إضطرابات الموقف السعودي حيال لبنان.. الأعراض والأسباب

رفض رسمي سعودي التضامن مع لبنان قبال تهديدات إسرائيل!

سعدالدين منصوري

في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين، يؤكد التضامن مع الجمهورية اللبنانية في مواجهة الاعتداءات والتهديدات الصهيونية، والذي أدرج في جدول أعمال الاجتماع، وهو ما اعتبر سابقة في تاريخ العلاقات بين لبنان والسعودية، كما انها المرة الاولى التي يجري فيها التحفظ على قرار للتضامن مع دولة عربية في مواجهة اسرائيل، علما بأن هذا القرار ـ الذي لا قيمة عملية له ـ يعتبر بندا ثابتا على جدول اعمال اجتماعات الجامعة العربية منذ عقود.

توقف اللبنانيون بذهول امام التحفظ السعودي المفاجئ على بند عادي

السبب الرئيسي للصدمة التي اصابت البعض، هو ان التحفظ السعودي يأتي في وقت، كان الكثيرون يتوقعون فيه ان تشهد العلاقات بين البلدين تطورا ايجابيا، يتوج مرحلة شهدت تسارعا في الاتصالات والوعود باستعادة الوئام والتفاهم، وانهاء فترة القطيعة التي اعلنتها السعودية من جانب واحد قبل أكثر من عام بقليل.

وكالعادة تعددت التفسيرات والتحليلات في محاولة لفهم اسباب الخطوة السعودية التي لا تتسق مع السياق العام لسياستها الخارجية في الاشهر الماضية.

تطور العلاقات

في استعراض سريع للعلاقات السعودية اللبنانية خلال العام الفائت، وما شهدته من تطورات درامكاتيكية، يمكن العثور على ما يساعد على فهم المواقف المرتبكة للنظام السعودي حيال لبنان، الذي تميزت علاقاته بالمملكة بالثبات، وبأنها وثيقة في عهود ملوك السعودية الذين سبقوا الملك سلمان وحتى زمن الملك عبد العزيز.

ففي الثالث والعشرين من شهر يناير 2016، فوجئ اللبنانيون ببيان صادر عن وزارة الداخلية اللبنانية، يفيد بقيام السعودية بإلغاء منحة بمليار دولار كانت مخصصة لتسليح الجيش اللبناني.. ليتبينوا بعد ايام ان العقوبة السعودية شملت ايضا ثلاثة مليارات دولار سبقتها لمساعدة لبنان في مواجهة الاعتداءات الارهابية التي يتصدى لها الجيش والقوى الامنية.

السعودية تأخرت في تأكيد الخبر حتى 19 فبراير 2016 حيث نقلت وكالة واس الرسمية عن مصدر سعودي مسؤول أن بلاده أوقفت مساعداتها لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي بما قيمته 4 مليارات دولار. وبرر المصدر السعودي الخطوة بأنها جاءت نظراً لما سمّاه «المواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات بين البلدين»، منتقداً عدم وقوف بيروت مع الرياض في المحافل الدولية، ورفضها إدانة الاعتداء على سفارة السعودية بإيران.

يومها كانت السعودية في أوج حملتها التحريضية الانفعالية، لتجييش المؤيدين في معركة افتعلتها مع ايران. وعلى الرغم من مسايرة العديد من الدول العربية والاسلامية الموقف السعودي على مستوى التصريحات اللفظية، فإن أيا من تلك الدول لم تتخذ موقفا عمليا ضد طهران، باستثناء الامارات والبحرين، لعدم قناعة العرب والمسلمين بجدوى هذه السياسة السعودية التي تحاول اعادة بناء المحاور، واشعال المعارك الجانبية، بعيدا عن القضايا الرئيسية التي تشغل المنطقة.

وقد برر لبنان يومها موقفه قبل الجلسة وبعدها، بأنه ينأى بنفسه عن سياسة المحاور انسجاما مع دستوره، وخدمة لمصلحته الوطنية. وطلب من الجميع مراعاة تركيبته السياسية والاجتماعية التي لا تسمح له بالدخول في محاور اقليمية، خصوصا اذا بنيت على اسس مذهبية كالتي تدعو لها السعودية. واصدر وزير الخارجية اللبنانية تصريحا واضحا برفض لبنان اي اعتداء على سفارات ورموز اي دولة عربية، وهو يدين اي اعتداء متعمد على السفارات السعودية.

لم تكتف السعودية بذلك، فديبلوماسيتها الفجة لا تقبل بأنصاف الحلول او المواقف العامة، وتريد موقفا حازما يؤيد مواقفها وسياساتها، فمن ليس معها بالكامل يعني انه ضدها.. وقد تعاملت مع لبنان على هذا الاساس، وطلبت من رعاياها الخروج من لبنان، وعدم السفر اليه الا للضرورة القصوى، كما اقفلت فروع البنك الاهلي التجاري في بيروت.. وسط تهديدات بطرد العمالة اللبنانية من السعودية. وهي مواقف تصعيدية متلاحقة كادت ان تبلغ السقف الاعلى، وكل ذلك من اجل بيان في الجامعة العربية.

لم يصدر عن لبنان يومها اي رد فعل، حيث كان البلد يعيش ازمة سياسية خانقة في ظل الفراغ الرئاسي وعدم استطاعة الافرقاء اللبنانيين انتخاب رئيس للجمهورية، بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، ووجود حكومة اشبه بحكومة تصريف الاعمال، تحكمها توازنات سياسية دقيقة، وتمنعها من اتخاذ اي قرار لا يحظى بالاجماع والتوافق حتى في شؤون داخلية بسيطة. اضافة الى ذلك فإن الكثيرين من اللبنانيين لم يهتموا اصلا بالمساعدة السعودية، واعتبروها حملة دعائية، ومحاولة لابتزاز لبنان، وفرض التمديد للرئيس سليمان الذي اعلن بنفسه خبر المنحة السعودية بشكل درامي في 29 ديسمبر 2013، حيث قطع التلفزيون اللبناني بثه العادي، ليخرح الرئيس ميشال سليمان ببيان مفاجئ يعلن فيه أن السعودية تعهدت بتمويل صفقة أسلحة فرنسية للجيش اللبناني بقيمة 3 مليارات دولار.

ولم يدل يومها سليمان بأي تفاصيل إضافية حول الصفقة، لكنه قال إن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند سيناقشها خلال زيارته للسعودية، وهو ما اوحى بأنها واحدة من الصفقات التي كانت تعقدها السعودية مع الدول الحليفة في الحرب على سوريا، لضمان تأييدها وتبنيها للرغبة السعودية في اسقاط النظام السوري، اكثر منها خدمة للجيش اللبناني، او استجابة للحاجة اللبنانية الامنية.

إنقلاب سعودي مفاجئ

لقد باتت السعودية منذ وصول الملك سلمان الى السلطة، العقبة الكأداء في اي حل للازمة الرئاسية اللبنانية، ولم يعد سرا على الجميع انها ترفض الاتيان برئيس للجمهورية، ما لم يلتزم مسبقا بالولاء لسياستها الخارجية التي تجنح للصدام مع اطراف اقليمية عدة، والتي تتبنى الارهاب والجماعات الوهابية المسلحة التي انتشرت كالفطر في انحاء الوطن العربي والعديد من الدول الاسلامية. كما وقفت السعودية بعناد ـ وبشكل معلن ـ ضد انتخاب العماد ميشال عون رئيس التيار الوطني الحر رئيسا، والذي يحظى بتأييد غالبية الكتل البرلمانية اللبنانية، وينظر اليه باعتباره الوحيد القادر على طمأنة القوى اللبنانية ومنع انفجار لبنان او انهيار نظامه السياسي.

وفجأة اُعلن عن موافقة تيار المستقبل الذي يرأسه سعد الحريري، والذي يمثل الذراع السعودية في لبنان، على انتخاب العماد عون للرئاسة. وقرأ اللبنانيون بلا استثناء الخطوة الحريرية باعتبارها ضوءا اخضر سعوديا له، لتمرير الاستحقاق الرئاسي اللبناني. وذهب الكثيرون الى الحديث عن تفاهم تحت الطاولة بين الرياض وطهران على الساحة اللبنانية. في حين رأى فيه آخرون ضغطا اوروبيا واميركيا للمحافظة على التهدئة في لبنان وابقاء هذا البلد ذي التركيبة الهشة، بعيدا عن حرائق المنطقة، التي يمكن ان تلتهمه بسهولة، ما سيشكل خطرا على الامن الاقليمي، وعلى الكيان الاسرائيلي بشكل غير مسبوق.

وفي 28 أكتوبر 2016 وصل وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان الى بيروت دون اعلان مسبق، والتقى عدة شخصيات سياسية ودينية في لبنان، منها سعد الحريري، والعماد ميشال عون. واعتبرت الزيارة اعلان مصالحة مع عون، وبداية مرحلة جديدة من الانفتاح على لبنان.

وفي 31 من اكتوبر وبعد 29 شهرا من شغور كرسي الرئاسة الاولى في لبنان انتخب مجلس النواب مرشح حزب الله وقوى الثامن آذار، العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، بتأييد من تيار المستقبل، وقوى الرابع عشر من آذار، بتحفظات واستثناءات، لا تغير من الصورة في شيئ ولاسباب شخصية او محلية. في اليوم التالي في الاول من نوفمبر 2016 كانت القيادة السعودية من اوائل الدول التي تهنئ الرئيس عون.. وفي 21 نوفمبر قام الأمير خالد الفيصل بزيارة خاطفة الى لبنان لسببين كما قال.. تهنئة الرئيس ميشال عون، ودعوته لزيارة السعودية.

انها اول زيارة خارجية للرئيس عون، واول ظهرو له على المسرح الدولي والاقليمي بصفته رئيسا.. وهي تحمل معاني رمزية كبيرة، فهي بالاضافة الى انها جعلت السعودية اول محطة للرئيس اللبناني في رحلته الرئاسية، تحمل معنى اضافيا حساسا نسبة الى ان السعودية ترتبط بعلاقات متشنجة مع قوى رئيسية في لبنان. وقد انتظر الجميع ردة فعل حزب الله، الطرف الاقوى في لبنان، والحليف الاوثق للرئيس عون. وفاجأ حزب الله الجميع بالترحيب بالزيارة وبموقف اعلنه السيد حسن نصرالله شخصيا بأن الحزب لا يضع شروطا على عمل وحركة الرئيس اللبناني، وهو يثق به وبالعلاقة معه الى اقصى الدرجات.

في 9 يناير 2017 استقبل الملك سلمان بالرياض الرئيس عون. وقالت وسائل الاعلام السعودي انه جرى خلال جلسة المباحثات استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل دعمها وتعزيزها في مختلف المجالات، وتطورات الأحداث في الساحتين العربية والدولية. وبعد الزيارة التي اعتبرت امتيازا للسعودية قدمه لها لبنان، متجاوزا المواقف السلبية والاهانات التي وجهتها له الرياض طيلة الاشهر السابقة، سرت شائعات ان الملك سلمان اعاد تحريك المنحة المالية للجيش اللبناني، وصدرت الاوامر بعودة السياح والاستثمارات السعودية لتنشيط الاقتصاد اللبناني.

وبعيد لقائه الرئيس عون، في 5 فبراير 2017، أعلن وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان أن زيارته الثانية الى لبنان تأتي لاستكمال البحث في المواضيع التي تم الاتفاق عليها خلال زيارة الرئيس عون للسعودية، وأبلغ السبهان عون بتعيين سفير جديد للمملكة في لبنان، وزيادة رحلات شركة الطيران السعودية إلى مطار بيروت، وعودة السعوديين لزيارة لبنان وتمضية عطلاتهم السياحية فيه.

الانقلاب السعودي

وبدلا من تنفيذ هذه الوعود، واستكمال الصورة الايجابية التي ارادتها السعودية لسياستها تجاه لبنان، وجهت السعودية طعنة غادرة لهذا البلد، ونقلت وسائل الاعلام بعد شهر من زيارة السبهان، في 6 مارس 2017 خبرا عن خرق سعودي لافت خلال اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين، تمثّل بتحفظ المندوب السعودي لدى الجامعة احمد القطان على بند التضامن مع الجمهورية اللبنانية بالكامل.. وهذا التحفظ هو الاول من نوعه لمندوب عربي في الجامعة منذ اكثر من ربع قرن ومن دولة كالسعودية حيث كان يقر بالإجماع من دون نقاش.

يأتي هذا، في وقت تناقلت الصحف ووسائل الإعلام ما يفيد بعزم الملك السعودي زيارة لبنان بعد الأجواء الإيجابية التي بثها الرئيس ميشال عون أثناء زيارته للرياض في 9 يناير الماضي، وحددت المصادر الزيارة بأنها ستكون قبيل القمة العربية التي ستنعقد في العاصمة الاردنية عمان من 23 إلى 27 مارس الجاري أو بعدها مباشرة، ليختتم بها الملك سلمان جولته الخارجية التي تشمل 7 دول آسيوية أبرزها اليابان والصين، إلى جانب ماليزيا وإندونيسيا وبروناي والمالديف، والأردن.

وتحدثت المصادر التي نقلت عنها صحيفة النهار اللبنانية، أن الزيارة التي لم تؤكدها أو تنفيها دبلوماسية المملكة، كان من المفترض أن تعطي لبنان دفعًا ودعمًا كبيرين معنويًا وسياسيًا، وتفتح الأبواب واسعة أمام عودة السياح العرب والخليجيين بلا قيد أو شرط إلى بيروت، وكان سيرافقها دعم اقتصادي ملموس للدولة اللبنانية. وقد تعززت هذه الاجواء التفاؤلية خصوصا بعد الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الى بغداد، في 25 فبراير 2017 ، وادلائه بتصريحات تؤكد تجاوز السعودية عقدها السابقة، ورغبتها في فتح صفحة جديدة مع دول صنفتها في خانة الاعداء، وتعاملت معها بحدة ولهجة هجومية لاسباب لا تتعلق بالعلاقات الثنائية.

لطالما وصف الاعلام السعودي والمسؤولون السعوديون الكبار، العراق ولبنان بصفات متشابهة من حيث ارتباطهما بإيران؛ واعتادت الرياض ان تقلب وجهتها تجاههما، من العداء الى الصداقة، او العكس. وهذه الدورة لم تكتمل هذه المرة، إذ استعاد النظام السعودي فجأة سيرته الاولى من التشنج والحسابات الاقليمية الخاطئة، ليعود من جديد الى دائرة التوتر والتوتير واشاعة اجواء الانقسام والصراع بين شعوب المنطقة.

أسباب الاضطراب السعودي

لم يتوقف المراقبون عند التبرير الذي نقلته وسائل اعلام تدور في فلك الامراء السعوديين وتمويلهم المباشر، وخصوصا المزاعم بأن موقف السعودية من لبنان كان ردة فعل على خطاب رئيس الجمهورية، الذي أعطى نوعًا من الشرعية لسلاح حزب الله، من خلال وصفه لتلفزيون (سي بي سي) قبيل زيارته للقاهرة بأنه سلاح مكمل للجيش اللبناني، ولا يتعارض معه، ووجوده ضروري في مواجهة التحدي والصلف الاسرائيلي. ويرى المراقبون انه لا يعقل ان تكون المملكة السعودية بهذه السذاجة من التفكير والتقييم. فهذا الموقف ليس جديدا في لبنان، وليس للسعودية ان تتفاجأ به. كما انه موقف ثابت للرئيس عون قبل انتخابه وبعده، وقبل زيارته للسعودية وتهنئته ودعوته لزيارتها.. بل كان جزءا اساسيا من خطاب القسم الذي القاه الرئيس فور انتخابه في البرلمان اللبناني، والذي اعتبر اساسا لاستراتيجية لبنان في الاعوام الستة المقبلة. اضافة الى أن شرعية سلاح حزب الله جزء اساسي من الدستور اللبناني، ومن البيانات الوزارية للحكومات اللبنانية، منذ عهد رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري الى اليوم، ولم تشذ عنه اي حكومة بما فيها الحكومة الحالية التي يرأسها سعد الحريري، بمباركة سعودية.

فكيف اذن يمكن للسعودية ان تتفاجأ وتنفعل لموقف هو في صلب السياسة والسيادة اللبنانية، ولا يمس امنها وعلاقاتها بلبنان لا من قريب ولا من بعيد؟.

في التعليقات على الموقف السعودي، نصحت مصادر لبنانية بعدم التعويل على المواقف السعودية، وعدم البناء عليها، اذ ان المملكة تمر بمرحلة اضطراب وانعدام وزن في سياستها الخارجية خصوصا، وذلك تبعا لحسابات غير ثابته ومواقف دولية متضاربة. ورأت هذه المصادر انه من الممكن ان نرى موفدين سعوديين مرة اخرى وبعد اسابيع او حتى ايام، في بيروت. فلا شيء ثابت لدى النظام الذي يمر بمرحلة تحول وقلق على المصير.

التماهي مع الخارج الاسرائيلي

ما يجب التوقف عنده، هو تزامن الموقف الاستفزازي السعودي مع مواقف اسرائيلية، ارادت العودة الى تسليط الضوء على سلاح حزب الله في هذه المرحلة، لحسابات تتعلق بالامن الاسرائيلي وبالتطورات على الساحة السورية. فقد توجه رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو الى موسكو والتقى بوتين، وقد أجمعت المصادر الصهيونية على ان هدف الزيارة هو البحث في الوجود الايراني في سوريا، بما في ذلك قوات حزب الله التي باتت تشكل خطرا جديا على الكيان الاسرائيلي. وكشفت ان نتنياهو سيطلب من الروس اخراج القوات الايرانية اذ لا يمكن لاسرائيل الا ان تقلق من وجود قواعد ايرانية على حدودها.

واضطر الكرملين الى ان ينفي علنا تقارير إعلامية اسرائيلية تحدثت عن موافقة موسكو على عمليات إسرائيلية ضد حزب الله من الأجواء السورية، وقال ديميتري بيسكوف، الناطق الصحفي باسم بوتين، انه لا مكان لهذه المزاعم بالواقع على الإطلاق. وشدد على أن هذا الموضوع لم يطرح في سياق الاتصالات الروسية الإسرائيلية وغير وارد بتاتا.

من جهة اخرى، شن الوزير الصهيوني المتطرف أفيغدور ليبرمان هجوما قاسيا على الجيش اللبناني خلال جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، ووصفه بأنه إحدى وحدات حزب الله العسكري. ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن ليبرمان قوله ان البنى التحتية العسكرية للجيش اللبناني ولحزب الله هي بنية واحدة. وقال ليبرمان بأن الذي يقلق إسرائيل في لبنان وقطاع غزة هو امتلاك الأسلحة الكاسرة للتوازن العسكري بتهريبها من سوريا او تصنيعها في لبنان وقطاع غزة. وكتبت صحيفة الحياة السعودية الصادرة في لندن، ان اسرائيل وجهت رسالة الى مجلس الامن، دعت فيها الى الزام الحكومة اللبنانية التقيد الكامل بقرارات مجلس الامن بما فيها نزع سلاح حزب الله. وقال سفير اسرائيل في الامم المتحدة داني دانون ان تصريح عون بأن سلاح حزب الله يكمل عمل الجيش ويحمي لبنان، يشرع نشاطات الحزب في خرق لقراري مجلس الامن 1701 و1559.

وبسبب الموقف الاسرائيلي.. لا يعقل ـ كما يقول احد المراقبين ـ ان تتجاهله السعودية التي تنسج تحالفات قوية مع الكيان الصهيوني، وكان من الطبيعي ان يتغير الموقف السعودي لينسجم مع الحملة الاسرائيلية على الجيش اللبناني، بذريعة تنسيقه مع المقاومة وحزب الله.

التحفظ السعودي ليس مجرد موقف عابر او ردة فعل انفعالية على تصريح رئاسي، بل يأتي في سياق استراتيجية اسرائيلية تحاول ان تجر اليها الولايات المتحدة، بالزامها بالموقف الاسرائيلي تجاه القضايا والقوى في المنطقة، بدءا من احياء العداء والتوتر بينها وبين ايران، وانتهاء بالتصعيد ضد حزب الله، وهو ما تؤكده صحيفة الاخبار اللبنانية التي رأت أنه موقف متناغم مع إسرائيل ولم يعد مجرد «تقاطع مصالح».

واضافت: (إن تفسير الجرأة السعودية الإماراتية على رفض جملة تقليدية تدعم لبنان في صراعه مع إسرائيل يعود إلى ما يجري الإعداد له في واشنطن، والذي كشفت عنه صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في منتصف فبراير الماضي، من أن إدارة ترامب تشرف على محادثات من وراء الكواليس بين مسؤولين من دول عربية ومسؤولين إسرائيليين لإنشاء تحالف عسكري، يضم إلى جانب الكيان الصهيوني كلا من السعودية والإمارات ومصر والأردن). وسبق أن نقلت فرانس برس عن ترامب قوله إنه يؤيد دعوة رئيس وزراء الكيان الصهيوني لإنشاء تحالف من الدول العربية وإسرائيل لما وصف أنه لمواجهة إيران. وسجل مؤتمر ميونخ للأمن في 18 فبراير الماضي مرحلة جديدة للتوافق السعودي الإسرائيلي عندما ضمت قاعة المؤتمر وزير الخارجية الإسرائيلي ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير. وهناك طالب الوزير الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان من الجبير التعليق على كلامه الذي يقول: إن أهم حدث في الشرق الأوسط منذ عام 1948 هو أن بعض الدول العربية أدركت أن العدو الحقيقي ليس إسرائيل وإنما إيران، قبل أن يصعد الوزير السعودي عادل الجبير ليؤكد ذلك.

وفي ظل هذه الأجواء والهرولة المتسارعة للرياض وأبو ظبي باتجاه إسرائيل، فإن ذلك جعلهما لا يتسامحان مع تصريح أطلقه الرئيس اللبناني ميشال عون في 13 فبراير عندما قال: (إن وجود حزب الله إلى جانب الجيش اللبناني ضروري للدفاع عن لبنان في وجه العدو الإسرائيلي».

والمؤسف في كل ذلك ان العلاقات اللبنانية السعودية لا تسير على ايقاع مصالح الطرفين، بل هي بإصرار سعودي لا لبس فيه، تتلون بحسب المصالح الاسرائيلية، او المواقف السعودية من ازمات المنطقة، وحاجتها لحشد المواقف والتأييد، لمواصلة سياستها في تغذية حروب المنطقة وابقائها في دائرة التوتر والانفجار، بانتظار أوان الحلول التي تحقق المصالح الاميركية، والامن الاسرائيلي.

الصفحة السابقة