مع اقتراب نهاية مهلة العفو الملكي

الاستجابة المخيّبة تبعث قلق الحكومة

في الثاني والعشرين من يونيو الماضي أعلن ولي العهد الامير عبد الله عن مبادرة مصالحة مع الجماعات العنفية، والتي بموجبها تم منح مهلة شهر كيما يقوم أعضاء الجماعات هذه بتسليم أنفسهم للأجهزة الأمنية من أجل تخفيف العقوبة عنهم. وكانت أجهزة الأمن قد أعلنت في السادس من ديسمبر 2003 عن قائمة مطلوبين يصل عددهم الى 26 شخصاً وهي القائمة المعدّلة بعد صدور قائمة أخرى في يونيو من العام الماضي ضمّت 19 مطلوباً.

ومع تصرّم أيام المهلة المقررة من قبل ولي العهد لم يستجب من قائمة الست والعشرين مطلوباً سوى واحد مازالت تحيط قصة تسليم نفسه للسلطات الامنية حكايات متضاربة. إن بوادر الفشل التي تواجه مبادرة الامير عبد الله دفعته لاعادة التذكير بالمبادرة مرة ثانية قبل عشرة أيام من نهاية المهلة، ولكن مع التأكيد في الوقت نفسه على صرامة اللغة وحزم القرار، وإن كان الانطباع الذي خلقته المبادرة والتذكير بها يظل في حيز كونه تنازلاً من جانب الحكومة، وتقلّص خياراتها. ويندرج في السياق نفسه التحذير المتكرر من قبل ولي العهد لمن يسكت عن أو من يأوي أحداً من المطلوبين أو الابلاغ عنه في حال مشاهدته.

الرشود: لا تراجع ولا استسلام!

وبالرغم من أن رد فعل التنظيم الجهادي لم يكن واضحاً باستثناء ما نقل عن قائد التنظيم صالح العوفي رفضه للمبادرة وتمسكه بخيار الجهاد، فإن موقف التنظيم بصورة عامة يندرج في رؤيته الايديولوجية حول النظام السعودي الذي يصمه بالكافر وبالتالي فإن القبول بالمبادرة يقتضي المصالحة مع الكفر. اضافة الى ذلك فإن النظام السعودي في نظر المجموعة غير جدير بالثقة حيث لا يؤمن جانبه. وقد كان للتنظيم موقف سابق من قضية توبة المشايخ الجهاديين (الشيخ ناصر الفهد وزميليه) حيث احتسب التنظيم توبة المشايخ بأنها مسرحية مفضوحة، وذكّر البيان حينذاك بأن (حكومة الرياض تعرف المجاهدين معرفة جيدة، وتعلم علم يقين بأن هذا الكلام وهذه الأكاذيب لا تنطلي عليهم البتة، فالذي حمل روحه على عاتقه وأهدى للدين دمه وباع حياته لربه لا يمكن أن يكون بهذه السذاجة وهذا الغباء، إنما أرادت حكومة الرياض بهذه المبادرة المكشوفة : تبرير قتل المجاهدين في الحل والحرم، ربما ليس لشعب الجزيرة، فهي لا تقيم لهم وزنا وترى أنها تمكلهم كما يملك السيد العبيد، ولكن لمن هو خارج الجزيرة من الشعوب الإسلامية التي يهمها ما يحدث في بلد الله الحرام، فكانت هذه الأكاذيب وهذه المسرحيات لتبرير قتلهم نصرة للصليب وتحقيقا لمطامع يهود في استئصال المجاهدين، ولكن هيهات ..).

يقول المنظر البارز في التنظيم عبد الله بن محمد الرشود في مقالة له في العدد السادس من (صوت الجهاد) موجّهة للمجاهدين، تحدث فيها عن الثبات والاستقامة على طريق الحق ونبذ محاولات التضليل، فهو يدعو الى لزوم الاستقامة وعدم التأثر بتضليل وتلبيس المضلين. ولذلك يسرد الرشود قائمة الدروس المستقاة من الظروف المتغيّرة التي تواجه المجاهدين، ومنها: الاغتباط بنعمة الثبات، عدم الحزن والضيق من حال الغربة، الصبر والمصابرة والمرابطة، الانطراح بباب الغني الرحيم والانكسار بين يديه بالدعاء والاستغفار، الإكثار من حمد الله على نعمه، فعلى قدر حمدك لله يكون استقرار نعمه وزيادتها. وهذه الدروس تأتي في سياق تعزيز ارادة المواجهة لدى المجموعات الجهادية واحباط مفعول الدعوات المتواصلة التي توجهها جهات سياسية ودينية في الدولة من أجل وقف العنف والعودة للانضواء داخل مضلة الحكومة، وهو ما تصرّ المجموعة على رفضه.

في الوقت نفسه، وفيما يبدو فشل مبادرة الامير عبد الله مع اقتراب نهاية المهلة، فإن وزير الداخلية يحاول استعادة دوره الذي خسره منذ مقتل المقرن واعلان مبادرة (مهلة الشهر)، حيث بدأ الامير نايف جلسة مناقشة في مجلس الشورى في الثاني عشر من يوليو حول الدوافع الفكرية والايديولوجية لدى جماعات العنف سعياً من أجل وضع برنامج شامل يهدف الى مكافحة الفكر الارهابي وتحصين الشباب ضد انتشار ظاهرة العنف والمحرّضات الايديولوجية على استعمال اقصى الوسائل العنفية في تحقيق الاهداف.

وفيما تضيق الآفاق على الحكومة في القضاء على ظاهرة العنف فإن لجوء الامير نايف الى أعضاء مجلس الشورى يأتي في سياق المسعى الى توسعة دائرة المشاركة لمواجهة المشكلة وتحويلها الى قضية وطنية. إن هذه الخطوة تضاف الى خطوات اخرى تميط اللثام عن حقيقة الاخفاق الذي تواجهه أجهزة الامن. فقد فوجىء كثير من أبناء الوطن بتصريح لوزير الداخلية الامير نايف المعروف بتعنته وصلابته في المسائل ذات الصلة المباشرة بالأمن حيث أعلن عن فتح باب الترخيص والتصريح لحمل السلاح بالنسبة للأجنبي المقيم في البلاد بغرض الحماية. وقال الأمير نايف (فمن حيث المبدأ المواطن له حق حمل السلاح وكذلك المقيم إذا كان يشعر بالخطر فمن الممكن أن يحصل على إذن بحمل السلاح الفردي , مثلما يحمله في بلده). وهذا التصريح جاء على خلفية شكاوى تقدّم بها مدراء شركات أجنبية من أنهم وعوائلهم وموظفيهم لا يشعرون بالأمن في هذه البلاد وبالتالي فإنهم يصرّوا على التدرّب وحمل السلاح من اجل الدفاع عن أنفسهم وقد ذكر وزير الخارجية الامير سعود الفيصل في لقاء له مع مدراء شركات غربية واميركية بصورة محددة بأن التدريب سيتم على يد مدربين سعوديين.

ولاشك أن التصريح بحمل السلاح بالنسبة للمواطن والأجنبي ينطوي على اعتراف ضمني بالعجز عن ضبط الأمن، ودليل عملي على ضعف أجهزة الأمن في مجال توفير الأمن للمواطن والمقيم سواء بسواء. من جهة ثانية، إن التصريح بحمل السلاح يمكن النظر اليه كحالة مستقبلية قابلة لأن تأخذ منحى خطيراً حيث انتشار قطع السلاح بين الاجانب، وعدم السيطرة عليه خصوصاً في بلد باتت منافذه البرية والبحرية عرضة لعمليات تهريب واسعة النطاق، الى جانب المشاكل الاجتماعية والامنية والسياسية التي يخلقها ترسيم ظاهرة انتشار السلاح المرخّص، حيث تؤول في نهاية المطاف الى انعدام الأمن بدلاً من حفظه بسبب الكثافة التسليحية لدى السكان مواطنين ومقيمين تماماً كما حصل في بلدان مثل لبنان والعراق الآن وغيرها.

الصفحة السابقة