عودة سعودية الى لبنان بأحصنة جديدة!

مسعى سعودي لتحالف يغطي عدواناً صهيونياً

لبنان من جديد.. ساحة سعودية للمواجهة!

فريد أيهم

لفت المراقبين ارتفاع النبرة التي يتحدث فيها الامين العام لحزب الله تجاه السعودية، التي تحولت الى تيمة دائمة في خطاباته الاخيرة. ومع تقدير هؤلاء المراقبين الى ان السيد حسن نصرالله يخصص اطلالاته الاعلامية لتوجيه رسائل الى الجهات المعنية، واطلاق صفارات الانذار من حروب او ازمات مقبلة، جاز التساؤل ما هي الرسالة التي يوجهها السيد الى حكام المملكة، وما هي اسبابها؟ وهل هناك علاقة بين تحذيراته وما تخطط له السعودية لاعادة تحويل لبنان ساحة للمواجهة؟ وهل يتم ذلك بالتزامن ام بالتنسيق مع الحملة الاميركية على ايران واطراف محور المقاومة ومن بينها حزب الله؟

اسئلة شغلت الاوساط اللبنانية، وشكلت محورا جديدا لقراءة مستقبل الصراع في المنطقة، الذي تحاول السياسة الاميركية نقله من ازمة الى اخرى، وذلك لابقائه في دائرة التوتر والتآكل، تمهيدا لانجاز الملفات الكبرى، ومن اهمها التسوية في ملف القضية الفلسطينية.

تحت عنوان: (ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يدير العملية مع ضباط مخابرات.. السياسيون غائبون عن المخطط لكن الجيش اللبناني معلوماته كاملة وسيحفظ الامن).. كتبت صحيف الديار اللبنانية تقول ان السعودية فشلت في اليمن والعراق وسوريا، وفي حصار اليمن، وفشلت في ادارة اقتصادها، كما فشلت فشلاً كبيراً في سوريا، ولذلك تحاول نقل الفتنة الى لبنان، وكلفت وزير شؤون الخليج ثامر السبهان باطلاق حملة اعلامية ضد حزب الله، ومن ثم الدعوة الى اتحاد دولي لضرب المقاومة.

 
عون.. التكيّف مع النزق السعودي!

وكشفت الصحيفة ان ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان اجتمع مع ضباط مخابرات سعوديين لاشعال الفتنة السنية ـ الشيعية في لبنان، بعد الفشل الكبير والسريع للمملكة في سوريا وكل المنطقة، وهي الهزيمة الكبرى.. والتغطية على مشكلة كبيرة بالنسبة لاضطهاد المواطنين السعوديين الشيعة في المملكة.

وبالتزامن مع هذه النوايا السعودية انطلقت في واشنطن حملة لاعادة شيطنة المقاومة الى الواجهة، من اعادة تنشيط الحملة الاعلامية التي تركز على تشويه سمعة حزب الله والصاق صفة الارهاب به، وفرض عقوبات اميركية على بعض قيادييه، حتى وان كانت مجرد فرقعة اعلامية لا قيمة عملية لها.

وتساءل احد المراقبين عن العلاقة بين الحديث عن المظلومية السنية وسلاح حزب الله وتدخله في سوريا من جهة، والزيارات الغامضة الى السعودية لبعض السياسيين اللبنانيين من ذوي توجه معروف بعدائيته للمقاومة، من جهة ثانية؟ ومن هو المستهدف الحقيقي في الهجمة السعودية المتجددة على الساحة اللبنانية؟ هل تريد الرياض معاقبة الرئيس ميشال عون؟ او تأديب ابنها المتخاذل سعد الحريري؟ ام ان الهدف هو تفجير الصراعات بوجه حزب الله لارباكه واشغاله؟

الساحة الداخلية اللبنانية تمور بالاسئلة والاجابات ايضا، في محاولة لفهم ابعاد العودة السعودية الى لبنان من بوابة الازمات، واعادة تحريك الاوضاع الداخلية ووضعها على حافة الانفجار.. والملاحظ انه لا احد ينظر الى التحرك السعودي الاخير نظرة عادية، بل يكاد يكون هناك شبه اجماع عن خطة تخريبية جديدة، وإثارة ازمة بين القوى الداخلية اللبنانية. وما عزز هذه الرؤية ان النظام السعودي اتبع اسلوبا غريبا ومستغربا، سواء من حيث الجولات التي يقوم بها ثامر السبهان، او من حيث اسلوب الاستدعاءات الى الرياض لشخصيات لبنانية، على طريقة ما كان يفعله غازي كنعان ايام الوصاية السورية.

مصادر ١٤ آذار، أكدت لموقع "ليبانون فايلز"، ان زيارات السياسيين الى السعودية (والتي شملت حتى الآن جعجع والجميل)، ستليها زيارات لفرقاء لبنانيين آخرين الى جدة او الرياض، بحسب مكان تواجد ولي العهد، مشيرة الى ان الوزير ثامر السبهان قدم تقريره النهائي لولي العهد الذي تحرك على اساسه، والمرحلة المقبلة مع السعودية في لبنان ستكون مختلفة كثيرا لان المملكة قررت العودة الى لبنان بقوة عبر سفير جديد، وفريق عمل جديد، وسياسة مواجهة لحزب الله مختلفة عن الماضي. واضافت المصادر أن السعودية تريد ان تحسم مواقف الاطراف اللبنانية على طريقتها المعهودة، اما معي واما ضدي.. ولا مكان للون الرمادي! لان المنطقة مقبلة على انقسام كبير بين معسكرين، مع بروز مؤشرات الى قرب نهاية الحرب السورية، واقفال ملف الارهاب الذي تولت السعودية تمويلة، وواشنطن تسويقه، لتغيير مجريات الصراع، واضعاف القوى جميعا في المشرق العربي، وصولا الى اقناع طهران بالتخلي عن تدخلها في شؤون المنطقة..

ولكن اذا كانت واشنطن تفقد سيطرتها على خيوط اللعبة السورية، ولا تبدي رغبة في التسوية مع روسيا، وهي تزداد تهميشا في العراق مع سقوط سيناريو الانفصال الكردي بالضربة القاضية، في وقت يبدو فيه ان كل خسارة اميركية تتحول الى ربح ايراني.. فلماذا اذن هذه الحملة الكلامية على ايران، وحلفائها بدءا من العقوبات وانتهاء بالملف النووي؟

الجواب: القضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي!!

والاستراتيجية الاميركية الراهنة تقوم على شل قدرة حلفاء ايران في محور المقاومة، وارباكها بالدفاع عن ملفها النووي، ورد سيف العقوبات عن اقتصادها وحرسها والاستثمارات الاوروبية فيها.

الجائزة الكبرى التي يسعى دونالد ترامب للفوز فيها، هي ورقة التسوية بين الفلسطينيين واسرائيل، وهو الملف الذي يعمل عليه جاريد كوشنير صهر الرئيس ومستشاره، والذي في اطاره تجري المصالحة الفلسطينية برعاية مصرية، بعد ان تغاضت القاهرة بطلب اميركي عن كل مآخذها على حركة حماس، التي اتهمتها بدعم وحماية جماعة انصار بيت المقدس الارهابية الناشطة في غزة.

وفي اطار لعبة توزيع الادوار على فريق العمل الاميركي في المنطقة، كانت حصة السعودية ارباك حزب الله واعادته الى مربع الدفاع والحصار في لبنان، ومحاولة اخراجه من سوريا.

تحالف 14 آذار جديد

مطلعون يرصدون خطة التحرك السعودي في ثلاثة اتجاهات متكاملة:

الأول ـ إبقاء سيطرة الرياض على اغلبية نيابية وازنة تقيد حركة المجلس التشريعي، والتحكم في مسار الحكومة وتوازناتها.

الثاني ـ شل رئاسة الجمهورية التي عجزت عن احتوائها وضمها الى تحالفها المعادي للمقاومة.

الثالث ـ تكثيف الضغوط على حزب الله وصولا الى التفجيرات الأمنية.

ومن الملاحظ ان السعودية بكّرت في طرح ملف الانتخابات النيابية، وسبقت بذلك القوى المحلية، ادراكا منها بأن لعبة التمديد للحفاظ على تركيبة المجلس الحالي للمجلس النيابي باتت صعبة جدا، بعد ان استنفدت كل وسائل التحايل على القانون، وهي مدعوة لاعادة انتاج التحالفات الداخلية التي تؤمن لها اكثرية نيابية في البرلمان المقبل.

 
توليد ١٤ آذا جديد!

ولهذا فإن الهدف الاول من الاستدعاءات الموجهة لبعض الزعماء المسيحيين تأتي في هذا الاطار، لاقامة تحالف مع بعض الوجوه السنية الجديدة، وربما بما يتجاوز آل الحريري في المرحلة المقبلة، على أن يكون النائب وليد جنبلاط من ضمن المحور المحسوب على الفريق المواجه لفريق "حزب الله" في الحكومة، وهذا ما كشف عنه القيادي في تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش ،الذي قال في الرابع من اكتوبر الجاري تعليقا على زيارة جعجع وسامي الجميّل الأخيرة إلى السعودية، ان المملكة تريد العودة إلى تحشيد المتفاهمين معها حول المسألة الإقليمية، في ظل عمل محور الممانعة الذي تترأسه إيران، لإقناع الجميع بأنهم هم المنتصرون وعلى الآخرين الاستسلام.

وفي هذا الإطار يأتي قرار السعودية تعيين الدبلوماسي وليد اليعقوبي سفيراً لها لدى لبنان.

ولم تأت دعوات السعودية للقيادات اللبنانية الى الرياض صدفة ولا هي بريئة، بل هي درست الساحة اللبنانية وارسلت ضباط مخابرات سعوديين الى لبنان، اجتمعوا مع قيادات سياسية لبنانية، وجاؤوا بجوازات سفر ديبلوماسية، كما ان السفير السعودي ومسؤولين موجودين داخل السفارة، قاموا بتحضير الدعوة للقيادات اللبنانية، وبدأت الاشارة من المسؤول السعودي سبهان بعبارته: ان على اللبنانيين ان يختاروا بين الدولة وحزب الله.

وفي هذا السياق، يبرز دور الوزير السابق اللواء أشرف ريفي، الذي حاول قبل ايام احراج السفير السعودي، برفع شارة النصر وهو يمسك بيده في ظهور شعبي، وهو ما تردد فيه المسؤول السعودي بشكل علني. وكان ريفي قد كثف في الاسابيع الماضية من تصريحاته المعادية لما يسميه المشروع الإيراني، ومنع (حزب الله) من وضع يده كاملاً على البلد، بحسب تعبيره، للتماهي تماما مع الخطاب السعودي، واحراج رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي يتهمه السبهان بأنه فقد دوره، عبر الغرق في ما عرف بالتسوية الرئاسية، التي اتت به الى رئاسة الحكومة التي يتحكم بها حزب الله، بحسب المفهوم السعودي.

عزل رئيس الجمهورية

لقد اساءت السعودية بشكل مباشر الى رئيس جمهورية لبنان العماد ميشال عون، بتجاهله في دعوة القيادات السياسية اللبنانية، من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الى رئيس حزب الكتائب سامي الجميل واللواء اشرف ريفي وفارس سعيد منسق حركة 14 آذار والدكتور رضوان السيد، والرئيس نجيب ميقاتي، والوزير السابق محمد الصفدي، والنائب وليد جنبلاط.. دعوتهم الى الرياض، خارج أي تشاور مسبق مع الرئاسة اللبنانية.

وليس خافيا ان هذه التحركات السعودية التي تفتقد الى اللياقة الدبلوماسية، وتخالف الاعراف الدستورية والسياسية اللبنانية، تأتي على خلفية موقف عدائي لم يعد سرا ضد الرئيس عون شخصيا، والتيار الوطني الحر، قاعدته الشعبية المسيحية.

في الاول من نوفمبر تشرين الثاني 2016، وغداة انتخابة رئيسا للجمهورية في 31 اكتوبر، كانت السعودية من اوائل الدول التي بادرت لتهنئة عون في برقيات بعث بها الملك سلمان وولي العهد محمد نايف (قبل عزله) وولي ولي العهد محمد بن سلمان. وفي ٢١ نوفمبر وصل خالد الفيصل امير مكة مبعوثا من الملك لتهنئة عون ودعوته لزيارة السعودية. وفي9 يناير 2017 اختار عون أن تكون زيارته الأولى بصفته رئيسا للدولة اللبنانية إلى السعودية، على رأس وفد وزاري موسع، الأمر الذي رأى محللون أنه لا يخلو من الرسائل والدلالات.

وحتى هذه اللحظة كانت الامور تسير باتجاه علاقة وطيدة، دفعت الكثيرين الى التساؤل عن سر هذه العقلانية غير المعتادة في السياسة السعودية، بل ذهب كثيرون الى نسج حكايات عن رد فعل حزب الله الذي فاجأ الجميع وبادر الى مباركة هذه العلاقة، دون التدخل في عمل رئاسة الجمهورية.

الا ان شهر العسل لم يدم طويلا! ففي 13 فبراير 2017 زار الرئيس عون القاهرة، بعد ساعات من ادلائه بحديث إلى قناة "سي بي سي" المصرية، ردّ فيه على سؤال حول مستقبل سلاح "حزب الله"، فقال انه "طالما هناك ارض تحتلها اسرائيل التي تطمع ايضاً بالثروات الطبيعية اللبنانية، وطالما ان الجيش اللبناني لا يتمتع بالقوة الكافية لمواجهة اسرائيل، فنحن نشعر بضرورة وجود هذا السلاح، لانه مكمّل لعمل الجيش ولا يتعارض معه، بدليل عدم وجود مقاومة مسلحة في الحياة الداخلية”.

وسرعان ما انفجر الغضب السعودي في 6 مارس الماضي، اذ سربت المصادر السعودية خبرا عن الغاء العاهل السعودي زيارته الى لبنان التي كان قد وعد بها. وربطت المصادر بين الغاء الزيارة الملكية وتصريحات عون للقناة التلفزيونية المصرية، اضافة الى استياء السعودية من زيارته الى مصر، حيث بحث مع الرئيس السيسي مسألة اعادة سوريا الى الجامعة العربية، بحسب المصادر السعودية. وما لبث أن عادت الرياض الى لغة التهديد والمقاطعة، وتراجعت مرة اخرى عن دعم الجيش اللبناني، بعد ان وعدت باستئناف المساعدة خلال زيارة الرئيس عون.

وبدأت السعودية هجمة عنيفة على الرئاسة اللبنانية من خلال تعمدها دعوة رئيس الحكومة سعد الحريري للمشاركة في القمة العربية – الإسلامية – الأميركية التي عقدت في الرياض في 21 مايو 2017.

وبعد خمسة ايام هاجمت “عكاظ” الرئيس ميشال عون بالاسم، بشكل غير مسبوق، واسفاف عالي النبرة، في مقال بعنوان: (عون متعدد المرجعيات.. لا يعيش خارج الحاضنة)، ووصفته بأنه غريب، وهش وسفاح، وداعم لكذب صهره وزير الخارجية جبران باسيل، بسبب رفضه إعلان الرياض الصادر عن القمة العربية الإسلامية الأميركية. وكان باسيل قد رد على البيان الصادر عن القمة والذي زعم انه صدر عن المجتمعين ووقعوا عليه، وقال انه لم يطلع على البيان ولم يسمع به الا وهو في الطائرة عائدا الى بيروت، رغم انه حضر القمة، واطلع على مجرياتها.

من جانبه، اعتبر المدير العام للأمن العام السابق اللواء جميل السيد في تصريح له، أن وجود رئيس حزب القوات سمير جعجع في السعودية هو لمواجهة رئيس الجمهورية ميشال عون، والتحريض على عودة الخلاف والقطيعة بين حزب القوات والتيار العوني.

التصويب على حزب الله
 
اشرف ريفي والسبهان، بديل الحريري!

صحيح ان العلاقة بين حزب الله والسعودية كانت متوترة منذ عدة سنوات، وربما منذ العام ٢٠٠٦، عندما انحازت المملكة الى جانب اسرائيل في عدوانها على لبنان.. الا ان تجدد المواجهة بشكل عنيف بين الطرفين كان مفاجئا للكثير من المراقبين، بعد فترة غير قصيرة من الهدنة والتهدئة، التي اعقبت التسوية الرئاسية في لبنان.

فمن غير مقدمات مفهومة، بادر ثامر السبهان الى القول عبر تغريدة على تويتر في ٤ سبتمبر، ان ما يفعله "حزب الشيطان" من جرائم لا إنسانية في أمّتنا، سوف تنعكس اثاره على لبنان حتما، ويجب على اللبنانيين الاختيار معه او ضده. هذه المقدمة تتضمن تهديداً صريحا بمعاقبة اللبنانيين اذا لم يصطفوا في اللعبة السعودية الجديدة لاثارة الفتنة الداخلية من جديد.

ومرّة جديدة، غرّد وزير الدولة لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان في ٨ اكتوبر الجاري بأن العقوبات الأميركية ضدّ "الحزب المليشياوي الإرهابي" في لبنان جيدة، ولكن الحلّ بتحالف دولي صارم لمواجهته ومَن يعمل معه لتحقيق الأمن والسلام الإقليمي. وبديهي ان هذه التصريحات اثارت ردود فعل مناسبة من الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.

استهداف سعد الحريري

صحيفة الحياة قالت ان هناك جهودا سعودية لإعادة إحياء "التحالف السيادي" في لبنان، وانها تهدف إلى إطلاع بعض الأفرقاء اللبنانيين الأساسيين، وبينهم الكتائب، على رؤيتها للواقع الذي ينزلق فيه وزير الخارجية جبران باسيل إلى المحور السوري- الإيراني. كما نقلت صحيفة السياسة الكويتية (المقربة من السعودية) عن مصادر لبنانية التقت ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن السعودية لن تتخلى عن لبنان وأنها لن تجعله فريسة سهلة للإيرانيين، وأن الرياض تنوي معارضة العهد من خارج الحكومة لادراكها بضعف الحريري وعدم قدرته على المواجهة، او القبول بدوره الممسك بالحكومة، ومعالجة الثغرات بمعارضة خارجية، هي خط الدفاع الثاني.

وفي كل مرة تعود فيها السعودية إلى أداء دور ما في لبنان، وتظهر الخلافات الداخلية مع حزب الله، يصبح الكلام عن نقمة سنية داخلية في الوسط السياسي مادة نقاش أساسي، ليس في اتجاه الحزب فحسب، وإنما أيضا في اتجاه الرئيس سعد الحريري نفسه؛ إذ فهم الكثيرون ان الحديث عن المظلومية السنية موجه اساسا ضد الحريري، اكثر منه ضد حزب الله.. او كلاهما على قدم المساواة.

كما ان محاولة خلق تيار ماروني - سني يعلي صوته عن المظلومية في اطار نخبوي وبين المثقفين من الطائفتين، يستهدف تطويق الطبقة السياسية التي يرى السعوديون انها باتت عاجزة عن مواجهة المقاومة وتيارها العابر للطوائف، وانها بسبب حركتها ضمن قنوات النظام لن تستطيع الايغال في هذا الاتجاه، لانها مضطرة في كل مرة الى عقد تسوية سياسية، تعيدها الى مربع التفاهم مع حزب الله الذي بات لاعبا اساسيا في التركيبة اللبنانية يستحيل تجاوزه.

محاولة التفجير الامني

لكن السؤال الذي يغلب على نقاشات اللبنانيين هذه الايام، هل تنوي السعودية تفجير الساحة اللبنانية؟ وهل تستطيع اذا ارادات؟ وما هي ادواتها لذلك؟

بحسب المطلعين على خفايا زيارة سمير جعجع الى الرياض، فإن الجانب السعودي طلب منه رفع وتيرة التصريحات المعادية لحزب الله، وتسخين الساحة السياسية للتغطية على احداث امنية مرتقبة. وفي سؤالها عن القوى القادرة على احداث البلبلة في الساحة الداخلية، توقفت المصادر عند المعارضة الاميركية والغربية الشديدة لعودة المهجرين السوريين الى مناطق امنة في بلدهم، بل الى التهديدات التي تلقتها جهات لبنانية فاعلة اذا ما استمرت بفتح هذا الملف، والتي كان اخرها الرفض العلني من قبل سفراء واشنطن ولندن والاتحاد الاوروبي لطلب رئيس الجمهورية، بعدم تشجيع السوريين على البقاء في لبنان، او تخويفهم من العودة الى بلدهم، والسماح لمن يرغب في العودة الطوعية الى بلده ان يعود دون عراقيل.

وكان الامين العام السابق للامم المتحدة بان كي مون قد دعا لبنان صراحة الى توطين مئات الالاف من السوريين في اراضيه، وذلك خلال زيارته للبنان في مارس 2016، وهو ما اثار ردود فعل رافضة في الاوساط المسيحية. الا ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يبدو انه وضع ثقل بلاده كاملا خلف هذا الملف، وحمّل رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري قرار المملكة والمجتمع الدولي بإيقاف التحريض على النازحين السوريين وعدم السعي لطردهم من لبنان! فهم - بحسب ولي العهد محمد بن سلمان - سبب عدم اندلاع حرب أهلية بلبنان، وكل أسباب الحرب موجودة، والفيتو الدولي لمنع الحرب بلبنان ليس لسواد عيون اللبنانيين، بل خشية من لجوء السوريين الذين بلبنان للدول الغربية.

كما وحمّل ولي العهد رسالة لرئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشيل عون ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري من خلال الرئيس سعد الحريري، أنه بحال طرد السوريين سيتم طرد اللبنانيين من الخليج.

ومن الواضح ان هذا الحرص على بقاء السوريين في لبنان لا يعبر عن محبة وحرص على السوريين، الذين ترفض السعودية السماح لهم بدخول اراضيها، الا انه يستبطن هدفا امنيا من خلال اغراء اعداد من الشباب السوريين الذين جرى غسل ادمغتهم بالفكر الوهابي والتحريض المذهبي، في اي مواجهة مقبلة مع المقاومة، وخصوصا في حالة هجوم اسرائيلي واسع عليها.

وهكذا تتشابك خيوط اللعبة في الساحة اللبنانية، بحيث يصعب التمييز بينها تماما، ويتداخل فيها الداخلي بالاقليمي بصورة غريبة. الا ان التدقيق في مسار الاحداث يؤكد حقيقة ثابتة هي ان هناك محاولة سعودية، لم تكلل بالنجاح بعد، لاقامة تحالف داخلي لبناني يغطي العدوان المحتمل على المقاومة، الذي تؤكد كافة التقارير الاسرائيلية انه قادم لا محالة، الا ان التوقيت لا يبدو انه مناسب الان، وهو ما تعمل المقاومة بالمقابل على ابعاده قدر الامكان، عبر تكثيف معادلة الردع التي تكشف عنها بين الفينة والاخرى.

والدور السعودي في الساحة اللبنانية شديد الوضوح الى درجة بات اكثر حلفائها يتهيبون الدخول فيه، لان مخاطره على لبنان اكثر بكثير من مخاطره على اي طرف آخر، وهو سيطال حلفاء السعودية قبل غيرهم، في ظل الشك الكبير لدى هؤلاء الحلفاء في امكانية تحقيق انتصار على المقاومة وحلفائها في اي مواجهة قادمة.

الصفحة السابقة