فشل الأمن فظهرت تفسيرات متنوّعة

عملية الخبر انتصار ساحق لجماعات العنف

عملية الخبر انتصار ساحق لجماعات العنف

لاحظ المراقبون أن العمليات الهجومية ضد الغربيين تصاعدت بعد عملية الخبر، الى حدّ انه لم يمر يوم، إلا وشهد هجوماً أو قتلاً او مصادمة من نوع ما مع قوى الأمن.. بل لم تستطع الحكومة اعتقال أحد من المهاجمين عدا الجريح في هجوم الخبر، وإثنين في الطائف قتلا، في حين فرّ الفاعلون الثلاثة في الخبر، وفي الدمام، وفي الرياض حيث قتل المصور البريطاني أولاً ثم الأميركي العامل في شركة فنيل التي تدرب الحرس الوطني السعودي، وقبل ذلك فرار من قتل المواطن الألماني في الرياض أيضاً.

التفسير الواضح لهذا التصاعد، هو أن حادثة الخبر كشفت عن خواء الأجهزة الأمنية بأوضح الصور. فقد سبق أن فرّ المهاجمون في عمليات مصادمة مماثلة، وأعلنت الحكومة وأجهزتها الأمنية خبر الفرار المتكرر، لكن هجوم الخبر، كان مراقباً إعلامياً على مدار الساعة، وكانت أجهزة الأمن تطوق المباني في ثلاث دوائر وبشكل مباشر ولمدة زمنية طويلة، فكان الفرار أشبه بصدمة لكل المواطنين السعوديين، المؤيدين للحكومة والمعارضين لها.

المقرن : زعيم القاعدة في السعودية

الدهشة التي أصابت الجميع من إعلان فرار ثلاثة من أربعة، ووقوع الخامس الجريح، الذي يعتقد أنه توفي في المستشفى، رغم أن الحكومة لم تعلن بعد عن وفاته.. هذه الدهشة أفلتت الألسن بالغضب والسخرية من وزير الداخلية ووزارته وقوى الأمن جميعاً، إذ لا يوجد أي مبرر لفرارهم وهم تحت أطواق عديدة من الحصار. شبكات الإنترنت التي يرتادها السعوديون حفلت بهذا النوع من السخرية، فإحدى المشاركات كتبت داعية رجال الأمن الى مبادلة ملابسهم بفساتين النساء كيما يقمن بعمل أفضل مما قام به رجال القوات الخاصة. آخرون أكدوا على موضوع (الخيانة) وتواطؤ قوى الأمن مع المهاجمين، وفي حال تم الإعتراف بذلك فتلك مصيبة لا تقل عن قصة الفرار نفسها. قسم ثالث، تحدث عن عدم وجود رغبة للقتال دفاعاً عن آل سعود. فالمواجهة هي بين جهتين سيئتين فلماذا يموت المواطن من أجل أن يبقى آل سعود وعوائلهم سالمين حاكمين غانمين (سارقين!)؟

فرار المهاجمين في الخبر، شكل ضربة قاصمة لهيبة الدولة، القائمة على القبضة الحديدة، وولد الفرار شعوراً يستهين بالحكم وبرجال الأمن، ولهذا تصاعدت العمليات بشكل مفزع للمسؤولين السعوديين في الفترة اللاحقة لعملية الخبر، ولم تعرف الحكومة كيف ترقّع وتبرّر هروب المهاجمين. لدرجة أن بعض العاملين في وزارة الداخلية من صحافيين وغيرهم، غمزوا من جانب الحكومة، وطالبوا بالتحقيق في هذا الفشل، الذي شحذ معنويات المهاجمين وأتباع القاعدة ليكرروا سيناريوهات اخرى في مواجهة الدولة وقواها الأمنية.

في بيان وزارة الداخلية الأول، الذي أعلن عن تخليص الرهائن، أو من أسمتهم بالرهائن، لم يظهر إلا القول بأن ثلاثة من المهاجمين الأربعة فرّوا، وركّز البيان في الحديث على حجم الإنجاز في تحرير الرهائن وعددهم، كما ركّز على أن (قائد العملية) قد وقع في قبضة الأجهزة الأمنية. لكن هذا الإنجاز، تلاشى مع إعلان عدد القتلى الـ (22) ومع فرار الجناة، الذين قد يقومون بعمليات اخرى قادمة.

لم يكن التبرير كافياً، فيما كان زعيم القاعدة في السعودية، عبد العزيز المقرن، يصدر بياناته على شبكة الإنترنت في توالٍ مستمر ينافس بيانات الحكومة، ويبشر بالنصر، ويسخر من قوى الأمن.

حاولت الحكومة ترقيع المشكلة بأن أوهمت المواطنين، في اليوم التالي لانتهاء عملية الخبر، بأنها تحاصر مبانٍ في الدمام، قيل أن الفارين يمكن أن يكونوا موجودين فيه، ثم ما لبث أن تم تناسي ما جرى في الدمام، ووجهت الأنظار الى الخبر، حيث هاجمت مسجداً واعتقلت إمامه.

هذا لم يغير من الشعور الشعبي الساخط على الحكومة الفاشلة في توفير الأمن. ولم يغير من سقوط الصورة المثال من المخيال الشعبي، ولم تعد كلمات الأمراء الكبار: الضرب بيد من حديد، والأمن مستتب، وبلد الأمن والأمان، وشرذمة الإرهاب، والفئة الباغية، لم تعد كل هذه الكلمات تعني شيئاً، بل تكرّس حقيقة أن تخفيض أهمية الجناة، والتقليل من شأنهم، زاد من الإحتقار للاجهزة الأمنية التي لم تستطع التصدي لهم والقبض عليهم.

لجأت وزارة الداخلية الى إنجاز أمني سريع، فأعلنت مقتل اثنين في الطائف، وبشكل غير معقول، ربطتهم بهجوم الخبر، لتوحي بأنها اصطادتهم بعد فرارهم. لكن بيان القاعدة في السعودية، نفى ان يكون هناك ربط بين خليتي الطائف والخبر، وقال لو أن هؤلاء وصلوا من الشرقية الى الطائف سالمين، لكان ذلك بحد ذاته إنجازاً أمنياً إضافياً للقاعدة.

وإزاء الضغط الشعبي الباحث عن مبرر للفرار، ظهرت على استحياء حكاية اتفاق الأجهزة الأمنية مع الخاطفين على أن يسهلوا لهم عملية الفرار شرط أن لا يقتلوا الرهائن. وهذه طامة كبرى أيضاً. لكنها غير صحيحة. فلا توجد دول تتنازل بهكذا سهولة مهما كان الأمر، حتى ولو أدى الى قتل الرهائن الغربيين، أو الكفار عموماً ـ بنظر القاعدة، لأنه يشجع على قيام الفارين بعمليات أخرى، مؤملين النجاة. هذه الإستراتيجية لا يطبقها أحد هذه الأيام.

ومع ذلك ظهر من قال بأن الجهاز الأمني الذي طوق الإرهابيين، رفض مطالبهم في الخروج وإلاّ سيقتلون الرهائن، وحين تم قتل تسعة منهم ـ حسبما يدّعى ـ اضطرت الحكومة الى الخضوع ضنّاً منها بحياة الأبرياء.

هنا، ظهر أن المسؤولين وقد أعجبوا بهذا المخرج، فسمحوا للشائعات بأن تتصاعد، بل قيل أن الأميركيين نصحوا السعوديين بالسماح للجناة بالهرب. وهذه كذبة أخرى تم نفيها فيما بعد.

عادل الجبير، الخرق أوسع من أن يرقّع

الأجهزة الأمنية استطابت هذا المبرر، ورأت أنه أقلّ كلفة من القول بأن الجناة فروا رغماً عن قواتها الخاصة المحاصرة للمبنى. وتبنّت الداخلية الرأي بأن سمحت لأحد رجال أمنها (نواف عبيد) بأن يصرح للوكالات في 2/6/2004 مؤكداً بأن صفقة كانت قد عقدت مع المجرمين. قال عبيد الذي يقدم نفسه كمستشار أمني (وهو مقرب من مدير عام المباحث) ان الحكومة أبرمت صفقة للافراج عن ثلاثة من مختطفي الرهائن في هجوم الخبر وذلك خشية ان يقوم مشاركون في الهجوم بتفجير المجمع السكني بأكمله. وأضاف بان مختطفي الرهائن دفعوا السلطات للاعتقاد بان المجمع السكني مليء بالمتفجرات، وان لديهم شركاء اخرين من المتشددين خارج المبنى بوسعهم ان يفجروا المبني بمجرد الضغط على زر. وتابع بأن السلطات الأمنية اضطرت للموافقة على اتمام الصفقة بناء على هذه المقدمة، التي قال أنها (منطقية). وزاد عبيد بأن صفقة اخلاء سبيل الخاطفين قد تمت الموافقة عليها على مستوى عال، ومضى يقول: (كانت صفقة فيما جاءت الاوامر من قادة قالوا دعوهم يخرجون).

وحين خرج الخاطفون أدركت قوات الأمن بعد التفتيش أن لا يوجد متفجرات. وسخر عبيد من أن الخاطفين هربوا بسبب اختراقهم لصفوف اجهزة الامن السعودية او التلميح بوجود نوع من التواطؤ. وإزاء هذا الأمر، لم يكن أمام عبيد إلا أن يعترف بكفاءة الفارين الخاطفين، وأن هناك نقصاً في التدريب لدى قوات الأمن الخاصة التي تتولى ما يسمى مكافحة الإرهاب، وقال بأن تلك القوات تكثف تدريباتها مع تزويدها بالمعدات اللازمة اضافة الى زيادة عدد قوات طوارئ خاصة قوامها نحو عشرة الاف رجل تقود عمليات محاربة شبكة القاعدة. وأوضح أن هناك اربع دول اوروبية تشارك في عمليات التدريب رفض ذكر أسمائها.

لكن عبد العزيز المقرن، زعيم القاعدة في المملكة لم يوفر لدعايات الحكومة فرصة استرخاء لتمرر أضاليلها، بل كشف حقيقة أن لا توجد صفقة في عملية الخبر، وأن المسلحين قتلوا بدم بارد أعداءهم الكفار (ذبحاً!) الأمر الذي جعل الرواية الحكومية ـ كيف شئنا تقليبها ـ ضعيفة غير قادرة على الصمود، فضلاً عن أنها تكشف عن ضعف خطير في أجهزة الأمن، الذي انعكس في الأيام التالية على شكل عمليات صدام وقتل للغربيين متسارعة، حيث لم تقم الاجهزة الأمنية ومنذ فترة غير قصيرة بهجمات استباقية كما كانت تفعل، بل تفاجأ في كل مرة في نوع ومكان العملية.

لقد اسقط في يد وزير الداخلية. فطلب نشر استعراض لقوى الأمن الداخلية في كيفية انقاذ الرهائن في (حافلة) مختطفة، وما أشبه، وقد بثها التلفزيون السعودي، فطفق الجمهور يضحك على الأداء، رغم أنه تمثيل!، فكيف إذا وقعت الواقعة صدقاً؟!

أما سفارة السعودية في واشنطن، فإنها لم تستطع ترقيع تهالك قوى الأمن المحلية.. وقد اعتدنا أنه بمجرد أن تحدث عمليات اختراق واسعة تهزّ سمعة الحكومة وقدرتها على ضبط الأمن في البلاد، فإن السفارة، وخاصة بندر وعادل الجبير، تقوم بكشف إنجازات الحكومة السعودية الأمنية. فقد وزعت السفارة يوم 3/6/2004 بياناً صحافياً استعرض جهود السعودية في مواصلة سياسة مكافحة الأرهاب ـ على الأقل على أراضيها ـ حيث أشار البيان الى أن أجهزة الأمن استجوبت آلاف الأشخاص المشتبه بهم، وأنها ألقت القبض على 600 شخص وأنها فككت الكثير من خلايا القاعدة (مع أن تركي الفيصل قال أن كل الخلايا هي ست تم تفكيك خمس منها خلال السنتين الماضيتين ولم تبق سوى واحدة!!). واشار البيان الى اعتقال مواطنين عرب أرسلوا الى بلادهم، وانه تم تشكيل قوة جديدة لمكافحة الإرهاب بالتعاون مع اميركا.

عادل جبير قال قبل يوم من إصدار البيان أي في 2/6/2004 بأن بلاده تفعل (ما في وسعها) وقلل من أهمية تأثير التوتر الأمني على صناعة النفط، وقال ان منشآت النفط محمية بشكل قوي وأن الإقتصاد السعودي قوي لن تهزه أحداث مثل الخبر وينبع، وتوقع حدوث عمليات جديدة للقاعدة في السعودية. وكان الأمير سلطان وزير الدفاع قد قال في العشرين من مارس الماضي بأن بلاده قضت على 80% من العنف في المملكة، ولكن البلاد لم تشهد عنفاً متواصلاً وحاداً مثل ما حدث بعد تصريحاته تلك! وزعم الجبير بأن السعودية أمسكت وقتلت قادة من القاعدة أكثر من أي دولة أخرى في العالم. وأكد على أن النظام المالي السعودي أخضع لتغييرات كبيرة لمنع تسرب المال للقاعدة.

الصفحة السابقة