مشروع الشرق الأوسط الكبير

سباق المسافات القصيرة

أثار طرح مشروع الشرق الاوسط الكبير فزع بعض الانظمة العربية التي وضعت في رأس قائمة الدول التي ستكون معنية بدرجة أساسية بالبنود الورادة في المشروع. فما هو مشروع الشرق الأوسط الكبير؟ ومن هي الدول المقصودة بصورة أساسية من هذا المشروع؟، وما هو رد الفعل العربي عليه؟

نشير هنا الى أن الادارة الأميركية صاحبة المشروع بدأت منذ فبراير الماضي نقاشاً جاداً مع مجموعة الدول الصناعية الثماني من أجل ضمّها الى المشروع، وبلوّرة موقف موحد خلال قمة الـ 8 في الولايات المتحدة في يونيو المقبل.

يستند مشروع الشرق الاوسط الكبير (والذي يضم الى جانب البلدان العربية كلاً من باكستان وافغانستان وايران وتركيا واسرائيل) على التحديات الكامنة في بلدان الشرق الأوسط والتي تهدد الأمن والسلام العالميين بما يشمل إرتفاع وتيرة التطرف، والارهاب، والجريمة الدولية، والهجرة غير المشروعة. وهذه التحديات تعود الى وجود نواقص ثلاثة حددها تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية العربية للعامين 2002 و2003 وهي: الحرية، المعرفة، وتمكين المرأة. وذكر التقرير بأن تزايد عدد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة يلعب دوراً خطيراً في خلق ظروف تهدد المصالح القومية للدول الصناعية الثماني. وقد وصف التقرير الاوضاع المعيشية والاجتماعية الحالية في بلدان الشرق الأوسط على النحو التالي:

ـ مجموع إجمالي الدخل المحلي لبلدان الجامعة العربية الـ22 هو أقل من نظيره في اسبانيا.

ـ حوالي 40 في المئة من العرب البالغين - 65 مليون شخص - أميون, وتشكّل النساء ثلثي هذا العدد.

ـ سيدخل اكثر من 50 مليوناً من الشباب سوق العمل بحلول 2010, وسيدخلها 100 مليون بحلول 2020. وهناك حاجة لخلق ما لا يقل عن 6 ملايين وظيفة جديدة لامتصاص هؤلاء الوافدين الجدد الى سوق العمل.

ـ اذا استمرت المعدّلات الحالية للبطالة, فإن معدّل البطالة في المنطقة سيبلغ 25 مليوناً بحلول 2010.

ـ يعيش ثلث سكان المنطقة على أقل من دولارين في اليوم، ولتحسين مستويات المعيشة, يجب أن يزداد النمو الاقتصادي في المنطقة أكثر من الضعف من مستواه الحالي الذي هو دون 3 في المئة الى 6 في المئة على الاقل.

ـ إن 6,1 في المئة فقط من السكان من هم قادرون على إستخدام الانترنت, وهو رقم اقل مما هو عليه في اي منطقة أخرى في العالم, بما في ذلك بلدان افريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

ـ لا تشغل النساء سوى 5,3 في المئة فقط من المقاعد البرلمانية في البلدان العربية, بالمقارنة, على سبيل المثال, مع 4,8 في المئة في افريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

ـ عبّر 51 في المئة من الشبان العرب الاكبر سناً عن رغبتهم في الهجرة الى بلدان اخرى, وفقاً لتقرير التنمية البشرية العربية للعام 2002, والهدف المفضل لديهم هو البلدان الاوروبية.

إن هذه الاحصائيات الواردة في التقرير تنبىء في حال استمرار الاوضاع الحالية عن مستقبل شديد الخطورة على مجتمعات الشرق الأوسط. ويشير التقرير الى أن زيادة عدد الشباب المفتقرين الى مستويات لائقة في العمل والتعليم والمحرومين من حقوقهم السياسية سيمثل ذلك تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة, وللمصالح المشتركة لاعضاء مجموعة الثماني. ويقترح التقرير الاصلاح السياسي والاقتصادي بديلاً، حيث يبعث تقريرا التنمية البشرية العربية نداءت ملحّة للتحرك في الشرق الأوسط الكبير، والتي تلتقي مع نداءات صادرة عن نشطاء وأكاديميين وعاملين في القطاع الخاص في كافة أرجاء المنطقة.

فمنذ تفجّر ظاهرة الارهاب في الحادي عشر من سبتمبر بدأت أوروبا والولايات المتحدة تعدّ مبادرات خاصة بالاصلاح في الشرق الأوسط، فقد طرحت أوروبا مشروع (الشراكة الأوروبية المتوسطية) وطرحت الولايات المتحدة (مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط)، وقد التزمت مجموعة الثماني بالاصلاح في المنطقة. ووفق المعطيات الورادة في تقرير الأمم المتحدة الخاص بالتنمية العربية والتهديدات الخطيرة التي يشكّلها الشرق الأوسط على مجموعة الثماني تجد الأخيرة نفسها أمام فرصة تاريخية خصوصاً مع ظهور نبضات ديمقراطية في أرجاء المنطقة. ويذكر المشروع بأن على مجموعة الثماني التي ستعقد قمتها في سي آيلاند (أن تصوغ شراكة بعيدة المدى مع قادة الاصلاح في الشرق الاوسط الكبير, وتطلق رداً منسّقاً لتشجيع الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة). ويقترح مشروع الشراكة اتفاق مجموعة الثماني على اولويات مشتركة للاصلاح تعالج النواقص التي حددها تقريرا الامم المتحدة حول التنمية البشرية العربية عبر:

ـ تشجيع الديموقراطية والحكم الصالح.

ـ بناء مجتمع معرفي.

ـ توسيع الفرص الاقتصادية.

وتمثل اولويات الاصلاح هذه السبيل الى تنمية المنطقة: فالديموقراطية والحكم الصالح يشكلان الاطار الذي تتحقق داخله التنمية, والافراد الذين يتمتعون بتعليم جيد هم ادوات التنمية, والمبادرة في مجال الاعمال هي ماكينة التنمية.

وفيما يخص تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح يستند المشروع على ما ورد في تقرير التنمية البشرية لعام 2002 حيث (توجد فجوة كبيرة بين البلدان العربية والمناطق الاخرى على صعيد الحكم القائم على المشاركة..) ويؤكد المشروع على (ان الديموقراطية والحرية ضروريتان لازدهار المبادرة الفردية, لكنهما مفقودتان الى حد بعيد في ارجاء الشرق الاوسط الكبير). ولفت تقرير التنمية البشرية العربية الى أنه من بين سبع مناطق في العالم, حصلت البلدان العربية على أدنى درجة في الحرية في اواخر التسعينات. وأدرجت قواعد البيانات التي تقيس (التعبير عن الرأي والمساءلة) المنطقة العربية في المرتبة الادنى في العالم. بالاضافة الى ذلك, لا يتقدم العالم العربي الاّ على افريقيا جنوب الصحراء الكبرى على صعيد تمكين النساء. ولا تنسجم هذه المؤشرات المحبطة اطلاقاً مع الرغبات التي يعبّر عنها سكان المنطقة. في تقرير التنمية البشرية العربية للعام 2003, على سبيل المثال, تصدّر العرب لائحة من يؤيد, في أرجاء العالم, الرأي القائل بأن (الديموقراطية أفضل من أي شكل آخر للحكم), وعبّروا عن أعلى مستوى لرفض الحكم الاستبدادي.

وفي سعي لاظهار تأييد الاصلاح الديمقراطي في المنطقة، يقترح المشروع تقديم مساعدات تقنية عبر تبادل الزيارات وعقد الندوات لانشاء أو تعزيز لجان إنتخابية مستقلة لمراقبة الانتخابات والاستجابة للشكاوى وتسلّم التقارير، اضافة الى المساعدات التقنية الخاصة بالانتخابات، وتعزيز دور البرلمانات في دمقرطة البلدان، مع تركيز الاهتمام على تطبيق الاصلاح التشريعي والقانوني وتمثيل الناخبين، وتمكين المرأة من المشاركة في الحياة السياسية والمدنية، حيث تشغل النساء 5,3 بالمئة فقط من المقاعد البرلمانية في البلدان العربية. ويقترح المشروع رعاية معاهد تدريب خاصة بالنساء المهتمّات بالمشاركة في التنافس الانتخابي على مواقع في الحكم.

كما يقترح المشروع تقديم مساعدة قانونية للناس العاديين، وهو التفات غير مسبوق حيث كانت المبادرات السابقة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة والبنك الدولي تصبّ في قناة تشجيع الاصلاح القانوني والقضائي على المستوى الوطني، وهي مبادرات موجّهة في الاصل الى الدول، ولكن المشروع يقترح مبادرة من مجموعة الثماني للتوجه بتركيز الجهود على مستوى الناس العاديين في المجتمع، من أجل بعث الاحساس بالعدالة، ويقترح المشروع إنشاء وتمويل مراكز تمكّن الافراد العاديين من الحصول على مشورة قانونية بشأن القانون المدني أو الجنائي أو الشريعة أو الاتصال بمحامي الدفاع.

في موضوع الاعلام، يقترح مشروع الشراكة مبادرة من قبل مجموعة الثماني لتشجيع وسائل الاعلام المستقلة. ويستند المشروع في هذا الصدد على تقرير التنمية البشرية العربية والذي يلفت الى أن هناك اقل من 53 صحيفة لكل 1000 مواطن عربي, بالمقارنة مع 285 صحيفة لكل الف شخص في البلدان المتطورة, وأن الصحف العربية التي يتم تداولها تميل الى أن تكون ذات نوعية رديئة. ومعظم برامج التلفزيون في المنطقة تعود ملكيته الى الدولة أو يخضع لسيطرتها, وغالباً ما تكون النوعية رديئة, إذ تفتقر البرامج الى التقارير ذات الطابع التحليلي والتحقيقي. ويقود هذا النقص الى غياب إهتمام الجمهور وتفاعله مع وسائل الاعلام المطبوعة، ويحدّ من المعلومات المتوافرة للجمهور. ولمعالجة ذلك, يمكن لمجموعة الثماني ان:

ـ ترعى زيارات متبادلة للصحافيين في وسائل الاعلام المطبوعة والاذاعية.

ـ ترعى برامج تدريب لصحافيين مستقلين.

ـ تقدم زمالات دراسية لطلاب كي يداوموا في مدارس للصحافة في المنطقة أو خارج البلاد, وتموّل برامج لايفاد صحافيين أو أساتذة صحافة لتنظيم ندوات تدريب بشأن قضايا مثل تغطية الانتخابات أو قضاء فصل دراسي في التدريس في مدارس بالمنطقة.

وفي مجال الجهود المتعلقة بالشفافية، ومكافحة الفساد فإن المشروع يعوّل على ما ذكره البنك الدولي والذي اعتبر الفساد العقبة المنفردة الاكبر في وجه التنمية, وقد أصبح متأصلاً في الكثير من بلدان الشرق الاوسط الكبير. وبناء عليه يقترح المشروع على مجموعة الثماني الخطوات التالية:

ـ تشجيع تبني (مبادىء الشفافية ومكافحة الفساد) الخاصة بمجموعة الثماني.

ـ الدعم العلني لمبادرة منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية/ برنامج الامم المتحدة للتنمية في الشرق الاوسط ـ شمال افريقيا, التي يناقش من خلالها رؤساء حكومات ومانحون وIFIs ومنظمات غير حكومية استراتيجيات وطنية لمكافحة الفساد وتعزيز خضوع الحكومة للمساءلة.

ـ إطلاق واحد او اكثر من البرامج التجريبية لمجموعة الثماني حول الشفافية في المنطقة.

وفيما يرتبط بموضوع المجتمع المدني يأخذ المشروع في الاعتبار أن القوة الدافعة للاصلاح الحقيقي في الشرق الاوسط الكبير يجب أن تأتي من الداخل, وبما أن افضل الوسائل لتشجيع الاصلاح هي عبر منظمات تمثيلية, يقترح المشروع على مجموعة الثماني أن تقوم بالتشجيع على تطوير منظمات فاعلة للمجتمع المدني في المنطقة. وبحسب المشروع المقترح فإن بإمكان مجموعة الثماني القيام بالخطوات التالية:

ـ تشجيع حكومات المنطقة على السماح لمنظمات المجتمع المدني, ومن ضمنها المنظمات غير الحكومية الخاصة بحقوق الانسان ووسائل الاعلام, على أن تعمل بحرية من دون مضايقة أو تقييدات.

ـ زيادة التمويل المباشر للمنظمات المهتمة بالديموقراطية وحقوق الانسان ووسائل الاعلام والنساء وغيرها من المنظمات غير الحكومية في المنطقة.

ـ زيادة القدرة التقنية للمنظمات غير الحكومية في المنطقة بزيادة التمويل للمنظمات المحلية (مثل مركز الديمقراطية التابع لجامعة وستمنستر في المملكة المتحدة أو مؤسسة الدعم الوطني للديموقراطية في الولايات المتحدة) لتقديم التدريب للمنظمات غير الحكومية في شأن كيفية وضع برنامج والتأثير على الحكومة وتطوير استراتيجيات خاصة بوسائل الاعلام والناس العاديين لكسب التأييد. كما يمكن لهذه البرامج ان تتضمن تبادل الزيارات وإنشاء شبكات اقليمية.

ـ تمويل منظمة غير حكومية يمكن أن تجمع بين خبراء قانونيين أو خبراء إعلاميين من المنطقة لصوغ تقويمات سنوية للجهود المبذولة من أجل الاصلاح القضائي أو حرية وسائل الاعلام في المنطقة. (يمكن بهذا الشأن الاقتداء بنموذج (تقرير التنمية البشرية العربية).

الصفحة السابقة