في لقاء مع د. مضاوي الرشيد

السعودية دولة لخمس ممالك والحكم فيها لم يعد يتلاءم مع العصر

د. مضاوي الرشيد الكاتبة والناشطة السعودية المقيمة في لندن، تعمل أستاذة محاضرة في التاريخ وعلم الاجتماع في كنغز كوليج. والى جانب نشاطها الأكاديمي والسياسي والبحثي تتحدث د. الرشيد من خلال مجموعة قيمة من الكتب والدراسات والمقالات. لها مؤلفات قيمة وهي على التوالي: السياسة في واحة عربية (1991)، الجالية الآشورية العراقية في لندن (1998)، تاريخ السعودية بين القديم والحديث (2002) ومقولات مضادة: السياسة، التاريخ والمجتمع في السعودية واليمن (2004). وهي تعكف حاليا على وضع اللمسات النهائية على أحدث مؤلفاتها: العولمة والخليج العربي.


  • بعد عام من النقاش والحوار بين المثقفين السعوديين في الداخل والخارج، ما هي النتائج المتوقعة؟
  • عام 2003 عام البيانات والعرائض الموقعة من الشعب والموجهة لرموز الحكم. وقد اثبتت هذه العرائض وجود حراك شعبي يمثل تململ النخب الشعبية في المجتمع السعودي من اسلوب التهميش السياسي الذي تمارسه العائلة الحاكمة ومن استمرار استفرادها بالسلطة. وقد تبلورت حول هذه العرائض تيارات مختلفة منها الليبرالي والاسلامي الوسطي المعتدل وكلاهما لا يرفض الدولة الحالية ولا يعتقد بقدرتها على اصلاح نفسها قبل فوات الاوان. هذه التيارات على انها تيارات معارضة لكنها في الوقت نفسه تحاور السلطة وتحاول الدخول في شراكة معها من مبدأ توسيع المشاركة الشعبية.

    النتائج التي أسفرت عنها هذه التحركات تتمثل في جملة معطيات. اولا: قد تم سجن دعاة الاصلاح. وعلى الرغم من الافراج عن بعضهم إلا ان الدولة أبقت عبد الله الحامد ومتروك الفالح وعلي الدميني خلف القضبان. وقد انضم الى هذه النخب السجينة الشيخ سعيد بن زعير المعروف بتوجهه الاسلامي. هذا بالاضافة الى سجناء الامس من العلماء الذين اعلنوا توبتهم على شاشات التلفزيون لكنهم ما زالوا يقبعون خلف القضبان!.

    ثانيا: يسعى الحكم من سجن بعض رموز الاصلاح الى تطبيق سياسة معروفة هدفها إبعاد أي شخصية قد تتمكن في المستقبل من لعب دور قيادي ينافسها على السلطة. وليس المهم هذا التيار او ذاك او هذه الشخصية او تلك وانما العمل على ان لا تفرز الساحة السعودية أي قطب يستقطب الشعب ويفرض نفسه كبديل لما هو قائم اليوم.

    ثالثا: من اخطر النتائج التي اسفر عنها تجاهل الحكم لشرعية مطالب الاصلاح هو انتشار ظاهرة العنف السياسي الذي لا يمكن القول انه جديد. ولكن تبلوره بالشكل الذي يبدو عليه الآن انما يعكس فقدان الأمل بالتغيير وعدم تقبل مبدأ ترميم البيت. واعتقد ان العنف الحالي يعكس ظاهرة القناعة بأن الترميم ليس الخيار المتوقع وانه لن يحل المشكلة.


  • من هو هذا التيار العنفي وماذا يريد؟
  • تيار العنف هو التيار الذي يؤمن بأن الحل الوحيد هو هدم البيت واعادة صياغته. لذلك فان مواقف الحكم من الاصلاحيين وسجنه لهم انما تصب في خانة التيار الجهادي وتزيد من مصداقيته. يجب على كل النخب ان تنتقل الى مرحلة مخاطبة الشعب مباشرة حتى يصبح مشروع الاصلاح مشروعا شعبيا وليس نخبويا. أعني تحويل مشروع الاصلاح الى مشروع شعبي يستقطب الحضري والبدوي والقبلي وغير القبلي المتعلم ومن كان علمه محدوداً. النخب تلعب دورا مهماً ولكن لا تستطيع الحراك دون تعبئة شعبية وقاعدة عريضة تحميها من الاعتقال.


  • لكن، من أين يمكن أن يبدأ مشروع الإصلاح؟
  • مشروع الاصلاح لا يبدأ من فوق. لأن الحريات الموهوبة من أعلى الهرم تتلاشى بنفس السرعة التي تعطى بها وتسلب من الشعب عندما تتغير الظروف. الاصلاح يبدأ من ذوي القدرة القيادية كالناشطين السياسيين والمثقفين واصحاب الفكر الذين يستطيعون ان يترجموا فكرهم وان يوصلوه الى شرائح عريضة من الشعب. لا يمكن الاصلاح دون تغيير جذري لهذه الدولة التي لم تعد تتلاءم مع العصر ومع تطلعات الشعب. فالدولة ليست حقيقة دينية مقدسة كما انها من صنع الرجال فهي ايضا يمكن ان تنهار تحت اقدام رجال من نوع آخر. لذلك عندي قناعة بأن هذه الدولة او بالاصح الدويلات الخمس التي تحكم السعودية اليوم قد اهترأت لدرجة انه يصعب اصلاحها فهذا الطاقم الحاكم يحكم اليوم معتمدا على آلية عسكرية وليس على سلطة تجتمع حولها جميع فئات الشعب.


  • الأمير نايف وزير الداخلية رفض الملكية الدستورية وأشار إلى إمكانية تزوير أي انتخابات يمكن ان تفرض على المملكة، ما تعليقك على ذلك؟
  • وزير الداخلية اراد بتصريحه هذا أن يؤكد تضامن هذه الدويلات الخمس واتحادها في مواجهة أي مشروع يقلص سلطتها ويفتح الباب للمشاركة الشعبية ولو كانت ضيقة الحيز كمشروع الملكية الدستورية. الرفض أوضح دون أي شك عدم رغبة الحكم في أي اصلاح حقيقي ورفضها ايضا لانتخابات مجلس الشورى على الرغم من الاعلان عن ان الانتخابات المحلية ستجري في شهر تشرين الاول (اكتوبر) المقبل. سمحت الدولة بالمطالبة بهذا النوع من الاصلاح والتقت رموزه اول الامر من اجل ان تظهر بمظهر المصلح لكنها اي الدولة استغلت هذا التيار لضرب التيارات الاخرى وخاصة الاسلامية الرافضة لمبدأ الملكية الدستورية. لكن المهمة انتهت الان وبقي بعض دعاة الاصلاح في السجن. تتفق الدويلات الخمس الحاكمة على مبدأ التمسك بالسلطة المطلقة ريثما تحل أزمة الخلافة بينها. ولكن طالما ان الحكم قد دخل عصر الدويلات والتي تطمح الى الاستيلاء على والتفرد بالحكم فلن نرى أي تغيير في المنهج القائم على الإثم والعدوان.


  • هل انتهى دور المؤسسة الدينية في الحكم؟
  • المؤسسة الدينية فقدت هيمنتها بشكل رسمي بموت الشيخ عبد العزيز بن باز عام 1999 رغم ان سلطتها كانت قد تآكلت منذ حرب الخليج الثانية والتي فضحت بشكل علني موقف هذه المؤسسة كمؤسسة تابعة للحكم معدومة الاستقلالية. واليوم المؤسسة الدينية الرسمية هي مجرد آلية مرتبطة بالسلطة لا تحتكر العلم الديني ولا الافتاء ولا تتمتع بالاحترام. واليوم ونحن في عصر العولمة لا اعتقد ان بمقدور اي مؤسسة دينية ان تعتبر نفسها المؤسسة الوحيدة ذات المصداقية الخاصة. لا يوجد في الإسلام مؤسسة دينية ولا مفتي عام وانما توجد تعددية قضت عليها الدولة الحديثة. وانا اعتقد ان العولمة وتزايد مجالات المعلوماتية وانتشار الثقافة والتعليم قد ادت الى الرجوع الى هذه الحقيقة التاريخية المرتبطة بتطور الاسلام الحضاري والذي قضت عليه الدولة الحديثة.


  • للمرأة في السعودية مكانة غير موجودة، لماذا الإصرار على حرمان المرأة من حقوقها بل ومصادرة وجودها، هل يمكن القبول بتستر الحكم بالدين؟
  • وضع المرأة موضوع حساس جدا في بلد مثل السعودية. الدولة تستعمل المرأة كسلاح لكسب الشرعية. فهي تقلص المجالات المفتوحة أمام المرأة لتظهر نفسها بمظهر التقوى والعفة علّها تكسب رضا فئات معينة من الشعب. ولكن عندما تريد ان تكسب رضا الولايات المتحدة فانها تبرز حرصها على موضوع المرأة وتعليمها وعملها حتى تظهر بمظهر التطور والتقدم. ولكنها في نهاية المطاف تستغل المرأة وتحاول دوما ان تضعها تحت الوصاية. المرأة ومشكلتها في السعودية سلاح تستعمله الدولة ضد خصومها من كافة التيارات.


  • هل للتحالف والحوار الوطني قيمة حقيقية مجدية في دولة مثل المملكة؟
  • أي حوار تحت وصاية هذا الأمير او ذاك هو حوار عقيم. الشعب لا يتوقف عن الحوار فيما بينه عن طريق الفكر والثقافة والادبيات والاعلام وعبر الانترنت وعلى المستوى الشخصي ايضا. هم ليسوا بحاجة الى مبنى او الى قاعة للحوار تحت الوصاية. وهم ليسوا بحاجة الى هيئة للحوار الوطني. الشعب يحتاج الى حريات أساسية منها حرية التعبير وحق عقد الاجتماعات. وهي امور لم تتحقق ولم ينلها الشعب طالما ان الوصاية قائمة. فأي حوار حر عندما تختار الدولة من يحاور وعندما يقوم الحكم بتحديد الموضوعات المطروحة على بساط البحث او عندما تقوم بالايعاز لبعض الشخصيات بطرح أمور معينة؟!

    الحكم هو الطرف الاول المسؤول عن هذا المأزق والنخب اليوم مقيدة لكنها اثبتت جرأة فائقة وقدرة على المواجهة وعلى تحمل العواقب مثل السجن والفصل من العمل والمنع من السفر وغير ذلك من الاساليب المتبعة. وهي مستعدة لتحمل المسؤولية وتقديم المزيد من التضحيات الشخصية في سبيل الخروج من الازمة. هذا هو الانجاز الحقيقي للشعب السعودي. الانجاز الحقيقي هو كسر حاجز الصمت والبدء بمشروع التغيير الشامل من قبل مجموعات معروفة في الداخل والخارج.


  • الشكاوى من قضية التفرقة والتمييز، هل هي مسألة ملموسة وظاهرة على السطح حقيقة؟
  • فشلت الدولة في توحيد الجزيرة العربية والمقصود هنا هو فشلها في خلق هوية وطنية شاملة. والملاحظ ان الدولة ساهمت في التفرقة بين المناطق والقبائل نتيجة سياسة فرق تسد. لقد طبق الحكم السعودي مبدأ الاستقطاب وعمل على تقسيم المناطق وحتى العوائل والقبائل عن طريق الهبات المتفاوتة وعبر مشاريع التنمية المبتورة والتي انتفع منها البعض وفي الوقت نفسه حرم منها البعض الآخر. هذه التفرقة الاقتصادية نتج عنها شعور بالغبن تسبب بانعدام الولاء للوطن لأن الدولة أصرت على ان يكون الولاء الاول للاسرة الحاكمة وليس للوطن.


  • هناك محاولات لإعادة صياغة شرعية الحكم، هل يمكن أن يكتب لمثل هذه المحاولات النجاح؟
  • الحكم في المملكة بني على شرعية دينية مستمدة من الدعوة الوهابية. اليوم أشد المعارضة للحكم السعودي تأتي من أطياف هذه الدعوة ومن علمائها ومن الناشطين السياسيين من التيار الاسلامي. الدولة استعملت الدين لبناء شرعيتها بينما كلنا نعلم ان الدين سلاح ذو حدين. اليوم تكثر الانتقادات التي تعتبر الدولة خارجة عن مبادئ الاسلام وغير مطبقة لتعاليم الاسلام. وهكذا فان الحقيقة التي لا بد من المجاهرة بها هي ان الدولة في مأزق.


  • أشرتِ الى الخطط والاستراتيجيات التي يمارسها الحكم في حربه على الإصلاح، فهل الإصلاح بضاعة مستوردة منافية للدين؟
  • الحرب على الاصلاح قائمة والدولة جادة في تطبيق هذه السياسة. ويجب التأكيد على ان المشروع الاصلاحي في السعودية هو مشروع محلي وطني وديني ولا علاقة له بدعوات الولايات المتحدة وغيرها. ولن تستطيع الدولة ربطه أبدا بموضوع الاصلاح من الخارج لان رموز التيار الاصلاحي وخطابهم وسيرهم الذاتية تثبت عدم مصداقية هذه الاساطير.


  • يمتلك أمير الرياض إمبراطورية إعلامية في الداخل والخارج، هل سعى إلى إظهار أي قدر من التعاطف أو الفهم مع دعواتك ودعوات بقية المطالبين بالإصلاح؟
  • أنا شخصيا لا أوجه دعواتي لرموز السلطة. كتاباتي ومحاضراتي وتفسيراتي لا تروق لأمير الرياض او غيره من الامراء. وقد حاولت بعض أجهزة الدولة ان توصل تهديداتها باتخاذ اجراءات تأديبية ضدي إذا قمت بنشر كتابي الاخير عن تاريخ السعودية وعنوانه (تاريخ السعودية بين القديم والحديث) والذي وصفه أمير الرياض سلمان على انه (دلو ماء ودلو طين) والحمد لله الكتاب نشر ولقي رواجا كبيرا واستقبالا جيدا من قبل ذوي العلم والثقافة. الامبراطورية الاعلامية للدولة قادرة على تشويه مشاريع الاصلاح حتى تتمكن من دفنها ولكنها اليوم تفتقد المصداقية وهي أشبه ما تكون بالصحافة المأجورة المروّجة لخطط الدولة.


  • هل الأمير سلمان قوي الى الحد الأعلى من هذا المفهوم؟
  • الرياض بحكم مساحتها وتعداد سكانها ومركزية السلطة القائمة هي الحيز المهم في المعادلة القائمة منذ البداية. وهي ككل المدن الكبيرة تتصارع فيها الافكار وطريقة العيش والثقافات والتي ربما لم تنصهر في اطار واحد. والتغيير سيأتي من هذه المدينة وغيرها من المدن الكبرى والتي لا تزال بعض احيائها منغمسة في تركيبة المجتمع الريفي بسبب حداثة قدوم أهلها من الريف الى المدينة. والحكم في السعودية هو حكم مركزي يتمركز في المدن ويغيب نوعا ما في المناطق النائية وخاصة الحدودية والتي تعتبرها الدولة حيزا خطرا لاتصال ابنائها بالدول المجاورة كالمناطق الجنوبية وعلاقتها باليمن والمناطق الشمالية وعلاقتها ببلاد الشام وبلاد الرافدين تاريخيا. والحكم في المملكة لا يستريح لولاء هذه المناطق وان اهتم بها فان ذلك يتم من منطلق أمني بحت وليس من منطلق الرغبة في تحسين اوضاع ابنائها. وما كتب الدكتور متروك الفالح عن منطقته الشمالية دليل واضح على ما اقول وكتاباتي عن منطقة حائل تثبت ذلك أيضاً.


  • ماذا تتوقعين أن يحصل؟ هل التقسيم وارد أم أن التغيير يمكن ان يغني عن ذلك؟
  • مع الاسف مشاريع التقسيم مطروحة من الداخل والخارج وليس لدينا اثبات حقيقي لمثل هذه المشاريع. لنبدأ من الداخل: هناك أصوات قليلة جدا وتكاد ان تكون هامشية تطالب بتفكيك المملكة وانفصال بعض المناطق كالحجاز والمنطقة الشرقية. باعتقادي ان هذه الاصوات هامشية ولن تلقى أي نوع من التعاطف من قبل ابناء هذه المناطق. ثانيا: مشاريع الخارج فيكثر الحديث عن مشاريع اميركية للسيطرة على المنطقة الشرقية ونفطها. لا أظن ان الولايات المتحدة تستطيع ان تفتح هذا الباب خاصة بعدما حصل في العراق والمقاومة الجريئة فيه. فهي اليوم ضعيفة معنويا ومجروحة بعد أزمة العراق حيث تلقنها المقاومة درسا داميا كل يوم. بالاضافة الى ان الولايات المتحدة ليست بحاجة لمثل هذا المشروع الجريء والمكلف. إذ ان الدولة السعودية ورغم اسطورة الجفاء بينها وبين الادارة الاميركية إلا انها لا تزال تدور في فلك المصالح الاميركية على الصعيد السياسي والاقتصادي. والولايات المتحدة لا تزال تضع ثقلها خلف الدولة السعودية ورموزها ولن تنفض يدها عنها إلا في مرحلة قادمة ومتأخرة عندما يتضح لها، أي لواشنطن، صورة التغيرات التي ستحصل في السعودية. لكن خطر التقسيم يصبح خطرا فعليا اذا حصلت حالة اتصال بين التيار الانفصالي الضيق على الصعيد المحلي وقوة خارجية.


  • فماذا تعني التفجيرات الأخيرة التي شهدتها بعض المواقع السعودية الحساسة؟
  • الدولة اغلقت باب الاجتهاد في موضوع الاصلاح وفتحت بعض الفئات المتطرفة باب الجهاد على مصراعيه. انتقلت استراتيجية المعركة اليوم من (قتال الاميركان) الى قتال من (استعان بالاميركان) و(حمى الاميركان) حسب أدبيات التيار الجهادي. فتعرض هذا التيار الأخير لجهاز الأمن ولو كان شرطة مرور هو تعرض رمزي يعكس هذا التغيير والذي يجعل شبح مواجهة دامية شاملة يقترب. وانا اعتقد ان على جميع القوى المعارضة في الداخل والخارج أن تشجب هذا العمل لأن عواقبه ستكون سيئة جدا. وهذا لا يعني بالطبع ان على المعارضة السعودية ان تلتف حول القيادة الحالية لأن القيادة هذه هي جزء لا يتجزأ من الازمة وسبب في قيامها وتطورها لهذا الحد.


  • فيما يتعلق بمخاوف التقسيم هل تعنين أن المواطن السعودي ضد دعوات التقسيم التي يقال أنها قديمة وأن تسريب إشارات عنها الآن يوحي بأن مستحقاتها اقتربت؟
  • الاجابة الصحيحة على هذا السؤال تتطلب القيام باستفتاء لكن وطالما ان ذلك يعتبر من الامور المستحيلة فان الطريقة الممكنة للاجابة تتمثل بقراءة أدبيات بعض هذه التيارات التي هي صغيرة جدا وليست لها مصداقية. صحيح ان هناك هويات مناطقية في المملكة وهويات طائفية ربما مثل الشيعة، وهويات اقليمية مثل الحجاز وهويات قبليه مترسخة. ولكن وحتى اليوم لا استطيع ان اجزم وان اقول ان لكل هذه الهويات قدرة على ان تنفصل وان تبني كيانات مستقلة. هناك بالمقابل هويات اجتماعية وجميع ابناء الشعب ينتمون او يشعرون بهوية مختلفة وربما تكون متناقضة مع مبدأ الوحدة الوطنية. انا اعتقد ان هناك وحدة وأرى ان هذه الوحدة يجب ان تُشجع من جميع اطياف الشعب ومن جميع الفئات وأي دعوة انفصالية يجب ان تكون مرفوضة وان تقاوم.


  • هل يمكن أن يقوم الجيش أو الحرس الوطني بإسقاط النظام؟
  • في الوضع الحالي يوجد لدينا ثلاث مليشيات. لدينا الجيش تحت أمرة سلطان بن عبد العزيز. والحرس الوطني تحت امرة ولي العهد عبد الله. وعندنا وزارة الداخلية بجهاز الامن. هذه الاجهزة الثلاثة ووجدت بهذا الشكل لحفظ التوازن بين افراد العائلة الحاكمة او الدويلات الخمس القائمة. الخطر الحقيقي هو في حال خرج الصراع الداخلي بين العائلة الحاكمة الى صراع مفتوح فما هو يا ترى موقف هذه المليشيات المسلحة وهل ستخوض حربا؟ هل ستصطف مع الاسرة المالكة ام مع الشعب؟


  • باعتقادك لماذا تأخر نقل السلطة من الملك بسبب المرض الذي أعجزه إلى ولي العهد؟ هل هناك احتمال لإعادة ترتيب أولويات الحكم؟
  • لا اعتقد ان الامراء الخمسة الذين يحكمون المملكة اليوم لديهم رؤية. الرؤية غير موجودة وإلا لكانت ظهرت واصبحت جزءاً من الحملة الاعلامية لتحسين صورة الدولة. الدولة منذ مرض الملك فهد في منتصف التسعينيات ليس عندها رؤية وهي تحاول جهدها الحفاظ على التوازن بين الافراد الخمسة. هذا همها. التوازن. فمتى ما اختل هذا التوازن عندها ستحصل تطورات خطيرة، فهمها اليوم ولو ظاهريا اعطاء الانطباع بان هناك وحدة. نحن هنا لسنا بصدد تعددية على مستوى السلطة او احزاب لديها برامج. لذلك فأن تكون المملكة محكومة بهذه الدويلات الخمس التي ليس لديها رؤية هذا من اسوأ ما يمكن ان يحصل في البلد.


  • هل لدى الشعب السعودي القدرة على فرض الإصلاح على الدولة أم أن ما تطرحينه دعوة للتغيير شعبيا؟
  • بل هي دعوة للنخب المثقفة والمسؤولة على ان تبدأ بتغيير استراتيجيتها وان تخاطب الشعب وان تجد مخرجا للازمة فمنذ التسعينيات وجميع النخب تصدر البيانات وترسل الخطابات والمطالب الى رموز الحكم وتجمع التواقيع على هذه العرائض لكن النتيجة لم يحصل شيء على الاطلاق. ما هي الانجازات؟ ألم تفقد الامل بان هذه الوسيلة ليست الوسيلة الفعالة؟ بالطبع يجب ان نكون واقعيين. هذه النخب تعيش تحت رحمة نظام قمعي ولكن عندما تكون هناك ارادة توجد هناك وسيلة للتغيير.


  • ما الذي ينفع مع النظام السعودي إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه؟
  • الدولة بشكلها الحالي لا يرجى منها اي امكانية للتغيير او التوافق مع التغيير المطلوب حتى بحدوده الدنيا. الشكل الحالي القائم الان لا يسمح لا بالتغيير ولا بالاصلاح ولا بالتطوير المقبول شعبيا. وعلى سبيل المثال، جمعية حقوق الانسان. الدولة لا تستوعب ان المجتمع المدني مبني على مشروع شعبي وهو مبني على اساس ان نخبا معينة او افرادا معينين يقومون بهذا العمل بينما هي ما زالت تفكر بأن المجتمع المدني يعني ان تقوم الدولة بتأسيس هيئة وان تعين رئيسها وان تعين الاشخاص المسؤولين او القائمين عليها. وطالما ان الدولة ليست لديها رؤية واضحة ولا خطة فإنها تتبع مبدأ الفعل وردة الفعل. واليوم الشعب هو الذي يفعل وهو الذي يخطط وهو الذي يبادر ويرسل البيانات والخطابات والعرائض ويقوم بجمع التوقيعات ولكن لا توجد ردة فعل لدى الدولة.


    (عن المشاهد السياسي 10/05/2004م)

الصفحة السابقة