السعودية تخسر لبنان

ناصر عنقاوي

يبدو أن السعودية خسرت ورقتها في لبنان نهائيا.. بعد ان كانت ترى فيه ساحة سهلة لتمرير سياساتها وتأكيد حضورها الاقليمي.

ففي اسبوع واحد، تلقت الرياض صدمتين متتاليتين: واحدة من وزير الخارجية جبران باسيل، والثانية من حليفها الأقرب، رئيس الوزراء، سعد الحريري.

 
بهية الحريري تشكر عون ونصر الله: يريدون اعتقال سعد كما قتلوا أباه!

فالرجلان بما اتخذاه من مواقف، أكدا تموضعهما، ونقلا لبنان بالكامل الى ضفة اخرى، لا ترغب الرياض أن تراه فيها.

مطلع الشهر الماضي نوفمبر، بدأت السعودية حربا على لبنان استهدفت الضغط على حكومته، لإبعاد ممثلي حزب الله من صفوفها، واعادة الاصطفاف اللبناني القديم على خلفية العداء للمقاومة والمطالبة بنزع سلاحها، وشن حملة اعلامية على ايران واتهامها بالتدخل في الشأن اللبناني، تماشيا مع الحملة السعودية المسعورة المستمرة منذ سنوات.

النظام السعودي المأزوم في سياساته الخارجية في مجمل محطاتها، ظن ان بإمكانه تحقيق انتصار في الساحة اللبنانية «الرخوة»، فمارس لعبته المفضلة بإثارة الفتنة المذهبية بين الطوائف اللبنانية، وأشهر سيف الحرب الإقتصادية، مهدداً بمحاصرة البنوك اللبنانية، وطرد العمال اللبنانيين من السعودية وربما الامارات والبحرين ايضاً.

بيان الاستقالة الذي قرأه الرئيس سعد الحريري من تلفزيون العربية في الرياض، تضمن اتهامات لحزب الله بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، كما تضمن الاشارة الى تهديدات لحياة رئيس الوزراء. وكل هذه الاتهامات صيغت بلغة استفزازية مثيرة تستدعي لغة الحرب الاهلية، والخطاب المتوتر الذي ساد الساحة اللبنانية قبل سنوات، بتحريض سعودي صريح، وانتهى بقيام اسرائيل بالعدوان على لبنان في حرب تموز 2006، وما تلاها.

وهو ما عادت اليه الذاكرة اللبنانية سريعا، من خلال قراءة ابعاد الهجوم السعودي باستئصال حزب الله ونزع سلاحه بالقوة، ما يؤشر الى مراهنة سعودية على التدخل الاسرائيلي في حرب جديدة على لبنان.

الاوساط اللبنانية أدركت سريعا خطورة التنسيق السعودي الاسرائيلي لاغراق لبنان بأزمة جديدة، او ربما حرب مدمرة أخرى، بذريعة استهداف المقاومة، وتحت مزاعم إعادة لبنان الى الحضن العربي، كما بدأ الإعلام السعودي يروج في حملته الإعلامية المصاحبة.

الهجوم السعودي حينها لم يتوقف على حزب الله والشيعة وحسب، بل شمل بشكل مركز رئاسة الجمهورية، نسبة الى المواقف الصريحة للعماد ميشال عون الرافضة للسير في الفتنة الداخلية التي تريدها الرياض، ووزارة الخارجية التي يتولاها صهر الرئيس عون، ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.. ووصفت وسائل الاعلام السعودية عون وباسيل باعتبارهما من أتباع ولاية الفقيه، ويأتمران بقرارات حزب الله.

 
ضحكة تم الترويج لها لإخفاء جريمة السبهان باختطاف الحريري

السعودية اعتقدت انها تملك كل أوراق القوة ضد لبنان، ويمكنها تطويعه واجباره على الاصطفاف خلفها، اذا ما خيّرته بينها وبين ايران. لكنها فوجئت بمكامن قوة غير محسوبة، وصلابة لم تتوقعها في الموقف اللبناني، الذي استطاع ان يعري المؤامرة السعودية، ويكشف لعبتها ضد رئيس وزرائه، وأمنه وتركيبته الداخلية.

رفض الرئيس عون المطالب السعودية، وأعلن ان الحريري مختطفٌ سعودياً، ومُكره على الاستقالة التي كتبها السبهان بنفسه. وانبرى الوزير باسيل ليحشد التأييد الاوروبي والاقليمي والروسي في جولة سريعة استغرقت عدة ايام، اسفرت عن انفضاح اللعبة السعودية، ومطالبة العالم بالافراج عن الحريري وعودته الى لبنان.

كان واضحاً أن السعودية تريد أن تحشد حلفاءها لتعزيز زعمها بقيادة تيار «الاعتدال» في المنطقة، في مواجهة تيار المقاومة، الذي تعتبره هي واسرائيل ارهابا، وتحرضان الولايات المتحدة واوروبا لتصنيفه في قائمة الارهاب العالمية.

تجرّع الأمير محمد بن سلمان كأس الهزيمة من لبنان، فاضطر للافراج عن الحريري الى باريس أولا، ومنها الى بيروت، وبعد أسبوع عاد ليمارس مهماته رئيسا للوزراء بدعم من حزب الله والرئاسة اللبنانية.

لكن معركة السعودية مع لبنان لم تنته عند هذا الحدّ، بل واصلت الضغط على حكومته من خلال توجيه الاتهامات للمقاومة. في ١٩ نوفمبر الماضي، استصدرت السعودية بيانا من الجامعة العربية في ختام اجتماع طارىء على مستوى وزراء الخارجية، لادانة اطلاق صاروخ من اليمن على مطار الرياض، معتبرا انه “تهديد للامن العربي”، واصفا حزب الله بأنه ارهابي ويدعم الجماعات الارهابية في الدول العربية.

يومها غاب وزير الخارجية اللبناني باسيل عن الاجتماع، احتجاجا على القرار ورفضا له، الا انه كان نجم الاجتماع الاخير للجامعة، موجها خطابا محرجا للنظام السعودي الذي وضع سقف التحرك العربي في اطار ردود الفعل الشكلية، وبيانات الاستنكار والشجب واللجان، التي تقتل القضايا وتضيع الاهداف المعلنة. وأثار باسيل، ضجة في وسائل الاعلام وفي الاوساط السياسية، بعد الكلمة التي ألقاها في اجتماع وزراء الخارجية العرب، مساء السبت 9 ديسمبر، على خلفية إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، القدس عاصمة لإسرائيل.

وما توقف عنده المراقبون، ان ذلك الخطاب حظي برضا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، اعتُبر تموضعا حاسما للبنان الى جانب محور المقاومة، وتبنياً لأدبيات حزب الله، من البوابة الفلسطينية والدفاع عن الاقصى.. وهو يأتي بعد شهر من الهجوم السعودي الكبير على لبنان، الذي ابتدأ بتهديدات وزير شؤون الخليج ثامر السبهان، وبلغ ذروته في إجبار رئيس الوزراء اللبناني على الاستقالة من الرياض التي استدعي اليها دون ابلاغه بالسبب.

خطاب باسيل
 
باسيل المزعج لعادل الجبير في مؤتمر القدس بالقاهرة!

قال باسيل في كلمته: (الويل لنا إذا خرجنا اليوم بتخاذل، إما الثورة وإما الموت لأمة نائمة)، مضيفا: (أنا لستُ هنا باسم لبنان لأستنكر عملية سلب، ولا لأستذكر هوية عربية نحن من صناعها، ولا لأستفسر عن انتماء عميق يراد إضاعته في نزاعات الهائية، تريد تقسيمنا الى ملل ومذاهب، الى قبائل وعوائل، وتحويلنا أمة مفتتة، يستسهل إهانتها وسرقة رموزها، واغتصاب أرضها، بدل أن تكون رابطة تشارك، يجمعنا فيها العلم والتطور والحوار. وأنا بالطبع لست هنا لاستصدار بيان عقيم، أو إدانة رمزية يمحى حبر ليلها ويستهزئ بها من سامعيها).

وتابع وفقا لما نقلته وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية: (نحن هنا، لأن عروبتنا لا تتنازل عن القدس، ونحن في لبنان لا نتهرب من قدرنا في المواجهة والمقاومة حتى الشهادة. نحن من هوية القدس لا نعيش إلا أحرارا، وننتفض بوجه كل غاصب ومحتل. أرادتنا غولدا مائير عند إحراق الأقصى عام 1969 أن نكون أمة نائمة، وحولنا أنفسنا الى أمّة فاشلة، وأرادنا البعض الآخر أمة غائبة ومتلاشية ومنعدمة، وذلك لانعدام الرؤية الواحدة بيننا، وغياب أيديولوجيا منفتحة تجمعنا.. نحن هنا لنستعيد عروبتنا الضالّة ما بين سنة وشيعة، والمهدورة بين شرق وغرب، والمتلهية بصراع عربي- فارسي، والمدفوعة وهماً الى تخويف إسلامي- مسيحي متبادل.. ذلك إلهاء عن قضية فلسطين، من ربيع عربي، وإقتتال سني- شيعي، وخلق قوى تكفير، وتعرّض لوجود أقليات، وكلنا بمعنى ما أقليات. حروب اختلقت وفشلت فكان الانتقال بعد الفشل الى نقل سفارة وتهويد قدس).

رد الفعل السعودي

كانت اشارة الوزير باسيل، خصوصا الى الفتنة الشيعية السنيّة، والى التلهّي بصراع عربي فارسي، وتركيزه على المقاومة باعتبارها الرد الحقيقي على التحديات، ورفض الانقسامات المذهبية والقبلية، والردود الكلامية على التحدي الاميركي الصهيوني، واعتباره ان قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ثمرة للنزاعات العربية، والحروب المتنقلة تحت ستار الربيع العربي.. كل هذه العناوين والمؤشرات تؤكد قناعة لبنان بمنطق المقاومة، الذي يدعو الى الوحدة بدل الانقسام، والى انهاء النزاعات والصراعات الجانبية لمصلحة الصراع القومي التاريخي مع الصهيونية وحماتها في فلسطين.

كان الذهول بادياً على وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وهو يستمع الى ذلك الخطاب، الذي يبتعد كثيرا عن الروح الانهزامية التي يحملها النظام السعودي، والذي جاء ردا غير مباشر على كل السياسات والشعارات التي تثيرها المملكة على الصعيد الاقليمي.. فالفتنة المذهبية، السنية ـ الشيعية، مسؤولية سعودية بالدرجة الاولى، واثارة الصراع الاقليمي بين العرب وايران، هو منهج سعودي رسمي لا يمكن اخفاؤه، والهجوم على المقاومة واستعداؤها، هو ما دأبت عليه السعودية منذ ٢٠٠٦ بشكل وقح، حين أعلنت اصطفافها الضمني مع العدوان الاسرائيلي على لبنان.

خلفيات العداء لباسيل
 
بعد ان تم تحريره من مملكة الظلام.. الحريري يتراجع عن الإستقالة!

لا تكنّ السعودية الود لباسيل على الاطلاق، بل حركت عملاءها وانصارها في لبنان لشن الهجمات عليه. فقد هاجم النائب اللبناني السابق فارس سعيد، خطاب باسيل، في الجامعة العربية، في وقت كانت الاوساط اللبنانية كافة تحتفي به، باعتباره معبرا عن مشاعر وقناعات الغالبية الساحقة من اللبنانيين.

فارس سعيد، منسق جماعة 14 آذار، قال إن كلام الوزير باسيل في الجامعة العربية يفتقد الاهليّة والمصداقيّة.. وتابع في تغريدة عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر: (ان من يحاضر بالعروبة لا يستسلم لشروط إيران، ويسلّم بلده للحرس الثوري من أجل كرسي بعبدا)، في إشارة مهينة لرئيس الجمهورية شخصياً.

وبحسب فارس سعيد، فإن (إيران لا تقلّ عدائية عن الكيان الصهيوني)، موضحاً أن لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن شهود على ذلك.

هذا المنطق، وحتى الكلمات المستخدمة في لغة الخطاب، ذات منشأ سعودي حصري، يمكن قراءتها في عشرات المقالات والبيانات السعودية.

الا ان هذا الرد السعودي على باسيل، جاء ضعيفاً، واعطى مردودا عكسيا، لانه جاء في وقت يتجه فيه المزاج اللبناني بالكامل، لمصلحة رفض التحدي الاميركي الصهيوني، والتمسك بالمقاومة كمصدر للقوة، امام تخاذل الانظمة العربية او عجزها عن الارتقاء الى مستوى التحدي، وتواطؤ النظام العربي الرسمي الذي تقوده السعودية مع الخطة الاميركية الصهيونية لتصفية القضية الفلسطينية.

وقد صدرت بالفعل العديد من البيانات والتصريحات، التي تؤكد هذه المواقف التي عبر عنها باسيل، من مختلف الاحزاب اللبنانية، والمرجعيات الدينية الاسلامية والمسيحية، وعن تيار المستقبل والرئيس الحريري بالذات، والقوى المحسوبة على الجانب السعودي.

عودة الى أزمة الحريري

الأكيد أنَّ تدهور قضية الرئيس سعد الحريري، عن السياق المرسوم سعودياً، أزعجَ المملكة، والمؤكّد أنَّ الدور الذي لعبه وزير الخارجية جبران باسيل خلال تطورات هذه القضية، زاد من انزعاج المملكة، التي تعكس تصرُّفاتها اليوم نوايا الانتقام من كل من عَمِل، أو اقدام على عَملٍ، جاء بعكس شهيّتها خلال الازمة الفائتة، لاسيما حُلفاء «حزب الله»، الذين تعتبرهم في الأصل «اعداء»، وإن غازلت بعضهم أحياناً.

وكانت السلطات اللبنانية، بما فيها وزارة الخارجية، قد رفضت قرارت الجامعة العربية المتعلقة بحزب الله وايران، وابلغ الرئيس ميشال عون ذلك الى الامين العام للجامعة العربية احمد ابو الغيط الذي زار لبنان، ليسمع كلاما قاسيا في القصر الجمهوري:

- أولاً لأنَّ لبنان لا يقدر على تحمّل تَبعات أي قرار يتعارض مع توجهاته السياسية الداخلية.

- ثانياً لأنَّ لبنان الذي يتمتع بعلاقات صداقة قوية مع إيران، لا يجد مبررا لاتخاذ مواقف عدائية ضدها.

- ثالثاً والاهم، أنَّ لبنان لا يجد لنفسه أي مصلحة في هذه السياسة السعودية المتهورة، التي تجر العرب الى صراعات، تخدم العدو الصهيوني، والسياسة الاميركية في تمزيق المنطقة واضعافها.

وكان أكثر ما اثار حنق السلطات السعودية ضد الوزير باسيل، حراكه صوب الدول الاوروبية، حيث إقتُرنَ حراكه بتقديم وجهة النظر اللبنانيّة الرسميّة حول مسألة إستقالة الرئيس الحريري، والتي ارتكزت على فكرة أنه ليس حرّ التصرّف يوم كان في الرياض.

وقد نجح باسيل في حشد الدعم الاوروبي، لاسيما الفرنسي والالماني، واقناعهم بصوابيّة التقييم اللبناني، ما أوصلَ إلى تسويق فكرة احتجاز الحريري في السعودية بنجاح، وهو ما انعكس على تصريحات ومواقف عدد من الدول المؤثرة، وصبّ في غير صالح السعوديّة.

عودة الحريري
 
عون والحريري.. ضربة قاضية للنفوذ السعودي بلبنان!

استكمل الحريري اعلان الهزيمة السعودية، وفشل سياساتها الاخيرة تجاه لبنان، اذ سرعان ما عاد الى بيروت، والتقى رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، واتفق معهما على خطة لاخراج تراجعه عن الاستقالة، بعد ايام قليلة، ليؤكد بالفعل صحة الموقف اللبناني، من انه لم يكن يتمتع بحريته في الرياض، وان الاستقالة قد اُمليت عليه، في سياق مخطط سعودي يستهدف امن لبنان.

وفي سياق هذا التجاذب، سرت شائعات واخبار متفرقة، عن خلاف حاد بين الحريري والسعودية، تمثل بصورة علنية في بدء حرب كلامية مع بعض الاطراف المحسوبة على الأخيرة في الداخل اللبناني.

وقد حسم الحريري هذه الشائعات في ١١ ديسمبر ٢٠١٧ الجاري، بتصريح لا لبس فيه، اكد فيه انه كان محتجزا في السعودية، وانه عاش أزمة حقيقية على الصعيد الشخصي، وانه يعتبر الجهات والاشخاص الذين انساقوا مع الحملة السعودية المطالبة بقبول استقالته.. اعداء طعنوه في ظهره، مهددا بتسميتهم، وفتح معركة صريحة معهم.

وقال الحريري إنه سيكشف الكثير من الأمور عن أزمته الأخيرة التي مر بها، منوهاً بأن أحزابا سياسية، حاولت أن تجد مكانا لها في هذه الأزمة، من خلال الطعن بالظهر. وتابع الحريري، خلال استقباله، وفوداً وأعضاء من حزبه «حزب المستقبل»: «لقد مررنا بأزمة صعبة، هناك من أراد أن يستغل علاقاتنا مع المملكة السعودية، للإساءة لي شخصيا. هناك أحزاب سياسية حاولت أن تجد مكانا لها في هذه الأزمة من خلال الطعن بالظهر، وذلك وفقاً لتسجيل صوتي جرى تداوله في التلفزيونات اللبنانية.

واضاف بالقول: «سأتعامل مع هذه الحالات، كل حالة على انفراد، ولكني بالطبع لا أحقد على أحد، لأنني على قناعة بأن الوطن بحاجة لكل أبنائه لكي ينهض ويتطور، على كل حال سأسمي الأشياء بأسمائها، وسأبق البحصة، وهي بحصة كبيرة بالطبع».

وأضاف الحريري: «جميعكم تعرفون من حاول طعننا في الظهر، وهم حين كانوا يرددون مواقف تحد لحزب الله وسياسة إيران ظاهريا، وجدنا في النهاية أن كل ما أرادوه هو الطعن بسعد الحريري، فهم كانوا يتهجمون مرة على الحزب، وعشرين مرة على سعد الحريري، وكانوا يدّعون أنهم يستكملون مسيرة رفيق الحريري، كل ذلك كان بمثابة أكبر عملية احتيال علينا جميعا».

هذه المواقف الحريرية، والتي تأتي في سياق ترميم زعامته المحلية، تؤكد على حقيقتين في موقعه السياسي الحالي:

الاولى: ان الحريري يشعر بالالم والضغينة، من التجربة المرة التي تعرض لها في مرحلة الاستقالة وما تلاها.. وهذا يعني انه كان محتجزا فعلا، وان الاستقالة لم تصدر عنه بملء ارادته او قناعته. وهو اذ يفتح النار على حلفاء الامس من جماعة 14 آذار السعودية الهوى والتمويل، يثبت المعلومات التي سربتها جهات من داخل تيار المستقبل، انه يشعر بالامتنان لمواقف رئيس الجمهوري،ة والامين العام لحزب الله، ورئيس المجلس النيابي، الذين رفضوا الاستقالة، بل اجبروا السعودية على اطلاق سراحه، واعادته الى لبنان.

وكانت مصادر سياسية اكدت ان بهية الحريري، عمّة رئيس الوزراء، قد ارسلت رسالة شكر لحزب الله، اعتبرت فيها ان مواقف السيد حسن نصرالله المتفهمة لاستقالة الحريري، أسست لانقاذه من مصير شبيه ببعض الامراء المحتجزين، والذين لا يعرف مصيرهم حتى الان.

الثانية: ان الرئيس الحريري قد حسم امره في الاصطفاف الداخلي، في معسكر التفاهم مع المقاومة لا الصدام معها، وهو ما اسست له صفقة التسوية التي طالبت الرياض باسقاطها.

وما يسمى الصفقة، هي الاتفاق الذي تم بين الاطراف اللبنانيين للخروج من ازمة الفراغ في الرئاسة الذي استمر لاكثر من عامين، والتي قضت بانتخاب الرئيس ميشال عون لرئاسة الجمهورية، رغم ممانعة السعودية الطويلة، مقابل القبول بالرئيس سعد الحريري في رئاسة الحكومة.

كلمة جبران باسيل في الجامعة العربية، وتصريحات سعد الحريري الأخيرة، تؤكد ان لبنان قد خرج تماما من القبضة السعودية الحديدية، وان السياسة الرعناء التي اتبعتها حكومة الامراء، اخرجت لبنان من تحت عباءتها، ودائرة نفوذها. وهي اذ تخسر مواقعها في لبنان، فهي تخرج تماما من المشرق العربي، وتخسر منصة سياسية واعلامية مهمة، ترفض الولايات المتحدة والدولة الغربية التفريط فيها، رغم التنازلات المؤلمة التي تقدمها لمصلحة المقاومة، والتركيبة السياسية في لبنان.

الصفحة السابقة