إعلان القدس عاصمة للصهاينة

صفقة القرن السعودي ـ الصهيوني

عمرالمالكي

بعد عاصفة الصراع مع قطر بشكل مفاجئ، كما حرب اليمن المفاجئة.. فتح محمد بن سلمان وابوه معركة مفاجئة أيضاً مع لبنان واعتقل رئيس وزرائها.

 

قبل بضعة أسابيع من اعلان ترامب اعترافه بالقدس عاصمة أبدية للكيان المحتل، وأمره بنقل سفارة واشنطن الى القدس الشريف.. فتح آل سعود معركة إعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ضد فلسطين كقضية، وضد الشعب الفلسطيني.

ما هي المناسبة لفتح معركة ضد الفلسطينيين؟

لا يوجد، سوى ان محمد بن سلمان مطلوب منه أن يدفع ثمن تسنّمه العرش، لأمريكا وللوبي الإسرائيلي فيها.

لا يوجد مبرر منطقي لدولة لا تحارب وليس في نيتها أن تحارب إسرائيل، ولم يطلب منها أحدٌ من الفلسطينيين ولا غيرهم ان تحارب بالنيابة عنهم، ولا حتى زيادة الدعم المالي لهم، او فك حصارهم، او تخفيف معاناتهم. لا يوجد أي مبرر مستجد لأن تشنّ الحملة الإعلامية لولا ان هناك شيء ما يخطط له.

فلمَ هذا الشتم المتواصل من نخبة الاعلام الموالي للسلطة لفلسطين ولشعب فلسطين، واتهامه ببيع قضيته، وبحقده على السعودية وشعبها؟

 
وزير العدل السابق العيسى في كنيس بباريس.. تمهيد للتطبيع

يعلم المواطنون ان الحملات الإعلامية بمثابة تمهيد للرأي العام للقيام بخطوة سياسية ما.

حدث هذا قبلا في قضايا محلية وخارجية.

لهذا كان القلق الشعبي، من أن ال سعود قد اقتربوا من حافة النهاية لاقامة علاقات مع إسرائيل، وقبلها إجبار القيادة الفلسطينية على قبول خطة ترامب، او ما سُمي بـ (صفقة القرن)، وهم ـ أي آل سعود ـ يريدون فقط تجييش المُسعودين ضد الفلسطينيين لتبرير العلاقة مع الكيان المحتل، وللتغطية قبلها على قرار ترامب بنقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة للمحتلين.

كل التصرفات التي قام بها آل سعود في السنوات الأخيرة، من جهة استعلان العلاقة مع القيادات الصهيونية (لقاءات تركي الفيصل وعشقي مثلاً، او هاشتاقات وتغريدات تطبل لأهمية العلاقة مع إسرائيل) قيل أنها لمجرد جسّ النبض الشعبي.

هذه المرة تختلف. فقد انتهى جسّ النبض وبدأ آل سعود عملياً تطبيق ما ينوون فعله.

لكن المختلف هذه المرة ، أن النظام السعودي يقوم بما يريد القيام به، دون ان ينبس احد من النخب المعترضة ببنت شفه، بعكس المرات السابقة التي كانوا يتوقعون ان من يقود الحملات الإعلامية انما يقوم بها اجتهاداً من نفسه، وبالتالي لا مانع من نقده.

هذه المرة، تأكد للجميع ان الحملة منظمة من الأعلى، من الطبقة الحاكمة وحاشية الملك سلمان وابنه.

ولأن الجوّ قمعي الى أبعد حدود، لهذا كان دعاة التطبيع مع الصهاينة يصولون ويجولون دون ان ينالوا النقد والتهزيء المطلوب. فالجميع خائف من الإعتقال، ذلك ان الاعتراض على المطبّعين أصبح يعني اعتراضاً على محمد بن سلمان نفسه.

خطوات التمهيد لعلاقة مع إسرائيل

في موضوع التمهيد النفسي والشعبي للقرار السعودي الرسمي بالتخلي عن قضية فلسطين وبيعها ان أمكن.. كانت هناك إجراءات سعودية واضحة المعالم.

 

لم تكن صدفة ان الحملة السعودية الشعواء على القضية الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني والدفع الصريح باتجاه تطبيع مع المحتل، ترافق معها زيارة وزير العدل السابق، وأمين عام منظمة العالم الإسلامي الشيخ محمد عبدالكريم العيسى الى كنيس في باريس، للترويج للإسلام السعودي المعتدل الجديد الذي يقول ابن سلمان انه يروج له. وهو ما رحب به الصهاينة، حيث قال الكاتب الصهيوني شعمون آران: (أؤمن بأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أعطى الضوء الأخضر لذلك). بعدها طلب الشيخ الوهابي العيسى من مسلمي أوروبا: احترموا العلمانية، او عودوا الى دياركم وعيشوا في مكان اخر، لا ايماناً منه بالعلمانية، وانما تزلّفا للأسياد، وتسويقاً لمشروع محمد بن سلمان.

وتترافق الحملة من اجل التطبيع السعودي الصهيوني، مع دعوة فريق الشطرنج الصهيوني لزيارة الرياض؛ حيث ينوي مشاركة نحو عشرة لاعبين إسرائيليين الذهاب الى الرياض نهاية هذا الشهر ديسمبر، ما اعتبر دليلاً ايجابياً آخر للتقارب بين البلدين ـ حسب التعبيرات الصهيونية. وقد روج الاعلام السعودي لمباراة الشطرنج علناً، وترويج ذلك في برنامج أكشن يا دَوري ومقدّمهِ الفرّاج.

 
بن تسيون يعلن صهيونيته من مسجد رسول الله في المدينة المنورة

كما سبق اعلان ترامب و(صفقة القرن)، تصريحات مكثفة من الصهاينة واعلامهم عن اتصالات صهيونية مع السعودية ومع دول عربية وإسلامية أخرى، في مبالغة لاستعلان العلاقات السرية والتهيئة للتطبيع. وقال نتنياهو بأن هناك (دولا عربية رائدة مثل السعودية والإمارات ومصر والكثيرين من جيراننا العرب، كل هؤلاء ينظرون الى التهديد الإيراني كما نحن ننظر اليه، وأعتقد انهم على صواب)، وأضاف: (نرى بوادر تغييرات غير مسبوقة في العالم العربي، ستأتي بثمارها بتحقيق السلام)؛ ودافع نتنياهو عن السعودية حين قال بأن (ايران نظام عدواني يطلق الصواريخ على السعودية، ويريد ان يحتل الشرق الأوسط)، ليختم: (لقد تبقى حاليا نظام واحد فقط يدعو ويناشد بشكل صريح لا يحتمل التأويل الى تدمير إسرائيل، وهو ايران؛ والإيرانيون يختلفون في هذه النقطة عن العالم العربي).

وإزاء التسارع في عملية التطبيع، هناك من الكتاب والصحفيين من يعتقد بأنه لم يبق الا التوقيع لفتح سفارة في الرياض وتل أبيب (او حتى القدس الشريف).

وفجأة يدعو محمد بن سلمان (عبر مؤسسته مِسْك) صهيوني اسمه بن تيسون ليزور السعودية، وليأخذ بالأحضان لمقابلة الأمراء، والأهم ليتم إدخاله الى الحرم النبوي الشريف، ويؤشر الى اسمه داخل مسجد رسول الله، وليلتقط فيديوهات عادة لا يُسمح حتى للمسلم ان يفعلها داخل المسجد، ولينشر كل ذلك على حساباته في مواقع التواصل، بما في ذلك لقاءاته مع النساء والرجال، فالناس على دين ملوكهم. وحتى مغنيات آل سعود سجلن فيديوهات مع هذا الصهيوني.

وهكذا فالتطبيع السعودي كان يجري بشكل متسارع وبدون خجل او خشية من أحد، لا من مشايخ ولا من شعوب، ما يؤكد ان هذا التمهيد يريد فرض شيء ما على ذاكرة الشعب وعقيدته وتراثه. كل ما قام به آل سعود منذ أسابيع يمثل تحدّياً لمشاعر المسلمين وليس فقط المواطنين الذين يلوذ اكثرهم بالصمت الآن، خشية وخوفا. حتى المفتي آل الشيخ لاذ بالصمت وفضّل السمع والطاعة، ما لم يأتِ سلمان وابنه بكفر أكثر بواحاً من هذا.

 
محمد بن سلمان يمهد للتطبيع بدعوة الصهاينة لزيارة المملكة

تشاء الأقدار ان تأتي حملة التطبيع مع الصهاينة وتدنيس الحرم المدني في وقت يحتفل فيه المسلمون بمولده عليه الصلاة والسلام، وهو احتفال يعتبره النظام ومؤسسته الوهابية (بدعة)، وكأن زيارة بن تسيون (سنّة مؤكدة)، فمعذرة اليك يا رسول الله.

الإعلامي السعودي صالح الفهيد، غير مصدّق ما يجري حوله، وظنّ ان كل الأخبار مجرد شائعات صهيونية، وفعلاً فإن الصهاينة يبالغون بغرض استعلان العلاقات، لكن ليس هذه المرة. الصحفي أحمد عبيد، مؤيد آخر لآل سعود وآل نهيان، رأى في صور بن تسيون مجرد فوتوشوب، ومؤامرة من (تنظيم الحمدين) القطري. يتناسى هؤلاء ان مفتي السعودية الأسبق الشيخ بن باز يرى بأن كل دولة إسلامية تنظر في مصلحتها، فإن وجدت من مصلحتها تبادل السفراء مع الصهاينة والبيع والشراء (فلا بأس في ذلك)! وهنا سأل أحدهم: ماذا عن تحرير فلسطين وارسال ارتال من الجيش السعودي للحرب قبل قيام دولة الصهاينة؛ وماذا عن الشهداء الذين تساقطوا في اكناف بيت المقدس؟

لتبرير هذه الاستباحة السعودية لمشاعر المواطنين ومقدساتهم، وضع جيش آل سعود الإلكتروني، وكتاب الصحف، التمهيدات هذه، في سياق مواجهة ايران وقطر، وتفضيل إسرائيل عليهما وعلى تركيا، وعلى الفلسطينيين أنفسهم. فقد علّق مغرد يتبع جهاز المباحث السعودي: (قسماً بالله، إسرائيل أشرف من قطر وايران)؛ ثم ان من ينتقد آل سعود (لم يقل كلمة واحدة ضد مكتب التمثيل التجاري الصهيوني في الدوحة)، وكأن فلسطين والأقصى مجرد أداة في صراع سياسي بين دول متنافرة، وليس قضية حق وباطل؛ وقال عوض العبدان: (لو نشبت حرب بين حماس وإسرائيل، فإني سأنحاز الى إسرائيل)، هكذا بدون لف او دوران.

 
الصهيوني بن تسيون في الحرم المدني الشريف

ثم إن الرياض ستطبع مع الصهاينة، لأن الفلسطيني ـ حسب سلطان الهويريني ـ باع قضيته ـ بزعمه، وهمه جمع المال، الذي سرقته المومسات اليهوديات كما يقول. وحسب الحسابات المخابراتية السعودية على مواقع التواصل الاجتماعي: لماذا نعادي إسرائيل من اجلهم (المفروض ان نطبع مع إسرائيل ونفتح السفارات ونتبادل السفراء، ونترك أقذر خلق الله لمصيرهم).

لكن الواضح كما تقول صحيفة الديلي تلغراف البريطانية، ان الرياض تريد التخلص من قضية فلسطين بأي وسيلة ولا يهمها التفاصيل، يهمها تطبيع مع إسرائيل لمواجهة ايران.

مثل هذه اللغة ستتكرر في افتعال مشكلة مع فلسطين وأهلها لغرض اقناع المواطن المسعود بعلاقات مع الصهاينة. وقد لاحظ الكثيرون بأن دعاة التطبيع خرجوا في وقت واحد، واستخدموا نفس المفردات والجمل، فهذا أمر وزّعته جهة ما عليهم للبدء بالحملة. لكن كما يقول ماجد السرحاني، فان اجيالنا تربت على معاداة المحتل الصهيوني، ولن يزول هذا العداء الا بزوال الاحتلال.

وبشرت الدعاية السعودية المواطنين بأنه في حال قامت علاقات سعودية صهيونية (فسوف تكون السعودية واسرائيل أقوى وأهم دولتين في الشرق الأوسط. لم يبقَ أي مانع من إقامة علاقات. كل دول العالم فيها يهود وفي قمة الهرم السياسي). ومن الترويج السعودي لاختراق الحصون النفسية للمواطنين سأل أحدهم: (أنا لا أعرف سر عدائنا لإسرائيل؟ دولة قوية متطورة لم تضرنا بشيء ولا تحتل جزءً من أراضينا، فلمَ لا نقيم علاقات وتحالف معها؟).

هذا هو الخطاب السياسي السعودي الجديد.

ومن حسابات المباحث على مواقع التواصل يقول احدهم مبشرا بأنه لم يبق أي مانع من إقامة علاقات مع إسرائيل، وستكونا اقوى واهم دولتين في الشرق الأوسط. آخر تساءل بأنه لا يعرف سر عدائنا لإسرائيل، ثم انها دولة لم تضرنا بشيء، ولم تحتل أراضينا، فلماذا لا نقيم علاقات وتحالف معها، هكذا يريد آل سعود إحداث التطبيع في النفوس. مأجور سعودي ثالث يصادر رأي أكثرية المواطنين ويزعم بأن (العلاقة مع إسرائيل أصبحت مطلباً للسعوديين) ويسأل: (الى متى نجامل ونكذب على بعض.. متى إسرائيلي قتل مواطن سعودي)؟

وكان الصهيوني نتنياهو قد قال بأن (أكبر عقبة امام توسيع دائرة السلام ليست زعماء الدول التي تحيط بنا، بل هي الرأي العام في الشارع العربي الذي تعرّض على مدار سنوات طويلة لدعاية عرضت إسرائيل بشكل خاطئ ومنحاز)، وخلص المعارض عبدالله الغامدي منها ليستنتج بأن ما قاله نتنياهو شهادة بأن ابن سلمان صهيوني.

الصفحة السابقة