هل تنجح الحكومة في احتواء أزمة البطالة

تحدي فائض المداخيل

هل يمكن ان تحقق الحكومة معجزة تفضي الى احتواء الازمة الاقتصادية الداخلية؟ سؤال أثاره سكوت ويلسون في صحيفة الواشنطن بوست في الحادي والثلاثين من أغسطس الماضي.

يعتقد سكوت بان الحكومة السعودية تعوّل كثيراً على العائد المالي المتضاعف من صادرات البترول حيث حصلت الحكومة على بلايين الدولارات من عائدات النفط والتي يمكن توظيفها في طريق صناعة مئات الآلاف من الفرص الوظيفية للشباب السعودي في اعمال كانت من الناحية التقليدية مقتصرة على الاجانب، مراهنين على ان الفرص الاقتصادية المتزايدة في المملكة ستؤول الى كبح النشاط المسلّح المتزايد من قبل المتشددين الدينيين، الذي يشكل تحدياً خطيراً للعائلة المالكة.

ملايين الدولارات تصب الآن في مشاريع التأهيل الوظيفي، والمدارس التقنية والحوافز النقدية في الشركات السعودية من أجل توظيف المواطنين المحليين. في مشروع عرف باسم (السعودة)، وبعض الاجانب الذين طالما كانوا يشكلون العمود الفقري لقوة العمل في القطاع الخاص بالمملكة يعودون الآن لأوطانهم.

هل تنجح أموال النفط في تقليص عدد العاطلين؟

في الايام السابقة، كان العامل الفيلبيني الهندي او الباكستاني يقدّم فروض الترحيب للزبائن في المقاهي والمطاعم في المراكز التجارية وفي مكاتب الاستعلامات المتوفرة بداخلها، ولكن هذه المراكز باتت تشهد تبدلات جوهرية من حيث دخول المواطنين المحليين الى هذه المواقع التي كانت فيما مضى تعتبر من الوظائف المنكرة من قبل السكان المحليين، ففي مراكز الاستعلامات داخل المجمعات التجارية هناك سعوديون او سعوديات بزي مميّز يقدّمون برحابة صدر وابتسامة ضافية خدمات معلوماتية حول المراكز.

إن الشهادة الجامعية في الحقول العلمية والتطلع للحصول على وظيفة تناسب التخصص الاكاديمي باتت بالنسبة لنحو 350,000 سعودي يدخلون سوق العمل سنوياً باتت غير منسجمة مع ضغوط الحياة، فكثير من هؤلاء مهتمون بالتطلع نحو مستقبل أفضل. فبعضهم يقبل مزاولة اعمال متدنية وبأجور زهيدة على أمل أن يقودهم ذلك الى وظائف تنسجم وتخصصاتهم، جزئياً لأن الحكومة تدفع نصف مرتبه الشهري كحافز للموظِف لتوظيف مواطنين سعوديين.

وابتداءً من الطفرة النفطية في السبعينيات، فإن الدخل من مبيعات الطاقة الخارجية يقدّم ضمانة من المهد الى اللحد بالنسبة للمواطنين السعوديين، وغالباً في هيئة وظائف حكومية وتعليم مترف وفوائد صحية. ولكن هذه الايام قد انتهت، حيث ان سكان المملكة تزايدوا بسرعة تفوق قدرتها على تزويد القطاع الحكومي بوظائف وبعض المخصصات التي كان يتمتع بها الجيل السابق.

يقول أحدهم بأن (الشباب السعودي غاضب الآن، ومحبط لأن كثيراً منهم قد حصل على التدريب ولكن ليس له مكان في سوق العمل). ويستدرك قائلاً (اذا لم يكن لك صديق يساعدك، فإن عليك ان تقبل بما هو متاح أمامك).

شأن أمني

عبر الشرق الاوسط، هناك ملايين من الشباب العربي يناضلون من أجل كسر الركود في أسواق العمل. ويقول محللون سياسيون إن هذا التفاوت بدأ في توليد ضغط قد يؤدي الى الاطاحة بحكومات اذا لم تشأ في اصلاح اقتصادياتها المحكومة بتنظيم بيزنطي وسيطرة دولة جامدة.

المشكلة تبدو حساسة في بلد ثري كالسعودية التي يقطنها اكثر من 25 مليون انساناً، حيث ظل ينظر كثيرون فيها الى العمل كشيء ما يقوم به آخرون. إن الحكومة تناضل الآن من أجل توفير فرص اقتصادية لأكثر من 60 بالمئة من السكان تحت سنة الثامنة عشر.

بعد التفجيرات والمواجهات المسلحة هذا العام والتي أدت الى مقتل نحو 50 شخصاً في المملكة، فإن الحكومة السعودية قد توصلت الى رأي يقضي بزج مجاميع أكثر من الناس في العمل بوصفه شأناً مرتبطاً بالأمن القومي. وفيما تتصاعد أسعار النفط بحيث تصل الى ذروتها خلال عقدين من الزمن، فإنها تضع بعضاً من العائدات الجديدة في حملة مضنية من اجل اعادة صياغة سوق العمل بحيث يتوافق مع الوجه السعودي.

يقول صالح ابو رشيد، مدير التطوير في المؤسسة العامة للتعليم التقني والتدريب الوظيفي (اعتقد بأن عدم الحصول على وظيفة بالنسبة للشبان السعوديين سيؤدي الى كارثة سواء على المستوى الأمني أو المستوى الاخلاقي).

يقدّر الاقتصاديون بأن الحكومة السعودية والتي تتلقى 80 بالمئة من دخلها العام من مبيعات النفط، ستحصل على زيادة تربو عن 35 مليار دولار هذا العام، وكلها تقريباً ناتجة عن الارتفاع في اسعار النفط. في السنة القادمة، فإن كثيراً من ذلك المال سيتم استعماله لتسديد الدين العام، واصلاح الشوارع والمدارس التي بنيت خلال فترة الطفرة النفطية، وشراء سندات الخزينة، وتمويل التكاليف المرتفعة للدفاع عن نظام الحكم إزاء تهديدات التيار الديني المتشدد.

ولكن يقول المسؤولون السعوديون بأن حصة كبيرة من المال ستخصص لصندق تنمية الموارد البشرية، والتي تعزز مرتبات أكثر من 30 ألف سعودي كل عام كحافز للشركات من أجل توظيفهم. إن المعاهد التقنية والتدريبية ستقوم ببناء 59 مجمعاً جديداً، ومضاعفة عدد المتخرجين سنوياً في حقول مثل الجراحة التجميلية، والبرمجة الكمبيوترية، وقطع اللحام، والسباكة الى نحو 200,000 متخرجاً. إن هذه الوظائف بالكامل تقريباً مشغولة في الوقت الحالي من قبل الاجانب.

السعوديون يحاربون العنف بالوظائف

مشدداً على التزام الحكومة ببرنامج التوظيف، اعلن ولي العهد الامير عبد الله، الحاكم الفعلي لمملكة، عن خطط من اجل سسلة من المؤتمرات الوطنية التي تكشف عن (تطلعات الشباب). وأن كافة قضايا التوظيف قد تم نقلها وتعزيزها تحت سلطة وزير العمل غازي القصيبي، وهو اصلاحي بارز وكاتب ويعتبر حليفاً مقرّباً من الامير الحاكم، اي ولي العهد.

إن الحملة من اجل ادخال السعوديين في قوة العمل بدأ من الناحية الرسمية في عام 1995 بأمر ملكي يقضي بأن تقوم شركات القطاع الخاص باستبدال 5 بالمئة من قوة العمل الاجنبية كل عام بمواطنين محليين. وقد تضمن البرنامج بعض الاصلاحات من اجل خلق فرص عمل في القطاع الخاص، الذي ظل لفترة طويلة خاضعاً تحت سيطرة العائلة السعودية المالكة وعدد صغير من العوائل المستفيدة القريبة منها. وبخلاف ذلك، فإن الاهتمام بات منصباً الآن على ابعاد الاجانب من الوظائف الحالية من أجل إتاحة المجال أمام السعوديين.

اليوم هناك 13 بالمئة فقط من قوة العمل في القطاع الخاص من السعوديين، او ما يقرب من نحو 800,000 شخصاً أي دون الـ 45 بالمئة التي كانت الهدف لهذا العام، حسب ما يقول مسؤولون حكوميون الذين بدأوا في تعزيز القانون وخصوصاً في بدايات هذا العام.

المساعدات المالية الحكومية، التي تقدّم كالتزام للمواطن متوفرة الآن فحسب لما بين 25 الى 30 ألف شاب سعودي كل عام، أو نحو 10 بالمئة من الناس الذين يدخلون سوق العمل كل عام. وحسب عبد العزيز ابو حمد مدير مشروع التكامل الاقتصادي في مجلس التعاون الخليجي (وهذا يجانف توقعاتهم ـ عمل مضمون مع حمل خفيف، وليس هناك من يريد العمل في القطاع الخاص).

إن سلوكاً كهذا ساعد على ابقاء معدل البطالة الرسمية في السعودية عند حد 10 بالمئة بالرغم مما يقوله خبراء الاقتصاد بأن هذا المعدل يفوق بثلاث مرات بالنسبة للسعوديين ما دون الـ 35 عاماً وأعلى من ذلك بالنسبة للنساء السعوديات، اللاتي يبحثن عن دور اقتصادي أكبر في المجتمع فيما تنخفض المرتبات في فترات التضخم. ولكن الحكومة السعودية تقيس التوظيف في وسط السعوديين فحسب الذين يقولون بأنهم يريدون أعمالاً او أولئك الذين لديهم أعمالاً، وبحسب مسح مؤيد لحكومة قبل ثلاث سنوات ظهر بأن تلك المجموعة تتألف فقط من نصف المواطنين من البالغين سن العمل.

في غضون ذلك، فإن الحكومة تواصل جهودها من أجل تخفيض تعداد العمال الاجانب، وقد أعلنت مؤخراً عن اجراء يقلّص من عدد التأشيرات الجديدة التي تمنح للعمال الاجانب، الذين بلغ عددهم 8,8 مليون ويقومون بتحويل ما يقرب من 20 مليار دولار سنوياً لعوائلهم في بلدانهم الاصلية. إن ثمة خططاً تنادي من أجل تخفيض عدد العمال الاجانب الى نحو مليونين خلال ثمان سنوات، وجميع هؤلاء المراد التخلص منهم يعملون في وظائف متدنية والتي لا يقوم بها السعوديون او في وظائف تقنية لم يكن المواطنون مدرّبين عليها.

لقد أثار القرار نقداً حاداً من قبل كثير من رجال الاعمال، الذين ظلوا يعتمدون على العمالة الرخيصة ومبدأ العمل الصارم بالنسبة للاجانب. ولكن دبلوماسياً غربياً يقيم في الرياض وصف خطة السعودية بأنها (تغيير كبير في طريق العمل). إن ذلك بات ملحوظاً في مكاتب استقبال الفنادق، وفي نقاط الدفع في المراكز التجارية، وهكذا اعمال الخدمات حسب ما يذكر الدبلوماسي.

كسر الجمود الثقافي

من مكتبه بالقرب من مسجد النساء في مركز العزيزية التجاري الجديد قام فهد الدغيثر بتطوير برنامج السعودة عبر شركة قابضة ضخمة تملك المركز التجاري شركة باندا العزيزية. ويعتبر هو نائب رئيس التنمية العقارية والتي يعتبر الامير الوليد بن طلال اكبر مساهم في الشركة.

وعقب صدور الامر السامي بالسعودة، بدأ الدغيثر الذي عمل في وظيفة كيّاس أو معلّب في محلات سيف ويه في بورتلاند بالولايات المتحدة خلال سني دراسته الجامعية، بدأ بالبحث عن سعوديين للعمل في وظيفة محاسبين في البقاليات التابعة للشركة، ولكنه لم يكن يجد أحداً يود ان يشغل هذه الوظيفة.

وفي يوم ما، أحضر الدغيثر ابنه البالغ من العمر 14 عاماً للعمل في وظيفة معلّب او كيّاس في البقالات وكان الهدف حسب قوله (كنت بحاجة أن أبدي لهم بأن ذلك من الصالح لابني. إن ذلك كان ثقافياً أكثر من أي شيء آخر. لم يكن يعتقدوا بأن هذه الوظائف من الاشياء التي يجب ان يقوموا بها).

يقول الدغيثر بأنه وظّف 60 سعودياً هذا الصيف. ومن بين هؤلاء أصبح 30 منهم مدراء مخازن وأن ثلاثة آخرين افتتحوا أعمالاً خاصة بهم وانهم يقومون بتزويد شركاته بالمواد. يقول الدغيثر (لدينا الآن جزّارون، وخبّازون، ومعلّبون، وهم سعوديون، وقبل ست سنوات لم تكن تسمع بذلك).

ومن بين 130 موظفاً في المجمع التجاري، فإن طاقم التنظيف والطاقم الفني فحسب، كلهم سعوديون. ومن اجل تعميق الجهد، فإن شركة الدغيثر افتتحت معهد تدريب خاص بها. وإن لدى مدير المعهد خلفية في علم النفس كمتطلب حسبما يقول الدغيثر لأن التحدي من اجل توظيف سعوديين قائم في جزء كبير منه على التغلب على الجمود الثقافي الملتصق بالعمل الحقير.

ولكن يبدي الدغيثر تفاؤلاً كبيراً حيث يقول بأن (يجب القول بأن العقبات أقل الآن بكثير، وأن السعوديين قادمون).

ولكن الاحباط واضح بين كثير من السعوديين الذين لا يجدون عملاً في حقولهم المختارة. بعد انحدار مداخيل النفط في التسعينيات انخفضت تبعاً لها ميزانيات التعليم، فالجامعات الضعيفة مالياً نادراً ما فتحت كليات علمية جديدة، وفضّلت برامج أقل تكلفة مثل الدراسات العربية، والجغرافيا والبرامج الادبية والفنية الاخرى.

فالسعوديون الذين درسوا هذه التخصصات واجهوا متاعب في العثور على موطأ قدم لهم في اقتصاد يدار الى حد كبير بالتكنولوجيا.

يقول منصور الذي يعمل في الحكومة في المنطقة الشمالية من الجوف (يجب القول بأن ليس هناك الكثير من الدرجات الجامعية التي تقودك الى الوظيفة). يضيف قائلاً (بعد الطفرة النفطية، فإن العمل لم يكن شأناً يعنينا كثيراً، ولكن الآن فإن العمل المتوفّر لا يوفر لنا أي قيمةشخصية).

والد منصور شأنه شأن كثير من السعوديين من جيله، عمل لحساب الحكومة وكان يشغل منصباً مطلوباً في شركة ارامكو المملوكة للدولة. ولكن منصور الذي يحمل شهادة بكالوريوس في العلوم السياسية يقول: (إن الأفق بالنسبة له وللآلاف من السعوديين ممن لديهم شهادات مقاربة في الحصول على وظائف في مجالات تخصصهم مربوطة بارادة الحكومة في تبني اصلاحات سياسية). يقول منصور (في المدى البعيد، فإن السبيل الوحيد هو دستور جديد وديمقراطية هما الحل).

من خلال جولة في مركز العزيزية التجارية يكشف بوضوح بأن الفارزة بين ما يشاء السعوديون القيام بفعله الآن وما لا يشاءون. وفي سوبرماركت هايبرباندا، هناك سعوديون على صناديق المحاسبة والى جانبهم عمال هنود وباكستانيون ببدلات زرقاء يقومون بتعليب مشتريات الزبائن.

يقول ابو رشيد، رئيس برنامج التوظيف (لا نحتاج الى سعودة سوق العمل بالكامل، ولكن هدفنا هو توفير وظائف لأولادنا).

الصفحة السابقة