محمد بن سلمان أمر بصرف شهادة وفاة للدولة الريعية

.. وبدأت دولة الضرائب بلا حقوق سياسية

عمرالمالكي

عمر الدولة الريعية في السعودية أقصر منه في بلدان الخليج الأخرى. ونقصد بالدولة الريعية، تلك الدولة التي تعتمد في مواردها على مصادر الدولة النفطية والمعدنية، ولا يوجد بها ضرائب تُذكر، بحيث تقوم الأنظمة الحاكمة بالصرف على مؤسسات الدولة وخدماتها، من تلك الأموال، وبذا تكون قد رَشَت المواطنين، وأضعفت رغبتهم في المطالبة بحقوقهم السياسية، مادامت الدولة تخدمهم، ولا تمسّهم بسوء من خلال الضرائب على الرواتب أو الخدمات وغيرها.

 
الشعب المشلّح في الزمن السعودي الرديء 

الدولة السعودية اليوم، وبإجراءات محمد بن سلمان، الذي يسيطر على الملفين الإقتصادي والعسكري بالكامل، ألغى الدولة الريعية بضربة واحدة والى الابد، حيث ان الاجراءات التي اتخذها، لا تتعلق بمدة محدودة، أو بأزمة طارئة، وإنما هي نمط سيستمر ما استمرّ النظام نفسه.

السبب في تحوّل النظام عن الدولة الريعية، هو الفشل. إذ لا يعقل ان يقدم النظام على هذا التحوّل الخطير، لولا أنه كان مدفوعاً إليه بشدّة.

النظام اعترف بذلك، ومحمد بن سلمان نفسه اعترف بذلك، والعديد من الوزراء اعترفوا بذلك.

لقد اعترفوا جميعاً بفشل ادارة موارد الدولة، حين قالوا بأنها كانت قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس التام! وأنها لم تكن لتصمد إلاّ بين عام أو عامين على الأكثر، وتصبح مفلسة تماماً.

هذا القول بحدّ ذاته، يكفينا لمعرفة حجم الفشل في أكبر دولة مصدرة للنفط، وأكبر دولة في العالم لديها مخزون من النفط، فضلاً عن المعادن الأخرى (الذهب مثلاً)، ولديها مصادر أخرى من المداخيل (من الحج والعمرة، وضريبة الزكاة، وغيرها).

الفشل في إدارة الدولة وأموالها خلال ما تم التعبير عنه بـ (فترة الرخاء/ أو الرفاه)، وهي فترة تصاعد أسعار النفط حتى فاق سعر البرميل المائة وعشرين دولاراً، بحيث ان الأمراء فشلوا في توفير الحد الأدنى من العيش الكريم لمواطنيهم.. إنما يدل أساساً على ان الدولة الريعية لم تعد قادرة على مواصلة طريقها أو أداء دورها.

كيف تكون الدولة السعودية (أبوية/ ريعيّة) وهي لا تستطيع أن توفر وظيفة لأربعة ملايين عاطل عن العمل؟

كيف لدولة ريعية مُسعودة، لديها كل الإمكانات، أن تفشل في توفير قطعة أرض لمواطن كي يبني منزلاً فوقها، حتى أصبح ثمانون بالمائة من السكان يعيشون في بيوت بالإيجار، وهذا لم يحدث في التاريخ، وفي أفقر دول العالم؟

كيف لدولة ريعية مسعودة، تمتلك ما تمتلكه من تريليونات الريالات النفطية، أن لا تستطيع توفير خدمات صحية في مستواها الأدنى، ولا تستطيع أن توفر طرقات معقولة حتى بين القرى والأرياف، كما لا تستطيع توفير تعليم يليق بهذا العصر، ويتماشى مع متطلبات التنمية؟

الدولة الريعية السعودية ماتت قبل أن يصرف الامير محمد بن سلمان شهادة وفاة لها!

عبثاً كانت محاولات بعض المسؤولين انقاذ الدولة الريعية، فقد فشل الوزراء المتعاقبون جميعاً في مجرد تخفيف نسبة البطالة، وفشل مسؤولو الرقابة المالية في مجرد تخفيف نسبة الفساد؛ وفشل المصلحون في مجرد تنبيه النظام من مغبّة استمرار الإستبداد، ووضعهم آل سعود في السجون بأحكام تصل في بعض الأحيان بين 25 و30 سنة سجناً.

 
الفقر في بلد النفط: نصف الشعب تحت خط الفقر

التريليونات من الريالات خلال الوفرة النفطية، لم تنتج اقتصاداً متنوعاً، بل اقتصاداً عليلاً قائماً على الدولة، ومخرجات التعليم رغم تحسّنها لم تلغ وجود 11 مليون عامل اجنبي، بمعدل عامل اجنبي لكل مواطنين إثنين، حيث يبلغ تعداد المواطنين عشرين مليون نسمة فقط.

ثم جاءت حرب اليمن، وبعدها سياسة اغراق السوق النفطية (سعودياً) لمجرد الإضرار بالعراق وإيران وروسيا، فكانت النتيجة كارثية.

الدولة السعودية الفاشلة، لم تجد حلاً وهي تنحدر نحو الإفلاس النهائي، إلا بالتخلّي عن كل التزاماتها تجاه المواطنين بشكل كلّي وشامل. بحيث اضافت الى كل المشاكل القائمة، مشاكل جديدة، من جهة الضرائب غير المسبوقة تاريخياً، خاصة وانه ينظر اليها ـ اي الضرائب ـ على أنها من المكوس المحرّمة شرعاً.

ضرائب الرواتب أدت الى اقتطاع بين 30-40% منها.

الخدمات الحكومية العادية التي كانت مجانية، أو بمبالغ قليلة، تضاعفت عشرات المرات.

الوقود كالبنزين زادت اسعاره بنسبة عالية، وهذه مجرد مرحلة اولى وستتلوها مرحلتان أخريان، في ظل عدم وجود مواصلات عامة اساساً.

فواتير الكهرباء والماء تضاعفت، وهناك ضرائب اخرى قادمة: على الزبالة؛ وعلى استخدام الشوارع العامة؛ وعلى السلع الأخرى (ضريبة القيمة المضافة ستبدأ بخمسة بالمائة وستصل الى 15%). كل هذا دفع بوزير المالية الجدعان كي يطلب من المواطنين ان يشدوا أحزمتهم خلال السنوات الخمس أكثر فأكثر!

بسبب الأزمة، شركات كبرى انهارت: سعودي اوجيه مثلاً، شركة عبدالله فؤاد، وشركة بن لادن، ما نتج عنه اضافة عشرات الآلاف من المواطنين الى خانة البطالة، والى الملايين من الطبقة المُعدمة والفقيرة، بعد أن انكمشت الطبقة الوسطى وتكاد تختفي.

كل هذا يأتي، ضمن موجة دعائية رسمية تمجد ببطل الإقتصاد والعسكر محمد بن سلمان، لكنها حملة سرعان ما ثبت فشلها، حيث لم تلقَ أُذناً من المواطنين، الذين وجدوا أن رؤية محمد بن سلمان العمياء (رؤية 2030)، كارثة عليهم وعلى الإقتصاد المحلي، وأن ما يقال عن (التحول الاقتصادي)، و(هيكلة الإقتصاد)، مجرد شعارات ثبت سريعاً تهافتها.

لا أحد يستطيع الانتظار الى 2030 لكي يرى ما سيحدث، ففي الشهور الأولى بان كل شيء على حقيقته.

فالدولة الريعية ليس فقط أوقفت الصرف، الذي اعتبره الامير سلطان وزير الدفاع الأسبق، ضرورياً لاستمرار ولاء المواطنين للعائلة المالكة، وقال قولته المشهورة: (حتى حنّا اذا ما اعطينا الناس ما يحبّونا)!

 
ضرائب على هوامير العقار مجرد نكتة

العائلة الحاكمة أوقفت ايضاً كل المشاريع الحكومية تقريباً، بالطبع عدا مشاريع الحرب والتآمر وشراء الذمم؛ والأهم قامت وتعدّت على حقوق المواطنين انفسهم، وسرقت رواتبهم، لتغطية عجز سببه نهبهم للأرض والنفط والمعادن وفساهم بشتى أنواعه.

اذن .. فإن الاجراءات الضريبية التي تم اتخاذها كانت إجراءات جذرية، وستستمر طويلاً، ولن تعود الدولة الريعية مرّة أخرى، كما لا يُنتظر ان تحلّ أي من المشكلات القائمة، وفي مقدمتها البطالة المتفشية، والفقر المتصاعد الذي كان وقت الوفرة (2003) قد اصاب حسب الإحصاءات الرسمية، 30% من المواطنين الذين كانوا يومها تحت خط الفقر، ولا شك انه قد انضم اليه الكثيرون اليوم. ولا ينتظر أيضاً حل مشكلة الإسكان، ولا تحسين الوضع الصحي والتعليمي او غيرهما.

على العكس، فحسب التسريبات للصحافة المحلية، فإن الامير محمد بن سلمان (صاحب الرؤية العمياء 2030)، ليس فقط وضع منتقدي رؤيته في السجون، ومنع بعضهم من الكتابة في الصحف، وهدد الآخرين من كتابة تعليقات او تغريدات على تويتر ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى.. بل زاد بأنه بصدد القيام بخصخصة كبرى لكل المرافق الصحية وربما التعليمية، وبالتالي القاء المشكلة كلها على القطاع الخاص الذي لا يستطيع ان يحيا بدون الدعم الحكومي، والذي يكاد يحتضر في الوقت الحاضر.

وقد سبق ان القت وزارة الإسكان ـ بأمر من محمد بن سلمان ـ بالأزمة السكانية على البنوك، وألغت أي دور لها في عملية توفير سكن لائق للمواطن، او حتى غير لائق، او مجرد منحه قطعة ارض للسكنى، في بلد تزيد مساحته عن مليوني كيلومتر مربع. وتم نهب مخصصات الاسكان من الميزانيات السابقة وقدرها 270 مليار ريال؛ كما ضاعت الضرائب المزعومة على ملاك الأراضي الكبار من الامراء وحاشيتهم. وفوق هذا، تمت سرقة تريليون ريال خلال ثمانية عشر شهراً الأولى من حكم سلمان وإبنه، وهو ما كشف عنه الاقتصادي الدكتور حمزة السالم في مقالتين (نشرناهما هنا في الحجاز)، فما كان من محمد بن سلمان إلا أن غيّب الرجل، تماما، حيث لا يُعلم مصيره، واختفى من صفحات الجرائد، ومن مواقع التواصل الاجتماعي؛ شأنه في ذلك شأن الباحث الاستراتيجي طراد العمري، الذي حذّر من انهيار الدولة في سلسلة مقالات نشرت في الخارج، فما كان من العائلة المالكة، وكلاب امنها إلا أن سجنوه منذ نوفمبر الماضي.

وضمن الخصخصة، فإن محمد بن سلمان يعتزم بيع ممتلكات الدولة، وأهمها شركة أرامكو النفطية، البطة التي تبيض ذهباً، والاجراءات قائمة لفعل ذلك، وكذلك خصخصة شركة الكهرباء وغيرها.

نحن اذن امام تحول غير عادي، سيُطحنُ فيه المواطن السعودي طحناً، بشكل لا يوجد شبيه او مثيل له في أي بلد خليجي آخر، بل وفي أي بلد عربي آخر!

نحن أمام صورة واضحة من (قتل) الدولة الريعية، وصرف شهادة وفاة لها، بعد أن عجز الأمراء في ديمومتها، بسبب نهبهم وفسادهم غير المسبوق في التاريخ كله.

لكن التحول عن الدولة الريعية، لا يعني نشوء اقتصاد صحيح، ولا يعني التزاماً من الأمراء بإيقاف نهبهم وفسادهم، والتحول بذاته عملية محفوفة بالمخاطر الأمنية والسياسية والإقتصادية التي قد تؤدي الى تذرّر الدولة السعودية نفسها.

الصفحة السابقة