط البرجين والأضرار التي ألحقت بالمباني وبالشركات والمؤسسات...قائمة مفتوحة من المتضررين لا حصر لها..تعويضات عوائل الضحايا وحدها قدّرت بـ 3.3 تريليون دولار. وحتى في حال تعطيل أو تجميد القانون، فإن مجرد التصويت عليه قد نقله الى حلبة الابتزاز الدائم، وهو ما سوف يرهن السعودية لأمد غير معلوم.

خيارات السعودية كما أظهرها البيان الصادر عن الخارجية السعودية بعد التصويت على القانون تبدو محدودة للغاية، ولا تزال الجهود الدبلوماسية تقتصر على مخاطبة الكونغرس من أجل إعادة النظر في القانون فحسب.

في كل الإحوال، بدت السعودية أمام صندوق باندورا، فما إن تغلق بؤرة حتى تنفجر بؤر أخرى. ومن المفارقات الفارقة أن الرياض التي كانت تتحكم في سوق النفط العالمية انتاجاً وتسعيراً، أرغمت مؤخراً على استجداء طهران، بطريقة غير مباشرة، من أجل تخفيض الانتاج وهو ما تمّ في ضوء اتفاق أوبك في 29 سبتمبر الماضي، حيث قرّرت إيران تخفيض انتاجها بمعدل 700 ألف برميل يومياً.

لاريب أن السعودية تعيش أياماً صعبة، وإن توقّعات الخبراء الاقتصاديين لا تحمل بشارة من أي نوع، في ظل تدهور أسعار النفط، وانعدام مؤشرات حتى الآن على نجاح (رؤية السعودية 2030) والتآكل المتسارع في الإحتياطي النقدي بفعل النفقات الباهظة على حرب اليمن، وصفقات التسلّح المسعورة، وتمويل الميليشيات المسلّحة في سوريا والعراق وأفغانستان وإيران..وقد حذّر الرئيس التنفيذي لصناديق التحوّط «بوينت ستيت كابيتول» زاك شرايبر في مايو الماضي من كارثة مالية وشيكة في المملكة السعودية، وتوقّع شرايبر في مؤتمر الاستثنار «سون» السنوي الـ 21 بأن «أمام السعودية عامين أو ثلاثة قبل أن ترتطم بالجدار»، متوقعاً أن تواجه المملكة «إفلاساً هيكلياً» لأنها تواجه تهديدات مزدوجة من التزامات الإنفاق الضخمة والنفط الرخيص، وعلّق «لا عجب أنها يستدينون بمبالغ ضخمة.”

صعوبة التحديات الراهنة والمستقبلية في المملكة السعودية تكمن في أن التحوّلات الاقتصادية الحادة نتيجة انهيار أسعار النفط (السعودية تتطلع لسعر 100 دولار للبرميل للخروج من الأزمة)، والعواقب المترتبة على أساس تقليص وترشيد المصروفات وتحميل المواطن القسط الأكبر من مسؤولية تعويض الخسائر الاقتصادية عبر حزمة ضريبية قاسية، يقابله إصرار على إقفال باب المحاسبة والرقابة، الأمر الذي قد يؤول الى اضطرابات منفلتة في ظل رفض الملك سلمان مجرد الحديث عن اصلاحات سياسية تواكب أو بالأحرى تخفف من وطأة الاوضاع الاقتصادية الضاغطة.

في التداعيات، لا يزال البديل المتاح لدى النظام السعودي في تعويض خسائره الاقتصادية هو جيوب مواطنيه، في عملية إفقار ممنهجة وواسعة النطاق.

وفي العلاقة بين واشنطن والرياض، فإن قرار الكونغرس يتفيأ ظلال التوجّهات الجديدة في واشنطن، كما انعكست في خطاب أوباما الأخير في الأمم المتحدة بنبرته النقدية للأنظمة الشمولية في الشرق الأوسط، ويعيد أوباما ما ذكره جيفري جولدبرغ في صحيفة «ذي أتلانتيك» في نيسان الماضي وللكاتب توماس فريدمان في «نيويورك تايمز» في 14 تموز 2015، إذ أشار الى محاولة «قادة المنطقة تحويل مظالم شعوبهم وشكاواها الى اتجاهات أخرى»، في إشارة إلى إيران.

بصورة إجمالية، إن التكهنات المتفائلة حول نتائج زيارة ولي ولي العهد محمد بن سلمان، وهي الأطول في تاريخ الزيارات الرسمية للمسؤولين السعوديين من هذه الطبقة الى الولايات المتحدة، والتي قيل بأنها حسمت حتى الموقف الأميركي من المرشّح القادم لخلافة سلمان، إلا أن المؤشرات تفيد بأن الإدارة الأميركية لم تحسم قرارها بدعم بن سلمان، وإن إبقاء الباب مفتوحاً يمثّل الخيار الأفضل لدى واشنطن.

محلياً، فإن مطالعة سريعة في عناوين الصحف اليومية تنبى عن المشهد اليومي لحال الاقتصاد الوطني وللأوضاع المعيشية للمواطنين. بين التشريعات الخاصة بالإفلاس، وبين اللون الأحمر الذي يكسو شاشة الأسواق المالية والتي هبطت بنحو 260 مليار ريال (حوالي 71 مليار دولار) منذ بداية العام الجاري، لتبلغ 1.32 تريليون ريال (361.6 مليار دولار) وفقا لأرقام إغلاق آخر جلسة في 4 أكتوبر الجاري. وفي التحليل فإن انهيار سوق الأسهم تأثر بتراجع أسعار النفط، المصدر الأول لإيرادات الدولة السعودية، إضافة إلى عوامل أخرى منها ترشيد الدولة للإنفاق في محاولة لتخفيف عجز الموازنة المتوقع.

من جهة أخرى، أصيب القطاع العقاري بالشلل شبه التام نتيجة وقف الحكومة صرف مستحقات الشركات الكبرى في القطاع مثل بن لادن وسعودي أوجيه، الأمر الذي انعكس على الفور على بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى المالية والسوقية والصناعية وغيرها، وبصورة تدريجية انخفضت السيولة النقدية لدى البنوك، ومن الطبيعي أن يؤول ذلك الى تراجع حركة الاستثمارات بسبب انخفاض السيولة وعدم قدرة البنوك على الإقراض، وهكذا عصفت سياسة التقشف بكافة القطاعات الاقتصادية في البلاد حتى بتنا نرصد تداعياتها الخطيرة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والنفسية والسياسية..

هناك اليوم مئات الشركات العقارية والمقاولات خرجت من السوق وأعلنت إفلاسها ووجد العاملون فيها أنفسهم في الشارع بلا مصدر رزق، ولا قدرة على دفع المستحقات العائلية وغيرها. وهناك أكثر من 2000 شركة مقاولات متوسطة وصغيرة الحجم باتت خارج السوق وأعلنت إفلاسها، ولحقت بالشركات الكبيرة التي تصارع الموت مثل سعودي أوجيه نتيجة تراكم ديون على الشركات الكبرى بلغت نحو 300 مليار ريال (80 مليار دولار). تجدر الإشارة الى أن نسبة تراجع البناء في المملكة السعودية بلغ 80 بالمئة في غضون عام.

إن الكساد الكبير (Great Depression) الذي هو انهيار كبير، لم يقع دفعة واحدة، بل جاء نتيجة تراكمات لأخطاء في السياسات الاقتصادية والتخطيط الاقتصادي، إلى بلغت مرحلة بات من الصعب على على الدولة ضبط انفلاتاتها، والحد من الخسائر. والمشكلة اليوم أن المواطن هو من يتكبّد النصيب الأكبر من الكارثة الاقتصادية، وبدلاً من إعادة النظر في السياسة الضريبية نتيجة الانهاك المعيشي الذي يعاني منه المواطنون بسبب تخفيض البدلات وتالياً انخفاض الرواتب راحت بعض الوزارات تجترح طرقاً أخرى لامتصاص المزيد من الريالات ولكن من جيوب الناس..

الصفحة السابقة