إبن سلمان يقود «انقلاب القصر» الأردني!

هاشم عبد الستار

للوهلة الأولى، يبدو الخبر مستهجناً: هل يعقل أن يقدم إبن سلمان على خطوة مجنونة كالتي تحدّثت عنها مصادر عدّة تفيد بأنه قاد مخطط «انقلاب القصر» الاردني، في رد فعل على رفض عبد الله الثاني الانصياع لطلبه بقبول خطة ترمب الرامية الى تحويل القدس الى عاصمة أبديّة للكيان الصهيوني؟.

 
موقع السورة، يكشف خلفيات محاولة الانقلاب العسكري السعودي في الأردن

الديوان الملكي الاردني الذي يندر أن يصدر بياناً حول قضايا خلافية يكون الاردن طرفاً فيها، اضطر في 30 ديسمبر الماضي إلى اصدار بيان يرد فيه على «ما تناقلته بعض المواقع الالكترونية والتواصل الاجتماعي» من «إشاعات وادعاءات باطلة ملفقة مغرضة تشيع الأكاذيب وتسيء إلى الأمراء فيصل بن الحسين وعلي بن الحسين وطلال بن محمد». بل زاد البيان بأنه «سيلاحق قانونياً كل من ينشر هذه الأكاذيب، والمزاعم الباطلة بحق الأمراء والأسرة الهاشمية، والتي تهدف إلى الإساءة إلى الأردن والنيل من مؤسساته». وصعّد البيان من نبرته بالقول: «لن تمر مثل هذه الأكاذيب على شعبنا الوفي، ولن تمس وحدته الوطنية، والعلاقة المتينة الراسخة بين أبناء الشعب الأردني والعائلة الهاشمية».

توحي لغة البيان ونبرته الحادة، بأن ثمّة ما يستدعي هذا التدخل من أعلى سلطة في البلاد، الأمر الذي أثار استغراب كثير من المراقبين، وأن البيان وعوضاً عن نفي الشائعات، قدّم دليلاً إضافياً على إمكانية وقوع الانقلاب، وأن تكذيب الديوان جعل مراقبين يميلون الى تصديق رواية «انقلاب القصر» بتخطيط سعودي، بلحاظ الاستنفار غير المسبوق من الديوان الملكي الأردني لوضع حد لما يصفه بـ «شائعات» نشرت على «بعض المواقع الاكترونية والتواصل الاجتماعي»، أي أن القضية لم تكن تستحق «الإجراء العاجل».

وعلى ما يبدو، فإن الصراع الدائر في الولايات المتحدة بين البيت الأبيض ودولة الأمن القومي تمد ذيوله للخارج، وتفتك بالحلفاء أيضاً. شبكة الحلفاء تتبدّل في المنطقة، على وقع الانقسام في واشنطن، فبعد أن كان معسكر المعتدلين يضم طيفاً من الدول المصنّفة تقليدياً على واشنطن، بما فيها الاردن والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود، واذا نحن أمام تشكيلة جديدة يمكن وصفها بمعسكر ترمب، وتضم نتنياهو، ومحمد بن سلمان، ومحمد بن زايد، والسيسي، ومحمد دحلان.. وهي مظلة باتت تضيق على وقع تحولات إزاء قضية القدس، فخرجت تركيا، والاردن، وقطر، والسودان، ولبنان، ومعهم ايران وحلفاؤها.

بعد تجربة انقلاب السيسي في يوليو 2013، فتحت شهية محمد بن سلمان ومعه محمد بن زايد لتكرار المحاولة، في تركيا في منتصف يوليو 2016، وطه عثمان مدير مكتب الرئيس السوداني عمر البشير في حزيران 2017، وقطر في مايو 2017، واختطاف سعد الحريري في نوفمبر 2017، ومحاولة فرض أخيه بهاء بدلاً عنه لقيادة تيار «المستقبل»، وأخيراً «انقلاب القصر» الاْردني في ديسمبر 2017.

 
صحيفة الديلي اكسبرس: ثنائي الشر، محمد بن زايد،
ومحمد بن سلمان وراء الانقلاب في الأردن.

كل المحاولات باءت بالفشل، وليس في ذلك ما يدعو للغرابة، لأن محمد بن سلمان يدير السياسة بقوانين «الجيم بوي»، تماماً كما هي حرب الانيميشن مع ايران، التي أنفق عليها محمد بن سلمان ما يربو عن مليون دولار من أجل حسم معركة افتراضية، لا يمكن شنّها على أرض الواقع.

​بالعودة الى الأردن، فإن خبر الانقلاب نشر في موقع السورة (Al-Sura)، وهو منصة مستقلة لصحفيين وناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي، يركزون على العراق والشرق الأوسط، قد نشر في 29 ديسمبر الماضي وكشف عن خلفية الانقلاب الذي كان يخطط له محمد بن سلمان ضد الملك الاردني.

وجاء في تقرير الموقع: «لم يدّخر الملك عبد الله الثاني أي وقت في اعتقال كل من إخوته وابن عمه؛ الأمير فيصل بن حسين، والأمير علي بن حسين، والأمير طلال بن محمد، بعد أن حذّرت أجهزة المخابرات الأردنية الملك من وجود اتصال بين الإخوة وابن العم، والزعماء السعوديين والإماراتيين، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد. وتأتي عملية الإقامة الجبرية الصادمة لأخوة الملك في وقت يواجه الشرق الأوسط حركة «ثورية» متجدّدة في عدة بلدان. وتطلعت القيادات نحو السعودية لتفسيرها للحرب تجاه الحكومات، على الرغم من علاقات العمل الجيدة فيما بينها. ويبدو أن الولاءات التي طال أمدها مع قطر قد وضعت جانباً في اللحظات التي بدأت فيها المملكة السعودية حصاراً إقتصادياً عليها منذ فترة طويلة نسبياً. ويوجّه الكثيرون باللوم الى محمد بن سلمان على هذه الخيارات السيئة في العلاقات.

ويضيف الموقع: مواقف السعودية إزاء الحلفاء أثارت قلق كثير من المواقع القيادية، وقد انخفضت الثقة الى أدنى مستوياتها، ووجّه الاستراتيجيون اللوم إلى الإجراءات السعودية سيئة التخطيط لتحويل التأثير الإقليمي من الدولة السعودية إلى تركيا وإيران ومصر. وكانت دول الخليج العربية على وجه الخصوص تنتقد في كثير من الأحيان، الإجراءات الأحادية الجانب من قبل المملكة السعودية التي يجب أن تمتثل لها. وقد أعلنت قطر أنّها ليست ضد إيران في العديد من الجوانب، وسعت إلى إقامة علاقات تجارية جيدة مع الدولة الجارة، ولكن بسبب النفوذ السعودي، لم يسمح لها بمثل هذه العلاقات.

الجيش الأردني قدّم رواية، بحسب الموقع، تضع قرارات إعفاء إخوة وإبن عم الملك في سياق النظام البيروقراطي، أي بالتدابير المعمول بها في التقاعد في المؤسسة العسكرية، بما ينطوي على رفض للتعليق على الانباء التى تحدثت عن اتصالات مع القادة السعوديين والاماراتيين. ولم يشاهد الأمراء في مناسبة عامة منذ الاقامة الجبرية التي طبقت بحقهم كعقاب.

وعلى نحو متسارع، أخذت قصة «انقلاب القصر» الاردني بالانتشار، واكتسبت المزيد من الأهمية، واستقطبت اهتماماً اعلامياً غربياً بدرجة أولى وحتى إسرائيلياً.

 
صبيح المصري، وجه آخر لتمظهر الخلاف السعودي الأردني

غربياً، كتبت صحيفة (دايلي اكسبرس) تقريراً في 30 ديسمبر الماضي عن الموضوع. قراءة تقرير الصحيفة توصلنا الى أن محمد بن سلمان ومحمد بن زايد هما ثنائي الشر في المنطقة. لا يحد جنونهما حد، وقد خرقا كل عرف. ولأول مرة يصبح الحليف والعدو في مرتبة سواء في حال تجاوز المقرر سلفاً.

تقول الصحيفة أن ملك الاردن اعتقل اخوته وابن عمه لتعاونهم مع السعودية. ويقال إن الأردن إحتجز الرجال الثلاثة في منازلهم بعد مزاعم تفيد بأنهم تحدثوا إلى زعماء سعوديين وإماراتيين. وازدادت حدة التوترات في المنطقة في الأشهر الأخيرة، حيث أبدت البلدان شكوكاً تجاه أهداف ولي العهد السعودي الجديد محمد بن سلمان. وذكرت وكالة الانباء السعودية ان الملك عبد الله اعتقل اخوته وابن عمه الامير فيصل بن حسين، والامير علي بن حسين، والامير طلال بن محمد بعد أن إدّعت أجهزة الإستخبارات أنهم كانوا على اتصال مع القادة السعوديين والاماراتيين.

وبحسب الصحيفة، فإن الأردن، مثل العديد من البلدان الأخرى في الشرق الأوسط، لديها اعتقاد بأن السعودية تخطّط كيما تصبح قوة عظمى إقليمية. وقال ماركوس شيفينيكس المحلل في الشرق الاوسط في تيسي لومبارد أن العلاقات الدبلوماسية في المنطقة أصبحت «غير قابلة للتنبؤ». وقال: «إنني أكابد حقاً للتنبؤ بما سيحدث بعد ذلك».

وقد أدّت محاولات السعودية للسيطرة على المنطقة إلى أن العديد من حلفاء الشرق الأوسط يتساءلون عن مدى قدرتهم على الثقة في الحكومة السعودية. كما أن استمرار توترات الرياض مع طهران اضحى مصدر قلق. وحذّر الدكتور سيمون مابون، وهو خبير في السياسة في الشرق الأوسط في جامعة لانكستر، قائلا: «على مستوى إقليمي أوسع، هناك قدر كبير من عدم اليقين الذي يهب حقاً في الشرق الأوسط الآن».

من جانبها، ذكرت جريدة (عرب تايمز) الصادرة في ولاية تكساس الأميركية في 29 ديسمبر الماضي، أن محاولة انقلابية جرت في الاردن وتمخضت عنها اقالة ثلاثة امراء من العائلة المالكة وطرد عشرات الجنرالات، أكثرهم من الشركس، حدثت في الايام الماضية وكشفها للملك الاردني الرئيس السوداني عمر البشير، الذي اكتشف ان ضباطاً سودانيين يعملون في الجيش الاماراتي كانوا على اطلاع على العملية التي تبين أيضاً أنها كانت تنوي الإطاحة بالبشير نفسه، وهو ما أكده برلماني تركي في حديث نشرته جريدة (الشرق) القطرية.

ووفقاً للمعلومة، فإن محمد بن زايد، وعبر محمد دحلان أقام علاقات واتصالات مع جنرالات أردنيين، أغلبهم من الشركس، وأن الأمراء الاردنيين الثلاثة، كانوا على صلة بالمحاولة التي كانت تهدف الى تعيين الامير علي ملكاً على الأردن، بدعم من اخته الاميرة هيا، وهي احدى زوجات محمد بن راشد المكتوم، امير دبي.

وتضيف الصحيفة، أن محمد بن زايد كان يتوجّس من مواقف الملك الاردني الذي تقرّب مؤخراً من إيران وتركيا، وبعث برسائل تطمين الى سوريا، الأمر الذي اعتبره إبن زايد تطوراً قد يعصف بمخططه التصالحي مع إسرائيل، ونيته إيصال محمد دحلان الى الحكم في رام الله، وذلك بحسب ما نقلت جريدة (عرب تايمز) الامريكية.

بدورها أبدت المخابرات الاماراتية، وعبر مقال نشرته في موقعها جريدة (العرب) اللندنية.. ابدت قلقها من مواقف الملك الاردني المتغيرة بخاصة لناحية رفضه القرار الامريكي بخصوص القدس، وهو قرار اتخذه ترامب بالتنسيق مع الامارات والسعودية، حيث ضمنت الأخيرة لترامب تهدئة الشارع العربي، وإحباط أي تحرك معارض لخطوته.

ولفتت الصحيفة أن ملك الأردن والرئيس الفلسطيني محمود عباس توليا بشكل مستقل التعبير عن مواقف صلبة رافضة للقرار الأميركي. جاء ذلك على نحو لافت ومفاجئ يعبّر عن الصدمة التي أحدثتها واشنطن لدى الأردن، كما لدى السلطة الفلسطينية في موسم الكلام المفرط عن «صفقة قرن» مفترضة يعدّها البيت الأبيض لحل أزمة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. بدا أن الزعيمين حُشرا في زاوية وفقدا خيارات بديلة، على النحو الذي محض حراكهما براديكالية لم تكن جزءاً من المدارس الدبلوماسية في عمّان كما في رام الله.

 
تايمز اوف إسرائيل: وجه آخر للصراع الهاشمي السعودي:
الملك عبدالله نصب نفسه خادماً لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

بيد أن حركة الملك عبدالله الثاني، تواكبت مع جدل أردني داخلي أوحى بأن الأردن على مفترق طريق، وأنه يسعى إلى التموضع وفق معطيات جيوستراتيجية مستجدة. تحدثت صالونات عمّان عن خلاف يضطّرد بين الأردن والسعودية. لم يتسرب عن الخطاب الرسمي أي مؤشر بهذا الاتجاه، لا سيما أن العاهل الأردني كان قد زار الرياض مؤخراً، عشية قمة المؤتمر الإسلامي الطارئة في اسطنبول.

ولئن لم يصدر عن الزعيمين، السعودي والأردني، ما يمكن أن يكون دليلاً على برودة في علاقات عمّان والرياض، لكن أيضاً لم يصدر ما ينفي ذلك ويلبس هذه العلاقات الحرارة المطلوبة. كان للملك عبدالله الثاني زيارة إلى تركيا ولقاء بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد ساعات من إعلان ترامب قراره. أثار أمر التواصل الأردني التركي همهمات كثيرة في عمّان تتحدث عن الخيارات الجديدة للعاهل الأردني، وخلف تلك الهمهمات أسئلة عن سيناريوهات تبعد الأردن عن حلفائه الخليجيين التقليديين.

واللافت، بحسب صحيفة (عرب تايمز)، أن صالونات عمّان السياسية نشطت على نحو لافت، بدا مقصوداً، وتركت للحناجر التعبير عمّا لا يمكن للخطاب الرسمي الأردني التعبير عنه. تحدث رئيس الديـوان الأسبق عدنان أبوعودة عن أن الأردن على خط النار الأول، وأن التـوطين قـادم إلى بلاده. بالمقـابل أعلن وزيـر الخارجية الأردني الأسبق مروان معشر أن الأردن «يكاد أن يكون دولة دون حلفاء، بعد أن تخلى عنها حلفاؤها التقليديون، وبدأوا بالانحسار».

الدولة العميقة في الأردن متخوّفة من تداعيات قرار ترامب بالنسبة للقدس على وضع الأردن، ودوره ووظيفته داخل المشهد الإقليمي العام. بات خلاف الأردن مع حلفائه في الخليج حقيقياً يُعبَّر عنه بصفته «تخلّ» عن المملكة. غير أن السؤال أيضاً يكمن في الأسباب التي جعلت الأردن دون حلفاء، وعن ماهية الأخطاء التي ارتكبتها الدبلوماسية الأردنية لجعل البلد «دون حلفاء».

المتغير في التحالف الاردني الخليجي له شواهد على الأرض، من بينها الاستدارات السياسية المفاجئة، وأبرز مصاديقها لقاء رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة بالسفير الإيراني ليعيدا سوياً اكتشاف العلاقات الطيبة بين عمّان وطهران. ويلتقي الطراونة القائم بالأعمال السوري ليطلقا خطاباً ودياً طموحاً وواعداً بين البلدين.

الأردن ذاهب إلى توسيع مروحة تحالفاته دون أن يشكّل الأمر قطيعة مع الحلفاء التقليديين. هكذا يصف الطراونة الاستراتيجية الأردنية الجديدة. البعض يعتبر أن أمر توسيع التحالفات هو حق للأردن، وأن للبلد الحق في أن ينسج أي تحالفات مع العالم، فلماذا يبدو ما هو حق طبيعي وكأنه إجراء كيدي يدفع الأردن نحو اصطفافات تخرجه من موقعه الأصيل داخل خرائط المنطقة والعالم؟

من جهة ثانية، نشر موقع بريتبارت الاخباري، في 29 ديسمبر الماضي، عن خلفية اقالة الملك الاردني لإخوته من قيادة المؤسسة العسكرية وسط مخطط انقلابي، وقالت أن عبد الله الثاني يعد حليفا قوياً للولايات المتحدة، سواء في الدبلوماسية الإقليمية أو في الحرب ضد داعش. وكان أحد قادة الشرق الأوسط قد صرح مسبقاً برفض قرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، محذّراً ترامب من ان هذه الخطوة يمكن ان يكون لها «تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة وأمنها».

وأضاف الموقع كان الأردن قلقاً من أن السعوديين يتحرّكون بسرعة كبيرة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل على حساب المصالح السياسية الفلسطينية. وهذا مصدر قلق كبير للأردن، نظرا لوجود عدد كبير من السكان الفلسطينيين. واشتكى مسؤول اردني في نوفمبر الماضي من ان ولي العهد الامير محمد «يتعامل مع الأردنيين والسلطة الفلسطينية كما لو كانوا خدماً، وأنّه السيّد، وعلينا أن نتبع ما يفعله».

وقد عدّ اعتقال المياردير الفلسطيني الاردني صبيح المصري أحد مصاديق الخلاف الاردني السعودي. وقد اعتقل المصري في طريقه إلى المطار بعد حضور اجتماعات شركاته في المملكة السعودية وأفرج عنه بعد عدة أيام، معلقا فقط أن السلطات السعودية عاملته «باحترام» ولم توجّه إليه أية تهمة.

 
مسؤول اردني: ابن سلمان يعاملنا والفلسطينيين كخدم لديه!

وكان اعتقال المصري حدثاً مذهلاً في الأردن، حيث كانت هناك تكهنات باحتجازه للضغط على الملك عبد الله لتجنب حضور اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الاسلامي حول القدس دعا اليه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. وينظر إلى السعوديين على أنهم أقرب إلى الرئيس ترامب، وأقل معارضة بخصوص نقل سلطة القدس من الاردن. ولكن عبد الله حضر اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي، في حين أرسل السعوديون وزيرا مبتدئاً بدلا من الملك أو ولي العهد.

ولا يبدو أن هذا الاضطراب كاف في العلاقة السعودية الأردنية لشرح مؤامرة الانقلاب التي يشترك فيها إخوة الملك عبد الله الثاني، خاصة وأن العلاقة سليمة في نواح أخرى مهمة - فقد ندد الأردنيون بشدّة بالهجوم الصاروخي الأخير على العاصمة السعودية من قبل المتمردين في اليمن المدعومين من إيران.

أما بالنسبة لأخوة الملك، فقد التقى الأمير فيصل مع وفد من كلية الدفاع في الناتو لمناقشة التعاون العسكري، وجهود مكافحة الإرهاب قبل أسبوعين فقط من الاعفاء. وخدم الأمير علي في القوات الخاصة الأردنية، وقاد فريق الأمن الخاص للملك. وهو أيضا شخصية مهمة في عالم كرة القدم الأردني. الأمير طلال هو أيضاً مخضرم في القوات الخاصة.

الموقف الرسمي في الأردن هو أن الثلاثة تقاعدوا مع مرتبة الشرف، على الرغم من أن أياً منهم لم يصل إلى سن التقاعد. فيصل، وهو الأكبر، يبلغ من العمر 54 عاماً، في حين أن علي احتفل فقط بعيد ميلاده الـ 42. وأفيد أن الملك عبد الله أرسل رسائل الأمراء الثلاثة التي أعرب فيها عن فخره وامتنانه لخدمته، لكنه قال إن «التحديث والتنمية وإعادة الهيكلة» دعته إلى التخلي عنهم.

اسرائيلياً، كان لصحيفة «تايمز أوف اسرائيل» حصة في المداولات، حيث ذكرت في 30 ديسمبر الماضي، أن مسؤولين عسكريين اردنيين رفضوا الرواية التي تقول بأن الأمراء تقاعدوا وأنهم اعتقلوا.

ونقلت الصحيفة عن وكالة الانباء الاردنية (بترا) عن مصدر قضائي قوله أن اقالة أقارب عبد الله الثاني لم تكن سوى جزء من خطة «اعادة الهيكلة» لفسح المجال امام ابنه الاكبر حسين في خدمة دور أكبر في الجيش.

إن محاولات نفي الجانب الاردني ضلوع السعودية في محاولة انقلاب القصر يقوده إخوة الملك عبد الله الثاني وإبن عمه وبعض القادة العسكريين على خلفية رفض الملك لخطة ترمب بتحويل القدس الى عاصمة أبدية للكيان الاسرائيلي جاء ما يثبت عسكها، حيث أعلن في 31 ديسمبر الماضي عن تنصيب عبد الله الثاني «خادماً لأولى القبلتين وثالث الحرمين». وينقل عن مسؤولين أردنيين في المجالس المغلقة ما تتعرّض له بلادهم هذه الأيام من ضغوطات مكثفة من واشنطن وتل أبيب والرياض وأبو ظبي من أجل القبول بخطة ترمب.

ويُشير المسؤولون بأصابِع الاتّهام إلى المملكة السعوديّة بالذّات، ويُعلّلون ذلك باتّخاذ الحُكومة طِوال الأشهر الماضية سِياسات «تَنأى» بالبِلاد عن الكَثير من الحُروب والقضايا الشائِكة في المِنطقة العَربيّة، وخاصّةً حَرب اليَمن، ودِفاعها القَويّ عن القُدس المُحتلّة.

وحسب موقع الرأي اليوم لعبدالباري عطوان، فإنه في 31 ديسمبر الماضي شَهِد البرلمان الأُردني استعراض قوة بين الاردن والسعودية وهو بمثابة صِراع المَرجعيّات الدينيّة الخَفي، إذ ظَهرت لأوّل مَرّة تَحت قُبّة البرلمان الاردني مُلصقات على صُدور بَعضِ النوّاب تَحمل صُورة الملك عبد الله الثاني مُلقّباُ بلَقب «خادِم أُولى القِبلتين وثالِث الحَرمين».

وأضاف: هذا اللقب لم يكن ضرباً من المجازفة، بل هو يعكس واقِعاً مَيدانيّاً وقانونيّاً على الأرض يَتمثّل في الوِصاية الهاشميّة على المُقدّسات العَربيّة والإسلاميّة في المَدينة المُقدّسة. إن الصراع السعودي ـ الهاشمي يشي بما هو أبعد من الوصاية الدينية، ويؤشر الى تفكك معسكر حلفاء واشنطن في المنطقة، وهو أحد تظهيرات تراجع القوة الأميركية عالمياً. فالتمزق الذي أصاب شبكة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة قد يكون ترجمة للنزاع الدائر بين البيت الأبيض ودولة الأمن القومي، بل وأكثر من ذلك فإن هذا النزاع يأخذ أسلوباً شرساً كما ينعكس في التخطيط لانقلابات عسكرية وفي الحد الأدنى رفض منطق التسويات.

وحسب موقع رأي اليوم، فإن شرعية العاهل الأردني تقترب الى حد كبير من شرعية الحكم السعودي الذي يستند في جزء منها على وجود المدينتين المقدّستين مكة والمكرمة. وبالمثل، فإن عبد الله الثاني يرى بأن شرعية حكمه قائمة على صونه للمقدّس، أي القدس. وفي النتيجة، فإنه ليس في وارد التنازل عن القدس وإن تخلى عنها إبن سلمان، دع عنك إبن زايد، بل وعن فلسطين بأسرها، فهو بذلك يتنازل عن مصدر مشروعيته.

الصفحة السابقة