أزمة لبنان تكشف عنتريات سعودية فارغة

محمد فلالي

انقلب السحر على الساحر ابن سلمان.

اراد ابن سلمان ان يضرب عصفورين بحجر: ان يفتح معركة ضد حزب الله وايران مهد لها السبهان، وزير الدولة لشؤون الخليج وذلك للتغطية على ازاحة متعب بن عبدالله؛ وأن يحتجز الحريري ويصادر ما تبقى من ملياراته (في الإمارات)، ويكون شاهداً ومخبراً على المحتجزين بتهمة الفساد في السعودية.

 
رأينا الرد السعودي الغبي!

فكانت استقالة الحريري من الرياض تصل كمفاجأة للبنانيين شعباً وقيادة.

لكن رفض الإستقالة من قبل الجنرال عون، فوت الفرصة على الرياض، وجاء بضغوط دولية وفضحها، ووحد اللبنانيين ضدها، وأضعف حلفاءها الذين تخلوا عنها عدا جعجع، بحيث خسرت الرياض معظم نفوذها فيه.

إنذارات السبهان من قناة (العربية) وغيرها تقول: لبنان مختطف من حزب الله، و(سنعامل حكومة لبنان كحكومة اعلان حرب)، و(على لبنان ان يواجه حزب الله، والسعودية ستستخدم كافة الوسائل السياسية وغيرها لمواجهته). وفي السياق تهديدات الصحف السعودية: (سترون الردّ)! والسبهان يواصل التهديد: لبنان بعد الاستقالة لن يكون كما قبلها.

استقالة الحريري التي كتبها السبهان، هي نسخة من تهديداته السابقة للبنان؛ الذي هدد باتخاذ اجراءات تصعيدية أخرى، وتبيّن ان العين السعودية كانت مركزة على الاسرائيلي الذي سيكمل الدور بشن الحرب. الرياض قالت ان الحريري مهدد بالقتل من حزب الله؛ وهي كذبة نفاها الامن اللبناني ووزير الداخلية المشنوق وكل الأجهزة الامنية؛ والغريب ان الرياض تريد تعيين شقيق الحريري (بهاء) بدلاً منه، فلمَ لا يكون بهاء ايضاً مهدداً بالقتل.

ثم ان الرياض تنطعت لمهمة تحرير لبنان من حزب الله، دون دعوة من أحد، قال رئيس تحرير عكاظ سعود الريّس يتحدث عن ان الرياض هي الوحيدة التي تستطيع استعادة لبنان المُختطف؛ والصحفي ناصر الصرامي يقول: (الحزم ان تكون أو لا تكون)، وأما الصحفي محمد آل الشيخ فيسخر من مقولة أن لبنان بلد ديمقراطي لا يقبل بالخطوات السعودية: (خلوا صنمكم الديمقراطي يبني بلدانكم المهلهلة). وزاد بأن صبر السعودية نفذ مهدداً بسنوات عجاف ستحل بهم ـ اي اللبنانيين ـ ان لم يتخلصوا من حزب الله.

أكثر من هذا، هدد اللواء الركن الدكتور زايد العمري، وبجنون: (ستُضاء سماء لبنان بالصواريخ البالستية التي لا تضل أهدافها، وسيتبعها صواريخ جو أرض موجهة بالليزر، لكي تؤدب الخائن وأتباعه).

 
عنتريات سبهانية

في خضم هذا الشطط السعودي، يدعو الاعلامي عبدالله الذبياني الرئيس عون الى اتخاذ خطوة شجاعة بالاعتراف باسرائيل وتوقيع معاهدة سلام معها لقطع الطريق امام حزب الله؛ وزاد اعلامي سعودي متصهين فكتب مقالة بعنوان: (هل نحتاج للسلام مع الإخوة في اسرائيل؟). وهنا تبدو السياسة الاسرائيلية والسعودية في كل الملفات منسجمة ومتشابهة حد التطابق، خاصة فيما يتعلق بحزب الله ولبنان. الصهيوني مارتن انديك، سفير أمريكا الأسبق في تل أبيب، اشار الى توجيهات اسرائيلية بدعم السعودية ضد لبنان والعمل معاً ضد ايران؛ وحرض بأنه يجب أن لا يكتفي ترامب ونتنياهو بالقول فقط.

السلوك السعودي الأهوج هذا، دفع كتلة المستقبل للمطالبة بعودة الحريري واستعادة الاعتبار؛ وكذلك فعل وزير الخارجية باسيل، ووليد جنبلاط؛ وغيرهم؛ في حين رفض وزير الداخلية المشنوق تعيين بهاء الحريري رئيساً للوزراء على طريقة البيعة السعودية؛ وقال بأن اللبنانيين ليسوا قطيعاً للسعودية.

نهاية سعودية مؤلمة

انتهت أزمة احتجاز الحريري، وخسرت الرياض معركتها بضربات متتالية لم تتوقعها. بقي الآن، تداعيات الأزمة على الوضع الداخلي السياسي اللبناني، حيث سيكون للرياض دورها التخريبي مجددا وبصورة من الصور.

خسرت الرياض وسبهانها، لخطأ في الحسابات السعودية، ناشئ عن الغرور واستصغار الآخرين: وإلا هل يعقل ان تفرض استقالة رئيس وزراء دولة أخرى عبر محطتك التلفزيونية (العربية) ثم تحتجزه، دون ان يحدث ردة فعل؟

خسرت الرياض لأن هناك رئيس لبناني قوي، ولأن هناك وحدة وطنية، ولأنّ الأداء اللبناني سياسياً كان راقياً.

لم يقف مع الرياض حلفاؤها جميعاً، عدا أفراد، اضافة الى حزب جعجع!

بدأت المعركة على لبنان كل لبنان، كما أعلن السبهان نفسه، ووجهت السهام الى الجميع ابتداءً من رئيس الجمهورية الى أصغر حليف.

لكن كتاب آل سعود انتصروا على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد كيل الشتائم والتهديدات التي لم تغيّر من حقائق الأرض شيئاً.

كان إعلاميو آل سعود يتحدثون كطواويس او كآلهة كآل سعود.

 
قريباً.. قد يقدم سلمان استقالته!

العسكري ابراهيم آل مرعي كانت له صولات على محطات التلفزة وتويتر. يقول: (مصطلح إرهاب حزب الله انتهى. نحن أمام ارهاب دولة ـ لبنان). وقال: (ميشيل عون لا يقلّ جرماً عن حسن نصر الله. ميشيل عون شريك في الإرهاب والحرب على المملكة). وزاد: (لبنان دولة راعية للإرهاب، يمثلها في ذلك رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب، ووزير الخارجية). وهدد ان فشلت الدبلوماسية السعودية، فهناك عقوبات سعودية اقتصادية صارمة (مشابهة لإجراءات قطر، مع الشروع في الترتيب لعمل عسكري).

الصحفي محمد آل الشيخ يهدد السيد حسن نصر الله: (استعد لكارثة قاب قوسين أو أدنى. ستُدَكُّ معاقلكم في لبنان كما لم تُدكُّ من قبل)، وكأنه ينتظر هجوماً صهيونياً مُنسّقاً ومدفوع الثمن من بلاده المسعودة. كل هذه العنتريات لأجل اثبات أن (المملكة دولة إقليمية محورية كبرى، لن تتسامح مع من يمسّ أمنها ولا يأبه بهيبتها) وما حصل في اليمن وقطر نموذج لعهد سلمان، كما يقول آل الشيخ. ووصف آل الشيخ ما تقوم به السعودية في لبنان بأنه تحرير لها ممن أسماهم بـ (الفرس) مثلما تم تحرير الجزائر من الفرنسيين؛ وحذّر من عقوبات امريكية اقتصادية، وليس فقط عقوبات سعودية، وحينها ستكون لبنان كالصومال و (خلّوا الفرس المُفلسين يعوّضونكم). وتواصل هجوم آل الشيخ على الرئيس عون، الذي وصفه بأنه (ذنب الفُرس) وقال ان الحريري اخطأ في قبوله رئيساً.

الاعلامي السعودي أحمد عدنان، ردد اكاذيب آل سعود بأن الحريري غير محتجز، وزاد في غرور وطيش فقال بأن (اعلام قطر وايران وحزب الله تلاشى أمام حسابي المتواضع) في تويتر؛ فيما هدد الصحفي محمد الساعد بأن بيروت ليست أغلى من الرياض، واضاف: (جنودنا الذين يُقتلون بسلاح لبناني مهرّب للحوثيين، أغلى من الجالية اللبنانية. من قتل أبناءنا سيدفع الفاتورة).

 
استقالة طوعية!

جذر المشكلة ـ إذن ـ هو هزيمة الرياض في اليمن، اليس كذلك؟!

حتى مدير مكتب قناة العربية في اليمن حمود منصّر، اصبح في التهديد سعودياً يستعير عبارات الحجّاج، فقال: (أفاعي ايران أينعت رؤوسها، وحان قِطافها، من صنعاء الى الضاحية الجنوبية). واستغرب الصحفي السعودي في الشرق الأوسط حسين شبكشي من ان تلفزيون التيار الحر (أو تي في) فتح الهواء للمتصلين ليشنوا هجوماً على السعودية؛ متناسياً ما تكتبه الصحافة السعودية، وما يبثه تلفزيون العربية، والهجوم المركز على عون، واعتباره ارهابياً وعدوّاً.

جنّ جنون آل سعود حين اعلن عون بأن الحريري محتجزٌ وموقوف سعوديا؛ وفاجأنا الروائي احمد ابو دهمان مهدداً بطرد اللبنانيين، حيث فسر كلام عون بأنه (يطالب السعودية باطلاق سراح ٣٥٠ الف لبناني يعملون فيها)؛ والكاتب ادريس الدريس رد بأن تاريخ عون أسود، وأنه ذليل لإيران؛ والصحفي هاني الظاهري سخر فقال: (رئيس جمهورية لبنان المسيحي عون تحت الإقامة الجبرية، وممنوع من السفر ومهدد بالقتل من حزب الله، لذلك لا تأخذوا اي تصريحات منه على محمد الجد، فهو مجبر عليها). أما كاتب المباحث الاعلامي فارس بن حزام فذكّر اللبنانيين: (لبنان ليس أغلى من قطر لدى السعودية) ومع هذا فعل بها الأفاعيل.. لهذا (ستكون حكومة لبنان، حكومة إعلان حرب بالنسبة للسعودية. حينشغلوا بأنفسهم). وفي حين ذكّر أحدهم بأن اللبنانيين العاملين في السعودية يحولون نحو مليار ونصف المليار دولار سنوياً؛ حذر تركي الحمد من أن الحريري يمكن أن يتم اغتياله وتُتهم اسرائيل او السعودية بأنها وراء ذلك، لا قدّر الله!

 
غضب سعودي من عون

وهكذا ظن آل سعود ان النصر في تويتر كافٍ.

لاحظ جمال خاشقجي، صحفي البلاط المطرود في المنفى، والمندفع والمحرض لمواجهات تصعيدية سعودية في سوريا وغيرها أن (كل خطوة مندفعة أقدمنا عليها بدون حساب كل تفاصيلها ـ ويقصد هنا ازمة الحريري ـ استفادت منها ايران). لكن الدكتور علي القرشي حذّر جماعته بصورة ملتوية من التصعيد العسكري ضد ايران فقال: (تروج بعض وسائل الاعلام الغربية لقوة السعودية العسكرية وقدرتها على سحق ايران وغير إيران. لا بأس أن نعتزّ بقوة بلادنا وامكاناتها العسكرية، ولكن علينا الحذر من الانسياق للفكرة والركون اليها، فالحرب ليست قوة عسكرية فحسب. حسابات الحرب هي حسابات بيدر لا حقل).

الدكتورة مضاوي الرشيد أكدت ان لبنان واليمن يستعصيان على التطويع السعودي؛ والاعلامي البحريني عباس بوصفوان قال ان (السعودية لا تحتاج الى من يحطّ من قدرها، ويهدد مصالحها ويدمّر اقتصادها. هي تقوم بذلك بكل اصرار ومنهجية لا يمكن تخيّلها). والاعلامية السعودية ايمان الحمود لاحظت كغيرها كيف ان الرعونة السعودية واحتجاز الحريري وحّدت اللبنانيين في ايام؛ ودعت حكومة بلادها الى التوقف عن حالة الإنكار التي (لم تخدمنا في الحادي عشر من سبتمبر، ولن تنفعنا اليوم) وطالبت بشيء من الشفافية (فكتم المعلومة يؤجج الفتنة أكثر من تداولها). غضب بعضهم من قولها هذا، وقال الصحفي محمد الساعد انها (شربت النضال في مطاعم الضاحية الجنوبية). يقول ذلك استصغاراً وتهكماً ضد من يخالفه الرأي.

في نهاية المطاف: لم تخض الرياض في السنوات الثلاث معركة سياسية او عسكرية ناجحة لا في اليمن ولا في قطر ولا في لبنان، ولا في غيرها؛ رغم كل التهديدات والعنتريات القاتلة.

الصفحة السابقة