الأزمة القطرية، والنهاية غير سعيدة!

خالد شبكشي

مع أننا نعلم كيف بدأت الأزمة الجديدة بين قطر من جهة والسعودية وحلفائها ومن ورائهم امريكا من جهة ثانية.. الا أن أحداً لا يعلم كيف ستنتهي عليه الأمور، حتى اولئك المشاركون في الصراع او اللاعبون الرئيسيون فيه، لا يعلمون على وجه واضح كيف يمكن وضع حد للخلاف، ومنع تصعيده، واحتواء الخسائر. ولعل السبب في جعل الصورة ضبابية أمران رئيسيان:

 
بدأت المؤامرة باختراق وكالة الانباء القطرية.. ولكن أين النهاية؟

الأول ـ دخول لاعبين كثر في ساحة الصراع القطري السعودي؛ بما في ذلك ايران وتركيا وفرنسا فضلاً عن امريكا ودول آسيوية وافريقية.

الثاني ـ اعتماد سياسة المقامرة والمغامرة من جانب السعودية وحليفاتها، وعدم ادراك توابع السياسات التي اتخذت، والمضي في حال التصعيد. باختصار فإن خطأ الحسابات قاد ويقود الى توسع آفاق المشكلة، ويعقد حلّها.

ويمكن للمرء ان يضيف سبباً ثالثاً، وهو استخدام الاعلام في الصراع الذي ولد مرارة في النفوس، وكسر الحواجز والمحرمات، وحقوق الاشخاص، ما جعل المشكلة اكثر من كونها سياسية الى مشكلة شخصية في بعض الأحيان. وإن ضغط الرأي العام، في هذا الوقت المستعر، لا يميل الى المصالحة والتراجع، بل الى المزيد من التسعير والتشدد والتصعيد.

الخطوات السعودية ضد قطر كانت معدّة ومدروسة، وقد بدأت بقرصنة موقع وكالة انباء قطر، وبث حديث بلسان الشيخ تميم، لتتالى بعدها الحملات الاعلامية، واغلاق مكاتب الجزيرة، وكل الاعلام القطري المكتوب والمقروء؛ ثم يُصار الى قطع العلاقات السياسية، وخنق قطر من معبرها البري الوحيد وهو السعودية، وفرض حظر على الخطوط القطرية من دخول الأجواء، وطرد الرعايا القطريين من السعودية والامارات وغيرها، ومنع بقاء رعايا السعودية وحلفائها في قطر؛ ثم لتتخذ خطوات بوضع السعودية لقوائم ارهاب خاصة بها ضد قطر، لم تعترف بها الامم المتحدة، واتُخذت اجراءات بشأن منع التعامل بالريال القطري، وتم منع القطريين من العمرة خاصة في العشر الأواخر من رمضان، وأدت الهجمة القاسية الى تعرّض مواطنين قطريين للعسف وممتلكاتهم للتخريب في الأراضي السعودية.

وأظهرت الرياض وحليفاتها قوانين تجرم التعاطف مع الموقف القطري، بالسجن لسنوات طويلة وغرامات مالية هائلة، كما وتجرم مجرد مشاهدة قناة الجزيرة، او حتى عدم حذفها بالنسبة للمحلات العامة، الى غير ذلك من الاجراءات السعودية، التي خرجت من اطار معاقبة دولة لدولة، او بعض الدول المتضررة من سياسات قطر، الى محاولات تأليب الدول العربية والإسلامية كلها، ضد قطر، لتقطع العلاقات السياسية معها، وتشترك في الحملة السعودية الجديدة، او (عاصفة الحزم السلماني الجديدة) ضد قطر هذه المرة.

هذه السياسات وصفها ترامب بأنه
 
اللوموند: السعودية تهدد الدول الافريقية بمنع رعاياها
من الحج والعمرة ان لم تقطع العلاقة مع قطر!
ا محاولة لتجويع الوحش (القطري طبعاً)، على يد (الشقيقة الكبرى) أو (الشقيق السعودي الأكبر).

رأس الحربة في المعركة ضد قطر هي السعودية والإمارات، والبحرين تابع، ومصر لاحق، واليمن لديه حكومة في أحد فنادق الرياض!

تحركت الرياض والامارات على الدول العربية لقطع العلاقات مع قطر، فرفض السودان الإخواني معاقبة قطر؛ وبعد لأي وضغوط هائلة، قررت الأردن تخفيض تمثيلها الدبلوماسي واغلاق قناة الجزيرة، والمملكة المغربية فعلت ما فعلته شقيقتها الأردن؛ ولكن موريتانيا قطعت العلاقات الدبلوماسية بالكامل مع قطر استجابة للطلب السعودي.

طبعاً هناك دولٌ أخرى، كالمالديف التي قيل انها قطعت العلاقات مع قطر في اللحظات الأولى لاشتعال الأزمة؛ ثم لحقتها مورشيوس، حسب الاعلام السعودي والاماراتي، لكن ما إنْ نُشر الخبر، حتى سارعت مورشيوس الى نفي قطعها علاقاتها مع قطر، وقالت انها فوجئت بالأخبار الواردة من السعودية. ويعتقد المراقبون ان المالديف نفسها لم تُستشر في قطع العلاقات مع قطر، بل اتخذت السعودية القرار بالنيابة عنها.

ايضا فإن جزر القمر وتشاد والسنغال والنيجر قطعت العلاقات مع قطر استجابة للطلب السعودي او مقابل دعم مالي. والصومال اعلنت رسمياً بأنه قد عُرض عليها ٨٠ مليون دولار ثمناً لقطع العلاقة مع قطر، ولا يُعلم هل هذا صحيح أم لا، وهل الغرض اعلان الامتعاض من السعودية، ام تصيّداً لمكسب قد يأتي من قطر!

والأنكى أن صحيفة اللوموند الفرنسية، نشرت خبراً يتعلق بتهديد الرياض لدول أفريقية عديدة، بأنها إنْ لم تقطع علاقاتها مع الدوحة، فإنه لن يُسمح لرعاياها بالعمرة والحج!

تدويل المشكلة الخليجية

المشكلة بدأت بمؤامرة سعودية اماراتية امريكية، ولم تنته بمبادرة حل.

أمير الكويت سارع للتدخل، وجاءه قبلها أمير قطر في زيارة للكويت، ولكن السعودية سرعان ما أعطت اشارة بأن أية وساطة غير مرغوبة، وكرر الإعلام السعودي ذلك مراراً.

بعد أن استُكملت معظم اجراءات العقوبات ضد قطر، وتطييباً لخاطر أمير الكويت، زاره خالد الفيصل امير منطقة مكة مبعوثاً من الملك سلمان، ليدعوه الى زيارة الرياض. البعض اعتبرها مبادرة، بينما الحقيقة ان الرياض طلبت من امير الكويت أن يرسل انذاراً سعودياً الى امير قطر. وحين غادر الرياض الى ابو ظبي، لقي امير الكويت صلفاً إماراتياً غير معهود، وقال محمد بن زايد للأمير: (ما عندنا شي غير اللي سمعته في الرياض)!

وزير الخارجية السعودية كان في زيارة لألمانيا وفرنسا؛ وذلك للتأثير على موقفيهما تجاه الأزمة، خاصة بعد أن ظهرت بوادر امتعاض من التصرف السعودي الإماراتي، ومن السلوك الأمريكي نفسه، الذي أشعل الأزمة، بحسب وزير خارجية المانيا. عادل الجبير، وجد لدى فرنسا والمانيا رغبة في التوسط بين أطرأف الأزمة، لكن الوزير ـ وبتعليمات من سيده محمد بن سلمان ـ رفضها بطريقة دبلوماسية حين قال بأن الأزمة مع قطر، هي أزمة خليجية، ويجب أن تُحلّ ضمن إطار مجلس التعاون الخليجي!

 
ترتيب امريكي سعودي اماراتي مسبق

من سخرية القدر، ان مجلس التعاون الخليجي لم يصدر بياناً حتى الآن بشأن الأزمة؛ ولا السعودية او الامارات استخدمتا آليات المجلس لحل المشكل مع قطر (على افتراض ان هناك آليات حلول في المجلس). وحتى الجامعة العربية، كانت غائبة عن الساحة، ولا تستطيع ان تتحدث باسم العرب جميعاً.

وحدها الرياض الجريئة حدّ الوقاحة، التي دعت منظمة التعاون الاسلامي، ورابطة العالم الاسلامي، وكلتاهما منظمتان مقرهما جدة، وكلتاهما تتبعان السعودية وترأسهما السعودية، وتمولهما السعودية.. هاتان المنظمتان، وبدون الرجوع للدول الاسلامية الأعضاء أيّدتا كل الإجراءات السعودية ضد قطر!

وهكذا نرى ان السياسة السعودية كانت تعمل على أن العالم كله ملعبٌ لسياستها، وتستطيع ان تستخدم وتحرض أية جهة او دولة او جماعة او وسيلة اعلامية ضد قطر. ولكن حين يحين النقاش حول الحل السلمي: تتذرع الرياض بأن المرجعية هي مجلس التعاون الخليجي، الذي نصفه منشق عن النصف الآخر: (قطر والكويت وعمان من جهة، والسعودية والبحرين والامارات من جهة ثانية).

الاتهامات السعودية لقطر بأنها تسعى لتدويل المشكلة، لا يحجب عن المتابع الموقف الأمريكي الذي طالما رحبت به الرياض وابو ظبي، طالما انه في صالحهما. كل التصريحات العنترية ضد قطر تم الترحيب بها في الاعلام السعودي، بل ومن مجلس الوزراء السعودي نفسه.

ما قاله ترامب وتدخله السافر وتحريضه الواضح ضد قطر، لا يُعدّ تدويلاً للمشكلة!

لكن أن تذهب قطر الى موسكو ودول اوروبية، أو تصرح ايران او تركيا او غيرهما بشيء مخالف للموقف السعودي، فهنا تصبح قطر مجرمة بتدويل المشكلة وتوسعة الحريق!

المشكل السعودي القطري وُلد نتيجة تآمر إقليمي ودولي، وبالتالي فإن الحديث عن تدويل الخلاف او الأزمة لا معنى له اساساً.

فضلا عن هذا، فإن من الحمق السياسي ان يعتقد السعوديون والإماراتيون، ومن هم وراءهم، بأنه يمكن حصر الخلاف السعودي القطري، في منطقة عالية الاستقطاب شديدة التوتر، متداخلة المصالح، متقاربة الحدود!

 
الكويت وساطة أم ابلاغ قطر تهديداً نهائياً؟!

سيكون الامراء السعوديون ونظراؤهم الامارتيون حمقى إنْ كانوا قد اعتقدوا بأن النار التي كانوا بصدد اشعالها ضد قطر لن تؤثر على ايران وتركيا، وانهما لن تتدخلا في الأمر!

ايران مقابل قطر، وبينهما أكبر حقل غاز مشترك، ينتج ستين بالمائة من ثروة قطر الحالية! فكيف يتوقع ان لا تتدخل ايران في الأمر؟!

وايران التي بينها وبين الرياض ما صنع الحدّاد، كما يقال بالأمثال، كيف يمكن لها ان تصمت وهي ترى ما فعلته الرياض تجاهها يتكرر مع قطر، وكيف تقبل ان تتغوّل السعودية بمعونة ترامب، وهي صامتة في صراع من مصلحتها ان تخسر فيه الرياض؟!

وتركيا التي خسرت معظم اوراقها الإخوانية، في تونس وليبيا ومصر وحتى العراق وسوريا، ولم يتبق لها سوى قطر، كرديف سياسي، لا يمكن ان تتركها وحدها، ولو من الزاوية المصلحية الإقتصادية. فقطر أنفقت ما يقرب من خمسين مليار دولار في تركيا خلال السنوات الخمس الماضية!

فضلاً عن هذا، هناك اعتقاد بأن الضربة إنْ نجحت ضد قطر، فستتكرر ضد تركيا! واذا ما كان اردوغان طموحاً (وهو كذلك) فبإمكانه اهتبال الفرصة وإعادة الدور التركي الى الخليج، والى قطر تحديداً بعد نحو ١٠٤ أعوام على خروج القوات العثمانية من قضاء قطر وقضاء القطيف ومتصرفية الأحساء وذلك عام ١٩١٣.

الشيء المدهش في موضوع التدويل هذا، ليس في موقف ايران وتركيا وغيرها من الدول، بل في الموقف الأمريكي تحديداً.

لم تكن أمريكا في سياساتها وفتنها التي تصنعها تظهر من وراء الستار.

هذه المرة ـ وربما بسبب شخصية ترامب ـ نزلت امريكا بكل وضوح في المعركة، وواضح من تصريحات ترامب المتكررة، أنه ليس فقط يدين قطر بتمويل الإرهاب، بل انه يقف الى جانب السعودية، وهو يلمح الى ان المعركة مع قطر مستمرة وسينتصر فيها.

هي معركة امريكية واضحة المعالم، وبلسان ترامب. وعبثاً حاول وزير خارجيته ومسؤولو الدفاع والسي آي ايه، ان يبقوا بعض الأمور مكتومة، لكنهم فشلوا في ضبط لسان ترامب.

لا يحتاج المرء الى ان يستنتج أمراً بشأن الموقف الأمريكي، ولا أن يغوص لكي يحلل دوافعه. فترامب قال كل شيء، واعلام السعودية والإمارات أعاد نشر مقولات ترامب لتصل الى مديات اوسع، باعتبار البلدين يبحثان عن شرعنة لموقفهما دولياً.

لهذا لم يهتم البيت الأبيض بنفي ما قاله وزير الخارجية الألماني من ان ترامب في زيارته الأخيرة للرياض أشعل الفتنة والحرب!

 
ابن زايد للشيخ صباح: لا كلام لدينا إلا ما سمعته في الرياض!

ولماذا ينفون ذلك، اصلاً؟!

لكن.. وضمن الحديث عن تدويل المشكل القطري، هناك عنصر مهم يتعلق بانتهاز دول ومؤسسات ومنظمات وأحزاب وشخصيات لفرصة الصراع والدخول على خط المعركة، بغية تحقيق مكاسب اقتصادية او مالية.

بمعنى أن دخول الدول الخليجية الغنية في المعركة مع بعضها البعض، شجّع وحفّز الكثير من الدول والشخصيات على المشاركة في الحرب الفتنة، مع هذا الطرف القطري او ذاك السعودي، أملاً في تحصيل صفقات تجارية او استثمارات، او حتى هبات وأموال. ولهذا فإن النار الخليجية استعرت بسرعة، لكثرة من اقتحم ميدان المعركة سواء في الجبهة الإعلامية او السياسية او غيرهما.

لو كان المتصارعون فقراء ما التفت اليهم احد!

اما صراع الأغنياء (الأغبياء) فكلٌ يبحث عن منفعة فيه، وفي ديمومته.

كان لافتاً مثلاً أن المانيا وفرنسا (وبقدر أقل بريطانيا) مستاءتين من الصراع السعودي القطري، ولأول مرة تكون ألمانيا بهذه الفاعلية السياسية في أزمة ما بعد البركسيت (خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي)؛ وكان الاستياء الالماني منصباً ضد امريكا، حيث فُهم من اشعال الفتنة الترامبية أنها تريد الاستحواذ على الإمكانات المالية القطرية والخليجية عامة، دون ان تُبقي شيئاً للحلفاء الأوروبيين!

وبقدر ما كان هناك استياء اوروبي بل وسخرية من زيارة ترامب للرياض، وحسدٌ له لحصوله على مئات المليارات من آل سعود، فإن الأوروبيين هذه المرة لا يريدون ان يروا تكرار حلب قطر وأموالها، وهي التي تستمثر الكثير منها في البلدان الأوروبية.

ايران لا تبحث عن مكسب اقتصادي من قطر (وهو محدود)، بقدر ما تبحث عن مكاسب استراتيجية جيوسياسية، تتعلق بتعزيز دورها الإقليمي، وإضعاف الرياض عن مواصلة معاركها في اليمن وسوريا، وتأهيل دول سنية (مصر وتركيا وحتى اندونيسيا) لترث الدور السعودي المغامر.

المكسب الإقتصادي الإيراني تحدث عنه الاعلام السعودي بشكل مضخم، فعدا بعض السلع الغذائية من فواكه وخضروات ومعلبات يتم تصديرها الى قطر.. هناك رسوم استخدام الأجواء الايرانية من قبل اسطول الطائرات القطري، وهذه لا تزيد عن ١٤ مليون دولار شهرياً.

انحلال مجلس التعاون الخليجي
 
التدويل للأزمة: ظريف في تركيا لمناقشة تطورات الأزمة القطرية السعودية

مجلس التعاون الخليجي أداة سعودية لفرض سياساتها على دول الخليج الخمس الأخرى.

لم يعد المجلس ذا فائدة أمنية، وهو الغرض الأساس من تأسيسه بعيد اندلاع الحرب العراقية الايرانية بداية الثمانينيات.

ورغم ان اكثر مواطني دول الخليج غير مقتنعين بأداء مجلس التعاون، ولا إنجازاته المحدودة، فإن الرياض كانت مقتنعة بأن المجلس يمثل اداة وصاية لها على الآخرين.

ولربما لهذا السبب تحديداً فشل المجلس.

فالرياض تريد سياسة خارجية واحدة يتم إقرارها في الرياض! وهذا ادى الى نفور سلطنة عُمان وقطر وحتى الكويت.

والرياض تريد عملة موحدة وبنكاً مركزياً موحداً، تسيطر عليه، ومقره الرياض أيضاً، مثلما هو المجلس نفسه بأمانته العامة.. هذا أدى أيضاً الى رفض الإمارات لأساس العملة الموحدة في حين ان سلطنة عمان اعلنت بأنها ستنسحب من المجلس في حال تم فرضها!

والرياض تريد قوات درع الجزيرة، لا لمواجهة المخاطر الخارجية، بل لتأكيد نفوذها السياسي عبر القوات المسلحة (١٥ الف جندي من ٢٠ الفاً جندي خليجي تابع لقوات الردع، هم سعوديون). والمثال الأبرز هنا، هو احتلال الرياض للبحرين عبر قوات درع الجزيرة.

وهكذا، فقد تحول المجلس عملياً الى أداة بيد السعودية لفرض اجندتها على بقية أعضائه.

لكن هذا المجلس المنفّر والمقيّد لأعضائه لصالح السياسات السعودية، لا تريد الرياض منه اليوم ان يكون الآلية لحل المشكلة مع قطر، بل لتصعيدها. وأهم ما ظهر هو تهديد قطر بطردها من مجلس التعاون الخليجي! وهذا التهديد قد سبق اطلاقه في ٢٠١٤، باعتبار ان الرياض تعتقد ان عضوية المجلس (امتياز)، بينما هو في الحقيقة (إلزام ومشكل) ولا يحمل اية امتيازات. او لنقل هو امتياز للرياض، والتزام وعبء على الآخرين.

 
نشر الغسيل السعودي والقطري

قطر وجدت هذه المرّة ان التهديد في صالحها، فهي في الأساس من يجب ان يهدد السعودية بالانسحاب من المجلس، كون الشقيقة الكبرى المستفيد الأكبر منه، وكون المجلس بمثابة خاتم سليمان بيدها. وزير خارجية القطر قال بأنه لا يقبل أن يكون مجلس التعاون الخليجي اداة لانتهاك سيادة قطر والدول الأخرى. اي انه لا يقبل ان تستخدم الرياض المجلس لفرض سياستها الخارجية على اعضائه، وبينهم قطر.

ومرة اخرى، صرح وزير الخارجية القطري بالقول ان السياسة الخارجية القطرية خط أحمر، ومواقفها من الدول تخصها وحدها وليس الآخرين.

وفور ظهور الإشارات الأولى لامتعاض قطر من المجلس، خبت تهديدات الرياض بطرد قطر منه.

لكن المجلس ـ وبسبب الأزمة الحالية ـ ونتيجة ما قامت به الرياض وابو ظبي، لم يعد لا ملتقى للتعاون، ولا هو مقر حكماء يحلون عبره مشاكلهم.

المجلس وعلى مر السنين فقد ألقه وفائدته.

أمنياً، فإن التنسيق بين الدول الخليجية وان تحسن في بعضها الا انه ارتدّ عكسياً في بعضها الآخر. والسبب هو تآمر بعضها على البعض، بل ومحاولات بعضها ترتيب انقلابات ضد الأخرى (ابو ظبي وانقلاب في مسقط، والسعودية وانقلابها في قطر مثلاً).

عسكرياً، لم يعد المجلس قادراً على حماية اعضائه، واستمر الاعتماد على القوات الأجنبية، وعلى القواعد العسكرية الغربية المتكاثرة في كل بلد خليجي. فما هي فائدة مجلس التعاون ودرع الجزيرة في هذه الحالة، مادامت هناك قواعد امريكية وفرنسية وبريطانية، وحتى تركية، وربما في الغد ايرانية؟

نعم.. أثبتت الأزمة الحالية، بأن القواعد العسكرية لا توفر بالضرورة الحماية، بل قد تتورط في زعزعة الحكم اكثر وأكثر. هذا ينطبق على الموقف الأمريكي من قطر، وعلى قاعدة العديد فيها.

كان القطريون يعتقدون بأن القاعدة ستحميهم من تغول السعودية، واذا بواشنطن تصطف معها. كيف تثق بحركة الأمريكيين وقواعدهم في ترسيخ ما يسمى بالاستقرار وتوفير الأمن والطمأنينة لمشايخ الخليج ومشيخاتهم؟

مجلس التعاون الخليجي الذي تزعم الرياض انه انجح مؤسسة إقليمية؛ ثبت فشله، وقصر أداؤه، والصراع مع قطر فضح كل التناقضات التي بداخله، وبالتالي فالأرجح ان اعضاء المجلس لا يشعرون بالأمان وهم داخله من شقيقتهم الكبرى/ السعودية. اليوم سلطنة عمان وقطر وربما الكويت أكثر ميلاً الى الخروج من المجلس، من أي وقت مضى.

 
هل هي نهاية مجلس التعاون الخليجي؟!

لن تخسر قطر علاقتها مع السلطنة والكويت ان هي غادرت مجلس التعاون.

ولن تربح قطر... الرياض وابو ظبي والمنامة إن هي بقيت فيه.

فمعركة تكسير العظام الجارية، توفر وقوداً لصراع وألم قد يمتد لعقود.

انفضاح دعاة الإرهاب ومموليه

كشف الصراع القطري السعودي الإماراتي، بإدارة امريكا، ما كان مخفياً.

قطر تموّل الإرهاب القاعدي والداعشي.

والسعودية تفعل ذلك ايضاً، ومثلها الامارات.

والولايات المتحدة أعطتهم جميعا الضوء الاخضر، وسكتت عن نشرهم الفتنة الطائفية والارهاب، لقاء مصالح قصيرة المدى.

الآن.. وحدها اصبحت قطر متهمة بتمويل الإرهاب، وهذا ليس اكتشافاً جديداً.

لكنه كذلك بالنسبة لملايين العرب والمسلمين الذين كانوا فريسة تضليل اعلام قطر والسعودية والامارات.

الآن وقد اختلفوا، وصار كل منهم يفضح جرائم الآخر، اكتشفنا ان قناة (الجزيرة) كما قناة (العربية) كما (سكاي عربية)، تدعم الإرهاب وتروج له، وتطلق سموماً وأكاذيب لا حدود لها.

حينما كان العراق وسوريا ولبنان تتهم السعودية وقطر بتمويل العنف والارهاب، كان العالم ساكتاً ويسخر منهم، بل ويعيد الاتهام الى الضحية او الضحايا. اما المجرمون المتحالفون مع واشنطن، بمن فيهم تركيا، فهؤلاء أبعد ما يكونوا عن دعم الإرهاب.

 
مفرخة الإرهاب السعودي تتهم الجميع وتبرئ نفسها!

ماذا سيقول العالم الآن، ازاء تصريحات ترامب وادارته عن تمويل قطر لجبهة النصرة واحرار الشام والقاعدة وغيرها؟ الآن بعد ان اتهموا قطر بكل ذلك، والأخيرة لا تستطيع النفي: ما هو العقاب وما هو الاعتذار للضحايا؟ ولماذا لم تقل امريكا ان قطر ارهابية وهي تعلم ذلك من سنوات طويلة، حسبما يقول ترامب؟

السعودية هي راس الأفعى الإرهابي، هي مصنع الفكر الداعشي، ومنها الرجال والأموال تنطلق، وعبرها التآمر، فلمَ حوّل ترامب اتهاماته للرياض بدعم الارهاب الى قطر؟

في كل الأحوال هناك امر يستدعي الاشارة: ما قاله خصوم الرياض والدوحة بأنهما تدعمان الإرهاب، ظهر صدقه وصحته. وبناء عليه، انكشف كم هي قناة (الجزيرة) ناشرة للفتن مؤججه للطائفية والعنف، وكم هي تكذب، شأنها في ذلك شأن العربية، فهذه القنوات التي لم توفر شيئاً في اتهام خصومها في العراق وسوريا ولبنان وايران، صارت تتهم بعضها بعضاً.

الأخطر هو حجم الأكاذيب الذي روج لسنوات طويلة ضد الخصوم، وكذلك هبوط اللغة الذي استخدم، فلما اندلعت المعارك البينية القطرية السعودية الإماراتية، جرد هؤلاء نفس الأسلحة، واستخدموا نفس اللغة والخطاب المنحط، ما جعلهم جميعاً مفضوحين فاقدي المصداقية.

واذا كان هناك من أمرٍ يثبته الصراع السعودي القطري، فهو ان البلدين يدعمان الإرهاب والعنف والطائفية، وان أمريكا كانت وراءهما داعمة وتعلم بالأمر وتشجعهما، والآن تريد تحميل طرف واحد مسؤولية الهزيمة الكبرى لامريكا وحلفها في المنطقة.

خسرت الدوحة والرياض وابو ظبي ومعهم واشنطن مصداقيتها الى الأبد.

لهذا كانت الصدمة كبيرة حينما يستمع المواطن او يقرا حجم الإتهامات الموجهة لقطر، وحجم الأكاذيب الواضحة التي تساق من هذا الطرف او ذاك.

خسارة طرفي الصراع كبيرة.

لكن المعركة لم تنتهي، ولن تنتهي قريباً.

الصفحة السابقة