فتاوي القتل الجديدة.. ذاكرة أهل السلف المثقوبة؟

داوود البصري

قد يبدو غريبا للغاية في عصر القتل الجماعي والإرهاب السلفي الترويعي للآمنين والأبرياء والمستأمنين والذي يعاني منه الإنسان العربي والمسلم في كل مكان، أن تصدر مواقف سياسية/ دينية، وفتاوي إستعجالية ذات أبعاد طائفية خطيرة لا تخطيء العين الخبيرة قراءة دلالاتها ومعانيها ومابين سطورها، ومن إين ؟ من أرض الحرمين الشريفين ومن المملكة العربية السعودية بالذات التي تعاني ما تعاني من إنتشار سرطان التيارات الإرهابية والتكفيرية والتي ليست ببعيدة بأي حال من الأحوال عن تفكير وعقلية الأطراف التي أصدرت الفتوى الجديدة التي تدعو العراقيين صراحة لدورات جديدة من حمامات الدم والقتل المجاني! والتي يتطفل مطلقوها على الخيارات الوطنية الحرة للعراقيين ويحاولون تنصيب أنفسهم (كولي فقيه جامع للشرائط) يفتي في أمور الدين والدنيا دون تفويض ولا مبايعة ولا مطالبة واضحة من أهل الشأن العراقي، وبأهداف وأجندات نعرفها جيدا ومرتبطة إرتباطا وثيقا بالمصير المعلوم الذي ينتظر جماعات القتلة والإرهابيين، وبما سيحقق إنجلاء الغمة عن العراقيين ويدع السبيل لهم لبناء وطنهم وتشييد بيتهم بعيدا عن وصاية السلفيين التخريبية أو نصائح آيات الله التدميرية!

فما أدلى به الفقهاء السلفيين في العربية السعودية من آراء عدوانية وتحريض واضح وصريح ضد السلطات العراقية وضد خيارات العراقيين الحرة إنما هو أمر يؤكد بأن معركة العراقيين ضد الإرهاب والقتلة وجموع الخوارج الجدد إنما تكمن العديد من مراكزها العصبية في خارج العراق وبالذات من دول الجوار والتي يبدو للأسف اليوم إن بعض حكوماته قد خضعت لمنطق الإرهابيين الإبتزازي وباتت أسيرة لمواقفهم وإتجاهاتهم ! وتركت لهم المجال واسعا لنشر ضلالاتهم وأباطيلهم ودعواتهم التحريضية !! فما ينطلق من مساجد العاصمة الأردنية عمان مثلا من تحريض واضح ضد العراقيين ومن دعم راسخ لقوى الإرهاب والضلالة والقتل لا نجد له رد فعل إيجابي من السلطات الأمنية الأردنية التي تغض الطرف تماما عن تلكم الحملات التحريضية والإعلامية الواضحة والتي لا تترك للمراقب أي مجال للشك والتردد للتأكيد بأن ما يحصل في العراق من إرهاب أسود إنما يتأتى جانب مهما منه عن طريق تواطؤ ومساندة بعض أجهزة الأمن والإستخبارات العربية وتحديدا الأجهزة الأمنية الأردنية والسورية فضلا عن الإيرانية المعروفة الدوافع والأهداف والمنطلقات؟

وقياسا على ذلك الوضع المؤسف فإن ماأدلى به قبل أسابيع قليلة أحد الإرهابيين العلنيين ومن عمان وهو أحد أبناء الشيخ (عزام التميمي) لإحدى الفضائيات العربية من تشجيع وحث على قتل أفراد ومنتسبي الجيش والشرطة العراقية إنما يشكل تواطؤا عربيا وإقليميا واضحا في دعم جبهة الإرهاب السلفي الأسود ورفدها بكل مستلزمات الحركية اللوجستية! فلم نسمع عن قيام أجهزة الأمن الأردنية بالتحقيق والمساءلة مع ذلك الغلام السلفي؟ ولم نسمع من أن هنالك تعاونا عربيا حقيقيا في مجال توفير الأمن للعراقيين؟ بل أن جل مانسمعه ونقرأه ونشاهده هو تلكم الأصوات المبحوحة بفحيح الأفاعي والوجوه المتسخة الكالحة التي تدعو للقتل والدم والإستباحة وقتل الأميركيين بالجملة والمفرق، رغم أننا نعلم وهم يعلمون والمخابرات السورية والأردنية تعلم من أن إسرائيل تقع على مرمى حجر من بيوت ومساكن وقواعد تلكم الجماعات الإرهابية دون أن تتضرر أو ينالها شيء من فحيح وسموم تلك الأفاعي السلفية المنفلتة والمعبئة بالأحقاد الطائفية المريضة والرؤى الظلامية الكريهة!

والعجيب المفجع في بيان العلماء السعوديين الذين وقعوا وأصدروا البيان الأخير في تشجيع عصابات القتل المسماة بالمقاومة هو جهلها المطبق وإنتقائيتها المريضة، وتحيزها الفاضح في هذه المرحلة بالذات ! فلم نكن نسمع أي صوت أوهمس خافت لتلكم الجماعات أيام النظام البعثي الإرهابي البائد ؟ برغم ملفات الجرائم الفظيعة التي كان يمارسها ذلك النظام ضد الإنسانية وضد المقدسات الإسلامية وضد دول الجوار وضد الشعب العراقي على إختلاف طوائفه وإتجاهاته ؟ ولم نسمع رأيا محددا لهذه الجماعة بعد قيام صدام ببدعته الكبرى المتمثلة في كتابة القرآن الكريم بدمه النجس!! وهي عملية أدانتها حتى الجماعات البوذية !! بينما سكتت عنها الجماعات الإسلامية والسلفية سكوت القبور!، ثم عن أي وحدة وطنية يتحدث بعض فقهاء المملكة السعودية الشقيقة وهم يشاهدون الأفعال التخريبية والشقاقية والإجرامية التي تقوم بها عصابات القتلة من السلفيين والظلاميين! إنني أعلنها صريحة ولا أتردد عن القول أبدا من أن بيان العلماء السعوديين إنما إنطلق من مبررات طائفية مريضة واضحة لا تريد الخير للعراق وتعمل على تقسيمه وبهدف الرد الشائن على مبادرة السيد المرجع الشيعي علي السيستاني وفتواه المساندة للعملية الإنتخابية والتي تهدف أساسا لحقن دماء العراقيين على إختلاف مللهم ونحلهم وطوائفهم وبهدف تشجيع جميع الأطراف على حوار الصناديق والأحزاب والبرلمان بدلا من حوارات الدم أو إبتزاز الجماعات السلفية الإرهابية التي تريد تقسيم العراق وتحويله لإمارات دينية وطائفية ظلامية ومتصارعة وبهدف تحقيق حلم السلفيين الظلامي والأبدي بتقسيم المنطقة والهيمنة على مقدراتها وإطاحة أنظمتها لتشييد سلطة مجانين الدم السلفي المرعب!

لقد كان من الممكن لبيان العلماء السعوديين أن يحظى بذرة من المصداقية فيما لوكانت هنالك مواقف تاريخية لأولئك العلماء والفقهاء في دعم قضايا وهموم العراقيين في السابق؟ أو كانت لهم مواقف معلومة في مقاومة وكشف وتعرية الإرهاب البعثي أو الإنتصار لظلامات العراقيين التاريخية! أما أن يصدر ذلك البيان المسموم والعدواني ذو الخلفية الطائفية المريضة في الفترة التي يتهيأ فيها العراقيون لتصفية جيوب الإرهاب والتخلف الإجرامي السلفي فإن في الأمر تكتيك واضح هدفه تخريب الجهود الوطنية العراقية في تهدئة الموقف وبناء دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية التي تنتصر للإنسان الذي هو أثمن رأسمال بإعتباره خليفة الله في أرضه، وهي الإشكالية التي لايفهمها الأغبياء والمتخلفون من عصابات السلف البدائية الذين لازالوا يعتقدون بأن الأرض مسطحة!!

وبهذه المناسبة أطالب السلطات السعودية وهي تخوض أيضا حربها المعلنة ضد الإرهاب الأسود بالسير على خطى المؤسس العظيم الراحل الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود الذي تصدى لأولئك الخوارج القتلة وأفشل ريحهم وهيأ الظروف لقيام مملكة عصرية وحداثية ينبغي أن تستمر بوتائر متسارعة لاأن تلجمها وتحد من إنطلاقتها زمرة من القتلة والمسعورين والمتخلفين !... نقول لبيان العلماء في الجزيرة العربية... خاب سعيكم.. وطاش سهمكم... والعراقيون ليسوا بحاجة لنصائحكم السقيمة المريضة... فعند ( نعال أبو تحسين) الخبر اليقين !... ولن يفلح الإرهاب من حيث أتى؟

عن ايلاف 7/11/2004

http://www.elaph.com/ElaphWriter/2004/11/20431.htm

الصفحة السابقة