السجّان سجيناً.. ابن نايف من العرش الى الإقامة الجبرية

محمد الأنصاري

نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) في 28/6/2017 خبراً عن منع محمد بن نايف من مغادرة المملكة، وفرض قيود على حركته خوفاً من أن يقوم بمعارضة إبن سلمان. الصحيفة نقلت عن مسؤولين أميركيين حالين وسابقين، وآخرين سعوديين مقربين من العائلة الحاكمة، أنه جرى منع الامير محمد بن نايف من مغادرة السعودية، ووضعت قيود على حركته، حيث لا يغادر قصره، فضلاً عن قيود فرضت على بناته.

وبحسب المسؤولين فإن الامر مرده الى المخاوف من تنامي معارضة داخلية ضد ولي العهد محمد بن سلمان. وتقول الصحيفة أنه بعد تعيين إبن سلمان وتنحية إبن نايف، عاد الاخير الى قصره فوجد أنه جرى استبدال حرّاسه بآخرين. المسؤولون الاميركيون قالوا أن الحكومة الاميركية تواصلت مع وزارة الداخلية السعودية، لكن أي مسؤول أميركي لم يتمكّن من التواصل مباشرة مع إبن نايف، وأنه تجري مراقبة الوضع عن كثب.

ليس في الامر أدنى غرابة، فابن سلمان يدرك أنه طالما لم يتبوأ العرش، فخطر إبن نايف ماحق، وحتى إن سارع وتبوأ فخطره شديد. قيمة الخبر أنه في أهم صحف المؤسسة الأميركية، وهو ما استدعى نفياً سعودياً. ولكن هذا النفي ما لبث أن قابله خبر آخر من صحيفة (الجارديان) التي نقلت عن مصادرأخرى لتأكيد الخبر.

انه مشيئة الله ان تضع الجلاد وزير الداخلية في الإقامة الجبرية، فكيف به اذا كان ولياً للعهد، فيتم اذلاله ويقبل التنازل مرغماً عن مناصبه جميعاً، ويبايع منكسراً؟!

انه الأمير محمد بن نايف. انتهى من البيعة لمحمد بن سلمان ليغادر الى قصره في جدة، فيجد حراساً مختلفين، يمنعونه من مغادرة القصر هو وعائلته وحتى ابنته المتزوجة. والإتصالات الهاتفية منذئذ مقطوعة معه، ولا يستطيع المغادرة خارج القصر ولا خارج المملكة فهو ممنوع من السفر.

اخبار احتجاز محمد بن نايف وعدد من الأمراء كان معلوما منذ اليوم الاول لانقلاب القصر الذي هندسه الملك سلمان ليأتي بابنه ولياً للعهد. لكن الأخبار رغم تأكدها لم تؤخذ على محمل الجدّ، الى ان نشرتها صحيفة نيويورك تايمز، ثم الاندبندنت.

وهنا ظهر هاشتاق انشأه معارضون للسخرية والشماتة بالجلاد الأكبر ابن نايف، بعنوان: الحرية لمحمد بن نايف!، عبّروا فيه بطريقتهم عن تعاطف بنكهة تهكمية إزاء من نكّل بالناشطين ودعاة الأصلاح لسنوات طويلة. ولكن ولات حين مندم، فمن كان يعتقل الأبرياء بات اليوم قيد الاقامة الجبرية وهو معتقل، ولسان حال الآلاف من المثكولين: ليذق طعم الاعتقال وإن كان في قصره.

الأمير السعودي المخلوع محتجز في القصر! هكذا تحدثت الصحيفة الأمريكية، فمنذ الانقلاب المشؤوم عليه، كانت آخر صورة له، هي صورة مبايعته ذليلاً لابن سلمان، الذي صوّره بشكل غير احترافي (بالتلفون الجوال).

لم يكتف الملك سلمان بأن المخلوع صار خبراً منسياً في ايام، حيث ازيلت صوره من المؤسسات الرسمية، ومن الشوارع، ومن ارشيف الصحف والمجلات والإرشيف لوكالة واس، بل تم تنظيف محركات البحث كغوغل وغيره؛ بالفلوس طبعاً!

كان لا بد من احتجاز المخلوع في قصره، وامراء آخرين ايضاً، حتى يتأكد الانقلابيون من استتباب الوضع لهم. وحسب الصحيفة الامريكية، فان الاجراء احترازي، لان لابن نايف نفوذا في القوات المسلحة، خُشي معه ان يكون طليقاً فيحدث انشقاق.

الحكومة لم تتفاجأ بخبر نيويورك تايمز، وبعد ساعات كذبت الخبر، وقالت ان المخلوع وعائلته يتمتعون بحرية الحركة وانه يستقبل الضيوف بدون قيود، ولكن السلطات لم ترينا صورة واحدة ولو جامدة لولي العهد المخلوع.

ايضاً جاءنا سعود الريس، رئيس تحرير الحياة ـ الطبعة السعودية، ليصف من نشروا الخبر بالحمقى، وليبرر منع المخلوع ابن نايف بأن حاملي الجوازات الدبلوماسية والخاصة بالعائلة المالكة.. لا بد ان يستأذنوا مقدماً الجهات المسؤولة قبل السفر لضمان امنهم لا منعهم!

وزعم أحد رجال (المباحث/ الاستخبارات الداخلية)، بأن ابن نايف ينوي مقاضاة صحيفة نيويورك تايمز لنشرها اخباراً كاذبة عنه، واضاف: سمعة الوطن خط احمر! طبعاً كل هذا كلام تلفيق، لم يقله أحد غير هذا (الدبوس الطيار).

المغرد المعارض عمر عبدالعزيز ـ وكما تفعل عوائل المختفين في سجون بن نايف ـ سأل: (صديقي موقوف اسمه محمد نايف، والى الان ما عندنا خبر عنه. اتصلنا على كل الأقسام ما عطونا خبر. تِكْفَون). آخر تقمص رد رجال المباحث على عوائل المعتقلين: (اكيد ما حطّوه تحت الاقامة الجبرية الاّ مسوّي شي. الحكومة ما تكذب أبداً). وتتالت السخريات وتعليقات الشماتة: قبل ان يطلق سراحه يجب ان يذهب محمد بن نايف الى مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة (يعني مثل الدواعش). المغردة حصة الماضي علقت بالآية الكريمة مخاطبة ابن نايف المحتجز والمخلوع: (ذق إنك أنتَ العزيز الكريم). وكما يطلب الذين ظلمهم ابن نايف، كتب آخر ساخراً: (صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف يطلب من عموم المسلمين الدعاء، فهو في محنة عظيمة).

في تعليق ساخر آخر قال احدهم بان ابن نايف اختفى في ظروف غامضة وانه (أخشى عليه من الانتحار)؛ وغيره دعا لمحمد بن سلمان: (اللهم بارك في جهود الدب الداشر، واجعل زوال أسرة آل سعود على يديه، يارب). واضاف جاداً: (اللهم ان ابن نايف طغى وتكبر. اللهم اذلّه والعنه واجعل مثواه في الدنيا الذل والهوان، واحشره مع فرعون في نار جهنم). والمواطنة روان تقول انها ضد الاستبداد بحق من يخالفونها الرأي او الفعل، الا محمد بن نايف، وتطالب: (خلّوه يتعفّن في السجن).

الجزيرة نت، وبخبث، نشرت خبر احتجاز محمد بن نايف، ولكن من خلال توضيح الموقف الرسمي الذي ينفي الخبر. والمغرد الجهني يطالب: (ودّوه لسجن الحاير ابن الكلب هذا)؛ وسالم يقول ساخراً ان سبب اعتقال ابن نايف هو التخابر لصالح دولة اجنبية ـ كما هي الاتهامات المعتادة للمعارضين من قبل مباحث ابن نايف وخليفته ابن اخيه. والدولة الأجنبية المقصودة هي قطر!

مواطن ذو قلب حنون سأل: (ماذا فعل ابن نايف حتى يتم كل هذا ضده. لقد خدم الدولة، وتنازل عن السلطة؟). والمواطنة مي تقول بأن محمد بن سلمان صار ولي امر محمد بن نايف، ونصحت المخلوع بان يشارك في هاشتاق النساء السعوديات المطالبات بإسقاط الولاية!

ومن الشماتة والسخرية قول السلمي: (يا عشاق ابن نايف، هو يناشدكم بطلب بطاقات شحن موبايل فئة ٢٥ ريال، لا تبخلوا عليه، ادخلوها له من الشبّاك ـ يقصد شباك السجن). اما المعارض في المنفى، سعود السبعاني، فيعتقد بأن الملك وابنه سيطردان ايضاً وزير الحرس متعب بن عبدالله من منصبه، ويخاطب متعب: (قريباً سيسحلك حَمَنْدي، فترقّب الفرمان)!

لمواجهة هاشتاق (الحرية لمحمد بن نايف)، قام الجيش الالكتروني لابن سلمان وحزب مطنوخ الالكتروني وغيرهما بتفعيل هاشتاق مضاد عنوانه: (لن تجدوا من ابن سلمان الا خيرا)! لكن المغردة نورة ردّت بأن الشعب لن يجد من سلمان وابنه الا الشر والطغيان والحروب التي لا نهاية لها. آخر عدد المصائب القائمة، وانتهى الى ان المستقبل مظلم؛ فيما حذر (حزب مطنوخ الالكتروني، احد أذرع الحرب الحكومية في مواقع التواصل)، حذر الأعداء بالردع؛ والجيش السلماني الالكتروني، حذر هو الاخر من تصديق الحسابات المغرضة؛ لكن الكشكول يعود الى صلب الموضوع فيسخر من ابن سلمان ويقول بأن كثرة خيره، جعلته يسجن امه ـ فهدة، وخالته وأخوه، والان سجن ولد عمه وبنات عمه، وعقبال ما يسجن أبوه ـ الملك!

لاحظ مغرد ان هاشتاق خير ابن سلمان: تطبيلي يصيب المرء بالمرض؛ وآخر نصح ابن سلمان بأن يعطي الشعب راتبين حتى يحبّه؛ وثالث جاء بأدلة معاكسة للخير الآتي من ابن سلمان فيما يتعلق بالسكن والخدمات. ورابع يقول ان حصار قطر ليس به خير، وطالب: (اتركوا الشعب؛ خرّبتوا رمضان، وفي العيد قطع أرحام! الله يستر من الخير اللي جاي). وعبدالرحمن يخاطب الشعب: (لن تجدوا من ابن سلمان إلا بعراً يلطّخ وجوهكم). ورأى المغرد الصريح ان الشعب مضطرب، لا يشعر بالأمان، بسبب التغييرات السياسية في القيادة وغيرها؛ ما ادى الى فقدان الثقة بالإعلام بسبب الكذب في ازمة قطر، وكذلك فقدان الثقة بالحكام اي الملك وابنه، بعد اعفاء ابن نايف.

وتحفز المعارض عبدالله الغامدي فاجرى استفتاءً حول رغبة الجمهور: فهل تُضرب عنق ابن نايف بالسيف، ام يحوّل الى سجن الحائر، ام يطرد من البلاد، ام يكتفى بالإقامة الجبرية؟. معارض آخر سأل المشايخ الذين بايعوا ابن سلمان: ماذا حدث لبيعتكم لابن نايف وقبله مقرن، هل يجيز الشرع كل سنة نبايع شخصاً من اجل المال او خوفاً من البطش؟

الصفحة السابقة