بريطانيا: ملايين وطائرات وأطقم وهدايا للأمراء والسفارات السعودية!

فتح ملف رشاوى وعمولات اليمامة

نشرت مجلة (المشاهد السياسي) الصادرة في لندن مقالاً حول تفاعلات قصة الرشاوى والعمولات والخدمات الخاصة التي رافقت صفقة اليمامة استناداً الى تقرير (برنامج المال) الذي بثته قناة بي بي سي الثانية هذا الشهر، وكتب صاحب المقالة:

وزير الدفاع: سلطان الحرامية

يعرف الحكم في السعودية أن أحد أهم أسباب تخلي الغرب عنه وتحديدا الولايات المتحدة يعود الى تورط النظام في تفريخ الإرهابيين الذين كانوا المحرك الأول والأكبر الممول والمخطط والمنفذ لأكبر اعتداءات في التاريخ تعرضت لها اميركا في واشنطن ونيويورك في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001. ويدرك كبار القوم في آل سعود أن واشنطن على قناعة راسخة بأن بقاء آل سعود في الحكم يعني استمرار المواجهات مع الإرهابيين الذين يقودهم أسامة بن لادن السعودي المنشق زعيم تنظيم القاعدة.

كما يدرك كبار اهل الحل والقرار والسلطة في بيت آل سعود أن رائحة الفساد المالي والاداري والتلاعب بالمال العام فاحت وامتد عطرها غير الزكي الى نقاط واسعة من خلال ارقام وتواريخ تفصيلية لعقود تنص على عمولات غير مبررة وامتيازات لا وجه للحق فيها وعلى استئثار واسع على السلطة وعلى المال دون احترام لاي قانون او الخشية من اي رادع اخلاقي. لكنّ مراقبين سعوديين يرون ان آل سعود وبدلا من اصلاح اوضاعهم والتجاوب مع مطالب شعبهم بالاصلاح ووقف النزف المالي والغاء الامتيازات والعمولات، زادوا من حجم انتفاعهم من عائدات النفط وانهم غيروا فقط خارطة التحالفات المالية التي تبقي ابواب الفساد وضياع الذمم مشرعة امام المزيد من الصفقات الوهمية او المختلقة فقط للحصول على المزيد من العمولات والفواتير التي لا تحدد ارقاما واثمانا حقيقية كالصفقة التي يجري الاعداد لها الان مع باكستان لشراء اسلحة ومعدات عسكرية بمئات الملايين من الدولارات او ربما بعدة مليارات!

والجديد في تفاصيل الفساد اعلن عنه قبل اسابيع عندما كشف (برنامج المال) الشهير المعني بالشؤون المالية والاقتصادية الذي بثته قناة بي بي سي الثانية بعد إجراء مقابلات مع ثلاثة مصادر مطلعة عن قيام شركة الأنظمة الإلكترونية والجوية البريطانية لتصنيع الأسلحة بدفع رشاوى تقدر بنحو 60 مليون إسترليني لتسهيل الحصول على أكبر صفقة أسلحة في تاريخ بريطانيا. وكان الأمير تركي بن ناصر أحد أفراد العائلة المالكة السعودية المستفيد الأكبر من تلك الملايين. وكان تركي مسؤولا على مدار عشرين عاما عن الإشراف على أعمال الجانب السعودي لإتمام (صفقة اليمامة) التي عادت على شركة أنظمة الطيران البريطانية المعروفة اختصارا باسم (بي إيه إي) بمليارات الدولارات. وفي المقابل، رفضت الشركة التي كانت معروفة فيما مضى باسم الشركة الجوية البريطانية (بريتيش إيروسبيس) الاعتراف بدفع مثل هذه الرشاوى في برنامج (رشاوى باسم بريطانيا)، إلا أن بيتر غاردينر الذي أغدق الأموال على الأمير تركي لأكثر من عقد من الزمن خرج عن صمته وتحدث لأول مرة عما كان يرتكبه من أعمال. وبدأ غاردينر العمل مع (بي إيه أي) لأول مرة في عام 1988، لتصبح شركة السياحة الصغيرة التي كان يمتلكها قناة كبيرة لمرور أموال الشركة البريطانية حيث كان يضخ عن طريقها نحو سبعة ملايين إسترليني سنوياً. وكانت مهمة غاردينر تتلخص في إغداق الأموال ومظاهر البذخ على الأمير تركي. وأطلع غاردينر بناء على تعليمات شركة الأسلحة البريطانية الأمير تركي على ما يمكن أن يوفره له ولحاشيته من فنادق لا نهاية لها وطائرات خاصة وسيارات فاخرة وحراسات خاصة وإجازات مثيرة. كما استفادت عائلة تركي من الأموال التي أغدقتها شركة الأنظمة الإلكترونية والجوية البريطانية عليه. فيقول غاردينر أن زوجة تركي حصلت على سيارة رولز رويس يقدر ثمنها بنحو 170 ألف إسترليني كهدية في عيد ميلادها. كما وضع تحت تصرف زوجة تركي وحاشيتها طائرة شحن من طراز (بوينغ 747) لنقل مشترياتهم. كما حظي نجل تركي وأصدقاؤه برحلة تزلج في كولورادو تقدر تكلفتها بنحو 99 ألف إسترليني، كما صور حفل زفاف ابنة تركي بتكلفة قاربت المائتي ألف إسترليني. كل هذه الأشياء دفعت تكاليفها شركة الأسلحة البريطانية. كما نظّم غاردينر برنامج العطلة الصيفية لتركي وعائلته في عام 2001 التي استغرقت ثلاثة أشهر. وكلفت هذه الإجازة شركة (بي إيه أي) نحو مليوني إسترليني. وقال غاردينر في تصريح لبرنامج المال: (إن أسلوب الحياة هذا فاق أسلوب حياة النجوم السينمائيين. لقد كان نجوم السينما يرتادون الفنادق التي كنا نزورها لكنهم لا يعيشون في هذا المستوى من الرغد). وتلقى غاردينر في بعض الأحيان تعليمات بتوفير الأموال لتركي وعائلته سواء في صورة أموال سائلة أو تحويلات مصرفية لسداد فواتير البطاقات الائتمانية. وقال غاردينر أنه قام بتحويلات مصرفية قيمتها مائة ألف دولار. وأضاف:(لم نكن نسأل عن هذه الأمور. كان يطلب منا دفع الأموال المطلوبة ومن ثم كنا ندفعها). وكان كل ما يطلبه تركي سواء كان شيئا كبيرا أو صغيرا كان يحصل عليه بعد أن تدفع (بي إيه إي) الثمن. وظهر أيضا على شاشة التلفزيون مصدر مطلع آخر يدعى إدوارد كانينجهام الذي أفصح للمرة الأولى عن أنه تلقى تعليمات بتلبية متطلبات المسؤولين السعوديين الأقل مرتبة من أجل تسهيل أعمال الشركة البريطانية.

ووجد كانينجهام نفسه في موقف الوسيط الذي يساعد أولئك المسؤولين على التمتع بحياة الليل في لندن ويدفع عنهم فواتير المقامرة ويرتب لقاءات لطيارين سعوديين كانوا يزورون لندن في إطار صفقة اليمامة مع بائعات هوى. وقال كانينجهام في تصريحاته للبرنامج: (كنت أحضر بعضهن (بائعات الهوى) من المنطقة التي أقطن فيها الأمر الذي كان يسبب لي حرجا شديدا خاصة وأنني رئيس مجلس محلي عمالي). وأوضح كانينجهام أنه كان يقدم لمسؤولين بالسفارة السعودية أطقم مائدة فضية وذهبية قيمة القطعة الواحدة منها تبلغ نحو ألف إسترليني. وقال كانينجهام: (كنت منهمكا (بتلبية طلبات) كل من بالسفارة. كانوا جميعا يريدون أطقما ذهبية وكانوا يعزفون عن تلقي الأطقم الفضية).

لمن الأسلحة وضد من، وأين هو الجيش؟!

إخفاق

كما شرح البرنامج كيف أخفت الشركة البريطانية الجهة التي ستذهب إليها أموال الرشاوى بمساعدة توني وينشيب القائد السابق بالقوات الجوية وصديق الأمير السعودي. وكان وينشيب يستبدل شهريا السجل التفصيلي الذي يوضح كيف أنفقت أموال الرشاوى بفاتورة واحدة تقع في صفحة واحدة.

في آب (اغسطس) عام 1995 على سبيل المثال كان مدونا بالفاتورة ما يلي: (مصاريف خدمات الإعاشة والدعم للزائرين من خارج البلاد). وكان إجمالي التكلفة في الفاتورة قرابة المليون استرليني دون تقديم المزيد من التفاصيل عما أنفقت فيه هذه الأموال. وقال غاردينر أن وينشيب كان يقوم بذلك لأنه (أراد الاحتفاظ بخصوصية وسرية المسألة، كما أنه أراد إبعاد الأعين الثاقبة التي تلتفت إلى مثل هذه الأنواع من التعاملات المالية).

وكشف برنامج المال عن أن ستيف موجفورد الذي كان آنذاك أحد المديرين التنفيذيين الصغار بشركة (بي إيه أي) هو الذي وافق على فواتير الرشاوى هذه. ويحتل موجفورد في الوقت الراهن منصب مدير الشركة ومدير العمليات فيها. وأفاد البرنامج بأن موجفورد وقع في الشهور الأربعة الأخيرة من عام 1995 على فواتير رشاوى تقدر بنحو ثلاثة ملايين إسترليني. كما أن موجفورد هو الذي التقى في عام 1996 بمارتين بروملي، أحد المحققين بالشركة، ليأمره بوقف تحقيق كان يقوم به لمعرفة حقيقة تلك الرشاوى. وقال بروملي في حديث أدلى به لبرنامج المال: (لم أكن أشعر بالارتياح للأمر لأنني شعرت أنهم سيقومون على الأرجح بالتستر على الأمر. يجب أن أقول أنني خرجت من الاجتماع وأنا أشعر بالصدمة).

صدمة

وفي المقابل، رفض موجفورد حضور البرنامج، كما امتنعت شركة الأنظمة الإلكترونية والجوية البريطانية عن حضوره. كما رفض كل من وينشيب والأمير تركي الإجابة على تساؤلات البرنامج. وقالت السفارة السعودية في بيان موجه لبرنامج المال أنها تشعر بالصدمة إزاء سماع تلك المزاعم بشأن الممارسات الفاسدة. وأضافت: (لا تتغاضى الحكومة السعودية أو سفارتها عن أي سلوك مخادع من أي نوع). وكان البرلمان البريطاني قد وافق في شباط (فبراير) عام 2002 على تشديد قانون معاقبة الرشوة والفساد، كما جرم دفع رشاوى لمسؤولي الحكومات الأجنبية. وسيكون من الصعب على شركة الأسلحة البريطانية تجنب الإجابة عن السؤال الذي يطرح نفسه حاليا وهو هل قدموا رشاوى باسم بريطانيا خاصة وأن الحكومة بدأت تحقيقا في الأمر بمساعدة السجلات التي يحتفظ بها بيتر غاردينر. وردا على ما ورد في البرنامج أرسلت الشركة البريطانية لبي بي سي بيانا تقول فيه: (تشعر بي إيه إي بالأسى وتعرب في الوقت ذاته عن دهشتها لقيام برنامج المال الذي تبثه بي بي سي وبعض وسائل الإعلام الأخرى بترديد مزاعم عمرها تسع سنوات وغير صحيحة). وأضافت الشركة في بيانها: (إن الحقيقة هي أن (عقد اليمامة) الذي يعد محورا لتلك المزاعم هو عقد بين الحكومتين السعودية والبريطانية. وتستطيع بي إيه إي أن تعلن أنه لا يوجد ما وصفته وسائل الإعلام بالرشاوى. كما أن الشركة أو أي من العاملين فيها لم يزوروا حسابات الشركة). ومضت الشركة قائلة: (تعمل شركة بي إيه إي في إطار قوانين المملكة المتحدة والدول الأخرى التي تمارس أعمالها فيها).

اليمامة

وقبل اقل من عامين من الان وفي الثاني والعشرين من أيلول ( سبتمبر) 2002 نفت شركة صناعة الطائرات البريطانية (بي ايه أي سيستمز) تقارير صحفية حول عقد مباحثات مع المملكة العربية السعودية لبيع 50 طائرة نفاثة من طراز (تايفون يوروفايتر) للمملكة. وقالت صحيفة الأوبزرفر الأسبوعية البريطانية أن الشركة كانت في مباحثات مع السعودية حول بيع 50 طائرة نفاثة في صفقة تصل قيمتها إلى مليار ونصف المليار دولار على الأقل. وأضافت الصحيفة أن السعودية قد تسدد المبلغ جزئيا بالنفط، على غرار صفقة اليمامة في الثمانينيات حين دفعت نفطا مقابل صفقة السلاح. ولكن الناطق باسم شركة (بي ايه إي سيستمز) قال لبي بي سي أونلاين أنه على الرغم من وجود عدد كبير من الزبائن للطائرة، فإن الشركة لا تجري في الوقت الراهن مباحثات مع السعودية. وكانت (بي ايه إي سيستمز) قد أثارت صدمة كبيرة بين المستثمرين في بداية الشهر عندما أعلنت عن هبوط في أرباحها نصف السنوية بلغ 25 بالمائة. وعزت الشركة الهبوط في الأرباح إلى التأخير الذي وقع في عملية الإنتاج والخسارة التي لحقت بصناعة تشييد البواخر. وقالت أن خططها في استعادة النمو في الأرباح عام 2003 تعتمد على عملية مراجعة النفقات التي ستقوم بها وزارة الدفاع البريطانية. وقالت الأوبزرفر أن الوضع المالي للشركة سيتحسن حين تبدأ بريطانيا في تلقي طلبات لتسليم 232 طائرة من طراز تايفون في نهاية العام الحالي.

أسلحة

قالت مصادر عسكرية باكستانية أن وفدا سعوديا يترأسه الأمير خالد بن سلطان مساعد وزير الدفاع والطيران السعودي للشؤون العسكرية تسلم الدفعة الأولى من طائرات باكستانية من طراز سوبر مشاك إضافة إلى دبابة قتالية متطورة أطلق عليها اسم الخالد لتجربتها في الصيف المقبل.

واوضحت المصادر انه جرت محادثات بين قائد القوات الجوية السعودية الفريق عبد الرحمن الفيصل ورئيس هيئة الأركان الباكستاني استهدفت تعزيز التعاون العسكري بين البلدين كما اتفق الجانبان على إجراء تدريبات عسكرية مشتركة.

وكشفت مصادر مطلعة أن مسؤولين سعوديين اجروا اختبارات على دبابة الخالد في الشتاء الماضي وطلبوا إجراء مزيد من الاختبارات في السعودية الصيف المقبل لبحث مدى ملاءمتها للبيئة الصحراوية السعودية. ونقل عن مسؤول في سلاح الطيران السعودي أن هيئة الطيران الباكستانية سوف تسلم الدفعة الأولى من مجموع عشرين طائرة إلى سلاح الطيران السعودي. وكانت الدولتان قد وقعتا اتفاقية بشأن هذه الطائرات في صيف عام 2002.

وقد يبدو الامر على انه محاولة سعودية لتشجيع الصناعات العسكرية الاسلامية ودعم الاقتصاد الباكستاني لكن الحقيقة غير ذلك فهي في نظر سعوديين ومحللين سياسيين غربيين ليست اكثر من تغيير اسواق فبعدما اغلقت الاسواق الاميركية والبريطانية في وجه الفساد المالي السعودي الذي كان اول من سعى إلى رشوة كل من تعامل منهم او اشترى اسلحة وطائرات وعتاد او ابرم معهم صفقات كبرى اخرى، سعى رموز الفساد في اسرة الحكم السعودي إلى البحث عن اسواق اخرى لا تحرم ولا تمنع التعامل بالعمولات وقد يسهل التعامل معها لتبقى الاسرار اسرارا الى الابد. وتبعا لذلك قام الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز بزيارة رسمية الى باكستان على رأس وفد يضم نحو خمسين شخصا هي الأولى منذ توليه منصبه قبل نحو ست سنوات تلبية لدعوة من رئيس هيئة الأركان الباكستاني.

وتولى الأمير خالد قيادة القوات العربية أثناء حرب تحرير الكويت قبل أن يعفيه العاهل السعودي من منصبه كقائد لقوات الدفاع الجوي. وأكد مساعد وزير الدفاع السعودي في إسلام آباد على الحاجة لعقد ندوات من قبل القوات المسلحة لكلا البلدين من اجل الفائدة المشتركة.

وأكدت مصادر باكستانية أن إسلام آباد عرضت على الرياض إقامة مشروعات مشتركة لإنتاج الأسلحة والذخائر والعربات القتالية المدرعة وصواريخ انزا ودبابات الخالد. وقالت أن محادثات بين الجانبين سوف تعقد مطلع العام المقبل لاستكمال البحث في سبل تعزيز تعاون البلدين على الصعيد العسكري.

وتزامنت زيارة الوفد السعودي مع نجاح باكستان في إطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى من طراز غوري والذي يمكن أن يحمل رؤوسا نووية وتقليدية لمسافة 1500 كيلومتر. وأفاد إعلان حكومي صدر بعد التجربة أن الصاروخ أصاب هدفه بنجاح بعد أن استوفى جميع المقاييس الفنية. وتم تطوير الصاروخ غوري في معامل كاهوت للبحوث وأجريت أول تجربة لإطلاقه في عام 1998.

الصفحة السابقة