الإمارات حفرت حفرةً وقعت فيها!

محمد فلالي

تبدو الإمارات أكثر قلقاً من السعودية بشأن مصير الأزمة مع قطر.

فاذا كان محمد بن زايد مسؤولاً عن التخطيط والتحريض الذي أنتج الأزمة مع قطر، فإن الرياض لم تكن لتُجرّ بسهولة لولا أن لديها هي نفسها أجندتها الخاصة.

عُقدة محمد بن زايد من قطر (شخصية)، أو هكذا تبدو للكثيرين. لكن الحقيقة هي انه ما خاض المعركة، وجرّ السعودية ومصر اليها (حسب بعضهم) إلا خشية من ظهور نموذج قطري ينافس النموذج الاماراتي في الاقتصاد والتنمية، بحيث تتحول الاستثمارات والوجهة العالمية (اقتصاديا واستثماريا والى حد ما سياحيا ورياضيا وتعليميا) الى قطر.

الإمارات ورثت الدور الذي كانت تلعبه البحرين. وخسرت الأخيرة موقعها كمركز مالي بشكل كبير، خاصة في سني الأزمة الأخيرة منذ احداث فبراير ٢٠١١.

والسعودية، بسبب تخلف قوانينها، والضغوط الاجتماعية التي تواجه المستثمرين، وتفشي الفساد، وانعدام الرقابة والمحاسبة.. لم تكن وجهة استثمارية ملائمة بالنسبة لمعظم الشركات العالمية، كما لم تكن مكاناً مريحاً للعيش. وفي السنوات الاخيرة انتقلت الكثير من الأموال السعودية الى خارج البلاد، واستقطبت الكثير منها الإمارات عامة.

ولأن قطر بدأت تسلك ذات الطريق الإماراتي، وتزيد عليه أيضاً، خشي ابن زايد من الأمر وفتح المعركة مع قطر، وقبلها أيضاً فتح معركة مع اليمن للإستحواذ على ميناء عدن، الذي يمكن ان يتحول الى منافس لدبي، كما يقول كثير من المحللين اليمنيين.

لهذا فإن الخشية الإماراتية من استمرار الحلف السعودي معركته مع قطر كبيرة.

فابن زايد كان يعتقد بنصر سريع، واستمرار السجال الاعلامي (مع تركيز الاعلام القطري على الإمارات) سبب ضرراً كبيراً له ولسمعة بلده، التي أُقحمت في مجال غير مجالها، وأرادت أن تلعب ذات الدور الذي تلعبه قطر، او الذي كانت تلعبه الكويت، والذي يقال بأنه أكبر من حجمها.

فاذا ترافق ذلك مع خسارة حرب اليمن، تكون الإمارات قد وضعت رهاناتها في الموقع الخطأ. وقد حاولت الانسحاب من اليمن، وأعلنت ذلك على لسان أنور قرقاش، وزالدولة للشؤون الخارجية، لكنها سرعان ما اعلنت تراجعها بسبب الإحراج السعودي، وقالت بأن تصريحات قرقاش أُسيء فهمها!

مشكلة الإمارات الآن مزدوجة، فهي تخوض حربين خاسرتين مع اليمن وقطر، وتدرك ـ بشكل شبه يقيني ـ انها لن تربح في أي منهما، ولكن قرار ايقاف الحربين ليس بيد ابن زايد الذي ظنّ انه جرّ محمد بن سلمان وأبيه لمعاركه هو، وإذا به قد أصبح (مجرورا)!

صولات في الوقت الضائع

الصورة في الأزمة القطرية لم يتغير حتى الآن.

فقد استنفذت الرياض وحليفها الاماراتي خياراتهما. لم يعد بإمكانهما القيام بأي عمل جديد ضد قطر، يكون له تأثير في المعركة. كان المؤمل ـ سعودياً وإماراتياً ـ ان تتم الإطاحة بالحكم القطري عسكرياً او بدعم انقلاب داخلي، او الإثنين، فيتم تنصيب أمير من آل ثاني، ويجري طرد (الحمدين زائداً تميم ومعهم والدته موزة). لكن هذا الخيار تم تعطيله اوروبياً بالذات، وبحضور قوات تركية الى قطر، وبمناورات سياسية وتحذيرات ايرانية.

واستنفذت الرياض وأبو ظبي خياراتهما التصعيدية سياسياً، وفشلت في جرّ دول عربية واسلامية لتقطع علاقاتها مع قطر وعزلها سياسياً، كما فشلت في التأثير على الشركات الغربية المستثمرة في قطر، وتهديدها بالحرمان من المشاريع الإقتصادية في السعودية والإمارات ان هي أبقت عليها في قطر. هذا ايضاً انتهى، ولا يلوح في الأفق نجاح ولو جزئي. بل أن البلدين ارسلا رسالة الى الأميركيين بأنهما لن تقوما بأي عمل يضرّ بالشركات الأميركية. وعموماً فإن الشركات الغربية، مدعومة بحكوماتها، ترفض هذا التصعيد السعودي، وترفض التخلي عن مصالحها في قطر ارضاءً للرياض.

بقي معوّل الرياض وأبو ظبي على أمر واحد: أن تستمر الأزمة، فتضيق الدوحة ذرعاً بها، وبالحصار البري والبحري والجوي، وبالتشهير الإعلامي، فتتراجع، وتقبل بشروط السعودية صاغرة. الرهان السعودي قائم جزئياً على اضعاف الاقتصاد القطري، وعلى تهميشها اقليمياً خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، مع احتمال تجميد عضويتها، او طردها نهائياً. وهذا الخيار سيُمتحن على حقيقته في الأشهر القادمة، حين يحين موعد انعقاد القمة الخليجية السنوي، وسنرى كيف تتصرف الرياض. والأرجح: إما ان تتأجل القمة وهو امر غير مستبعد، أو ينفجر مجلس التعاون الخليجي كلية تحت ضغط الاصرار السعودي بطرد قطر، وقد يؤدي الأمر الى انسحاب الكويت وسلطنة عمان من المجلس الخليجي.

لكن في الموضوع الإعلامي، فقد نجحت قطر في تسويد صفحة ابن زايد وابن سلمان، اللذين خسرا المعركة الإعلامية مبكراً.

هناك ايضاً فشل الحلول السياسية والمبادرات التي تقودها الكويت، حيث لم يظهر لها أيّ ثمرة حتى الآن، رغم الاصرار العربي والغربي والإقليمي على مواصلتها، خلاف ما تريده الرياض. فحتى الآن توصد الرياض باب المصالحة، والتسويات، ولا تقبل الا بحلول راديكالية: اما ان تخضع قطر او تستمر المعركة معها الى آفاق مظلمة، لا أحد من المتصارعين يدرك الى أين تنتهي.

الإمارات تعاطت بداية الأزمة باستخفاف مع أمير الكويت ومبادرته، وقال ابن زايد للشيخ صباح حين زاره في ابو ظبي: لا جديد إلا ما سمعته في الرياض! ونظن ان ابن زايد يدرك الآن أنه أخطأ التقدير حتى في تفاصيل معركته مع قطر.

اذن ما يجري الآن هو مجرد لعب في الوقت الضائع: مراشقات اعلامية، وتشهير الطرفين ببعضهما البعض، وخلافات انتقلت الى الحلبة الدولية: حقوقياً، كما في قضية منع الحجاج القطرين وغيرها؛ او قانونياً، كما في قضية اغلاق الأجواء بوجه الطائرات القطرية.

أما جمهور الدول المتصارعة، فلازال (يردح) على مواقع التواصل الاجتماعي: هاشتاق هنا يقابله هاشتاق هناك؛ وتغريدات هنا تقابلها تغريدات في الطرف المقابل. وتقرير ينتشر من العربية او سكاي عربية او غيرها، يقابله تقرير من الجزيرة وأخواتها، وهكذا.

لكن أصل المعركة السعودية مع قطر، انتهى بخسارة سعودية اماراتية ماحقة. سواء كان على المستوى السياسي، او الاستراتيجي، او الاعلامي او الأخلاقي. وهذا لا يلغي حقيقة ان الطرفين المتصارعين قد خسرا، ولكن خسارة السعودية والإمارات أكبر بكثير من الخسارة القطرية. وعليه فإن الاستمرار في الأزمة، قد يفيد دولاً اقليمية كتركيا وايران، وكذلك دولاً غربية تنتفع اقتصادياً من الصراع، لكنه بكل تأكيد لن يفيد آل سعود، ولا آل نهيان، ولا آل ثاني.

الصفحة السابقة