فشل مبكّر لرؤية محمد بن سلمان

الأوامر الملكية وإعادة البدلات للرواتب!

خالد شبكشي

بعد سبعة أشهر من الاعلان عن الرؤية العمياء لمحمد بن سلمان، التي بدأت بتخفيض الرواتب بنسبة ٣٠ الى ٤٠ بالمئة، ما دفع بمئات من الأطباء وأساتذة الجامعات وغيرهم الى ترك أعمالهم والهجرة خارج المملكة، فضلاً عن معاناة الملايين من الأسر بسبب ذلك.

وبعد سلسلة متواصلة ومتسارعة من القرارات الضريبية، التي شملت الكثير من السلع والخدمات..

وبعد قرارات إيقاف الحكومة لكافة مشاريعها، وتحولها الى حكومة تسيير أعمال، وإقفال مئات الشركات الكبيرة، واضافة الالاف من العاطلين عن العمل الى القائمة.

 
من انواع التطبيل: الرؤية تفرض ضرائب، والرؤية توقفها تفضّلاً!

وبعد اشتداد الضربات القمعية الأمنية للحكومة ورفض الإصلاح او حتى مناقشة هذه الإجراءات الإقتصادية..

تراجعت العائلة المالكة، خطوة واحدة فأعادت البدلات الى الرواتب ابتداءً من شهر شعبان، خشية من الإنفجار الداخلي، الذي كانت نُذُرُه واضحة المعالم، حيث الدعوات الى مظاهرات واضرابات.. فكان ذلك إيذاناً بفشل مبكّر لرؤية محمد بن سلمان العمياء.

لكن هذا الإجراء، الذي تم تبريره بالقول ان الوضع الإقتصادي تحسن خلال الأشهر الماضية، وانزاح خطر الإفلاس عن الدولة.. جاء ضمن سلسلة من تعيينات أخرى، تقوّي قبضة ابن الملك محمد بن سلمان على اجهزة الدولة، وتحاصر ولي العهد محمد بن نايف، مثل تعيين ابن الملك خالد بن سلمان، سفيراً في واشنطن، وهو في العشرينيات من العمر؛ وكذلك تعيين حفيد الملك محمد بن فهد بن سلمان، نائباً لسعود بن نايف (أخ ولي العهد) على أمارة الشرقية؛ وكذلك تعيين اللواء عسيري نائباً لرئيس الإستخبارات؛ اضافة الى تعيينات أخرى لأمراء يدينون بالولاء لمحمد بن سلمان، ما يرجّح تهميشاً كبيراً لولي العهد، تمهيداً لإقصائه من ولاية العهد.

وكما لم يجرؤ الكتاب والصحفيون على نقد رؤية ٢٠٣٠ حين صدورها، ففضلوا الصمت في أكثرهم؛ فإن اعادة البدلات لم تحظ بتعليقات أيضاً منهم، لعلمهم انها مجرد تسكين مؤقت، وأن استعادة المواطن لكامل راتبه، تنتظره يدٌ أخرى لتسرق ما استعاده عبر ضرائب جديدة، سيعلن البعض منها بداية شهري يونيو ويوليو القادمين.

)الرجوع للحق فضيلة) يقول المحامي المديميغ؛ ويضيف مطالباً بـ (إعادة النظر في رؤية ٢٠٣٠، وفي مصير ارامكو والخصخصة المفرطة) فهذا كله يندرج ـ حسب تعبيره ـ ضمن فضيلة الرجوع للحق! واضاف المديميغ بأن اعادة البدلات ـ وحزمة التعيينات ـ لا تعني اصلاحاً وتنمية، فالأسماع كانت تنتظر قرارات من نوعٍ ثانٍ بدتْ سراباً، ويقصد قرارات تتعلق بحقوق المرأة والإصلاح السياسي. وهنا رد عليه احدهم بان المشكلة في المجتمع الذي لو (خيّرته بين الحرية أو زيادة خمسين ريالاً في راتبه، لاختار الخمسين ريالاً).

الناشطة عزيزة اليوسف كانت تنتظر أوامر ملكية بشأن الحقوق، (لكن من الواضح ان المشوار لازال طويلاً) حسب تعليقها. وهناك من أدرك بأنه كلما كثر الحديث عن قرب السماح للمرأة بقيادة السيارة، فإن ذلك يعني (فرض ضرائب جديدة او خصماً من الرواتب، او رفع الدعم عن شيء ما). لكن رغم السوداوية فإن الناشطة سعاد الشمري ـ التي اعتقلت لأشهر عديدة فخففت لهجتها ونقدها ـ تمنّي النفس بوجود لجان تبحث أمور الحقوق الشعبية، وتطالب بـ (شويّة شجاعة يا وطن) تقصد يا حكومة آل سعود!

ومن السخرية، انه في الوقت الذي تنفي فيه وزارة الخدمة المدنية ان يكون عدد العاطلين عن العمل من حمَلَة شهادتي الدكتوراة والماجستير بلغ عشرين ألف شخصاً، وتقرّ برقم ستة آلاف شخص، حامل شهادة عليا وعاطل عن العمل.. وكأن الرقم صغير.. في هذا الوقت يتكاثر العاطلون عن العمل ويسألون هل طلب وظيفة بات أمراً مستحيلاً؟!

نعم.. والدليل أن هناك اعلانات متكررة لتجمعات احتجاجية للعاطلين عن العمل، كان آخرها في 21 ابريل، قيل انها كانت السبب في اعادة البدلات، خاصة بعد انتشار فيديوهات تؤكد هلع العائلة المالكة، من خلال التواجد الأمني المكثف عند مكاتب العمل التابعة لوزارة العمل؛ وكذلك انتشار وثائق رسمية تم تسريبها تطالب فيها وزارة الداخلية منسوبيها بمواجهة الاحتجاجات. لكن محمد بن سلمان، وفي مقابلته مع داوود الشريان، نفى ان تكون اعادة البدلات قد جاءت بسبب الضغوط الشعبية!

 
المراهق خالد بن سلمان، سفيراً لأبيه وأخيه في واشنطن

وعموماً.. هناك الآن دعوة مفتوحة لتجمع العاطلين عن العمل أمام مراكز العمل الرسمية، في السابع من شهر رمضان القادم.

ان التراجع عن البدلات، بعد ستة اشهر من تطبيقها بحجة التقشف، وبعد أن استهلت بين 30% الى 40% من رواتب المواطنين كل شهر.. يعد ضربة لصاحب الرؤية العمياء محمد بن سلمان، ولرؤيته أيضاً. لكن لسخرية الأقدار، فإنه منذ اعلان الاوامر الملكية الأخيرة، سرق محمد بن سلمان ما عدّه البعض منجزاً لأبيه. وبدل أن يصبح ابن الملك متهماً، صار هو صاحب المكرمة على الشعب المسروق، الذي ينعم الآن بإيقاف الخصم الكبير في رواتبه!.

اليس عجيباً ان سبب الأزمة محمد بن سلمان، ينال التمجيد في أمر ملكي أُرغم عليه؟

ظهر جيش محمد بن سلمان الإلكتروني في هاشتاق يقلب المعادلة، بعنوان: (محمد بن سلمان يعيد البدلات)، حيث تبارى فيه جيشه الخاص على تويتر في نسبة الفضائل اليه، وكأنهم نسوا بأنه هو الذي قرر الضرائب، وهو الذي أمر بخصم الرواتب تقشفاً ومنعاً لافلاس الدولة، كما قال وزراؤه علناً. وهكذا أصبحت رؤية ابن سلمان المعتمدة اساساً على الضرائب وخصم الرواتب هي المنقذ، وليروج تساؤل: (كيف ساهمت رؤية ابن سلمان في إعادة البدلات والمزايا المالية) المسروقة.

الغريب ان صحيفة وزير الداخلية (سبق) هي من أطلق التساؤل مديحاً لمحمد بن سلمان، جهلاً منها؛ في حين حاول جيش تويتر الخاص بولي العهد اشراكه مع الدب الداشر في المنجز الكاذب.

وهكذا اصبح محمد بن سلمان رجل المرحلة، فقد تجاوز الأزمة الاقتصادية، والدليل اعادة البدلات، وهو امر لم يقله الا الطبالون. حتى رئيس هيئة المنكر عبداللطيف آل الشيخ، غرّد مادحاً صاحب الرؤية العمياء، ودعا الله ان يجزيه خيراً، وهو الذي سرق وبدد تريليون دولار في ١٨ شهراً؛ واشترى يختاً بنصف مليار دولار.

ايضاً ظهر هاشتاق آخر بعنوان: (محمد بن سلمان يُسعد الشعب)، فقد حلّ الأزمة الاقتصادية في سبعة أشهر، وهذا عمل جبّار له ولمجلسه الاقتصادي، يقول احدهم. في حين أن كل الغرض من التعيينات امتصاص الغضب قبل رمضان، وتدعيم سلطة محمد بن سلمان مقابل ابن عمه في انقلاب أبيض ليكون هو الملك القادم.

ولا يكف جيش ابن سلمان الإلكتروني عن اختراع هاشتاقات على مواقع التواصل الاجتماعي، لأنه يعلم بأن الإعلام المحلي (الصحافة بالتحديد) هي وكتابها بيد وزير الداخلية وتحت سلطته وسطوته.. ومن بين الهاشتاقات واحد حمل عنوان: (شكراً محمد بن سلمان)، وليس شكراً للملك سلمان صاحب القرارات، فتأمّل!

كذبة مكافحة الفساد!

هناك امرٌ جديد في التعيينات الملكية الأخيرة، وهو اقالة وزير الخدمة المدنية خالد العرج، رغم انه طبّال غير محترم؛ ليس هذا فحسب، فقد تمت احالته للتحقيق، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ السعودية؛ وذلك لإشغال المواطنين في الأساس.

ومن السخرية بمكان، هو ان السبب في التحقيق معه هو تعيينه لإبنه عبدالله موظفاً براتب شهري يقترب من ٢٢ ألف ريال (٥٧٠٠ دولار تقريباً). هذا مع ان معظم التعيينات الملكية هي عائلية لأمراء، وهي بالعشرات، ورواتبهم ومخصصاتهم لا يعلم بها الا الله. فما هو حلال للملك وابنه، حرام على الوزير.

الكاتب الإقتصادي الذي تم كتم انفاسه عبر المباحث، برجس البرجس، قال ان محاسبة الفاسدين يمكن ان تكون افضل مصدر للدخل؛ وطالب بفتح ملفات المفسدين ـ طبعاً من غير الأمراء؛ وتوقع استقالات من وظائف عليا لارتباطهم بقضايا فساد؛ فيما تولى آخرون التمجيد بمكافحة الفساد الذي أعلن عنه محمد بن سلمان، والذي هو بحق رأس الفساد!

فمن قائل: (من هنا يبدأ الإصلاح)؛ وقائل: (إنها نهاية لصوص الأراضي) الذين هم كلهم من الأمراء! بل ان صحيفة الداخلية (سَبْقْ) حمّلت الوزير العرج مسؤولية تزايد طوابير البطالة، وكأن سياسات الملك وابنه يتحملها فقط وزير اداري لا صلاحيات له في رسم الخطط الاقتصادية. او كأن الأمراء وبقية الوزراء من حواريي عيسى بن مريم، في حين أن الأمراء هم أصل البلاء، كما يقول المعارض الدكتور فؤاد ابراهيم.

واعتبر الواعظ الجذلاني، الموظف في وزارة الداخلية، التحقيق مع وزير الخدمة المدنية من أعظم صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وهو كلام حق أُريد به باطل. وكان قادة جمعية حسم قد سبق لهم أن طالبوا بالتحقيق ومحاسبة وزير الداخلية وغيره، فوضعوهم في السجون لخمس عشرة سنة او عشرين سنة، بتهمة (تعطيل التنمية)!

ولإشغال الرأي العام عن فساد محمد بن سلمان وأمراء آل سعود، نُشر بأن هناك ١١١ قضية فساد قد أُحيلت للتحقيق، احداها تخص مدير جامعة الامام محمد بن سعود، التي تخرج دعاة الوهابية، وهو سليمان أبا الخيل، الذي عيّن قبل فترة عضواً في هيئة كبار العلماء، فتخيل الفساد في الطبقة الدينية العليا.

هذا الرجل ـ أبا الخيل ـ وظّف أزواج بناته أحدهم وكيل في الكلية، وعيّن زوجته مديرة قسم وهي لا تحمل شهادة جامعية، كما عيّن ابن خالته عميد كلية، ووضع ابنه على الماجستير بدون منافسة. يعني الجامعة صارت وقف لآل ابا الخيل. وقبل هذا، وفي فساد منشور قال ان تطوير موقع الجامعة على الإنترنت كلّف خزينة الدولة مائتي مليون ريال، يعني يمكنك شراء بالمبلغ عشرين بالمائة من أسهم تويتر!

هنا يبدو الوزير العَرَجْ مسكيناً لا ظهر له، والاختبار الحقيقي لمزاعم مكافحة الفساد، تكمن في كيف سيتم التعامل مع ابا الخيل، المطوع القادم من منطقة القصيم المباركة؛ يقول احدهم.

الحقيقة ان الاختبار الحقيقي هو اذا ما تمت محاكمة امير من عظام الرقبة من الناهبين الكبار.

 
إقالة عادل الطريفي وزير الاعلام الفيلسوف!!
إقالة وزير الإعلام الطريفي

هناك بعض التعيينات الملكية أفرحت المواطنين، أو شريحة منهم. واحدة منها: إقالة وزير الإعلام عادل الطريفي؛ الذي طبّل له البعض واعتبره فيلسوفاً سعودياً أبهر الإنجليز؛ وتم تعيين وزير جديد هو عواد العواد الذي بدأ سيرته بالتدثّر بالدين وادعاءه الإخلاص والأمانة كما فعل سابقوه!

ظهر الطريفي في وضع معتلّ، وقيل انه سكران، في اليابان حين رافق محمد بن سلمان العام الماضي. وظهر مرة اخرى في مشهد نُسبَ الى الشذوذ.

لكن قضية سرقة الوزير لقصيدة أحمد شوقي، وتحويرها لمدح خالد الفيصل، وقيام المثقفين بنقده لسرقته، وتداعيات ذلك كما حدث للأديب حسين بافقيه الذي مُنع من الكتابة عقاباً له على تعليقاته.. الى جانب امور أخرى تتعلق بتجنيد مطبلين له من الصحفيين، وفصل كثيرين آخرين. كل هذا جعل المثقفين يكرهونه ويكرهون رئيسه محمد بن سلمان، فتم الإستغناء عن خدماته!

الكاتب عبدالله الجهيمي علق على اقالة الطريفي بأن (أجمل خبر هو إعفاء أديب الزمان عادل الطريفي) يقول ذلك ساخراً. ومن جانبه، طالب الإعلامي بخيت الزهراني وزير الاعلام الجديد بأن (ينخل الصحف المحلية نخلاً احترافياً، ويمنع المطبلين من الكتابة او الخروج على التلفزيون. فالمطبلون يشكلون خطراً على الوطن). وبالغ احدهم في مطالبة الوزير بأن يغلق وزارته، لأنها معول هدم للقيم والأخلاق، وستار للملاحدة!

وبالعودة الى الأوامر الملكية، فإن التيار السلفي، تمنّى عودة هيئة المنكر لمزاولة عملها، وأن يصدر أمر ملكي بذلك، وأن يتم الغاء هيئة الترفيه المُفسدة. وهذا يشبه تمنيات الحقوقيين بالاصلاح السياسي، وبحماية المرأة وحقوقها وغير ذلك. اي مجرد تمنيات.

وضع محازبو هيئة المنكر هاشتاقاً بعنوان (فرحتنا تكتمل برجوع الهيئة) وليس فقط بإرجاع البدلات، تمنّوا فيه أن يسمعوا أمراً ملكيا بالغاء هيئة الترفيه واعادة صلاحية هيئة المنكر. وقال آخر محفّزاً او محرّضاً: (نستغرب من رجال غضبوا حينما خصمت الدولة من رواتبهم مبالغ زهيدة، ولكن الأعراض تُنتَهك وتُداس أمامهم وهم ساكتون)؛ واضاف ثالث: لن تكتمل فرحتنا ونحن نرى تعطيل ركن من أركان الإسلام.

الصفحة السابقة