ما هو الثمن الذي قبضه بوش مقابل سجن الإصلاحيين في المملكة؟

هل تصرف نايف من تلقاء نفسه أم كان يمثل قرار العائلة المالكة المركزي؟

بعد بضعة أيام من عودة ولي العهد السعودي من زيارة واشنطن التي قيل أنها رممت الشروخ في العلاقات السعودية الأميركية التي أحدثتها تفجيرات 11/9، أعلن عن الأحكام الظالمة بحق الناشطين الإصلاحيين في البلاد. الأمر الذي دفع المراقبين الى الربط بين الحكم وبين نتائج لقاء ولي العهد بالرئيس الأميركي بوش، خاصة وأن جلسة النطق بالحكم تمّ تأجيلها الى ما بعد زيارة ولي العهد، وهي الجلسة التي كانت مقررة في اليوم الأول لوصوله الى واشنطن.

القائلون بهذا الرأي يتساءلون عن التنازلات التي قدمها ولي العهد السعودي للإدارة الأميركية في سبيل نيل رضاها، بحيث تخفف من ضغوطها من أجل الاصلاحات الفورية لتقسمها على عشرين عاماً!، اي الى أمد غير محدود. ماذا قدم ولي العهد الى واشنطن اقتصادياً؟ هل المزيد من انتاج النفط للسيطرة على الأسعار؟ هل عقدت صفقات تسلح تحت الطاولة؟ هل تم الإتفاق على بيع أميركا نفطاً رخيصاً بنسبة تقل 20% عن السعر المعروض في السوق كما يشاع؟!

وماذا عن التنازلات السياسية؟ هل في الأجندة السعودية غير ما قدمته من وعود أتبعته بالعمل على زعزعة أركان الحكم في سورياً والى حدّ ما في مصر؟ هل وعد السعوديون حلفاءهم الأميركيين بضبط عناصر السلفية التكفيرية من الذهاب الى العراق من أجل (الجهاد!)؟ هل صحيح أن ولي العهد وعد الأميركيين بالعمل سويّاً على مواصلة سياسة الحصار والإحتواء للسودان؟ وعلى تصليب جبهة خليجية ضد المشروع النووي السلمي الإيراني، متوازياً مع الضغوط الأميركية والأوروبية؟

إن ملامح ما قامت به الحكومة السعودية بعيد عودة ولي العهد من زيارته لواشنطن يشير الى أن السعوديين وقد أغلقوا فم بوش وحاشيته وشركاته بالكثير من المال، وقاموا ببعض التحريض الإعلامي المعادي بصورة مفتعلة لحليف الأمس السوري، صاروا مطلقي الأيدي فأعلنوا أحكاماً متشددة ضدّ دعاة الإصلاح، الذين اتهمتهم العائلة المالكة بأنهم يعملون بأجندة أميركية، بالرغم من أن المعتقلين الثلاثة يتبنون ايديولوجيات شديدة العداء لواشنطن (دينية وقومية)، وبالرغم من أن أحداً لا يستطيع أن يزايد على عمالة آل سعود في ماضيهم وحاضرهم، للإنجليز أولاً وللأميركان ثانياً!

أراد آل سعود من الأحكام المشددة إرسال رسالة الى الداخل السعودي المطالب بالإصلاح، بأن من يطالب بالتغيير السلمي قولاً وكتابة مصيره قاتم، وأن الحكومة السعودية تستطيع أن تأخذ القرار الذي تريد ضاربة عرض الحائط نقد المؤسسات الحقوقية الدولية، بل وبعض الحكومات الغربية!

كان البعض يتوقع أن يطلب بوش وإدارته من ولي العهد إطلاق سراح المعتقلين الإصلاحيين، تناغماً على الأقل مع الشعارات العريضة وما يقال عن استراتيجية نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط.. ومن هنا جاء التوقع بإطلاق سراح المعتقلين قريباً بمجرد عودة ولي العهد من واشنطن؛ خاصة وأن أكبر منظمة حقوقية في الولايات المتحدة (هيومان رايتس ووتش) طالبت الإدارة الأميركية بأن تضغط على ولي العهد في رسالة موجهة الى الرئيس الأميركي مباشرة نشرت على الملأ.

غير أن هناك احتمال قد يكون له نصيب من الصحة. فالتحليل الآخر يقول بأن ولي العهد وعد الرئيس الأميركي بتحسين سجل ال سعود في مجال حقوق الإنسان، وبتسريع عملية التحول الديمقراطي!، لكن مركز القرار الأمني ليس بيد ولي العهد ولا وزير الدفاع، وإنما بيد الأمير نايف وزير الداخلية الذي يعد الملك غير المتوج، ويحتمل أن يكون نايف قد اتخذ القرار بتفاصيل الحكم دون موافقة ولي العهد، أو كتكتيك ـ وهذا ما يؤمله بعض الحالمين فيما يبدو ـ بحيث يقوم الملك او ولي العهد بتخفيض الحكم أو إلغائه فيما بعد. ولكن الذي يتضح الآن، بأن ولي العهد ووزير الدفاع لم يتدخلا بشكل إيجابي، وهما لن يفعلا ذلك إلا إذا اكتشفا أن قرار الحكم سيكون شديد الضرر على العائلة في المستقبل، أي إذا تحولت قضية المعتقلين الإصلاحيين الى قضية كبيرة تتواصل ضد آل سعود.. وهذا متوقع؛ لأن هؤلاء لن يُنسوا في السجون، وسيبقون لسنين طويلة سبة عار في تاريخ الدولة السعودية الحديثة وفي وجه القضاء السعودي الظالم.

هذا التحليل يفترض تبرئة الأميركيين من التواطؤ مع آل سعود في إبقاء الإصلاحيين في السجن، أو الحكم عليهم بالشكل المتعسّف الذي ظهر، وهذا الإفتراض قد يتعزز الى حد ما بالموقف الأميركي من الحكم حين صدوره، فقد أبدت اميركا على لسان الناطق باسم الخارجية ريتشارد باوتشر انزعاجها وضيقها من الأحكام الصرامة بحق النشطاء السياسيين الثلاثة، جاء ذلك بعد ثلاثة ايام من صدور الأحكام.. وقال باوتشر بأن مجريات القضية جاءت عكس الآمال بتوسيع الحقوق الديمقراطية واحترام حكم القانون. وأضاف : (نحن حقاً منزعجين من النتائج... نحن نرى بأن اعتقال أولئك الذين قدموا عرائص سلمية من أجل تغييرات سياسية لا يتواءم مع خطوات الإصلاح الأخيرة في العربية السعودية). وانتقد باوتشر طريقة المحاكمة وكيف انها تطرح تساؤلات حول تطبيق حكم القانون في المملكة، وتابع بأن حكومته تأخذ موضوع انتهاك حقوق الإنسان بجدية، وأن القضية ستناقش مع السعوديين. مع هذا فإن الإعتقاد السائد يقول بأن إدارة بوش ليست مهتمة في الوقت الحالي بتصعيد الوضع مع السعوديين، وقد اتهمت دائماً بأنها متساهلة معهم، كونهم مندمجين مع الخطط الأميركية لمكافحة الإرهاب وكون بلادهم فاعلاً في سوق النفط.

وفي كل الأحوال يبدو أن الأحكام القاسية التي أصدرها نايف بإسم القضاء السعودي المهلهل، والتي أثارت اشمئزازاً في الشارع السعودي حتى السلفي الوهابي منه، هذه الأحكام يصعب التراجع عنها نهائياً، خاصة في الظروف الحالية حيث تنازع الصلاحيات وحدة الإستقطابات في العائلة المالكة، وحيث الملك فهد لازال في المستشفى يتنفس عبر الأجهزة الطبية. إن التراجع عن تلك الأحكام كلياً قد يفسر بالضغوط الداخلية او الخارجية او بهما معاً، ونايف وإخوته ليسوا على استعداد لذلك؛ وقد يخفف الحكم لسنوات أقل في مرحلة التمييز، أما إطلاق السراح الكامل، فكما قال أحد المشايخ فسيكون بعد أن يتوفى الملك فهد! فتكون حينها مكرمة للملك الخيخة الجديد!

الصفحة السابقة